ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 23 كانون الاول 2019، على ما بعد تكليف حسان دياب بتأليف الحكومة، اضافة الى التوتير في بعض المناطق…
* البناء
قصف «إسرائيلي» من فوق لبنان على جنوب دمشق لمحاولة التأثير على الحسم العسكري في إدلب
البطريرك الراعي للتعاون في تسريع تأليف الحكومة… وحردان لأولوية قانون الانتخاب
مليونيّة الأحد في الساحات احتجاجاً على تسمية دياب تتحوّل إلى آلاف أتى بهم «المستقبل»
كتب المحرّر السياسيّ
التساؤلات حول المناخ الإقليمي الذي أحاط بتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الدكتور حسان دياب، فتحت الباب لتسلل شائعات مفبركة، ومواقف معلبة، للإيحاء مرة بتسوية دولية إقليمية بين حزب الله وواشنطن لا أساس لها إلا في مخيلة مَن مكتب النص ونسبه إلى مجلة دير شبيغل الألمانية، وتولى الثنائي وليد فارس من واشنطن والوزير أشرف ريفي من طرابلس، وضعه تحت الضوء، قبل أن يكتشف الذين تناقلوه أنه مجرد غبار إعلامي مدسوس، ومرّة أخرى، باستحضار أشخاص لا صفة لهم للإيحاء بموقف خارجي رافض لتسمية دياب، سواء بأزياء خليجية أو بلكنات أميركية، بعدما أربكت صورة تشظي قوى الرابع عشر من آذار أي تحليل للمشهد اللبناني بالتساؤل عن حقيقة الموقف الأميركي والسعودي، الذي بدا غير مكترث برحيل الرئيس سعد الحريري أو بفشل محاولة تسمية السفير نواف سلام، وغير مستفَزّ بتسمية الدكتور حسان دياب، فزيارة معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل مبعوثاً من الوزير مايك بومبيو انتهت بانطباعات إيجابية لجهة عدم وجود قرار تصعيدي أميركي بوجه الرئيس المكلّف ما عكس حالاً من العبوس في وجوه رئيسَيْ حزبي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي سمير جعجع والنائب السابق وليد جنبلاط وابتسامات في وجه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، ووفقاً للمعلومات بدا هيل وقد تخطّى الفشل وتأقلم مع التسمية فاتحاً الباب للتعاون مع حكومة غير تصادمية منحها تسميات الإصلاحية والفعّالة، وهو ما تبلّغ أن الغالبية النيابية تسعى إليه بالتعاون مع الرئيس المكلف وعبرت عنه من خلال التسمية.
الاهتمام الأميركي الإسرائيلي انتقل من أحلام حول لبنان عبّر عنها مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر قبل أسبوعين بعد اجتماعات باريس، بحكومة توظف الحراك الشعبي لتلتزم ورقة ديفيد ساترفيلد لترسيم حدود النفط والغاز، ورئيس الأركان «الإسرائيلي» السابق غادي إيزنكوت حول الظرف المناسب لترسيم الحدود بما يحقق مصالح كيان الاحتلال، ليعود نحو ما يجري في سورية مع الحسم العسكري المتدحرج لحساب الجيش السوري في إدلب، حيث تتهاوى مواقع جبهة النصرة وتبدو ساعة معرة النعمان قريبة وبعدها سراقب وإدلب، ليصير السؤال الأميركي الإسرائيلي عن ساعة حقول النفط وساعة الجولان داهماً. وهذا الاهتمام ترجمته الرسائل العسكرية الإسرائيلية التي تجسّدت بغارات من الأجواء اللبنانية جنوب دمشق، أكدت مصادر متابعة أنها لن تبدّل في جدول أعمال الجيش السوري الذي اعتاد الرسائل المشابهة وواصل وسيواصل مهامه لتحرير كامل التراب السوري، على قاعدة أن الحساب مع الاعتداءات الإسرائيلية مفتوح لم ولن يُقفَل.
في هذا المناخ المحيط بلبنان ظهر الرئيس المكلف مستقوياً بهوامش حركة تحكم علاقته بالغالبية النيابية، تتيح له ترجمة تطلعات اللبنانيين لحكومة تواجه التحديات الداخلية والخارجية بشخصيات توحي بالثقة وتعبر عن وطنية خالصة تتمسك بمفاهيم السيادة الحقيقيّة وتعبّر فوق المحاصصة الحزبية تحت شعار الميثاقيّة، لتفتح ملفات بحجم مواجهة الأوضاع الاقتصادية التي فجّرت غضب الشعب اللبناني، بمعزل عن السلوك الحاكم لمن نصّبوا أنفسهم قادة على الشعب وغضبه المترجم في الساحات. وهذا الفصل بين الشعب وقادة الساحات عبر عنه اللبنانيون بالإحجام عن تلبية النداءات نحو مليونيّات موهومة كانت الدعوة إلى آخر نسخة منها أمس، مدعومة باحتفالات وهدايا ميلادية، لكنها تكشفت عن آلاف جلبهم تيار المستقبل من منطقة الشمال، ترجمة لدعوة الرئيس سعد الحريري بمواصلة التعبير مع التمسّك به لرئاسة الحكومة في الساحات بدلاً من مواجهة القوى الأمنية والعسكرية.
