ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الاثنين 3 شباط 2020 ، على تسريب مسودة اعداد البيان الوزاري لحكومة حسان دياب على ان تكون جلسة نيل الثقة الاسبوع المقبل…
* الاخبار
البيان الوزاري: الخصخصة ودعم المصارف
بحسب المسوّدة التي سُرّبت أمس، اعتبرت حكومة الرئيس حسان دياب في بيانها الوزاري أن النجاة من الانهيار في الأمن والاقتصاد وغضب الناس، واستعادة الثقة، تتحققان بالأفعال وليس بالوعود. لكن الواضح أن الحكومة وضعت بياناً «من كل وادي عصا» يحتاج الى نقاش جدي في شقّه المالي والاقتصادي يمنع تكرار السياسات القديمة
في ظل انتشار معلومات عن أن المصارف تنوي خفض المبالغ التي ستفرج عنها شهرياً لأصحاب الحسابات الجارية «الصغيرة» إلى حدود 600 دولار شهرياً، تسرّبت أمس مسودة مشروع البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب، من دون أن تكشف سوى عن مزيد من الدعم للمصارف. تتحدّث المسودة عن الحفاظ على الودائع، ملمّحة إلى تشريع الإجراءات غير القانونية التي تتخذها المصارف بحق المودعين. في المقابل، تأكيد واضح لدعم رسملة المصارف، ما يعني منح أصحاب البنوك المزيد من الحظوة التي لطالما استفادوا منها لتضخيم ثرواتهم، وثروات كبار المودعين، على حساب المال العام. وإضافة إلى دعم المصارف، تبدو الخصخصة حلاً شبه وحيد في نظر حكومة دياب. الخصخصة لخفض الدين العام، والخصخصة لخفض كلفة القطاع العام، والخصخصة لخفض عجز ميزان المدفوعات!
وإضافة إلى ما تقدّم، وفي ظل الأزمة النقدية المفتوحة منذ ما قبل «17 تشرين»، لم تجد الحكومة نفسها معنية بالحديث عن سعر صرف الليرة، مكتفية بالسعي إلى «سلامة النقد»! وفضلاً عن ذلك، تثبّت مسودة البيان الوزاري «مؤتمر سيدر» كواحدة من المرجعيات التي ينبغي السهر على إرضائها، تماماً كخطة شركة «ماكنزي»، والورقة الإصلاحية التي وصفها الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بأنها تعبّر عن مطالبه هو لا مطالب الناس. باختصار، في مسودة البيان الوزاري لحكومة حسان دياب الكثير من سعد الحريري… ورياض سلامة وجمعية المصارف. ثمة من لا يزال يرى أن الازمات البنيوية للاقتصاد اللبناني تُعالج بالقليل من «الإصلاح»، وفق الطريقة نفسها المعتمدة منذ تسعينيات القرن الماضي، مروراً بمؤتمرات باريس، وصولاً إلى «سيدر».
بدا واضحاً من المسودة أن تحالفاً يعمل على تبرئة الفريق السياسي الاقتصادي المالي من كل ما ارتكبه على مدى العقود الماضية. وهذا التحالف يجمع قوى سياسية داخل الحكومة وخارجها، ويضم كتلة أصحاب المصارف وكبار المودعين والهيئات الاقتصادية ومعهم مصرف لبنان، وذلك بغية إعادة العمل بالسياسات السابقة. وهي سياسات تقود حتماً الى فرض خيارات اقتصادية خاطئة أساسها التقشف والنيل من القطاع العام والذهاب نحو الخصخصة. والظاهر من خلال المداولات أن وزير المالية غازي وزني يتماهى مع سياسات المصارف والمصرف المركزي، ومشجعاً بقوة لخيار العمل مع صندوق النقد والبنك الدوليين بحجة أن لا خيارات أخرى أمام لبنان. ويجري العمل أيضاً على «تقديس» سداد الدين في وقته، وعدم البحث في خيارات التوقف لأجل فرض جدولة الدين داخلياً وخارجياً بما يتناسب والوضع القائم. الشراكة الواضحة التي يظهرها وزني مع سلامة وجمعية المصارف، ستقود حتماً نحو سجال قوي داخل الحكومة حول مقترحاته لإدارة السياسات المالية العامة، وخاصة أن الرضوخ لسياسات سلامة من جديد سيُصعب مهام حكومة دياب.
الحكومة مساحة عريضة للأزمة المصيرية التي تستدعي «خطوات مؤلمة»، لمعالجتها ضمن خطّة شاملة وسلّة من الإصلاحات المحددة بسقوف زمنية، ملتزمة بمكافحة الفساد في أول 100 يوم واسترداد الأموال المنهوبة في أقل من سنة وتخفيض سقف التحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان. وتدخل ضمن سلّة «الإصلاحات»، ورشة «إصلاح» قضائي وتشريعي، ترافقها إجراءات محددة كتخفيض الفائدة على القروض والودائع، مع التزام الحكومة التي «تعترف بأحقية مطالب الحراك» بتنفيذها عبر ثلاث مراحل تمتد من مئة يوم إلى ثلاث سنوات.
يتماهى وزير المالية مع سياسات
المصارف والمصرف
المركزي
وتتضمن خطة المئة يوم من تاريخ نيل الحكومة الثقة الإصلاحات القضائية واستقلال القضاء، وإقرار استراتيجية مكافحة الفساد وحق الوصول إلى المعلومات، بينما خطة السنة تلتزم باسترداد الأموال المنهوبة وإقرار قوانين تحمي المرأة وحقوقها وإقرار قانون منح الجنسية لأولاد الأم اللبنانية، فيما تشمل الخطة التي حُددت ما بين سنة وثلاث سنوات إطلاق ورشة قانونية لتحديث القوانين وتحسين السجون وتطوير قصور العدل. وفي سياق وعده بتنفيذ الإصلاحات، تطرّق البيان الى مؤتمر «سيدر» الذي يشترط حصول لبنان على المساعدات بتنفيذ هذه الإصلاحات، كما يتضمن البيان خطة مالية متوسطة الأجل لضبط الاختلالات المالية ووضع العجز في الناتج المحلي في منحى تراجعي، من خلال تنفيذ إجراءات، منها مكافحة التهرب الضريبي وإصلاح النظام الضريبي، باعتماد الضريبة التصاعدية الموحدة على مجمل المداخيل، ومكافحة التهريب من المعابر الشرعية وغير الشرعية».
وقد التزم البيان بإعادة هيكلة القطاع العام عبر مكافحة الهدر ودمج وإلغاء عدد من المؤسسات العامة، إضافة إلى ضبط الدين العام وخدمته. وفي ظل المخاوف التي يعيشها المواطنون جرّاء الإجراءات التعسفية التي تعتمدها المصارف، لفت البيان الى أن الحكومة ستعمَل على «معالجة الأزمة النقدية والمصرفية، ووضع الآليات المناسبة لحماية أموال المودعين، لا سيما الصغار منهم، والمحافظة على سلامة النقد واستعادة استقرار النظام المصرفي».
وجاء في البيان أن الخطة الإنقاذية تتضمن «خطوات مصيرية وأدوات علاج ستكون مؤلمة»، بحيث «لا يمكن لأي خطة إنقاذية أن تنجح ما لم نقم بتخفيض الفائدة على القروض والودائع وذلك لإنعاش الاقتصاد وتخفيض كلفة الدين». وتدعو هذه الخطة الى «التواصل مع كل المؤسسات والجهات المانحة أو الداعمة من أجل تأمين الحاجات الملحة والقروض الميسرة وتغطية الحاجات التمويلية للخزينة». وفيما تتعهد الحكومة بالعمل على حلول سريعة واتخاذ إجراءات ضرورية لتأمين التيار الكهربائي باستمرار وتصفير العجز وخفض الكلفة على المواطنين، وأشارت إلى أنها ستعتمد خطة الكهرباء التي كانت قد أقرّت في الحكومة السابقة ونصّت عليها الورقة الإصلاحية التي طرحها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد أيام على بدء التحركات الشعبية، أي تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء كجزء من إصلاح قطاع الكهرباء، كذلك الاسراع في إجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي النفط والغاز.
وتطرق البيان الى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال إشارته الى إقرار الاستراتيجية الوطنية للنقل البري. وتضمن في صفحاته الـ 17 عناوين عريضة ترتبط بتحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين، منها تقوية شبكات الأمان الاجتماعية عبر تأمين التعليم لكل فئات المجتمع وتعزيز التغطية الصحية وسلامة الغذاء، إضافة الى تطوير الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي وخدماتي إلى إنتاجي، مع تقديم تسهيلات من مصرف لبنان وحثه على ضخ السيولة بالدولار لاستيراد المواد الأولية، وذلك في ظل الأزمة التي يعاني منها التجار في هذا الإطار مع الإجراءات المصرفية التي تحدّ من قدرتهم على تحويل الدولار لاستيراد المواد الأولية.
اللجنة الوزارية التي كتبت المسودة ستضع لمساتها الأخيرة عليها اليوم، تمهيداً لإقرارها في مجلس الوزراء، قبل إحالة البيان النهائي على المجلس النيابي الذي من المتوقع أن يعقد جلسة الثقة يوم الثلاثاء 11 شباط 2020. هذا البيان الذي يقول مُعدّوه إن استعادة الثقة تتحقق بالأفعال لا بالوعود، أكثر من الكلام الذي لا طائل منه، كمثل إعادة التمسّك بالمبادرة العربية للسلام التي تبنّتها قمة بيروت العربية عام 2002، وهي المبادرة التي سقطت بفعل التعنت الاسرائيلي أولاً، وبسبب التطبيع السري والعلني الذي تمارسه دول عربية، وعلى رأسها دول في الخليج العربي كالإمارات والبحرين وعُمان، وبرعاية سعودية.
