نشرت السفارة السعودية في واشنطن منذ أيام مقترحاً للتسوية في اليمن، يتضمن أربعة بنود:
– تشكيل حكومة وحدة وطنية.
– الانسحاب الفوري للجيش واللجان الشعبية اليمنية المُناهضة للتدخُّل السعودي، من صنعاء والمدن الحيوية، ونقل الاسلحة الثقيلة والصواريخ من أنصار الله وحلفائهم إلى طرف ثالث.
– إحترام حكومة الوحدة الوطنية في اليمن أمن وسلامة وحرمة الحدود الدولية.
– إلتزام الحكومة العتيدة بحظر نشر أية أسلحة تهدد جيران اليمن.
المُقترح السعودي جاء نُسخة طبق الأصل عن مُبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لحل الأزمة اليمنية، لكن السعوديين أضافوا على مبادرة كيري حظر نشر أية اسلحة تهددهم، بعد أن انتقلت الحرب على اليمن الى جنوب السعودية خاصة في مناطق نجران وجيزان وعسير.
ما يُلفِت في المقترح السعودي، أنه عُمِّم من السفارة السعودية في واشنطن، والأمر يدخُل ربما، ضمن استعدادات المملكة للترشُّح مرة ثانية لرئاسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في جلسة التصويت المقررة في الثالث عشر من أيلول / سبتمبر الجاري، هذه الرئاسىة، التي حظِيَت بها السعودية في العام الماضي بأساليب مشبوهة وملتوية، أسوةً بفوز إسرائيل برئاسة لجنة الشؤون القانونية للجمعية العمومية بعد حصول سفيرها “داني دانون” على 109 أصوات من أصل 193، وتم التصويت له بالاقتراع السرِّي بناء على طلب من دول عربية، ويبقى اليمن المظلوم نموذج القاسم المشترك الحالي بين السعودية وإسرائيل، في وجوب تحريم إئتمان الأولى على حقوق الإنسان، وهي التي قتلت وهجَّرت وجوَّعت ملايين اليمنيين، وإئتمان الثانية على القانون الدولي، وهي التي لم يتورَّع وزير دفاعها عن الإعتراف بأن كيانه الغاصب يُساهم مع السعودية في قصف اليمن سرَّاً كي لا يُحرِج السعودية عربياً!
ومع غياب المعايير الأخلاقية ومواثيق حقوق الإنسان عن أروقة الأمم المتحدة، تغيب بعض الأرقام، حيث لا أهمية لعشرات مليارات الدولارات التي بذَرتها السعودية لشراء الأسلحة الأميركية والفرنسية والبريطانية، والتي جعلت منها المستورد الأول في العالم للأسلحة عام 2015، ولا أحد يُسائل المملكة المؤتمنة على حقوق الإنسان الأُمميَّة، أين تُستهلك هذه الأسلحة، لأن أميركا هي المورِّد الأول لها، وكل الأسلحة والأعتدة والتجهيزات اللوجستية والمواد التموينية لميادين القتال في سوريا والعراق واليمن، أميركية واردة من السعودية!
الأرقام تبرُز فقط وتفعل فعلها، في تقييم حجم السعودية دولياً، من خلال الإستثمارات والودائع في المصارف والمؤسسات الأميركية والأوروبية، والإتفاقات التجارية التي ينسجها ولي ولي العهد محمد بن سلمان بشكلٍ خاص، والتي كان آخرها منذ يومين مع الصين، واستحقاق الثالث عشر من أيلول / سبتمبر، موعد “تجديد البيعة” للسعودية على رأس مجلس حقوق الإنسان، محكومٌ أيضاً بمرحلة سياسة “البطَّة العرجاء” التي دخلتها أميركا خلال الفترة الباقية من حُكم أوباما، و”البطة العرجاء” الثانية المتمثِّلة بما تبقى من ولاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، و”البطة العرجاء” الثالثة المتمثِّلة بما تبقى من عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المَدِين الدائم للمال السعودي، ويُضاف الى ذلك الحاجة البريطانية للإستثمارات والودائع السعودية لمواجهة سلبيات انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
لا تعويل على حكومات غربية أو عربية مُرتهنة للريال السعودي المُلَوَّث بالدمّ، وسبق لرئيس بلدية نيويورك السابق “رودي جولياني” وجاهر بالإعلان، أن المملكة العربية السعودية متورطة في هجمات 11/9، وأن أميراً سعودياً عرض عليه مبلغ 10 ملايين دولار أمريكي للتغاضي عن الحادثة، وإلقاء اللوم على الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، وأنّه مزق الشيك الذي عرضه عليه الأمير السعودي، قائلاً: “إذهب أنت وأموالك إلى الجحيم”، وما زالت أميركا تلعق دماء الأبرياء عن حدّ السيف الوهَّابي وستبقى تلعق، ومعها الغرب وبعض أنظمة العرب، طالما أن الأزمة الإقتصادية العالمية عام 2008 وضعت معظم الدول الكبرى الفاعلة في الأمم المتحدة تحت رحمة سيف العَوَز، وأجهز ربيع الإنتحار العربي على الدول العربية ككيانات سياسية قادرة على مواجهة إغراءات الريال السعودي.