البطريرك الماروني بشارة الراعي قال إن وجع الناس يجب أن يحفّز الكتل النيابية للتعاون مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وتسريع هذا التأليف، بينما تميّز موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي من تشكيل الحكومة بما أدلى به رئيس المجلس الأعلى في الحزب أسعد حردان في مشاورات الكتل النيابية مع الرئيس المكلف، حيث قال باسم الكتلة القومية إن الأولوية تبقى لوظيفة الحكومة السياسية وفقاً للدستور. وفي هذا السياق الأولوية هي لقانون انتخاب جديد خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة وفق التمثيل النسبي.
وكانت الكتلة القومية الاجتماعية التقت في المجلس النيابي الرئيس دياب في إطار الاستشارات النيابية التي أجراها لتشكيل الحكومة الجديدة، وأكد رئيس الكتلة النائب أسعد حردان أنّ «الأساس هو الدستور الذي يشكل القاعدة والمعيار لتركيبة الحكومات، وبالتالي فإنّ ما نريده من الحكومة أن تعطي إشارات للمواطنين حول جدّيتها في العمل لاستعادة ثقتهم بدولتهم والتي هي للأسف مفقودة».
ولفت الى أن ما يجمع بين اللبنانيين هو المصير الواحد والمصلحة الواحدة، وما هو مطلوب البدء بالإصلاح السياسي من خلال قانون انتخابي جديد، يعتمد لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي، وطمأنة الطوائف بقيام مجلس الشيوخ الذي نصّ عليه الدستور. وإذا تمكّنت الحكومة من السير في هذا الإطار تكون الأمور وضعت على السكة الصحيحة لإنقاذ البلد.
ولفت إلى أن «كلّ المصطلحات حول تشكيل الحكومة يجب أن تستند إلى الدستور، وكلّ الحكومات كانت تجمع بين الاختصاصيين والسياسيين، ولكن الحكومة هي حكومة القرار السياسي في لبنان بوصفها السلطة الإجرائية وهي مَن تضع السياسات العامة، ولذلك نحن نؤكد على المعايير الدستورية مع الاستفادة من كلّ الطاقات والإمكانات التي تخدم البلد».
وفي موازاة انطلاق العمل لتأليف الحكومة الجديدة واصل تيار المستقبل التصعيد في الشارع رفضاً لتكليف الرئيس دياب، وعمدوا الى قطع عدد من الطرقات في البقاع والجية والناعمة وحصلت عمليات كرّ وفرّ مع الجيش اللبناني، وبعد فتحها من قبل الجيش أعاد أنصار المستقبل قطعها أمس، وسجلت اشتباكات بالأيدي مع الجيش الذي تعرّض الى اعتداءات بالحجارة والمفرقعات والعبارات النابية، كما توافد أنصار المسقبل من مناطق مختلفة الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح وانضموا إلى المعتصمين فيهما وسجلت بعض أعمال الشغب، وتفاوتت آراء المعتصمين في الساحتين، بين مَن يعترض على تكليف دياب بتأليف الحكومة، ومن يرى ضرورة إعطائه فرصة. كما حصل خلاف بين مجموعات وصلت إلى وسط بيروت هاتفة دعماً لسعد الحريري، مطالبة بعودته، وآخرين يرفضون هذه العودة.
إلا أن ما حصل على جسر المدفون فضح ما يُخفيه تيار المستقبل من نيّة لإحداث فوضى وفتنة تدفع دياب للاستقالة، فقد اعترض الجيش اللبناني مجموعة من الباصات محملة بأنصار المستقبل قادمين من طرابلس والشمال وأوقف بعضهم بعدما عثر الجيش بحوزتهم على آلات حادة وعصي وحجارة وكمامات كانوا يريدون استخدامها لافتعال أعمال شغب في ساحة الشهداء، وأفادت مصادر «البناء» أن الأجهزة الأمنية كانت على علم بما يعدّه بعض مناصري المستقبل في الشمال فاتخذت الإجراءات في أكثر من منطقة لإجهاض أي محاولة لافتعال إشكالات.
وأصدرت قيادة الجيش بياناً أشارت فيه الى أن «وحدات الجيش أوقفت في مدينة طرابلس 29 شخصاً بينهم 17 من الجنسيّة السورية، لحيازتهم أسلحة حربية وكمية من حشيشة الكيف، ولتجوّل بعضهم داخل الأراضي اللبنانية من دون إقامات شرعية وقيادة سيارات ودرّاجات نارية من دون أوراق قانونية وقد شملت المضبوطات مسدسين حربيين وكميّة من الذخائر وأعتدة عسكرية وممنوعات، وعدداً من الآليات والدرّاجات النارية وتمّ تسليم الموقوفين مع المضبوطات إلى المراجع المختصة».