الحريرية: أفولٌ بلا بديل
في انتظار البديل!
ابراهيم الأمين
لم تشهد منظومات العائلات السياسية في لبنان انهياراً مُذهلاً كما حصل مع الحريرية. ما نشهده اليوم آخر الفصول من رحلة طبعت لبنان بحالات خاصة منذ عام 1982، تاريخ انخراط الراحل رفيق الحريري في المشهد اللبناني، مالياً وسياسياً ودينياً. وما سيبقى من الحالة، لن يتجاوز بعض العصبيات المندثرة في المشهد اللبناني التقليدي، أي تلك التي تمنع طبيعة لبنان محوها بصورة كاملة.
مشكلة هذه الحالة ليست ارتباطها بشخص مؤسسها فقط، بل في كون التربة التي عاشت فيها لم تتآلف مع بذرتها. لقد حمل الحريري البذرة من صحراء بعيدة وغريبة. بذرة لا تعيش هنا من دون مقوّيات. وما إن تراجعت الإمكانات تآكل الزرع وانهارت المواسم وبقي فرعها المحلي فقط. وكل محاولة للإنعاش لن تفي بالغرض، بل ستكون أشبه بإطالة عمر ميّت سريرياً.
نقطة قوة هذه الحالة، اليوم، هي في كون الخصوم والبدائل ليسوا جاهزين بعد. ليس بينهم من يجرؤ على نقد تاريخ الحريرية. حتى اللحظة، لا يزال الحُرم الديني والسياسي والاجتماعي مانعاً لمراجعة نقدية فعلية لحقبة الحريرية التي أمعنت جروحاً عميقة في الجسم اللبناني. وهناك نقطة قوة إضافية، تتمثل في كون الحلفاء المحليين للحريرية، وهم يملكون جذورهم القوية هنا، يعانون أيضاً عوارض الأفول. انتفاخهم كان مجرّد أورام في طريقها إلى الزوال. وهؤلاء ليسوا قوى أو شخصيات فقط، بل مؤسسات وجهات فاعلة في الاقتصاد وفي المؤسسة الدينية.
خصوم أو بدلاء سعد الحريري، بوصفه الوريث الأول والأخير، يمرون في مرحلة فوضى كاملة. يرقصون حول بيت الرجل. لكنهم يقلّدونه كل ما قام ويقوم به. يعتقدون أنهم إن حفظوا التعليمة، حصلوا على الشعبية في لبنان وعلى الدعم من الخارج. غالبيتهم ترفض الإقرار بأن المشكلة في أصل الفكر السياسي الذي حملته الحريرية. معظم هؤلاء يتذرّعون، اليوم، بالوقائع المحلية، حتى لا يصرخوا داعين إلى خلع هذا الثوب الذي جعل من السنّة في لبنان طائفة صغيرة تعيش قلق الأقليات وخوفها. وهي متى أصبحت تشبه بقية أخواتها من طوائف هذا البلد، ستأخذ حجمها مقارنة بها. وهو حجم ظهر ضعيفاً جداً مقارنة بالآخرين.
كلّ محاولة للإنعاش لن تفي بالغرض
بل ستكون أشبه بإطالة عمر
ميّت سريريّاً
في القابل من الأيام سنشهد مزيداً من الصراعات داخل بيت الحريرية. حشد هائل من الورثة يتزاحمون على باب السلطان طلباً للرضى والرعاية. وحشد من المنتفعين الذين يريدون الفرار من المحاسبة العامة والخاصة. وحشد من المتفرجين الذين لا يعرفون ماذا يفعلون. يقفون مثل المنتظرين لاختيار بابا جديد… وبين وقت وآخر، يقفزون في أمكنتهم، لكنهم يعودون إلى إحباطهم وسُباتهم. جُلّهم من ضحايا هذه التجربة، يبحثون في لحظة اليُتم عن كبير يقودهم، بينما هم يحطمون كل شيء من حولهم غضباً وسخطاً على الجميع. فيما المرض الطائفي في لبنان، يمنع أحداً من مدّ يد العون؛ لا الشيعية السياسية ولا المسيحية السياسية ولا الدرزية القبلية، ولا رجالات الدولة العميقة. كل هؤلاء، ليس بينهم من يتصرف بمسؤولية إزاء المساعدة على إيجاد حلّ لبناني للمسألة السُّنية. الطوائف الساعية إلى مكاسب إضافية تفرح لانهيار إحداها من دون أن تهتم بقواعدها، ولا حتى بوراثتها. هي مركّبات اجتماعية واقتصادية تهتم بترك الخصوم ينهارون، من دون اعتبار للتماسك الداخلي. وهذا هو، بالضبط، جوهر التفاهم الشيعي – الماروني الذي قام إثر اتفاق التيار الوطني الحر وحزب الله. هو التفاهم الذي قصد بناء سدّ مانع لتمدّد السُّنية السياسية بنسختها الحريرية. وهو التفاهم المهدّد الآن، ليس بسبب انتفاء السبب الرئيسي لقيامه، بل لكون إنقاذ البلاد يحتاج إلى قاعدة وطنية أوسع من التفاهمات الثنائية.
لكنّ الأسئلة المحرّمة في مواجهة الحالة الحريرية تتعلق بالهُوية العامة، وطنياً وعربياً. وما يتفرّع عنها، أسئلة حول النموذج الاقتصادي وحول فكرة الدولة، وحول الموقع من الأزمات القائمة في لبنان والإقليم، بعدما دفع سُنة لبنان ثمن أخطاء الآخرين في الإقليم.
اليوم، ربما يجدر بكل من يفترض نفسه بديلاً أو وريثاً أو طامحاً لاحتلال العرش، أن يفكر قليلاً في الأسباب التي أدّت إلى هذا الانهيار المريع للحريرية. وهي أسباب تتجاوز مقتل الأب المؤسّس. بل هي عميقة الصلة في كون خياراته كافّة لم تكن تحاكي حاجات الجمهور في لبنان وطموحاته.
وهنا، يجدر عدم الخوف أو الهرب من الأسئلة الكبرى حول الموقف من قضية فلسطين، ومن التيار التكفيري السائد وسط المجموعات الإسلامية، والموقف من مبايعة عواصم القهر والتخلّف في ممالك الجزيرة، والموقف من استرضاء الغرب في تكرار لتجربة مسيحيي الشرق الذين دفعوا من وجودهم ثمن التحاقهم السياسي بالغرب.
لكن، هل يتصرف بقية اللبنانيين، على أن السؤال يخصّهم أيضاً، وأن العلاج لا يقتضي توزيعاً جديداً للحصص بين طوائف متهالكة وبُنى سياسية وحزبية مترهّلة ومتخلّفة، بل القفز فوق كلّ العلاجات التقليدية، نحو دولة مدنية تنشد علاقات قوية مع عمقها العربي، ومعبره سوريا!
الحريريون سقطوا… ماذا عن الحريرية؟
لو لم تُفرّغ اللحظة الحراكية المجيدة، أو تُشوّه، لتغيرت الأحوال كثيراً أو قليلاً. ولأمكن إطلاق النقاش الممنوع حول ضرورة وواجب الإمساك بالمصير اللبناني، وتالياً العربي، بعيداً عن منظومة التبعية الغربية الصلبة وأثقالها الحاجزة والمانعة. ولو وُجدت القيادات الوطنية المسؤولة والواعية لتوازنات القوى، وتداخل أزمات المنطقة وترابطها الوريدي مع سياسات المركز الاستعماري الغربي، لأمكن كسر الأقفال الغربية وفتح الباب، ولو جزئياً، أمام إمكان تحويل المستحيل اللبناني إلى ممكن عربي تحرّري يكسر القيود المفروضة، ويقدّم مثالاً عن قدرة الجمع بين التطلّب الوطني – القومي والإمكان والديمقراطي الممنوع أميركياً.
عندما يتجرّأ مطرب «البلد ماشي» و«لعيونك» (وأمثاله من أيتام الحريرية)، على ادعاء الانتساب إلى «الحراك»، ولا يتصدّى له أحد ولو بكلمة حتى لا نقول أكثر، فهذا يعني أن هناك مشكلة كبيرة، وعطباً أخلاقياً فادحاً، يُسأل عنهما «الحراك» وأهله قبل أن يُسأل عنها المطرب الذي تجمع الآراء المتنافرة على اعتباره واحداً من أفراد الجوقة، أو الحاشية «الإعلامية – الثقافية»، التي زيّنت لجرائم الحريرية، وأولاها جريمة مصادرة العاصمة بيروت وتشويه معالمها وسرقة قلبها وتدمير نسيجها وتهجير ناسها واسترهان مستقبلها…
الكلفة باهظة ولا شكّ. فالحطام يملأ الأرجاء. والبلد الصغير المحاصر، تكوينياً، بانفجار الأزمات الدورية وتعذّر الحلول، يكابد، اليوم، للخروج من جحيم الطاعون الحريري الذي ضرب قبل أكثر من ثلاثة عقود، وفتك بمفاصل الاجتماع، ونال من خلاياه الحيّة، وكاد لولا بقية من وطنية ومقاومة حرّرت الأرض وأقامت الردع، الذي لا يُقدر بثمن، أن يُقضى عليه قضاء مبرماً.
