الأيام الأولى من الحراك، شهِدَت توافقاً من كافة شرائح الشعب اللبناني، لأن ما صدحت به الحناجر لم يقتصر على أمور مطلبية، بل حقوق بديهية للحد الأدنى من كرامة العيش، لكن فيما بعد بدأت الأجندات المختلفة بالظهور، وأدَّت الى نفور جماهيري لأن لُعبة البعض غير نظيفة على مستوى استقرار الكيان السياسي والإقتصادي وحتى الإجتماعي.
لبنان ليس يخشى من المؤامرة الخارجية على عهد الرئيس ميشال عون، ونعود ونؤكد كما كل عام في السادس من شباط، على ذكرى تفاهم مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله، الذي حقق التلاحم الوطني برؤية استراتيجية استَبَقَت بخمس سنوات المُتغيِّرات الدراماتيكية التي حملتها رياح ما يُسمَّى الربيع العربي، ولبنان رغم العقوبات الأميركية ومؤامرات الأدوات الإقليمية، كُتِب عليه قرار التحدِّي السيادي، سواء بمواجهة العدو الإسرائيلي ومَن يُطبِّع معه من العرب، أو في سحق الإرهابيين الذين لو تغلغلوا في الداخل اللبناني لما بقيت ساحات للحراك ولا بقي وطن، وهو اليوم يستعد لبدء الحفر في مياهه الإقليمية لإستخراج خيراته، رغماً عن الكيان الصهيوني ورغماً عن أميركا وخرائط ترسيمها لحدودنا السيادية.
أمام هذه الإستحقاقات، أُرِيدَ للبعض من الحراك الخروج عن الأهداف التي نزِل اللبنانيون من أجلها في الأيام الأولى، وهذا البعض مُنقسِم الى عشرات الحراكات، ولا طروحات عملية لديه ولا مشاريع قوانين ولا حتى لجنة مُتابعة وحوار مع السلطة، وإذا كانت رمزيته في أنه عنصر ضغطٍ لتحقيق المطالب، فإن التيار الوطني الحرّ قدَّم الكثير من مشاريع القوانين، وحزب الله وبإشراف مباشر من سماحة السيد حسن نصرالله، وضع خُطط عمل وشكَّل لجنة من أصحاب الكفاءات برئاسة النائب حسن فضل الله منذ الإنتخابات النيابية عام 2018، وأنجزت هذه اللجنة بنزاهة ملفات كبرى حول مكافحة الفساد، وسلَّمت ما تملِك من معطيات ووثائق الى السلطات القضائية.
مشاريع قوانين مكافحة الفساد، التي يحاول بعض المتظاهرين منع مجلس النواب من الإجتماع لإقرارها، مع الملفات الدَّسِمة التي أودعها حزب الله لدى القضاء، يُضاف إليها البيان الوزاري الواقعي الذي تُعِدُّه حكومة الرئيس حسان دياب لطلب الثقة على أساسه، يعني أن القوى السياسية التي سمَّت الرئيس دياب وسوف تمنح حكومته الثقة، جاهزة للمساهمة العملية في مسيرة إصلاحية هي التي بدأتها أصلاً بموجب خطط ومشاريع قوانين، ومصداقيتها أمام جماهيرها أهم لديها من أي مقعد وزاري أو محاصصة في السلطة.
كل ما هو مطلوب حالياً، مواكبة سياسية إيجابية لإنطلاقة الحكومة الجديدة التي سوف تكون تحت مجهر المؤيدين والخصوم على حدٍّ سواء، ومواكبة قضائية في سحب الملفات من الأدراج، ومواكبة أمنية للتحركات المشبوهة التي تحصل وسوف تحصل في الشارع، لأن جماعة الأجندات الخارجية ما زالوا يُراهنون على خلط الأوراق الدولية والإقليمية، لتكون لهم مظلَّة حماية لتحركاتهم، والإحتكاكات التي تحصل حالياً أمام مطعمٍ أو متجر لا يجب الإستهانة بها والتساهل في التعاطي معها، لأنها قد تنتقل الى الجامعات والتجمُّعات وتنتهي بنا الى الشارع…
المصدر: موقع المنار