وفيما توالى نواب المستقبل على مهاجة الرئيس دياب وإثارة مسألة عدم ميثاقية تكليفه، انعكس ذلك على سلوك مناصري المستقبل في الشوارع، ولوحظ أمس تجول أحد سفراء دول الخليج في أحياء طريق الجديدة بحسب معلومات «البناء»، وكان الرئيس دياب استقبل وفداً من الحراك الشعبي، ما أدّى الى انقسام داخل المجموعات، وقالت مصادر سياسية بيروتية لـ»البناء»، إن «قرار عدم استجابة الحراك الشعبي لإجراء مشاورات مع الرئيس دياب هو قرار الحكم المسبق غير المحسوب خصوصاً بعد التزام دياب تحقيق مطالب الحراك وضمّنه بيان التكليف في بعبدا وبيان الاستشارات النيابية من بهو المجلس النيابي».
واشارت الى ان «رفض تلبية الدعوة للاستشارات أمر مستهجن يجعل من الحراك مدعاة للريبة والشك بأهداف ونيات الحراك الحقيقية، خصوصاً بعدما تحول الحراك الى حال من الفوضى المتنقلة تجوب مختلف مناطق الوطن وتقطع أوصاله بما يشبه الانتحار».وأضافت المصادر أن «إتاحة الفرصة اللازمة للرئيس المستقل المتجاوب واجب وطني للعبور بالوطن الى ضفة الأمان ما يضمن تحقيق الإصلاح المنشود»، معتبرة أنها «الفرصة الإيجابية الوحيدة المتاحة فاقتنصوها».
* الجمهورية
دياب لحكومة «إختصاصيين مستقلين».. وتساؤلات عن خلفية مواقفه الجازمة
على وقع إنهاء مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل محادثاته في بيروت داعياً الى تشكيل «حكومة إصلاحات مستدامة»، أنجز الرئيس المكلف حسان دياب مشاوراته النيابية غير الملزمة لتأليف الحكومة، وانتقل منها الى مشاورات سياسية تمهيداً للبدء في اعداد تشكيلته الوزارية التي وعد بأن تكون من «الاختصاصيين المستقلين» وان ينجزها بين اربعة الى ستة أسابيع. فيما لم تتوقف حركة احتجاج مناصري تيار «المستقبل» وبعض قوى الحراك على تكليفه، حيث استمر هؤلاء في التصعيد وإقفال الطرق في بيروت وبعض المناطق.
كان اللافت خلال استشارات التأليف النيابية غير الملزمة، التي أجراها دياب طول السبت الماضي في مجلس النواب، انّ آراء مؤيدي تكليفه والمعارضين أجمعت على الدعوة الى تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، الى درجة انّ دياب نفسه أكد بإصرار وثقة في ختام هذه الاستشارات التي انتهت نيابياً وبدأت سياسياً، التزامه تأليف مثل هذه الحكومة واعداً بولادتها خلال اربعة الى ستة اسابيع حداً أقصى.
وقد تلاقت هذه الدعوات الى تأليف مثل هذه الحكومة مع المواقف الدولية التي تنادي بها ايضاً، ولاسيما منها الموقف الاميركي الذي ما برح ينادي منذ بداية الازمة الحكومية الى تأليف «حكومة تكنوقراط» من المستقلين بعيداً عن أي مشاركة حزبية او سياسية.
واشنطن لحكومة إصلاحات
وفي هذا السياق اعلنت وزارة الخارجية الاميركية في بيان اصدرته أمس أنّ وكيلها للشؤون السياسية ديفيد هيل اختتم زيارة للبنان استغرقت يومين حيث التقى مسؤولين حكوميين، من بينهم الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بالاضافة الى ممثلين عن الأحزاب السياسية.
وقالت الوزارة انّ هيل «حَضّ القادة اللبنانيين على إبعاد المصالح الحزبية، ودعم تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على إجراء إصلاحات مستدامة ومفيدة. كذلك دعا الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية إلى مواصلة ضمان حقوق المحتجين وسلامتهم. وأكد من جديد شراكة أميركا الطويلة الأمد والتزامها الدائم بلبنان الآمن والمستقر والمزدهر».
«الثقة بالنفس»
وفي غضون ذلك توقفت مصادر متابعة باهتمام عند ما وصفته «الثقة بالنفس التي يعبّر عنها الرئيس المكلف، والتي توحي كأنه محصّن بقوة دفع كبيرة ومدرك الأرض التي يقف عليها، الى درجة انه لم تؤثر فيه حتى الآن محاولات البعض للتشكيك به، ولإحداث شرخ بينه وبين القوى التي سَمّته، وهي محاولات بدأت مع استشارات التكليف ثم مع مشاورات التأليف وبينهما صموده المستمر امام ضغط الشارع، فضلاً عن طريقة تعبيره بحزم عن مواقفه والعبارات الحاسمة التي يستخدمها».
وأضافت هذه المصادر انّ هذه العبارات امّا تكون معبّرة عن واقع قوي ينطلق منه الرجل، وإمّا يمكن أن تتحول لغير مصلحته في حال عدم تمكّنه من الايفاء بها، فهي إمّا قد تكون تعابير دقيقة تعكس ما يملكه من خلفية ومن ضمانات تكفل قوة الدفع لديه، وإمّا قد تكون عكس ذلك فترتد سلباً عليه ويفشل في مهمته، خصوصاً اذا ثبت ان لا قوة دفع لديه. لكنّ الملاحظ انّ دياب لم يهتز امام الكلام التخويني الذي يتعرض له، ما دفع البعض الى الاعتقاد باحتمال وجود «قبّة باط حريرية» تشجّعه على تأليف حكومة وعدم الذهاب الى اللامكان».