الكلفة باهظة ولا شكّ. فالخراب العميم الذي أورثتنا إياه الحريرية لم يترك ناحية وصل إليها إلا وسمّمها، من السياسة إلى الاقتصاد إلى الإعلام… وأحالها إلى يَباب كامل. الغضب الذي فجّرته تظاهرات «17 تشرين»، وشمل مفاصل الخريطة كاد، لو وُجدت القوى الحيّة والمسؤولة، أن يفتح الباب على تحوّلات تاريخية تقطع، بهذه الصورة أو تلك، مع ذهنيات وممارسات، قبل أن نقول سياسات. إلا أنها نتيجة التردّد والمراوحة، وغيرها من الأفعال المقصودة أو «العفوية»، لم تفعل غير «شرعنة» الذهنيات والممارسات وحتى السياسات السابقة عليها وإعادة تكريسها. لكن، مع ذلك، يبقى أن لهذه الغضبة غير المسبوقة لبنانياً، ورغم كل ما اعتراها من صبيانية وخفّة وانعدام خيال… فوائد تبشّر – وهذا منجز يُبنى عليه – بسقوط الكثير من الأوهام ومعها الأكاذيب التي حكمت اجتماع البلد ولوّثت معاش أهله، بل ومكّنت لصوص العالم وبعض شذّاذ الآفاق من النفاذ والإمساك والسيطرة. ومع ذلك، يبقى أن المهم هو تجاوز الحريرية وطي صفحتها القاتمة. وهذا، رغم كل ما أُحرز، لم يُنجز تماماً بعد، وتحقيقه بات مطلباً وحاجة لا إقلاع للبلد من دونها. بل إن كل تأخير في إنجاز هذه المهمة المقدّسة هو إمعان في إضاعة الوقت الثمين، وتسهيل تدمير ما تبقّى من عناصر الحياة أو الحيوية الباقية. والتجاوز يعني، أساساً، قلباً كاملاً للطاولة يطاول الأفكار والمقاربات والرؤى والسياسات، وصولاً إلى إزاحة الأشخاص الذين يتابعون وظيفيّتهم الحريرية الكارثية.
إن تجاوز الحريرية مرهون بمدى جذرية قوى الاعتراض العابر لترسيمات السيطرة والاستتباع ومنظومتها الموزّعة في ميادين السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة… وبمدى وضوح رؤيتها. وهو، للأسف، ما لم يتبلور حتى اللحظة، بدليل هذه المراوحة والغفلية والإصرار على تغييب العناوين الصحيحة المسؤولة عن الجريمة شبه الكاملة التي أطاحت بالبلد وأفقرت ناسه ورهنت مستقبله، الأمر الذي يهدّد بإطالة عمر الاحتضار وضياع ما تبقى من احتمالات تغيير اتجاه السير السياسي والاقتصادي، والذي من أولى بديهياته الإقلاع عن التعميم، وبلورة الهوية الطبقية – الوطنية، ورسم الأهداف والسبل الآيلة إلى تحقيقها ومن ثم تنقية الصفوف من كل الأدران. وأول هذه الأدران يكمن في طفيليات الـ «أن. جي أوز.» وطفيلييه، والعمل من بعدها على حشد القوى باتجاه التصويب، وتالياً النيل المادي الصريح والمباشر من الفاعل الحقيقي، وخصوصاً أن بعض عُتاته – ومن دون أدنى خجل أو خشية – يتصدر الصفوف الأولى، بل وفي أحيان كثيرة نراه يقوم بأدوار قيادية. ولا حاجة هنا إلى تلطيخ النص بذكر أسماء هذا المرتزق أو تلك المأجورة من رجال ونساء البلاط الحريري الذين ضربوا بالسيف ما أسّس لكل هذا الخراب الذي لم يكن خافياً على كل من أدرك مسؤوليات اللحظة الوطنية التي تلت وضع الحرب الأهلية لأوزارها وتصدّى للحريرية، غير مبالٍ لا بالتهميش ولا بالإقصاء اللذين شكّلا عماد التوجه الحريري في جوابه على المختلفين معه…
اليوم، رغم الإرباك العام المسيطر وافتقاد أكثرنا لليقين نتيجة اتساع وحدّة ومصيرية الصراع الدفاعي الذي تخوضه المنطقة، فضلاً عن تشابك الملفات وتداخلها الناجم عن اشتداد الهجمة علينا، والإعلان عن «صفقة القرن»، يمكن القول إن الاختراق الذي مثله «الطائف» السياسي، الذي أتى برفيق الحريري حاكماً ملكاً، يعيش سكرات الموت. فالنظام اللصوصي الذي أقيم غداة «الانقلاب على الطائف» يلفظ، هذه الأيام، أنفاسه الأخيرة. فالحريرية، ومن مختلف جوانبها، لم تكن بأقل من جائحة فتكت بالبشر والحجر وأدّت إلى تدمير نسيج العاصمة وإفراغها من أهلها، وإلى تجويف الاقتصاد وتدمير الزراعة وتسطيح الثقافة وغيرها من الموبقات التي أسّست لهذا الانهيار الذي يعيش البلد تداعياته الكارثية، وأوصلت بالنتيجة إلى وضع يمكن تسميته بتصحّر الزرع وإبادة الضرع.
■ ■ ■
في أعقاب «موقعة» الانتخابات النيابية التي جرت عام 2000، وطوال الفترة التي سبقت استعادة رفيق الحريري لموقعه في رئاسة الحكومة، وتالياً السراي الكبير، بطابقه المضاف، والمُخِلّ، عنوة وقسراً، راج رأي يقول إن الحريري قد أفاد من فترة إبعاده عن الضوء، وإنه عكف خلالها على مراجعة تجربته السابقة وخلص إلى استنتاجات عيّنت له أخطاء الماضي (السابق على «الإقالة») التي لن يكررها. هذا الرأي عمّ على نطاق واسع، وجرى تبنّيه من أكثر من جهة. إلا أن الوقائع التي تلت تلك العودة («المظفّرة» مذهبياً)، وسلوك الحريري التالي على العودة، كشفا سريعاً خطأ هذا الرأي ولا صوابيته، بل وأوضحا أنه لم يكن غير أكذوبة إضافية أعدّت في الغرفة ذاتها التي اعتادت تصدير القرارات الحريرية واستمرت حتى اليوم وإن بكفاءة تفرض على أصحابها الخجل.
لم يخف الحريري تعبيره عن الضيق من المخالفة والمساءلة، ولم يتورع في غالب المحطات عن الاستعانة بالعصا السورية (غازي كنعان ومن بعده رستم غزالي) في مواجهة الآراء المخالفة، وكان عند كل ضائقة سياسية أو أخلاقية يشهر أسلحته المستعارة. ويذكر الجميع إدمانه على سلاح بائس اختصره بعنوان أن الثقة (المقصود بها ثقة الخارج الغربي) هي أساس نجاح الاقتصاد والسياسة، والنيل من هذه الثقة هو الذي ينتقص من لبنان ومن دوره، وأن امتلاك الثقة أو الحفاظ عليها هو السبيل للخروج مما هو فيه من أزمات، محمّلاً، على ما اعتاد وألف، خصومه ومعارضيه مسؤولية كل رأي أو موقف مغاير وتصويره على أنه المسّ الأكبر بهذه الثقة! ولا حاجة للقول إن الثقة بمفهومها الحريري كانت في الكفّ والامتناع التامين عن تعيين الأخطاء الجوهرية التي حكمت سياساته وأوجبتها، معتبراً – كدأبه – أن النقد الذي يطاول هذه السياسات هو وحده الذي زعزع ويزعزع الثقة بلبنان، متغافلاً ومغيّباً لخلل الفكرة والمشروع ولدوره ومسؤولياته الواضحة في هذا المجال. والواقع، وهو ما تبدّى مع مرور الأيام وانقضاء المراحل، أن سعي الرجل كان يتمحور ويتلخص بتكريس الصمت المطبق (نجح لاحقاً في فرضه مستعيناً بالقبضة الكنعانية – الخدّامية)، وهو ما كان يحلم بفرضه على معارضيه، كل معارضيه.
الحريرية من مختلف جوانبها لم تكن بأقل من جائحة
فتكت بالبشر والحجر وأدّت إلى تدمير
نسيج العاصمة وإفراغها
من أهلها
ربما كانت مشكلة الحريري الفعلية تكمن في تضخّم أناه وتورّمها، وفي شغفه بصورته التي صاغها أو افترضها عن نفسه، وهو ما ترجم نفسه حين راح يزرع ساحات المدينة وجدرانها وشرفات منازلها (لقاء أجرٍ مجزٍ طبعاً). وكان اللافت في معظم تلك الصور التي شوّهت المجال العام وزادت من ركاكته خلوها من أي تعليق أو كلمة باستثناء ابتسامة بلاستيكية أو مشروع ضحكة مفتعلة على خلفية مجسّمة لورشة أو أكثر من ورش «الوسط» الذي كان أنجز وضع اليد عليه مقابل حفنة من الأوراق والأسهم الهشّة. وبشيء من المبالغة يمكن القول إن هذه الصور هي التجسيد العملي الوحيد للمشروع الأصلي، وهي ملخص المشروع، الذي وعد به، وجوهره الحقيقي.
وبالاتكاء على هذه الصور الخاوية من المعنى كان أن خاض معركة استعادة الموقع الذي تعامل معه بوصفه ملكية خاصة لا تقبل المشاركة. ومعركة الانتقام لإقصائه طيلة سنتين كاملتين قضاهما حائراً يضرب كفاً بكف قبل أن يبتسم له الحظ جراء متانة الحلف مع غازي كنعان ووليد جنبلاط، وتمكنه تالياً من تقويض المشروع البديل الذي حمل لواءه ثنائي الرئيسين إميل لحود – سليم الحص.
خلال العامين اللذين ابتعد فيهما عن الحكم، لم يتورّع عن شن الهجمات السياسية الشرسة وتحريض الخارج والداخل على مؤسسات الدولة اللبنانية، ولهذه الغاية استخدم، داخلياً، لغة مذهبية لم تكن مألوفة حتى في أقسى أيام الحرب الأهلية وأصعبها. وخارجياً استخدم علاقاته العربية والدولية التي أقامها له عرّابه السعودي. الحريري هذا الذي لم يوفر فرصة للنيل من خصومه، في الحكم والحكومة، طوال فترة الإبعاد أو الإقصاء، ولم يتوانَ عن التعرض العنيف لهم (من غير أن يبالي بآثار الهجمات الشرسة التي استمرت حتى من بعد ظفره بالموقع اللبناني الثالث مجدداً، على الثقة المزعومة التي طالما تباكى عليها)، وكان يضيق (الأدق لا يطيق) بكل كلمة أو عبارة لا تكون وفق تصميم أذنيه، مبيحاً لنفسه ما حرّمه ويحرّمه على هؤلاء الخصوم والمعارضين.
