نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية في بيروت بالتعاون مع وكالة الانباء القرآنية الدولية (إکنا) ندوتها الفكرية الثالثة ضمن سلسلة «جدليات كورونية عبر الفضاء الافتراضي»، تحت عنوان “كورونا: جدليات الخلاص”، مقاربة فكرية حول مفهوم النجاة والانتظار بعد التأثيرات والتداعيات التي ولدتها جائحة كورونا على الانسان والمجتمع.
وأقيمت الندوة عبر تطبيق Zoom Cloud Meeting الذي يمكن تحميله عبر الهواتف والأجهزة اللوحية والكومبيوترات.
افننح الندوة المستشار الثقافي الايراني في بيروت الدكتور عباس خامه يار متوجها بالشكر للمشاركين في اللقاء، ومشددا على ان الندوة ستحاول تقديم مقاربة فكرية أولية حول مفهوم النجاة والإنتظار بعد التأثيرات والتداعيات التي ولدتها جائحة كورونا على الإنسان والمجتمع، فالانتظار مفهومٌ قديم لطالما صاحب فكرة العدالة المؤجل تحقيقُها بفعل الشر الموجود في الجماعة وفي الفرد، لكنها لا بد أن تتحقق وإن يكن في عالمٍ آخر. هي فكرة الخلاص التي تتجسد في الديانة المسيحية وشخصية المسيح المخلص عندها، وثقافة انتظار القائم في الإسلام، الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
اضاف خامه يار “للانتظار إذن فلسفةٌ لم تنفك تصاحب التفكير البشري منذ عهد الفلسفة الهيلينية واليونانية وحتى الحداثة وان الكون لطالما كان في تصور الفلاسفة مدينةً ينتصر فيها الخير بحكم الأخلاق او العقل العملي كما يعبّر “كانت، ونحن في جدلية الخلاص من مخلفات الكورونا، نرى فلسفة الانتظار والتدبير تطفو على سطح التفكير الانساني الراهن، انتظار الخلاص السماوي من هذه الازمة والتدبر والتدبير للخروج من هذه الحقبة الوبائية بأقل الخسائر الممكنة، سواءً على صعيد الاقتصاد او المعنوية”
وختم كلامه بالقول ” ان الإيمان هو العامل المجهول خلف ستارة الانتظار، إذ لا ينتظر النجاة إلا من آمن بوجود المنجي، أكان مخلصاً او إماماً، أو إلهاً واحداً أحداً.. وفي ذلك كُنهُ التسليم والتوحيد واليقين.
من جهته تحدث الباحث الإسلامي والعضو في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في إیران من مدينة قم الشیخ “محمد سعید النعمانی” فاعتبر أن هناك ضحایا لجائحة الکورونا بمئات الآلاف ونری سقوط الضحایا لم یتوقف فی أمریکا وإسبانیا وکافة أوروبا.
وإستطرد الشيخ النعماني قائلاً: البشریة قد مرت طوال تأریخها بکوارث عدیدة وکان لهذه الأحداث آثار سلبیة وأخری إیجابیة بحیث الی أن الإنسان یلتفت الی نفسه ویری کیف یقف ضعیفاً عاجراً أمام فیروس صغیر جدا، وان فیروس کورونا المستجد أخذ الکثیر من الضحایا ولکنه فی نفس الوقت له إیجابیات منها أننا وجدنا ان الکثیر أصبح یهتم بالدعاء ووجدنا أن بعض الدول أصبحت تسمح ببث الأذان بعد أن کانت تمانع من ذلك لأنها وجدت فیه جرعة من الإیمان تساهم في الخلاص من الجائحة، وأکد الشيخ أن السؤال هو کیف یمکن أن نستفید من الجائحة؟ وأجاب قائلاً: إن الدعاء والتوجه الی الله المنقذ الأول والأخیر هما في فطرة الإنسان التی فطر الناس علیها وقد إتخذهما الإنسان سبیلاً لمواجهة الکورونا.
وختم الشيخ النعماني كلامه بالقول ان کورونا فرضت علی الناس الجلوس فی البیوت وأن ذلك أدی الی عنف أسری مطالباً العلماء والمصلحین بالإهتمام بظهور هکذا ظواهر.