ولاحظت المصادر أنه في خضم هذه التطورات المتسارعة جاء الموفد الاميركي هيل الى لبنان وتعامَل معها بقفّازات من حرير، على عكس مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر الذي يتعامل بقفازات من شوك.
إستشارات موسعة
وكان دياب قد واصل أمس اتصالاته ومشاوراته منتظراً وفداً يمثّل الحراك، فلم يزره سوى بعض الشخصيات التي لم يتعرف اليها الحراك، وهو ما تسبب بمواجهات كلامية بين محتجّين تجمعوا امام منزله في تلة الخياط بوجود مجموعات من قوى الأمن الداخلي، قبل ان تحضر ظهراً مجموعة من قوة مكافحة الشغب الى المكان مخافة وقوع مواجهات بين المحتجّين ومن تبنّى تمثيله للحراك.
ونَفت مصادر قريبة من الرئيس المكلف، عبر «الجمهورية»، مضمون بعض اللوائح التي تم تبادلها على وسائل التواصل الإجتماعي، والتي قالت انها تشكيلة حكومية أولية، معتبرة أنّ الحديث عن تشكيلة جاهزة ليس في مكانه. ولفتت الى انّ دياب يسعى الى حكومة مصغرة من الإختصاصيين المُلمّين بشؤون الوزارات تحديداً.
وقالت هذه المصادر انّ مشاوراته ستتوسع بدءاً من اليوم، لتشمل عدداً من الشخصيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وسيلتقي ممثلين لأحزاب غير ممثلة في مجلس النواب في الأيام المقبلة، في موازة البحث عن الوزراء الذين يرغب في أن يكونوا في عداد التشكيلة الجديدة.
وحيال اللغط الذي رافق لقاءاته بعدد من ممثلي الحراك أمس، قالت المصادر انّ دياب لم يعلن أنه التقى ممثلين عن الحراك، وانّ من ادعّى ذلك لا يمثّل إلا نفسه، وان الرئيس المكلف طلب التثبت من هوية زوّاره فور تبلغه بعض الخروقات التي حصلت.
وقالت هذه المصادر انّ مساعدي دياب فوجئوا ببعض الزوار في الوقت المحدد لممثلي الحراك كما تمنى من قبل. ولفتت الى انّ احد الزوار امس رغب أن يقدّم له كتاباً، مُستغلاً الموعد المحدد عند الثانية بعد الظهر، وإنّ لقاءه بالرئيس المكلف لم يتعدّ دقائق قليلة و»على الواقف». ولذلك، فإنّ وصف بعض الصحافيين هذا الزائر له بأنه ممثل للحراك لا يعني انّ دياب التقى ممثلين عنه.
وأشار دياب في سلسلة تغريدات عبر «تويتر» الى أنّ «لبنان في العناية الفائقة، ويحتاج الى كل جهد ممكن من القوى السياسية والحراك الشعبي»، مضيفاً «بدأنا الحوار مع الحراك ومهلة تشكيل الحكومة ستتراوح بين 4 و6 أسابيع».
وحدّد برنامج الحكومة بـ«محاربة الفساد والنهوض الاقتصادي والمالي». وشدّد على أننا «بحاجة إلى حكومة مُستقلين واختصاصيين»، كاشفاً عن أن «هدفه أن نشكل حكومة مصغّرة من نحو 20 وزيراً».
«القوات»
وفي سياق متصل، كشفت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» ان تكتل «الجمهورية القوية» «كان خلال لقائه مع الرئيس المكلف شديد الوضوح لجهة ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، واستفاضَ في الشرح حيال أهمية تأليف حكومة من هذا النوع، والتي تشكّل المعبر الوحيد لإنقاذ لبنان من نكبته المالية الاقتصادية غير المسبوقة منذ قيام الجمهورية اللبنانية الى اليوم».
وقالت هذه المصادر «إنّ «القوات اللبنانية» التي رفضت منح الثقة في التكليف لن تمنح التأليف ثقتها أيضاً، في حال لم تكن الحكومة مشكّلة على قاعدة اختصاصيين مستقلين، وهي متشددة جداً في هذه النقطة لأن البلاد في أزمة وطنية كبرى ولا يجوز المغامرة باستنزاف مزيد من الوقت حفاظاً على مواقع سلطوية والدفاع عن نفوذ سياسي على حساب مصلحة البلد وعلى حساب أولوية الناس. وبالتالي، في حال الاصرار على تأليف حكومة تكنو-سياسية وفق ما هو ظاهر لأنّ طريقة التكليف يبدو أنها ستنسحب على التأليف، فستكون البلاد امام مزيد من الانزلاق نحو الانهيار الشامل، الأمر الذي سيحمّل الاكثرية الحاكمة مسؤولية وتَبعات، ليس فقط ما وصلت اليه البلاد بفِعل سياساتها الفئوية والسلطوية، إنما ايضا بفعل عدم أخذها في الاعتبار ضرورة الذهاب الى حكومة إنقاذية حقيقية، وليس انقاذية في الشكل إنما انقاذية بالفعل وبالمضمون، لأنّ ما يحصل اليوم هو تركيبة نسخة طبق الاصل عن التركيبات السابقة، والفارق هو فقط في الشكل لناحية انّ القوى السياسية هي التي ستسمّي وزراء التكنوقراط حيث أنّ الادارة ستبقى نفسها، الادارة الاكثرية السياسية الحاكمة. وبالتالي، كيف يمكن منح ثقة لإدارة أوصَلت البلد الى الفشل، وهي نفسها تعود من نافذة مختلفة تسمّي الوزراء أنفسهم، الامر الذي يقود مجدداً الى الفشل.