وهنا، لا يمكن أن يغيب عن البال رفض الحريري الصارم وسلوكه المناهض للبروتوكول والأعراف التي درجت عليها العادات اللبنانية، وامتناعه عن زيارة الرئيس سليم الحص لقبوله التكليف النيابي والرئاسي بمهام الموقع الذي افترضه الحريري الأب أبدياً، بل ويدخل ضمن ممتلكاته من حجر وبشر على غرار ما كان اعتاده في مملكة المنشار. بل إن إصراره وقتها على رفض أداء الزيارة الشكلية برغم تدخّل المصلحين كشف عن حقيقة أن الرجل ممسوك بدروس تلك المشيخة في ما خصّ شؤون الحكم والسلطة، وهي الدروس التي كان قد أحسن تشرّبها هناك واستحق معها جنسية ممهورة بالطاعة والولاء لصاحب العرش السعودي. والأرجح أن في طليعة ما كان يمنعه عن أداء واجب زيارة «غريمه»، الرئيس الحص، كان في احتمالات تأويلها على غير ما يشتهي ويتمنى. فهذه الزيارة لو تمت في حينه لكانت عنت بالنسبة إلى الرأي العام وإلى الآخرين إقراراً منه برسوخ صورة ما لتداول السلطة، وهو أمر مخالف للمعتقدات والمسلّمات التي فطر عليها ولا يستسيغه، فوق أنه يتناقض مع كل تلك الدروس والعادات التي اجتهد لحفظها والنهل منها في كل آن وحين. إضافة إلى تفصيل غير بسيط، فالرجل الذي اعتاد منذ توليته الموقع الثالث في الجمهورية تصدّر المشهدين العام والخاص، كان يدرك أن موقعه في الصورة المأخوذة عند الرئيس الحص لن يكون في الصدارة على ما اعتاد ودرج منذ وصوله على متن السوط الكنعاني – الخدّامي.
يمكن لمن لم يعايش تلك الفترة التأسيسية للكارثة التي يعيشها البلد هذه الأيام، والتي تتجلى في انهيار البنى واهترائها وتفلّت لصوص المصارف وحبسهم للودائع، أن يقرأ سلوك الرجل المسؤول من خلال إيثاره الشديد للصورة، وهو الإيثار الذي تجلّى هنا وهناك، ووصل إلى حد طبع المواقف وصوغها. فانطلاقاً من الصورة الجاهزة حكم، متمسكاً – لنفسه – بالصورة التي أرادها، لا تزحزحه الأخطاء ولا الخطايا. بل إن إبعاده وقتها عن تصدّر المشهد وعن مقدمة الصورة التي احتلها بالمال وعزّزها بالسلطة زاد من عناده، وجذّر من تبنّيه لتقاليد المنع والإقصاء.
والأرجح، أيضاً وأيضاً، أن تقديره الرفيع للصورة دفعه لأن يجعل منها الفكر والإيديولوجيا اللذين حكم بهما البلاد، وفي بعض الأحيان أعلاها وقدّمها على الكثير من القيم المألوفة. كما حضّ، انطلاقاً من هذه العلاقة بالصورة المرغوبة، على الاهتمام بالمظهر وصورته، والأخذ به على حساب الواقع. فألبس فريق حمايته البزات والياقات. وجعل من الثراء السريع والفاحش والصرف غير المسؤول صورة تغذّيها المخيّلة العامة بقطع النظر عن الكيفية، كيفية الوصول وكيفية تحقيق الثروة وأسبابها في بلد كان قد خرج لتوّه من حرب طويلة ومدمرة. وهو من بعد الاستيلاء على «أسواق» المدينة التي كانت بمثابة القلب والرئة للجسد اللبناني، مستعيناً بالقوانين التي سنّها بنفسه ولنفسه ونيابة عمن أتى به وبالتوافق مع شركاء محليين وإقليميين، جعل من مشروع الإعمار المزعوم صورة عما كانت قد اختزنته ذاكرته خلال جوبانه في شوارع وأحياء عواصم الدول الأوروبية على ما أشارت إليه ملاحظة المهندس هنري إده في شرحه لطبيعة ونوعية التعديلات التي كان يقترح الحريري إدخالها على المخططات الافتراضية الأولى، وهي الملاحظة التي أوردها في كتابه الذي وضعه غداة انسحابه من المسؤولية الفنّية عن المشروع.
المؤسف أن «تقديس» الرجل للصورة لم تعالجه المليارات التي تكدّست في الخزائن ولا الأصفار التي زادت في الحسابات. والأرجح أن لا تفسير ممكناً لهذا السلوك ولهذا لحضور الهائل للصورة إلا باللجوء إلى مخبوءات الكتب التي صبّت اهتمامها على محاولة فهم السلوك الإنساني وتفسيره.
■ ■ ■
الاستفادة من الفرصة والتجارة بها غير صنعها. صنع الفرصة قد يتطلب العقل والإرادة والبذل والتفاني. أما الاستفادة منها والتجارة بها فيتطلبان النقيض التام من المواصفات المذكورة آنفاً. وما فعله رفيق الحريري أنه استفاد من فرصة ضيق اللبنانيين من الحرب ونفاد صبرهم من طول أمدها معطوفاً على انعدام ثقتهم بالقادة التقليديين.
أما الحديث عن قصة النجاح التي حملت اسم الحريري فلا تعدو أن تكون أوهاماً منسوجة في الظل لم تلبث أن تبدّدت مع أولى إشارات الضوء التي لاحت خيوطها مع انفجار ١٧ تشرين الأول.
قصة النجاح الحقيقية التي تملكها الحريرية هي قصة النجاح التي كبّدت البلد وناسه المليارات وهجّرت شبابه، إناثاً وذكوراً، وغيرها الكثير من الخسائر التي لا تُعوض. وهي قصة نجاح في تحقيق ما انطوت عليه من رغبة عميقة ودفينة بالانتقام من البلد ومن نسيجه المغاير للنسيج الصحراوي المقيت.
■ ■ ■
يمكن اختصار الحال المُزري الذي آلت إليه الحريرية بالتوقف عند الاحتفاء الحريري بالظاهرة التي حملت اسم «أم خالد» (الممثلة جوانا كركي)، وتقديمها بوصفها أحد التعبيرات الثقافية أو الفنية عن «المشروع» المستمر برعاية سعد الحريري. ويعكس شكل الاحتفاء ومستواه صورة بالغة الكثافة والتعبير عن مبلغ الانحطاط الذي وصلت إليه الأوضاع الحريرية بدءاً من مطربنا المذكور آنفاً وصولاً إلى ظاهرة «أم خالد».
وقيمة هذا الاحتفاء أنه أضاء على جوهر الحريرية الخاوي. وهو الجوهر الذي غاب عن البعض في زحمة الشعارات التي لا تقول شيئاً. بل إن وريدية الصلة التي تجمع بين المطرب و«أم خالد» أوضح من نار على علم. لكن الحق يوجب الاعتراف بأن ما أُتيح للمطرب لم يتح مثله لـ«أم خالد». لذلك لم يقدّر للممثلة أن تتفوّق على المطرب والسبب أن الزمن قد تغير لصالح تراجع الإيرادات وخواء الخزائن.
■ ■ ■
يبقى أنه ومن قبيل الإنصاف المتأخر، يجب على اللبنانيين أن يسجلوا لنجاح واكيم تصدّيه المبكر للحريرية وفضح حقيقتها وكشف زيفها وكذبها بالرغم من كل ما اتسم به تصدّيه، أو شابه، من حماسة وقلة تدبير، ما أضعف من فعّالية الأبعاد السياسية والأخلاقية للمواجهة، وجعلها ترتدي طابع الصراع مع شخص الرجل لا مشروعه.
سليم الحص
على أن الأهم من كل ما سبق هو الاعتراف بمسؤوليتنا جميعاً (وهي مسؤولية لا تسقط بمرور الزمن، ولا يمكن أن تُغتفر، لا بتقديم الأعذار ولا بغيرها) عن جريمة السماح، ومن ثم الصمت والتواطؤ، على استفراد «ضمير لبنان» واللبنانيين الرئيس سليم الحص وإسقاطه نيابياً. إنها الجريمة الحريرية الأكبر التي ارتُكبت في غفلة عن الأخلاق والقيم النبيلة التي مثّلها الرئيس الحص، وستبقى بمثابة عار يحمله البلد إلى زمن متقدّم. واعتذارنا، جميعاً، عن هذه الفعلة السفيهة التي نالت من البلد قبل أن تنال من شخص الرئيس الحص هو أقل ما يمكن فعله.
سليم الحص قيمة أخلاقية وبوصلة وطنية وقومية لكل من أضاعوا الطريق ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهو حال كثيرين سيطرت عليهم الأوهام وأخذهم استعدادهم للسقوط وقابليتهم له يوم حلّ القحط الحريري أوائل تسعينيات القرن الماضي. وهو كان وسيبقى كما عهدته فلسطين منارة حق وعنوان نزاهة…
* اللواء
مسودة «الثقة» تتحدث عن إجراءات موجعة من 3 أشهر إلى 3 سنوات
استعداد عوني لمواجهة الاشتراكي و«القوات» دفاعاً عن الرئاسة الأولى
انجزت حكومة الرئيس حسان دياب البيان الوزاري فهو لم يأت مختصراً، بل تضمن عناوين محددة معروفة، أبرزها تبني خطة ماكنزي ومقررات مؤتمر سيدر، والتوجه للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى المنتج، واستعادة تكاد أن تكون لفظية لمقولة حق «اللبنانيات واللبنانيين في مقاومة الاحتلال»، فضلاً عن النأي بالنفس واحسن العلاقات مع «الاشقاء العرب»، لكن الجديد مهلة زمنية لا تقل عن مائة يوم (ثلاثة اشهر)، ولا تزيد عن ثلاثة سنوات ما يقرب من «ألف يوم» لإنجاز وصفة كاملة من القوانين والبرامج والمشاريع من الخطوات المؤلمة للانقاذ المالي، بما في ذلك خفض الفوائد.
