“من هم أهل السنة والجماعة؟” سؤال استحق طرحه بعد تنامي الإرهاب الذي تلطى تحت عباءة الإسلام، وتحديداً بعباءة “أهل السنة والجماعة”.
بهدف التعريف بهوية “أهل السنة والجماعة”، حشد المؤتمر الذي افتتحه شيخ الأزهر أحمد الطيب واستضافته العاصمة الشيشانية غروزني، كبار علماء ومفكري العالم الإسلامي من مصر وسورية والأردن والسودان وأوروبا، بينهم: مفتي مصر الشيخ شوقي علّام، ومستشار الرئيس المصري ووكيل اللجنة الدينية بالبرلمان المصري الشيخ أسامة الزهري ومفتي مصر السابق الشيخ علي جمعة، إضافة إلى مفتي دمشق الشيخ عبدالفتاح البزم والداعية اليمني علي الجفري، كما حضر المؤتمر المفكر الإسلامي عدنان إبراهيم…
أهل السنة والجماعة هم “الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكيةً”، هذا ما خلص إليه البيان الختامي للمؤتمر الذي استضافته الشيشان التي عرفت الإسلام قبل ألف عام، وتحوي على أحد أكبر مساجد أوروبا.
أخرج المؤتمر الوهابية السلفية من دائرة مذهب أهل السنة والجماعة، في موقف لم يكن جديداً على المستوى الديني، إلا أن الجهر به كان مقتصراً على الحلقات الدينية، لأسباب سياسية ومادية في غالبها.
المشاركون في المؤتمر وصفوه بأنه “نقطة تحول هامة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذي طال مفهوم “أهل السنة والجماعة” إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقصره على أنفسهم وإخراج أهله منه”، في إشارة واضحة إلى الجماعات التكفيرية الوهابية المذهب السعودية الدعم.
ومن ضمن التوصيات التي خرج بها المشاركون: “إنشاء قناة تلفزيونية على مستوى روسيا الاتحادية لتوصيل صورة الإعلام الصحيحة للمواطنين ومحاربة التطرف والإرهاب”، و”إنشاء مركز علمي بجمهورية الشيشان لرصد ودراسة الفرق المعاصرة ومفاهيمها وتشكيل قاعدة بيانات موثقة تساعد على التفنيد والنقد العلمي للفكر المتطرف واقترح المتجمعون أن يحمل هذا المركز اسم “تبصير”.
وتوقف المؤتمر عند ضرورة “عودة مدارس العلم الكبرى”، كما حدد المؤسسات الدينية السنية العريقة بأنها الأزهر الشريف والقرويين والزيتونة وحضرموت، مستثنين بشكل واضح المؤسسات الدينية السعودية، على رأسها الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
لم تقتصر التوصيات على ذلك، ليأتي من ضمنها إنشاء قناة تلفزيونية للعمل على “توصيل صورة الإسلام الصحيحة”، كما أوصت “مؤسسات أهل السنة الكبرى – الأزهر ونحوه-بتقديم المنح الدراسية للراغبين في دراسة العلوم الشرعية”، وهي السياسات التي انتهجتها السعودية لإطلاق العنان للتكفير عبر القنوات المدعومة من قبلها كقناتي صفا ووصال، أو حتى من خلال استقدام الطلاب من العالم الإسلامي وتخريجهم كدعاة وهابيين بعد تقديم المنح والمساعدات المادية السخية لإغرائهم.
الوهابية السعودية
لم يكن المؤتمر بحاجة إلى زوبعة إعلامية من قبل دعاة المملكة السعودية، لتبيان أن الهدف هو إعلان براءة “أهل السنة والجماعة” من الإنحرافات التي أدخلتها الوهابية بلبوسها الديني، والتي تمثلها المملكة السعودية بمشروعها السياسي.
“الدم بالدم والهدم بالهدم” كان الركيزة الأساس لتحالف محمد بن عبدالوهاب مع محمد بن سعود عام 1745 م، لا انفصام بين الوهابية الدينية والسعودية السياسية، لن تقوم الأولى بلا الثانية وليس مقدراً للثانية ان تستمر بلا الأولى، هذا ما تعهد به المحمدان، وهذا ما يبرر حمام الدم المفتوح منذ نشأة التحالف أو ما عُرف بـ “ميثاق الدرعية”الذي قاد إلى الدولة السعودية الأولى، والثانية، ووريثتهما الدولة السعودية الثالثة التي أسسها عبدالعزيز ابن سعود.