إستفاقة بريطانية متأخرة، كشفتها صحيفة “الإندبندنت”، وذكر فيها مُعِدُّ التقرير “جوي واتس”، أن سياسيين وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وناشطين بريطانيين، طالبوا رئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماي” بعدم التصويت لاستمرار السعودية في رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في 13 أيلول / سبتمبر الجاري.
وبحسب “اندبندنت”، قال “جوي واتس”: إن هذه الدعوات جاءت، بعد عامٍ شهدت فيه الرياض تراجعا في سجل حقوق الإنسان، وعمليات إعدام جماعية، واعتقالات للناشطين، وحملات قصف جوي على اليمن، مشيراً إلى أن هذه الدعوات تزامنت مع “اليوم العالمي للعمل الإنساني”، وأضاف، أن الحكومة البريطانية ومسؤوليها لم يعبروا عن موقف واضح من التصويت على بقاء السعودية في رئاسة المجلس، رغم الممارسات والانتهاكات التي ارتكبتها خاصة في اليمن، لافتاً إلى أن منتَقدِي السعودية قالوا إن التصويت المزمع عقده في 13 أيلول/ سبتمبر، يُعَدُّ فرصة ذهبية لحكومة “تيريزا ماي” الجديدة لإظهار التزامها بقيم حقوق الإنسان.
بالتزامن مع “الإندبندنت”، و في تحقيقٍ من 15 صفحة، بحثت صحيفة “نيويورك تايمز” في جذور “العقيدة السعودية الوهابية”، وذكرت أن المملكة العربية السعودية التي تلعب اليوم دور المكافح للإرهاب، هي من أشعل حرائقه، وأنه من الصعب إحداث إصلاحات في هذه العقيدة، التي قامت على مصالح عائلة لجأ إليها محمد بن عبد الوهاب ولجأت هي إليه، وأقيم عام 1744 تحالف ذو مصالح متبادلة: حصل محمد بن عبد الوهاب على الحماية العسكرية لحركته، فيما حصلت العائلة السعودية على التبنِّي من قِبَل أحد رجال الدين الأكثر تزمّتاً، ومَنَحت المؤسسة الدينية المحافِظة على ميزانية مسرفة لتصدير نزعتها الإسلامية المتشددة.
الخلاصة، إن نزع “القناع الإنساني” عن نظامٍ عائلي يحكم شعبه بالسيف والزَيف، ويشتري بعض الشعوب بأموال نفط “نجد والحجاز”، لن يكون من صالح أنظمة وحكومات دولية وعربية لها مصلحة في تبادل المصالح حتى مع الشياطين، بل التعويل على المنظمات الإنسانية التي وثَّقت الجرائم والإنتهاكات من سوريا الى العراق الى اليمن، وعلى الحركات الشعبية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وعلى الإعلام المُتحرِّر من ضغوط المال، لتعود حقوق الإنسان الى أحضان دولة تؤمن بها وتطبِّقها قولاً وفعلاً، وتسحب السيف عن أعناق الأحياء وعن أرواح شهداء أُزهقت ظلماً، لتعود لحقوق الإنسان معانيها وللأمم المتحدة البعض من هيبتها…
المصدر: موقع المنار