وكشفت مصادر مواكبة لاجتماعات اللجنة الوزارية لوضع البيان الوزاري ان هناك مسالتان مهمتان في موضوع الاقتراحات لمعالجة المشكلة المالية والاقتصادية، لم يتم التوصل الى تفاهم حولهما بعد وهما كيفية التعامل مع الدين العام وهل ستلجأ الحكومة الى اعتماد هيكلية الدين العام ام سيتم الاستعانة بآليات اخرى يتم التوصل اليها خلال التشاور مع بعض الخبراء الماليين المحليين والدوليين والنقطة الثانية تتعلق بكيفية سداد الاستحقاقات المتعلقة بسندات اليوروبوند المقبلة.واشارت المصادر الى انه ينتظر البت في هاتين المسألتين خلال الساعات القليلة المقبلة.
وبانتظار ما يُمكن ان يطرأ لجهة التعميم الموضوع في عهدة الرئيس دياب ووزير المال غازي وزنة، لوضع الملاحظات عليه، قبل اصداره مسبوقاً بموقف لكليهما أو لاحدهما، أوضحت مصادر مصرفية مطلعة تعليقاً على ما اوردته «اللواء» في عدد السبت الماضي، ان سعر صرف الدولار في المصارف سيبقى على ما هو عليه حالياً 1515 ليرة، وان البحث يدور الآن حول صيغة تحمي مصالح المودعين، وتساعد على تعزيز وضع السيولة في الأسواق.
على ان السؤال البارز، ما هي إجراءات جمعية المصارف لحماية مصالح المودعين، أو إعادة الثقة إلى النظام المصرفي، الذي أؤتمن عليه أصحاب المصارف وكبار الموظفين فيها، وكان ما كان.. مما يذكره اللبنانيون جيداً، أم ان الجمعية تكتفي بالتخبط اليومي، في الإجراءات، وفي المعاملات على أرض الواقع.
البيان الوزاري
وعلى جبهة البيان الوزاري، تعود لجنة الصياغة الوزارية إلى الاجتماع عند الأولى من بعد ظهر اليوم في السراي الحكومي، لاجراء قراءة نهائية على البيان بعدما أنجزته السبت بكل عناوينه وتفاصيله الاقتصادية والمالية والنقدية، بما يتعلق بوضع المصارف والمودعين، عدا عن الشؤون الإدارية والاصلاحية والسياسية، تمهيداً لعرضه في جلسة لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري، هذا الأسبوع، وربما الأربعاء أو الخميس.
ووفق ما أعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد لـ«اللواء» فإنه تمّ أمس الأوّل توزيع مسودة البيان على كل الوزراء لمراجعته وابداء الملاحظات عليه قبل المراجعة النهائية في اجتماع اليوم، وان البيان سيكون واضحاً ومفيداً ولا شعارات غير قابلة للتطبيق، بل خطوات وإجراءات ملموسة ومحددة بمهل زمنية لكل خطوة ومشروع وقرار، وتم تضمينه كل الأمور بما فيها السياسية».
وحصلت «اللواء» على نص مسودة البيان الوزاري كاملة، بما في ذلك الإجراءات التي تضمنها وهي مجدولة على ثلاث مراحل من مائة يوم الأولى وسنة إلى ثلاث سنوات، أي بالتزامن مع نهاية عهد الرئيس ميشال عون، الذي تبنى البيان، في الجانب السياسي منه، خطاب القسم عند بدء الولاية، تماماً مثلما جاء نسخة طبق الأصل تقريباً عن البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة، والذي جرى توافق سياسي حوله في حينه بين كل المكونات والقوى السياسية، وبالتالي فلا حاجة لاجراء اتصالات جديدة وفتح نقاش جديد قد يطول في شأنه، طالما انه نال موافقة كل الأطراف أو اكثريتها العظمى، وهذا الشق يتناول مواضيع المقاومة والعلاقات مع الدول العربية ودول الجوار والسياسة الخارجية والنأي بالنفس، إلا ان الفقرة الجديدة في هذا الشق، تُشير إلى تعهد الحكومة باعداد قانون انتخابات نيابية يعكس تلاقي اللبنانيين واللبنانيات في الساحات ويحاكي تطلعاتهم»، من دون أي إشارة إلى اجراء انتخابات مبكرة، بحسب مطالب الحراك الشعبي، الذي تبنى البيان، بصورة صريحة لمطالبه سواء في استعادة الأموال المنهوبة أو استقلال القضاء ومكافحة الفساد.
عناوين ووعود
واللافت في مسودة البيان الاعتراف الصريح أيضاً بأن استعادة الثقة تكون بالافعال وليس بالوعود، وإن اعتبر ان هذه الاستعادة مسارطويل يتطلب مصارحة النّاس بالحقيقة ويحتاج إلى إنجازات ملموسة، ومن هذه الزاوية يُمكن اعتبار البيان جديداً في صياغته، خصوصاً وان البيانات الوزارية السابقة كانت مليئة بالوعود والتي لم يتحقق منها شيء، ربما منذ الاستقلال.
ومن هنا، تبدو حكومة الرئيس حسان دياب مطالبة بأن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة، لأن حجم التحديات التي تواجهها لم يسبق للبلد أن واجهها على مختلف الصعد المالية والاقتصادية، وحتى السياسية، وربما لاحظ البيان ذلك، عندما تحدث عن «خطوات مؤلمة ضمن خطة إنقاذ شاملة، وعن مرحلة استثنائية مصيرية وخطيرة للغاية ورثتها الحكومة، تماماً كما ورثها الشعب اللبناني بجميع أبنائه..
ويرتكز البيان، الذي يقع في 17 صفحة فولسكاب، على برنامج عمل يتضمن خطة طوارئ إنقاذية وسلة إصلاحات محورها ورشة إصلاح قضائي وتشريعي ومكافحة الفساد وتصحيحات ومعالجات في المالية العامة، تواكبها إجراءات اقتصادية تحفز الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج بالإضافة إلى شبكة الأمان الاجتماعي، مقترحاً الاستعانة بالخطة الاقتصادية التي اعدها المكتب الاستشاري ماك كينزي، وتخفيض الفائدة على القروض والودائع لانعاش الاقتصاد وتخفيض كلفة الدين.
وتعهد البيان بأن تكون الحكومة مستقلة عن التجاذب السياسي، وتعتبر ان العديد من مطالب الحراك ليست فقط محقة بل هي صلب خطتها، وانها لن تسمح باستباحة المال العام أو الأملاك العامة، بما فيها المشاعات والاملاك البحرية، والالتزام بحماية حق التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي واحترام حقوق الإنسان.
وضمن خطة عمل المائة يوم، تعهدت الحكومة بإجراء الإصلاحات القضائية واستقلال القضاء، وإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتعيين نواب حاكم مصرف لبنان وملء الشواغر في الجامعة اللبنانية وإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط، فيما تلحظ خطة العمل من سنة إلى ثلاث سنوات، إطلاق ورشة قانونية لتحديث القوانين واسترداد الأموال المنهوبة من خلال إقرار مشروع قانون يكافئ من يُساعد في الكشف عن الجرائم التي تستهدف المال العام، كما يتعهد البيان الالتزام بما ورد من إصلاحات في الورقة التي أقرّت في مؤتمر «سيدر» واجراء إصلاحات ضريبية تعمد على تحسين الجباية ومكافحة التهريب من المعابر الشرعية وغير الشرعية والتهرب الضريبي، وإعادة هيكلة القطاع العام وخفض الدين العام، ومعالجة الأزمة النقدية والمصرفية من أجل حماية أموال المودعين، ولا سيما صغارهم في المصارف والمحافظة على سلامة النقد، واستعادة استقرار النظام المصرفي من خلال مجموعة تدابير منها إعادة رسملة المصارف ومعالجة تزايد القروض المتعثرة.
وفي موضوع الطاقة، دعت الحكومة في بيانها إلى تخفيض سقف تحويلات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان ورفع التعرفة مع تحسين التغذية وتعيين مجلس إدارة جديد للمؤسسة وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع، مع اعتماد الخطة التي أقرّت في مجلس الوزراء وأكدت عليها الورقة الإصلاحية للحكومة السابقة، والاسراع في اجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي الغاز والنفط وإقرار قانون الصندوق السيادي وقانون الشراكة الوطنية.
وفي انتظار ما سوف يطرأ على النص، خلال النقاش حوله في القصر الجمهوري، وفقاً لملاحظات الوزراء، اشارت مصادر حكومية إلى ان الحكومة بدأت عملياً التحضيرات لمرحلةما بعد نيل الثقة، حيث ستقوم بورشة عمل تنفيذية كبيرة بالتعاون مع المجلس النيابي لتطبيق كل ما ورد في البيان، لا سيما لجهة الإصلاحات المطلوبة ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء، وبما يفترض ان يرضي الشارع المنتفض على الفساد والنهب والهدر.