الحراك والاعتراض
على صعيد الحراك لم يخفت وهج الإعتراض «السني» على تسميّة دياب رغم دعوات التهدئة، فأقفل أمس مناصرو «التيار الأزرق» الطرق من البداوي، المنية، البالما، شمالاً وكورنيش المزرعة وتقاطع المدينة الرياضية في بيروت، وخلدة والدامور على الطريق الساحلية الى الجنوب وبرّ الياس وتعلبايا وسعدنايل في البقاع.
أمّا على صعيد الإنتفاضة، فانطلق عدد كبير من المواطنين في باصات من طرابلس إلى بيروت للاعتصام وسط المدينة، رفضاً لتكليف دياب ودعماً لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. وعند نقطة جسر المدفون، توقّفت الباصات إثر إجراءات تفتيشية للجيش اللبناني، خلافاً لِما تداولته مواقع التواصل الإجتماعي حول منع هذه الباصات من المرور.
وشهدت ساحتا الشهداء ورياض الصلح ازدياداً ملحوظاً في أعداد المتظاهرين أمس، ولم يخلُ التحرّك السلمي من الأجواء المشحونة، فوقع إشكال بين المتظاهرين وبعض المُندسّين إستخدمت خلاله العصي والحجارة، وتدخّلت فرقة مكافحة الشغب لفَضّه. وأُفيد مساءً عن بدء انتقال المعتصمين إلى محيط مجلس النواب، بعد وصول أعداد من الناشطين من مناطق مختلفة.
كذلك تجمّع عدد من شباب الحراك المدني أمام منزل دياب في تلة الخياط احتجاجاً على ادّعاء البعض تمثيل هذا الحراك، ورفضاً لأيّ موعد للحوار مع الرئيس المكلف.
وعلى الأثر أكّد عضو الهيئة العامة لـ»هيئة تنسيق الثورة» محمد عبدالله أنّه «خلافاً لما يروّج، فإنّ الهيئة لن تلتقي الرئيس المكلف اليوم، وهناك نقاش بين المكونات في الهيئة العامة لوضع ورقة سياسية تحدد طريقة تعاملها مع الملف الحكومي، مع التأكيد والإصرار على تمسكها بحكومة اختصاصيين حيادية».
مأزق مُبكر
ومع بداية الاسبوع، تنطلق مساعي الرئيس المكلف لتشكيل حكومته. ومع هذه الانطلاقة، تتزاحم علامات الاستفهام المتعلقة بالوضع المالي والاقتصادي، وكيف ستقارب الحكومة الجديدة عندما ترى النور هذا الملف الرئيسي في مهمتها.
ويسود تخوّف مبكر من أنّ الحكومة المنتظرة قد لا تمتلك مساحة كافية من الحرية لكي تعالج الأزمة الاقتصادية، إذ تتداخل القرارات المالية بالحسابات والخطوط الحمر السياسية. وعلى سبيل المثال، هناك شبه إجماع على أنّ الخروج من المأزق المالي يحتاج دعماً خارجياً مباشراً. لكن من المعروف انّ هناك فريقا سياسيا في البلد يرفض من حيث المبدأ اللجوء الى صندوق النقد الدولي، ويعتبر انه نوع من أنواع الوصاية الدولية المرفوضة. والسؤال، كيف ستعالج أي حكومة تكنوقراط مثل هذه الاشكالية وهي واحدة من لائحة طويلة من الاشكاليات التي يحتاج تذليلها توافقاً سياسياً حولها، غير متوافر حتى الان، وليس مضموناً انه سيتوافر في المستقبل؟
أزمة حياتية
الى ذلك، يُجمع الاقتصاديون على ان الأزمة الحياتية لم تبدأ فعليا بعد، وان اللبناني سيشعر بثقل الوضع المعيشي بدءاً من 2020، وتحديدا في شباط، عندما يبدأ مخزون السلع بالنضوب.
وقال مصدر متابع لـ«الجمهورية» انّ «نمط حياة المواطن اللبناني سيتغيّر، وسيكون عليه أن يعتاد عدم توفُّر الكثير من السلع الاستهلاكية في الاسواق. كما انّ مدخوله سيتراجع، وستصبح قدراته الشرائية ضعيفة، وسيشعر بضيق العيش من كل النواحي. كذلك سيكون على المواطن ان ينسى كل ما هو مصنّف ضمن الكماليات. لا سيارات جديدة من الشركة، لا أدوات كهربائية مستوردة، ولا قطع غيار، ولا أصناف طعام فاخرة…
وزير خارجية ايطاليا
أعلنت السفارة الإيطالية في بيروت انّ وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي لويدجي دي مايو سيزور لبنان اليوم، وسيلتقي نظيره اللبناني جبران باسيل، على أن يزور بعد ذلك مقر القوات الدولية في الناقورة ويتفقّد الكتيبة الإيطالية العاملة في إطار هذا القوات في جنوب لبنان.