بعدها تحدث مطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس “مار ثيوفيلوس جورج صليبا” فأكد على “ان فیروس کورونا أظهر ضعف البشر وإننا أمام هذا الداء الکبیر أمام کورونا نری أفضل شئ هو اللجوء الی الله، وشرح المطران” الرؤیة المسیحیة حول جائحة “کورونا؛ مشيرا الى ان ما نتکلم عنه هذه الأیام هو الداء الخبیث الذي شل البشریة من أقصیها إلی أقصیها والإنسان هو جنس بشری خلقه الله ومتعه الله بکل الصفات
وأوضح أن کورونا أظهرت الضعف البشری ومحدودیة الإنسان ولکن الله یوجد من المحنة خلاصاً هکذا نحن نعلم في دیننا وفي أخلاقیاتنا وفی رسالتنا الدینیة المسیحیة ونحن أبناء دین سماوي نلتقی علی عبادة الله الذي خلق لنا کل ما یری وما لایری.
وأختم صليبا كلامه قائلا ” نحن عندما نمر بالتجارب نفکر في الله ونحن في راحتنا وحیاتنا نهمل أو نتکاسل في ذکر إسم الله وطلب رحمته ونعمته ومحبته علینا, اننا الآن أمام هذا الداء الکبیر أمام کورونا نری أفضل شئ هو اللجوء الی الله.
بدوره، تحدث مؤسس ومدير المركز العلمي للدراسات والأبحاث القرآنية في لبنان “الشيخ الدكتور أحمد محمد قيس” عن “القلق الانساني المعاصر وأسئلة العودة الى الفطرة الدينية” مؤكداً على ان على الانسان ان يتعرّف على كيفية تعاطيه مع الإبتلاءات والأزمات كمدخل أوّلي حتى يستطيع أن يتعرّف على ما يجب علينا فعله في أزمتنا الحالية وغيرها.
اضاف الشيخ قيس “بحسب الإستقراء لتاريخ الإنسانية الديني وغيره نجد أنها قد تعرّضت الى الكثير من الإبتلاءات وبأشكال متعددة ومتغايرة إلاّ أن النتيجة لشكل التعاطي الإنساني معها يبدو الى حدٍ ما واحداً لا سيّما في مرحلة العجز النهائي وخاصة لجهة المضمون أو الإعتبار الغيبي، وإذا ما أردنا أخذ بعض الأمثلة القرآنية على ذلك وفق تلك المنهجية التي أوردها المولى عزّ وجلّ في كتابه العزيز نجد أن الإبتلاء ظهر بأشكال وأنواع متعددة: منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي ومنها ما هو خاص ومنها ما هو عام ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو مستقبلي ومنها ما هو ردعي وتأديبي ،ومنها ما هو عقوبة وغضب .
وبعد ان استعرض الشيخ قيس عددا من الشواهد القرآنية التي تُظهر كيفية تعاطى الناس مع هذه الإبتلاءات بأنواعها المتعددة قال :وبناءً على كل ذلك نجد أن القاسم المشترك لدى هؤلاء كافة كان هو الدعاء للغيب والتوسل بتلك القدرة مع اختلاف موقع الداعي بين مؤمن به أو غير ذلك، وعليه يكون المنهج البشري قد اعتمد على الدعاء للغيب عند فقده للحلول المادية كما مرّ معنا سابقاً.
وسأل في حديثه :أمّا في أزمتنا الحالية المتشعبة بين (وبائية صحية) و (مالية إقتصادية) وتحديات عسكرية وأمنية وثقافية وغير ذلك فكيف لنا مواجهة كل ذلك وبأي منهج؟
وختم: لا بدّ من القول بأنّه من حق الناس أن يخافوا وأن يرتعبوا وأن يتساءلوا وهذه كلها أحاسيس ومشاعر طبيعية، وخلاف ذلك إدّعاء فارغ، وبناءً على ما تقدم ، أي من خلال الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتوجه بالدعاء إليه في السّراء والضرّاء، والأخذ بالأسباب التي سببها الباري عزّ وجلّ نصل الى شاطئ النجاة. ولكن تبقى معنا مسألة نحتاجها في رحلة النجاة هذه إن أحسنّا العمل معها وصلنا بأمن وأمان وسلام وإن لم نحسن التعامل معها زاد الهم والبلاء.
بعد ذلك تحدث الشيخ تاج الدين الهلالي المفتي السابق في استراليا ونيوزلند فقال : نحن والعالم كله مقبلون على متغيرات جذرية، وهذه التغيرات ان لم يكن لنا دور فيها ستؤول الامور ضدنا. ان من الثمار الايجابية التي اثمرتها الغزوة الكورونية عن طريق دكتاتور العدالة الكونية (كورونا) هي اغلاق مساجد المسلمين (وهذا ما يحزننا كثيرا)، وذلك من اجل ان تعيد حساباتها وتجدد خطاباتها وتصلح سماعاتها وتنهض بتبعاتها وبرمجة مشايخها ودعاتها، لابد علينا كمسلمين ان نجعل من هذه المساجد في الايام القادمة خصوصا في بلاد الغرب، لابد ان يكون عندي خطاب ديني في البلاد المهجرية ، وخطاب ديني جديد على الساحة الاسلامية حيث ان هناك قاذفات صواريخ في الفتنة المذهبية ، بعض المساجد كانت وسيلة تخريبية وليس كلها.