وفي هذا السياق، اشارت مصادر نيابية الى ان المجلس النيابي سيواكب عمل الحكومة بتشريعات ضرورية لا سيما في مجال الاصلاحات المطلوبة، وقد انجزت اللجان المشتركة مؤخرا في هذا السبيل مشروع قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهناك عمل على موضوع استقلالية القضاء. كما سيتم العمل على الوضع المالي والنقدي لوضع اسس الحلول ولو استغرقت بعض الوقت.
المعارضة: لا ثقة
لكن يبدو ان درب الحكومة لن يكون مزروعاً بالورود مع اعلان كتل «المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي» و«القوات اللبنانية» والكتائب، عدم منح الثقة للحكومة والذهاب إلى المعارضة «المسؤولة والبناءة» بحسب تعبير نواب هذه الكتل. وإذا كانت كتلتا «المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي» ستحضران جلسة الثقة المقررة الأسبوع المقبل، بعد عودة رئيس المجلس نبيه برّي من مؤتمر إسلامي في ماليزيا، بحسب ما تفردت «اللواء» في ذلك، فإن كتلة «القوات» لم تقرر بعد ما إذا كانت ستشارك في مناقشة البيان الوزاري أو ستغيب عن الجلسة التي يفترض ان تعقد الثلاثاء في 10 شباط الحالي، بعد عيد القديس مارون، أو الأربعاء الذي يليه.
وستعقد كتلة اللقاء الديموقراطي اجتماعاً يوم غد الثلاثاء، ستحضره قيادات من الحزب التقدمي الاشتراكي، وصفه النائب مروان حمادة بأنه «سيكون حاسماً في تقرير الموقف وطريقة التعاطي مع الحكومة… ومع العهد ايضاً».
وفي السياق، كان لافتاً للانتباه إشارة محطة «OTV» الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر» إلى ما اسمته «ان الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية ينفذان قراراً بالتصعيد السياسي تمهيداً ربما لحملةِ مطالبةٍ لاحقة باستقالة رئيس الجمهورية مع تحميلِ فريقِه السياسي المباشِر مسؤوليةَ اخطاء متوارَثة على مدى ثلاثة عقود، فالأكيد في المقابل وفق معلومات الـOTV انّ التيار الوطني الحر وحلفاءَه لن يتساهلوا مطلقاً في التصدي لأيّ محاولةٍ للمساس برئاسة الجمهورية، كما انّ التيار تحديداً يستعدّ لمواجهةِ كلِ افتراء يتعرّض له من جانب الذين ساهموا بتفشيل محاولاته الإصلاحية السابقة.
إجراءات مصرف لبنان
في غضون ذلك، برزت إلى واجهة الاهتمامات مسودة التعميم الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى جمعية المصارف، خلال لقائهما الشهري الأخير، وكذلك إلى الرئيس دياب ووزير المال غازي وزني، قبل أيام، والذي يهدف بحسب سلامة، إلى «ايجاد معاملة متساوية وعادلة بين جميع زبائن المصارف» وضمن سلسلة التدابير التي اتخذتها الجمعية لحماية الاقتصاد والمحافظة على الليرة اللبنانية ولادارة السيولة، كما ورد في نص التقرير الصادر عقب الاجتماع.
فيما أكّد الوزير وزني انه يقوم بدرس التعميم حالياً، على ان يبت به في غضون أيام، ولفتت مصادر وزارية إلى ان الرئيس دياب يعكف على درسه في ضوء المستجدات الراهنة، وانه سيحسم الموقف حياله في الأيام القليلة المقبلة، قبل الانطلاق في الحلول المأمولة، مرجحة ان يتم ذلك بعد الثقة بالحكومة.
وشددت المصادر على ان الرئيس دياب متمسك بالمحافظة على سعر الصرف الرسمي في المعاملات المصرفية ولا مسّ به إطلاقاً، كما أكدت انه «لن يكون هناك ما يُعرف بـ«كابيتال كونترول» ولا حتى «Haircut»، بل ستكون أموال المودعين محفوظة وستبقى كذلك كما سبق وأكد كل من سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير».
تجدر الإشارة إلى ان جمعية المصارف، لفتت في بيان ما نشر عن إجراءات البنك المركزي، ولا سيما في ما يتعلق بتفاصيلها وفي تحليل ابعادها والغايات المتوخاة منها، معتبرة ان هذه الاخبار مختلفة وتفتقر إلى الصدقية.
الحراك: لن ندفع الثمن
وعلى صعيد الحراك، وباستثناء «يوم الإبداع اللبناني» الذي نظمته مجموعات من الحراك في ساحة الشهداء، أمس، وتضمن إقامة «قرية الابداع» لحوالى مائة فنان وفنانة في مجالات الرسم والنحت والموازييك والغرافيتي، كما حلقات رقص ودبكة ومعزوفات من الفولكلور اللبناني، وسط مشاركة لافتة من المواطنين، بقيت النشاطات في إطار التهدئة، في انتظار جلسة الثقة، ونظمت السبت مسيرات شعبية انطلقت من نقاط تجمع مختلفة تحت عنوان «لن ندفع الثمن» وتلاقت جميعها في ساحة رياض الصلح، لكن حجم المشاركة لم يكن كبيرا، إذ انتهت من دون إشكالات مع القوى الأمنية، باستثناء نزع احرف من لافتة جمعية المصارف امام مقرها في وسط العاصمة.
وافيد مساء، عن ان ناشطين من حراك صيدا نفذوا وقفة احتجاجية امام فرع مصرف لبنان في المدينة، رفضاً للسياسات المالية والمصرفية، وتحت شعار: «مستمرون من أجل التغيير».
* الجمهورية:
البيان الوزاري في قراءة أخيرة… وجلسة الثقة الأسبوع المقبل
في خضم المضاعفات والتفاعلات الناجمة عن إعلان «صفقة القرن»، التي لم تنتهِ فصوله بعد، إقتربت الحكومة من إنجاز بيانها الوزاري على وقع إستمرار الحراك الشعبي في الشارع، والذي يأخذ أشكالاً متعدّدة، رافضاً إعطاء الثقة لهذه الحكومة التي يصفها بأنّها حكومة «التكنومحاصصة».
ويُنتظر ان يُقرّ البيان في جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، فيما افادت معلومات عن أنّ مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر سيزور لبنان بعد نيل الحكومة الثقة، حيث أعلن من إسرائيل «إنّ الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، حيث نعتقد أنّ الاحتياطات الأجنبية (العملات) أقل بكثير مما تمّ الإبلاغ عنه علناً».
في الوقت الذي ستتسلّم السفيرة الاميركية الجديدة في لبنان دوروثي شيا مهماتها الشهر المقبل، والتي كان لافتاً ما كانت قد قالته امام الكونغرس قبل شهرين من «أنّ رسالة المتظاهرين في لبنان واضحة جداً، وهي أنّ الشعب اللبناني اكتفى من قادته الذين يعيشون برخاء، في حين انّ بقية البلاد تكافح تحت وطأة الديون الساحقة، وفي غياب معظم الخدمات الاساسية، بما في ذلك أزمة النفايات والكهرباء والتلوث».
واعتبرت «انّ اي حكومة جديدة ستفشل في حال لم تتبنَ وتستجب لحاجات الشعب اللبناني بالإصلاح الحقيقي والدائم. وفي حال تبنّى القادة الإصلاحات فنحن على استعداد للعمل مع الحكومة والشعب لإعادة بناء الاقتصاد المدمّر».
قالت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد لـ«الجمهورية» مساء أمس، انّ لجنة البيان الوزاري ستعقد اليوم اجتماعها الاخير لإنجاز هذا البيان في صيغته النهائية، على أن يجتمع مجلس الوزراء منتصف هذا الاسبوع لإقراره رسمياً.
وأشارت الى انّ اللجنة غير معنية رسمياً بالتسريبات حول البيان الوزاري الذي كان لا يزال حتى أمس مسودة قيد النقاش، موضحة انّ الوزراء سيأتون اليوم بملاحظاتهم عليها، تمهيداً لإقرارها.
وأكّدت «انّ البيان سيكون متناسباً مع تحدّيات مرحلة الطوارئ التي نمرّ فيها حالياً، وبالتالي فهو سيتضمن الاولويات الحيوية والخيارات اللازمة لمواجهة هذه المرحلة والتعامل مع استحقاقاتها».
وفي الإطار عينه، رجّحت مصادر وزارية مطلعة عبر «الجمهورية»، ان يكون البيان الوزاري جاهزاً بالصيغة النهائية مساء غد الثلاثاء، وسيُعمّم بعدها على بقية الوزراء تمهيداً لإقراره في صيغته النهائية الخميس المقبل، ليحال الى المجلس النيابي تمهيداً لمثول الحكومة امام المجلس لنيل الثقة، وسط ترجيحات بأن تنعقد الجلسة الثلثاء من الاسبوع المقبل، لمصادفة الإثنين في العاشر من الجاري عطلة رسمية لمناسبة عيد ما مارون الذي يصادف الأحد المقبل.
مسودة
وكانت تسرّبت مسودة البيان الوزاري أمس، وجاء فيها، «إنّ الخطة المتكاملة ستشمل، على سبيل التعداد لا الحصر، مشاريع قوانين وإجراءات مجدولة على مراحل ثلاث من 100 يوم الى ثلاث سنوات.
أولاً: في الإصلاحات القضائية واستقلال القضاء، وثانياً: ستلتزم الحكومة في أول 100 يوم إقرار الإستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد والإسراع بتنفيذها. وثالثاً: سنلتزم بما ورد من إصلاحات في الورقة التي أُقرّت في مؤتمر سيدر «رؤية الحكومة اللّبنانيّة للإستقرار والنّمو وفرص العمل» ولا سيّما «الإصلاحات الماليّة والهيكليّة والقطاعيّة».