* اللواء
مشاورات التأليف على إيقاع مفاوضات مبادلة الفاخوري بتاج الدين
هيل يمنح المؤلفين مهلة تنتهي أوائل العام.. والرياض تشترط قبول دار الفتوى لدياب
لم يقتصر «احد الرفض» على تظاهرة، وحشد في وسط بيروت، ومجيء حافلات من الشمال والبقاع، لترفع الصوت مع بيروت، بوجه انتقائية في تكليف الشخصية التي ستؤلف الحكومة الجديدة، بل ترافقت مع مواقف عبّرت عنها الشعارات التي رفعت، في وقت تَزيْن الدول المعنية وهي تنتظر، الموقف انطلاقاً من حركة الشارع التي ترفض تسمية دياب، أو انطلاقاً مما وصفه الإعلامي السعودي المسؤول عن الملف اللبناني في وزارة الداخلية السعودية فهد عبد الله الركف من ان «وجود عامل الثقة بين رئيس الحكومة والدول المانحة والتأليف لن يتم الا إذا رضي الشارع اللبناني».
وأوضح الركف، في أوّل تعليق من نوعه ان «السعودية لن تتصل برئيس الحكومة المكلف حسان دياب اذا قام بتشكيل الحكومة المقبلة، الا اذا حصل على المباركة من دار الافتاء»، مشدداً على ان «حزب الله هو من اوصل بدياب الى التكليف، ونحن بانتظار رضى الشعب اللبناني على موضوع التكليف والتأليف».
وفي السياق، علمت «اللواء» من مصادر دبلوماسية ان وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل أبلغ من يعنيه الأمر من التحالف الذي سمى دياب لرئاسة الحكومة ان المهلة المسموح بها قصيرة جداً لتأليف الحكومة، وهي نهاية هذه السنة أو الأسبوع الأول من السنة الجديدة، نظراً لضيق الوقت المتاح لتوفير ما يلزم من دعم.
وفي إطار مهمة هيل، علمت «اللواء» أيضاً من مصادر متقاطعة ان الديبلوماسي الأميركي بحث لوقت غير قصير مع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل في موضوع إطلاق سراح العميل الموقوف عامر الفاخوري، الذي حكم بالاعدام من قِبل القضاء اللبناني، سواء على مستوى الدرجة الأولى أو التمييز، حيث ردَّت الدفوع شكلاً لمعارضتها للقانون، سواء في ما يتعلق بمرور الزمن أو غيره.
وإذا كانت المواجهة على الساحة القانونية ما تزال قائمة، لجهة ان محامي الدفاع عن الفاخوري طلبوا بردّ القاضية التي ردَّت الدفوع الشكلية، فإن المعالجة خرجت، وفقا لمصادر مطلعة من يد القضاء إلى التفاوض السياسي.
وفي الإطار هذا، كشف الوزير السابق وئام وهّاب، في حوار مع محطة L.B.C.I، ان ما عرضه هيل صحيح لجهة إطلاق سراح الفاخوري الذي يحمل الجنسية الأميركية، مقابل إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين الموقوف في الولايات المتحدة الأميركية، بتهمة مساعدة «حزب الله» مالياً.
وكانت مجلة «دير شبيغل» الالمانية كشفت ذلك في عددها الأخير.
مشاورات التأليف: تسهيل المهمة
إلى ذلك، كان لافتاً للانتباه إعلان الرئيس المكلف حسان دياب انه لن يعتذر عن التكليف، وانه ماضٍ في اتصالاته لتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، وان من يُشكّل الحكومة هو رئيس الحكومة وليس أحداً غيره، ما طرح تساؤلات عن سبب ثقته بنجاح مهمته في تشكيل حكومة، كان قد حدّد لتشكيلها مهلة شهر أو ستة أسابيع، قبل ان يتمنى لاحقاً تخفيض هذا السقف الزمني إلى أقل من ذلك، وعما إذا كان يملك غطاء حزبياً لاطلاق يده في عملية التأليف، لم يتوفر لغيره، أو انه حُجب عن هذا الغير بقصد احراجه لاخراجه من العملية السياسية التي كانت جارية للتأليف قبل التكليف؟
ما ظهر من مواقف في الاستشارات النيابية غير الملزمة في المجلس النيابي عكس ملامح أجواء تهدئة، ربما تكون من باب المناورات، أو ان الرئيس المكلف يملك فعلاً ورقة بيضاء للتصرف بحرية، حيث حرص «حزب الله» ومعه تكتل «لبنان القوي» على إرسال إشارات مطمئنة، عبر عنها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد، وان بنبرة عالية كالمنتصر، ان ليس في ذهن أحد تشكيل حكومة مواجهة أو حكومة من لون واحد، فيما كان هناك تقاطع لافت في مواقف النواب، من خلال إجماع نيابي على المطالبة بأن تكون حكومة اختصاصيين، بخلاف ما كان يتردد قبل التكليف، إذ غابت كلياً عن هذه المواقف عبارة «حكومة تكنو-سياسية»، وكأن هناك كلمة سر بتغييب هذه العبارة، في إشارة إلى تسهيل المهمة بالتزامن مع اتصالات جرت خلال اليومين الماضيين بين القوى السياسية المؤيدة للتكليف، من أجل تسريع عملية التأليف خلال مهلة لا تتجاوز الأسبوعين، استناداً إلى جملة اعتبارات أهمها ان وضع البلد لا يحتمل التأخير نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية والمالية والأمنية الضاغطة، ونتيجة المخاوف من ضغوط إضافية من الداخل والخارج قد تطيح بالأمل الأخير بالخروج من الأزمة الراهنة.