واضاف الشيخ الهلالي ” ان علينا نعيد حساباتنا في المساجد ولابد ان نحمل مفهوما عاما للاسلام، ولابد ان نعمق الفهم الكامل لمعنى كلمة الاسلام، الاسلام بين العبد وربه، الاسلام بين العبد ونفسه، الاسلام بين العبد واخيه الانسان، الاسلام بين العبد وسائر الاجناس التي تشاركه الوجود، كله متغير ، فيها رب وليس ترامب ، ولايقع في ملكه الا ما اراد. وختم كلامه بالقول نحن نطالب اخواننا الدعاة الى الاسلام ، ان نعيد حساباتنا وان نبرمج افكارنا ونعيد نظرة مستقبلية كيف نعرض بضاعتنا على المستوى العالمي والداخلي والخارجي.
ثم كانت مداخلات لعدد من المشاركين، ومن بينها مداخلة للمفکر المسیحی الدكتور أنطوان بارا من الكويت والذي اعتبر ان علينا أخذ عبرة من هذا الوباء، وانه اخترق ابعاد صحية وفقهية وعقلية واخلاقية وسياسية واقتصادية ، كلنا لمسناها وعايشناها، وان هذا الوباء علّم الناس كيف يبتعدون عن السرف في الانفاق ومضارّه واحترام نعمة الله سبحانه وتعالى وعلمنا كيف نحافظ عليها.
اضاف بارا “الزعماء المتجبرون ايقنوا بانه لامحيص لهم من الاصابة في هذا الوباء ، واخرهم رئيس وزراء بريطانيا اصيب بهذا الفيروس، حيث التجأوا الى سياسة القطيع، ترك الناس تختلط بعضها ببعض فمن يموت يموت ومن…..”.
من جهتها الدكتورة ليلى شمس الدين من لبنان تساءلت، هل هي نعمة ام نقمة، اقول أن وضعنا اليوم في العالم ككل وضع المترّقب الذي يجب عليه ان يحوّل هذه الازمة الى فرصة، اضافت”: دون شك أن ازمة كورونا هي ازمة نعمة لن ادخل في التحديات والتفاصيل التي تفضّل بها الاساتذة الافاضل قبلي، لكن اريد ان اقول: نحن ربما نكون عاملون في هذا العالم كمثقفون او كـ … ..الخ، كل هذه التوصيفات التي من المفترض ان يكون لنا دور فيها، ليس فقط دور المتلَقي او دور المراقب، انما دور العامل الفاعل، اقولها من المنطلق الايماني وهو بدوره لاينفصل عن المنطلق الديني – الانساني,وفي هذا الوقت الذي نحن موجودون فيه يعتبر فرصة للبشرية جمعاء. اننا اصحاب ديانة ، دين سماوي هو لخير البشرية.
ثم كانت مداخلة للاعلامي اللبناني ناجي امهز الذي اعتبر هناك تناغم في قضية كورونا ، وهناك وحدة بين الاديان صبحت متكاملة في ظل هذه الازمة التي تعصف العالم . وكحكم عملي في الاعلام ومجال الكمبيوتر، اود الاختصار واقول : اكثرشئ يشدني في هذه الفلسفة هي مقولة الامام علي “ع” يقول: ( نعمتان مجهولتان الصحة والامان) . اليوم العالم كله يعيش هذه الازمة ، ازمة فقد الصحة ، لذلك كل هذه الدراسات الموجودة على المستوى العالمي ان كانت طبية او فلسفية او استتراتيجبة او اقتصادية او حتى اجتماعية تدور في هذا المجال.
واضاف امهز “أعتقد ان هذه المنظومة الراسخة في الوجدان الانساني وحتى السماوي هو ما قاله الامام علي”ع” : نعمتان مجهولتان الصحة والامان، لذلك اتمنى ان نذكر في اي حلقة نتحاور حول هذا المصطلح”.
بعدها كانت تعقيبات وتوصيات من عدد من المشاركين في الندوة التي ادارها استاذ علم الكلام والفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور خضر نبها .
الجدير ذكره ان الندوة الرابعة ستقام الجمعة المقبل في 8 ايار الثالثة بتوقيت بيروت تحت عنوان كورونا :جدليات القرية الكونية والقرية الآمنة .
المصدر: موقع المنار