وتضيف المسودة، انّ الحكومة «ستحرص على تكثيف التواصل مع الدول العربيّة الشقيقة والصّديقة وكذلك أعضاء مجموعة الدّعم الدولي، والمنظمات والهيئات الدّولية الإقليميّة المعنيّة، بغية العمل على توفير وجوه الدعم كافة للبنان، في اعتبار أنّ استقراره ضرورة إقليميّة ودوليّة. وترى الحكومة ضرورة في إبتعاد لبنان عن الصّراعات الخارجيّة، ملتزمين إحترام ميثاق جامعة الدول العربيّة وخصوصاً المادة الثامنة منه مع إعتماد سياسة خارجيّة مستقلة.
وستواصل الحكومة تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصّديقة، والتّأكيد على الشراكة مع الإتّحاد الإوروبي في إطار الإحترام المتبادل للسيّادة الوطنيّة. كما أنّها تؤكّد على احترامها المواثيق والقرارات الدّولية كافة والتزامها قرار مجلس الأمن الرقم 1701 وعلى استمرار الدّعم لقوات الأمّم المتّحدة العاملة في لبنان».
وتقول المسودة ايضاً: «بما أنّ الغاز والنّفط هو مادة استراتيجيّة يتوجب علينا حمايتها، مما يتطلب تقوية القوات البحرية والجويّة ليصار الى حماية المنصّات والمياه الإقليميّة والمنطقة الخاصة الإقتصاديّة».
كذلك تؤكّد الحكومة، حسب المسودة «حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرّئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصّة بلبنان».
وتشدّد على العمل مع المجتمع الدّولي للوفاء بإلتزاماته التي أعلن عنها في مواجهة أعباء النزوح السوري، والترحيب بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين الى بلادهم. وتؤكّد التزامها أحكام الدستور الرّافضة مبدأ التّوطين والتّمسك بحق العودة للفلسطينيين. وكذلك تشدّد الحكومة على إعداد مشروع قانون للإنتخابات النيابيّة «يعكس تلاقي اللّبنانيات واللّبنانيين في الساحات ويحاكي تطلّعاتهم».
خطوات
وحسب المسودة، فإنّ خطة الإنقاذ الاقتصادية تتضمن «خطوات مصيرية وأدوات علاج ستكون مؤلمة» تجنباً «للانهيار الكامل الذي سيكون الخروج منه صعباً إن لم نقل شبه مستحيل».
كذلك تدعو الخطة إلى التواصل مع كل المؤسسات والجهات المانحة أو الداعمة من أجل تأمين الحاجات الملحة والقروض الميّسرة وتغطية الحاجات التمويلية للخزينة والاسراع في إجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي النفط والغاز وتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء كجزء من إصلاح قطاع الكهرباء.
وتتعهد الحكومة ان تكون:
– حكومة مستقلّة عن التجاذب السياسيّ تعمل كفريق عمل من أهل الإختصاص.
– حكومة تعتبر أنّ العديد من مطالب الحراك، هي ليست فقط محقة، بل هي في صلب خطّتها.
– حكومة نزيهة وشفافة تتواصل مباشرة مع جميع المواطنين، ومن صلبهم الحراك، وتتعهد الإلتزام والإستجابة لآليّات المساءلة والمحاسبة تحت الرقابة البرلمانيّة والقضائيّة والإداريّة والشعبيّة. ولن يُسمح باستباحة المال العام أو الأملاك العامة بما فيها المشاعات والأملاك البحريّة والنهريّة أو أي هدر كان.
– حكومة ملتزمة حماية حقّ التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي واحترام حقوق الإنسان. وهي في المقابل، تلتزم أيضاً القيام بواجبها بدعم القوى العسكريّة والأمنيّة المولجة حفظ الأمن والنظام العام».
كذلك يتضمن مشروع البيان حماية اموال المودعين، وخصوصاً الصغار منهم، واعادة رسملة المصارف ومعالجة القروض المتعثرة والاستمرار في سياسة الاستقرار النقدي وتحفيز النمو الاقتصادي واصلاحات تطاول قطاعات مختلفة سواء في التربية، الطاقة، الاشغال والاجهزة العسكرية والامنية وتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي وخدماتي الى اقتصاد منتج.
ويتضمن مشروع البيان ايضاً تعهّد الحكومة «العمل على كشف مرتكبي جرائم المال العام والسعي لاستعادته بمساعدة القضاء ومؤسسات متخصصة، والاسراع في إجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي النفط والغاز وإقرار قانون الصندوق السيادي وقانون الشركة الوطنية».
القوات
الى ذلك، وفي الطريق الى جلسة الثقة، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «انّ تكتل «الجمهورية القوية» سيشارك في جلسة الثقة عندما يتحدّد موعدها، لأنّه يعتبر أنّ هذه الجلسة تختلف عن جلسة الموازنة التي كان مشكوكاً في دستوريتها، كذلك تختلف عن جلسة اقرار قانون العفو. فجلسة الثقة هي جزء من مسار متكامل بدأ باستشارات التكليف في القصر الجمهوري واستُكمل في استشارات التأليف في مجلس النواب، وسيتوّج في جلسة الثقة في البرلمان، وبالتالي هذا مسار طبيعي وبديهي ودستوري وبالتالي، فإنّ تكتل «الجمهورية القوية» حريص على مبدأ الجمهورية وعلى الجانب الدستوري والمؤسساتي وحريص على المسارات الدستورية، وبالتالي إنطلاقاً من كل هذه العوامل، يعتبر أنّ مشاركته هي بديهية وطبيعية في جلسة من هذا النوع لا تشوبها اي شائبة، بل تأتي تتويجاً لمسار بدأ في التكليف وينتهي في الثقة».
وأضافت المصادر نفسها: «اما لجهة موقف تكتل «الجمهورية القوية»، فهذا التكتل سيحدّد موقفه النهائي من موضوع منح الثقة او حجبها عندما يصدر البيان الوزاري في صيغته النهائية، وعندما يُحدّد موعد جلسة الثقة سيلتئم التكتل من اجل اعلان موقفه النهائي. اما اليوم، وفي موقف اولي، يعتبر التكتل أنّه يميل الى عدم منح الثقة لسببين اساسيين:
السبب الاول هو انّ الطريقة التي تشكّلت فيها الحكومة مخالفة لما نادت به الناس المنتفضة منذ 17 تشرين، أي حكومة اختصاصيين مستقلّين. كما انّ تشكيلها خالف وجهة نظر «القوات اللبنانية» التي اعلنتها منذ 2 ايلول الماضي لجهة تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، وبالتالي تعتبر «القوات» انّ هذه الحكومة شابها خطيئة اصلية لجهة طريقة تكوينها، التي لا تساعد في إخراج لبنان من الازمة المالية، في اعتبار انّ الادارة السياسية هي نفسها لا تريد اخراج لبنان من الازمة.
اما السبب الثاني الذي جعل «القوات» تميل الى عدم منح الثقة، فهو متصل بطريقة مقاربة موازنة 2020 سواء لجهة مشاركتها في الجلسة أم لجهة تبنيها الموازنة الصادقة. فكيف لحكومة تقول انّها اصلاحية وتغييرية وتريد اخراج لبنان من ازمته، ان تتبنّى موازنة قديمة أولاً ولحكومة غيرها ثانياً، وتشوبها شوائب كثيرة إن اصلاحية أو لجهة أرقامها المالية، حيث انّ الازمة المالية تدهورت وانزلقت بمقدار كبير وكارثي ما بين الموازنة السابقة عندما أُقرّت، وبين الوضع الحالي اليوم.
وبالتالي هذه الطريقة في التعاطي بتبني الموازنة اثارت تساؤلات كبرى لدى تكتل «الجمهورية القوية» الذي، انطلاقاً من هذه الممارسة، وضع حولها علامات استفهام كبرى ويتجّه الى عدم منح الثقة.
وفي مطلق الحالات يعتبر التكتل انّ القرار النهائي يتصل بالبيان الوزاري، وفي ضوئه يبني موقفه النهائي خصوصاً انّه يعتبر صراحة أنّ هناك وجوهاً جديدة في الحكومة، ولذلك هو ينتظر، على رغم طريقة تشكيل الحكومة وتبنّي الموازنة. وعند تحديد موعد جلسة الثقة سيلتئم لإعلان موقفه النهائي».
غموض الوضع المالي
على الصعيدين المالي والاقتصادي والتماهي مع إنجاز مسودة البيان الوزاري، والذي يتضمّن في القسم الأكبر منه، مشاريع لها علاقة بعملية الانقاذ المالي، يبرز سؤال أساسي يتعلق بالنتائج التي خرجت بها الاجتماعات التي ترأسها رئيس الحكومة في السراي، في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس واعضاء جمعية المصارف اللبنانية: هل نجحت الحكومة في تكوين فكرة واضحة عن حقيقة الوضع المالي الذي تدور حوله علامات استفهام، والذي يبدو غامضاً رغم كل التصريحات المطمئنة التي يطلقها المسؤولون؟
وما يزيد مستوى القلق، رغم هذا الكم من التطمينات المحلية الصادرة حديثاً، هو الكلام المنسوب الى مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، خلال زيارته الى اسرائيل، حيث أعلن من هناك «إنّ الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، حيث نعتقد أنّ الاحتياطات الأجنبية (العملات) أقل بكثير مما تمّ الإبلاغ عنه علناً».
وهذا الكلام يعني مبدئياً، واذا تمّ استبعاد فرضية التضليل أو التهويل، انّ الولايات المتحدة تمتلك معلومات دقيقة عن حقيقة الوضع المالي، وهذا ليس مفاجئاً. لكن المفاجأة ان تكون هذه الارقام مختلفة تماماً عن الارقام المُعلنة في لبنان. وبالتالي، فإنّ كلام شنكر في شأن الحجم الحقيقي لاحتياطي العملات الأجنبية، يعيد الى الواجهة مسألة حتمية إطلاع الحكومة على الوضع بدقّة، لكي تأتي قراراتها متماهية مع الارقام الفعلية.