منذ العام 1932 (إعلان قيام المملكة السعودية بعد السيطرة على كامل أراضي نجد والحجاز)، كان العالم الإسلامي مفتوحاً أمام التمدد الوهابي-السعودي، استخدمت المملكة السعودية “الوهابية” كسلاح لتعزيز نفوذها في العالم الإسلامي الذي أخرجت أهاليه من دائرة الإسلام ما عدا من قال بما جاء به ابن عبدالوهاب. المنطق الديني الهش لم يكن وحده سلاح المملكة، بل دعمته أموال النفط التي أُنفقت على تحويل أبناء المسلمين إلى الوهابية، عن طريق المدارس الدينية أو المساجد التي أنشأتها المملكة حول العالم.
الصراعات السياسية شغلت دول العالم الإسلامي عن التغلغل الديني الناعم للوهابية في هذه الدول، ما سمح لاحقاً بنشأة الجماعات المتطرفة التي استخدمتها السعودية سياسياً، ووجدت نفسها في مواجهتها بعد أن فرّخت جماعات استفحلت في التطرف، وتفوقت على المملكة بإطلاق العنان للتكفير.
مؤخراً، طرق إرهاب التكفير أبواب أوروبا بعد أن استهدف الدول الإسلامية، الشيشان الأوروبية-الإسلامية استشعرت خطر تكفير يوظف أبناء المسلمين لقتل أبناء المسلمين. وعلى المستوى العالمي بدأ الحديث عن آليات مواجهة التكفير، حتى في داخل السعودية التي لاتزال ترعاه فكرياً ومادياً. وفي هذا السياق العالمي العام أتى مؤتمر الشيشان، إلا أن الجديد في المؤتمر كان الموقف الحازم المُعلن تلميحاً في تحميل الوهابية-السعودية مسؤولية التكفير والتشدد.
حملة سعودية
يوم السبت 27 آب/أغسطس انتهت فعاليات المؤتمر الذي استمر لأيام ثلاث، لتنطلق حملة إعلامية شعواء رعتها المؤسستين الدينية والسياسية في السعودية. فغرد الكاتب في صحيفة “الجزيرة” السعودية محمد آل الشيخ: “اختلف مع المتطرفين الغلاة و نالني منهم الكثير لكن اذا تعلق الامر بتقزيم الوطن وتهميشه سأتحول الى اكبر متشدد؛ فالوطن قضية موت وحياة في معاييري”.
وفي سياسة التمنين بالمال السعودي كتب الأكاديمي محمد عبدالله العزام: “مفتي مصر السابق علي جمعة تتلمذ على الشيخ حمود التويجري رحمه الله وأكرمه علماء السعودية وشبع من علمهم وموائدهم… مكافأة شيخ الأزهر للسعودية على مشاريعها الضخمة في الأزهر التحالف مع بوتين لطردها من العالم الإسلامي.. تحتاج لطبيب نفسي.”
فيما وصف المشرف على مؤسسة الدرر السنية الداعية علوي السقاف بيان مؤتمر الشيشان بالمخزي لأنّه فرّق الجماعة بإخراجة الوهابية من مذهب أهل السنة والجماعة. وتهجم السقاف على الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف واصفاً إياه بـ “الصوفي الخرافي”، مستعرضاً مقاطع مرئية “يتَّهم فيه الوهابيةَ بالخيانةِ لتعاليمِ الدِّين، ويقول عن المجاهِدين في سُوريَّة: إنَّهم ليسوا بمُجاهدِين وإنَّهم يُشوِّهون الإسلامَ”، وفق تعبير السقاف.
وعلى صورة السقاف، تداعى دعاة المملكة السعودية إلى مهاجمة المؤتمر، ومهاجمة “الصوفية” التي يتشكل منها غالبية مسلمي الشيشان، والتي تتهمها الوهابية بالشرك وتخرج من دائرة الإسلام عموماً، كحال مختلف المذاهب الإسلامية. النفير العام لدعاة المملكة، تجلى في تغريدة لإمام وخطيب جامع الملك خالد بالرياض سابقاً عادل الكلباني الذي قال: “ليكن مؤتمر الشيشان منبِّها لنا بأنَّ العالم يجمع الحطب لإحراقنا!”
إلا أن صوتاً فريداً مختلفاً خرج من داخل المملكة. انتقد الشيخ حسن فرحان المالكي مؤتمر الشيشان لتكريسه المذهبية مؤكداً على أن “الانتساب للفرق والمذاهب ليس شرعياً إنما الإنتساب للإسلام فقط هو الشرعي”، إلا أنه قال أيضاً إن “الذين أخذوا على مؤتمر الشيشان الإقصاء، هم من أكثر الناس إقصاء وعداوة لجميع المسلمين”، مضيفاً أنّ ” خطوة مؤتمر الشيشان سلبية وإيجابية في وقت واحد فهي سلبية من حيث تكريسها المذهبية وهي إيجابية من حيث استعادة أكثر أهل السنة لدورهم.”