وعلمت «اللواء» ان التوجه هو لإنهاء تشكيل الحكومة خلال اسبوع اواسبوعين على الاكثر، خاصة ان القوى السياسية التي كان الرئيس دياب يعوّل على الاتصال بها للمشاركة في عملية التشكيل اخرجت نفسها من هذه العملية وقررت عدم المشاركة («المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب»)، مايمكن ان يختصرمزيداً من الوقت، وعليه، ترتقب الاوساط المتابعة للتشكيل ان تبصرالحكومة النور في الاسبوع الاول من الشهر المقبل. وفيما لم تصدر اي معلومات رسمية عن اي تواصل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف عقب انتهاء الاخير من مشاوراته مع الكتل النيابية وبعض ممثلي الحراك المدني افيد ان تواصلا تمّ، على ان اي لقاء يعقد بينهما وارد في اي لحظة . وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان الموضوع الحكومي وضع على نار حامية والمشاورات تتم سواء سرية او علانية من اجل وضع خارطة الطريق لهذا الموضوع قوامها ما سمعه الرئيس المكلف في مشاوراته ورغبته في تأليف سريع لحكومة الاختصاص تنصرف الى وضع اولويات الاصلاح وانقاذ ما يجب انقاذه.
ولفتت المصادر الى انه من الواضح ان الدكتور دياب يدرك تماما ان الوقت ليس للترف وان مساعيه يراد ان تتكلل بالنجاح خصوصا انه حدد مواصفات الحكومة ويبقى العمل على البحث في كيفية توزيع الحقائب واختيار وزراء نظيفي الكف وذوي الاختصاص كما طالب الرئيس ميشال عون وهو ايضا ما يوافق عليه الرئيس المكلف.
واكدت المصادر ان اتصالات الرئيس المكلف ستتكثف في الايام المقبلة وسيوسع دائرة مشاوراته من اجل وضع ما قاله بعد تكليفه وانهاء مشاوراته في مجلس النواب موضع التنفيذ.
مهمة هيل
إلى ذلك لاحظت مصادر سياسية مطلعة، ان الأجواء التي أحاطت بالتكليف والمشاورات الجارية للتأليف، ولا سيما زيارة معاون وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى بيروت، تُشير إلى عدم ممانعة أميركية في تكليف دياب طالما انه يلتزم تشكيل حكومة اختصاصيين او على الاقل لا وجود سياسياً مباشرا ل «حزب الله» فيها. وثمة معلومات لا يزال الغموض يحيطها، مفادها ان الاتصالات بين الجانبين الاميركي والايراني التي جرت مؤخرا برعاية من سلطنة عُمان قد تصل الى نتائج ايجابية تخفف التوتر بين الجانبين في ملفات المنطقة لا سيما في العراق واليمن، والتي كانت تنعكس سلباًعلى لبنان، وان هذا الجوالايجابي انعكس على لبنان فجرى اختيار حسان دياب في تقاطع محلي – اقليمي – دولي، وجاء هيل ينقل الى المعنيين الموقف الاميركي الذي أعلن من عناوينه في تصريحاته. عدا عن ان جانباً اساسياً من لقاءات هيل الذي غادر بيروت أمس، بعد لقاءات مع الوزير باسيل وقائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ركزت على موضوع ترسيم الحدود جنوباً واستخراج النفط والغاز من البحر، وعلى الوضع الاقتصادي. وتردد انه طرح ايضا موضوع العميل الموقوف عامر الفاخوري الذي يحمل الجنسية الاميركية، فكان الجواب اللبناني ان الفاخوري غيرمحكوم بعد وانه يجب انتظار ما سيقرره القضاء خلال محاكمته. اضافة الى انه جرى طرح موضوع النزوح السوري وتأثيراته على لبنان وامكانيات الدعم الدولي للبنان لتخفيف حدة وانعكاسات هذه الازمة.
وذكرت مصادر اطلعت على جانب من لقاءات هيل انه ابلغ بعض من التقاهم، «ان الادارة الاميركية مستعدة لدعم حكومة دياب اذا تم تشكيلها من اختصاصيين مستقلين وغير مثيرين للجدل، وكانت حكومة توحي بالثقة وتوفر الاستقرار السياسي وتعالج الازمة الاقتصادية وفق برنامج واضح، وان الاميركيين غير معنيين بالاسماء».