الحراك
من جهة ثانية، وعلى عكس الآحاد السابقة، غاب مشهد «الإقتتال» بين المتظاهرين والقوى الأمنية، فنظمت مجموعات من الحراك، احتفالاً في ساحة الشهداء تحت عنوان «يوم الإبداع اللبناني»، شارك فيه أكثر من مئة فنان وفنانة في مجالات الرسم والنحت والغرافيتي والموزاييك، نفذوا أعمالا تحاكي الحراك منذ 17 تشرين الأول الماضي.
وتضمنت فعاليات «يوم الإبداع»، حلقات رقص ودبكة ومعزوفات من الفولكلور اللبناني، وسط مشاركة لافتة من المواطنين. وقدمت فرقة كورال الفيحاء العالمي، عرضا فنيا بدأته بالنشيد الوطني على طريقة Acapella. أطلق بعده «نشيد الثورة».
* البناء
الجامعة العربيّة بدأت والتعاون الإسلاميّ تستكمل إعلان سقوط صفقة القرن… والشعوب تقول كلمتها
البيان الوزاريّ وتنقيحات اليوم تمهيداً لجلسة الغد: استقلال القضاء… والباقي تنميق سياسيّ
تظاهرة حاشدة أمام السفارة الأميركيّة… وحتّي في جدّة للمؤتمر الإسلاميّ… ولقاءات خليجيّة
كتب المحرّر السياسيّ
ترسم المعارك الدائرة شمال سورية صورة معادلات المنطقة، حيث تنهال الضربات على تركيا التي شكلت اللاعب الإقليميّ الأهم سواء خلال الحرب على سورية أو خلال التموضع على صفاف الحل السياسيّ. ويظهر التحالف السوري الروسي الإيراني ممسكاً بزمام المبادرة في المنطقة، وتبدو المصالح السياسية والاقتصادية الآنيّة، كتلك التي راهن عليها الرئيس التركيّ لمنحه هوامش مناورة جديدة، سواء شراكته في أنبوب الغاز الروسيّ نحو أوروبا أو توظيف دوره في الحرب الليبيّة لتقديمه كجسر للدور السياسيّ الروسيّ، دون مستوى الأسباب الاستراتيجيّة التي وضعها هذا التحالف نصبَ عينيه منذ قرّرت روسيا وإيران تموضعاً عسكرياً في مواجهة الحرب التي كانت تخوضها واشنطن لإسقاط سورية، وتحمّلتا الضغوط والحصار والحروب للتراجع ولم تفعلا؛ فيما تأتي نتائج الحرب لتقول إن الانتصارات المتدحرجة صارت قاعدة غير قابلة للكسر، وتأتي أخبار أفغانستان لتقول إن الأميركي يخسر هناك ما كان يتوقعه في العراق، بينما العراق يجد طريقه لحماية وحدته وخوض معركة إخراج القوات الأميركيّة مع تسمية رئيس جديد للحكومة تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة.
إقليميّاً، تتجه صفقة القرن نحو سقوط سياسي سريع، حيث جاء بيان الجامعة العربية، التي يشكل جماعة أميركا غالبيّة ساحقة فيها، امتداداً لغياب عربيّ عن إعلانها، رغم حضور ثلاثة سفراء عرب. فالمناخ الشعبيّ، بعد تبلور رفض فلسطيني جامع للصفقة ولكل أشكال تسويقها ولو كواحدة من مرجعيات التفاوض، فرض على العرب الذين برروا لعقود تخلّيهم عن فلسطين بشعار، نقبل ما يقبله الفلسطينيّون، أن يدفعوا فاتورة هذا الشعار ويسيروا وراء الفلسطينيين برفض واضح للصفقة. وهو ما ستفعله اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي اليوم في جدة، التي وصلها وزير الخارجية اللبنانية ناصيف حتي، وسط معلومات عن عقده اجتماعات خليجيّة تمهد لزيارة رئيس الحكومة لعواصم الخليج.
لبنانياً، أنهت الحكومة مسودّة بيانها الوزاري، وستكون هذه المسودّة موضوعاً لقراءة نهائيّة وتنقيحات أخيرة، وصفتها مصادر حكوميّة بالأقرب لإعادة الصياغة بما يلبي ما وصفته مصادر متابعة، خلوّ البيان من الجاذبية التي تمنحه قدرة إحداث صدمة مرجوة في الرأي العام، وتضمّن النص التزاماً واضحاً بالسعي لاستقلال القضاء، وأعاد فقرات عامة حول العلاقات العربية والدولية للبنان ورفض التوطين، ومثلها حول المقاومة، كما عرض للمشكلات الاقتصادية والمالية وعبّر عن نيّة مواجهتها، رغم الدخول في تفاصيل كثيرة من دون إنهائها بالتزام واضح ومشاريع قرارات محدّدة، سواء في قطاع الكهرباء، أو في تنظيم السحوبات من المصارف أو في وجود سعرين لصرف الدولار.
ولبنانياً أيضاً، كانت التظاهرة الحاشدة التي تجمّعت أمام السفارة الأميركية في عوكر صرخة لبنانية باسم مجموعات مشاركة في الحراك، تقول للأميركيين إن عليهم إعادة حساباتهم كثيراً فيما يمكن توقعه من لبنان لجهة توافر فرص لفرض الأجندة الأميركية، كما قد يظنّ البعض من مستثمري الحراك والساعين لتوظيفه لحساب الأجندة الأميركية.
وعقدت لجنة البيان الوزاري اجتماعها الثامن يوم السبت الماضي، برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب، وتوقّع وزير المال غازي وزني أن تنتهي اللجنة اليوم من صياغة البيان الوزاري، وأشارت مصادر وزارية لـ”البناء” الى أن البيان شبه جاهز ويتمّ وضع اللمسات الأخيرة عليه، مرجحة أن يعقد مجلس الوزراء جلسة غداً في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمناقشته وإقراره، على أن تحدد جلسة للمجلس النيابي مطلع الأسبوع المقبل للتصويت على الثقة.
وفيما تحدّثت وسائل إعلامية عن إشكالية لدى حزب الله على بند المقاومة في البيان، أوضح الوزير السابق محمد فنيش لـ”البناء” الى أن “الحزب ليس لديه مشكلة مع الصيغة المتفق عليها في بند المقاومة في البيان الوزاري”، موضحاً أن “النص لن يختلف عما ورد في الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف حتى في حكومة العام 2005 وما بعدها وفي حكومات الرئيس سعد الحريري والتي كرّست جميعها دور المقاومة في تحرير الارض المحتلة وفي الدفاع عن أرض لبنان وحدوده وسيادته وثرواته المائية والنفطية والغازية في اطار ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة”.
ولفت فنيش الى أن “صفقة القرن مشروع اميركي اسرائيلي جديد للمنطقة وأدخلها في مواجهة جديدة ونحن في لبنان سنواجهه أيضاً لرفض مشروع التوطين إلا إذا أراد بعض الداخل الانسجام والتماهي مع السياسات الأميركية فهذا شأنه، لكن الموقف الوطني العام والبيان الوزاري سيشدّد على رفض التوطين، استناداً الى وثيقة الوفاق الوطني والدستور اللبناني والمصلحة الوطنية”. وأضاف فنيش ان “المقاومة هي ضمانة إضافية كي لا يُفرض المشروع على اللبنانيين”، وأكد فنيش “بأن من يظن بأن المقاومة ستتنازل في هذه الملفات نتيجة الواقع الاقتصادي والمالي الصعب والفوضى في الشارع التي تدعمها بعض الجهات الخارجية، فهو مخطئ فلا تنازل ولا مساومة على مصير الوطن. فحفظ الوطن وسيادته أولوية ثم ننتقل الى كيفية ادارة شؤون البلد الاقتصادية والمالية”. ولفت فنيش الى أن “العناوين الاقتصادية والمالية التي سيتضمنها البيان محل توافق بين أطراف الحكومة، لكن العبرة في الخطط والآليات التطبيقية، والأهم إبعاد المواضيع المعيشية والاقتصادية التي تهم المواطنين عن التجاذبات والحسابات السياسية”، مشيراً الى أن “هذه الحكومة لديها فرصة جدية وكبيرة للإصلاح والنهوض بالاقتصاد وبالبلد إذا عملت كفريق عمل واحد ونفذت وعودها”.
بدوره اعتبر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن «على الحكومة أن تعمل على الموضوع النقدي والمالي والاقتصادي والاجتماعي، وأن تضع الخطط وأن تعرف أنها مسؤولة أمام الشعب وأننا معنيون بأن نسألها وأن نحاسبها أيضاً، ولكن من الآن أقول لكم، حاسبوا الحكومة على ما تملكه وما تعرفه، وأيضاً حاسبوا المدعين الذين يقولون بأنهم سيدعمون الحكومة من دول الخارج إذا لم يقدّموا لها الدعم المطلوب».
في غضون ذلك، نفذ عدد من الناشطين وقفة احتجاجية حاشدة في محيط السفارة الأميركية في عوكر رفضًا لـ»صفقة القرن»، وقد حاول المتظاهرون إزالة الأسلاك الشائكة الموضوعة في المكان وحصل اشتباك مع القوى الأمنية المولجة حماية حرم السفارة، ولكن اللافت استعمال القوة الأمنية مادة الرذاذ الحار ضد المتظاهرين ما أدى الى سقوط 6 إصابات.
وكان وزير الخارجية ناصيف حتّي أكد في مداخلته في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة «ان المطلوب في البيت العربي توفير أنواع الدعم كافة للموقف الفلسطيني والتحرك دولياً». وقال «ملتزمون بمبادرة السلام العربية التي تستند إلى مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة».
المصدر: صحف