وفي بيان لها، لفتت الخارجية الاميركية إلى أن «هيل حث القادة اللبنانيين على ابعاد المصالح الحزبية ودعم تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على إجراء إصلاحات مستدامة ومفيدة، كما دعا هيل الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية إلى مواصلة ضمان حقوق المحتجين وسلامتهم وأكد من جديد شراكة أميركا الطويلة الأمد والتزامها الدائم بلبنان آمن ومستقر ومزدهر».
وافادت المعلومات ان الجانب الاميركي اقتنع على ما يبدو من الاوروبيين ان مخاطر ومفاعيل الانهيار في لبنان ستكون اكبر واخطر من مفاعيل تشكيل حكومة مقبولة تساهم في عملية الاصلاحات ومعالجة الازمات المعيشية والاقتصادية، لا سيما وان الرئيس دياب شخصية معتدلة وغير صدامية وهو يحمل الصفة الاهم التي يطالب بها الجميع: الاختصاص او التكنوقراط.
دعم بطريركي ورفض سعودي
وتلقى دياب أمس، دعماً مشتركاً من البطريرك الماروني بشارة الراعي، والرئيس أمين الجميل، اللذين دعوا للتعاون مع الرئيس المكلف وتشكيل حكومة طوارئ إنقاذية على مستوى الاقتصاد والاجتماع والاصلاحات وإيقاف تفاقم الدين العام وتنامي العجز.
ولاحظ الرئيس الجميل ان خطوة تكليف رئيس الحكومة قد تشكّل مدخل خير للبلاد وانتشال لبنان من المستنقع.
ولفت إلى ان مقاربة حزب الكتائب بالنسبة للحكومة إيجابية، وهذا دليل على تعاونها، لكن من المهم جدا ان يتحدى الرئيس المكلف كل من يشككون به ويتحمل مسؤولياته بالكامل.
في المقابل، كشف النقاب عن تحفظ سعودي حيال التكليف، عبر عنه المسؤول عن الملف اللبناني في وزارة الداخلية السعودية، فهد عبد الله الركف الذي أكّد في اتصال مع تلفزيون L.B.C.I ان السعودية تقف إلى جانب الشعب اللبنانية بكل طوائفه، ولم ولن نترك لبنان ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري هو واحد من الشعب اللبناني، وليس هناك أي مشكلة بين السعودية وبينه، ولم ينقطع الاتصال ساعة واحدة مع رؤساء الحكومات الثلاثة»، مشيراً الى «ضرورة وجود عامل ثقة بين رئيس الحكومة والدول المانحة والتأليف لن يتم الا إذا رضي الشارع اللبناني»، موضحاً ان «السعودية لن تتصل برئيس الحكومة المكلف حسان دياب اذا قام بتكليف الحكومة المقبلة، الا اذا حصل على المباركة من دار الافتاء»، مشدداً على ان «حزب الله هو من اوصل بدياب الى التكليف، ونحن بانتظار رضى الشعب اللبناني على موضوع التكليف والتأليف».
المهمة الأصعب
ومع ان جرعة الدعم التي تلقاها الرئيس من البطريرك الراعي والرئيس الجميل كانت لافتة، خصوصاً إذا ما شاركت الكتائب في الحكومة، الا ان المهمة الأصعب التي تواجه الرئيس المكلف، هي إيجاد قناة تواصل حقيقية وتفاهم مع ممثلي الحراك الشعبي لتمثيلهم في الحكومة، وسط رفض تام من الحراك للدخول في جنة السلطة، وانقسام ظهر في صفوف بين من يرفض التعاون من الرئيس دياب بالمطلق وبين من يريد ان يعطيه فرصة لتأليف حكومة.
ولوحظ ان عددا من شبان وشابات الحراك تجمعوا امام منزل الرئيس المكلف في تلة الخياط احتجاجاً على ادعاء البعض تمثيل الحراك، وقال هؤلاء انه إذا أراد الرئيس دياب محاورة الحراك، فلماذا لا ينزل ويحاورنا في الشارع؟
وتبين ان المشاورات التي قالت أوساط الرئيس المكلف انها جرت أمس مع ممثلين للحراك، لم تتجاوز ثلاثة أشخاص، جاؤوا بشكل منفرد، بينهم الإعلامي محمّد نون الذي يدير حالياً موقعاً الكترونياً، وكان مسؤولاً سابقاً لقناة «العالم» الإيرانية في بيروت ونبيل الحجار وشخص من آل عيتاني.
وأوضح نون لـ «اللواء» انه عرض للرئيس دياب مطالب الحراك، وان دياب كان مستمعاً في معظم المقابلة.
واللافت أيضاً ان التجاوب مع الدعوة «لأحد الرفض» في إشارة إلى رفض تكليف دياب، جاءت أقل مما كان الحشد يؤمنه سابقاً، واقتصر على بعض مئات من المحتجين من مناطق مختلفة إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وانضموا إلى المعتصمين في الساحتين، قبل ان ينتقلوا الى الساحة المواجهة لمجلس النواب، وتفاوت آراء هؤلاء من بين يعترض على تكليف دياب ومن يرى ضرورة اعطائه فرصة، كما حصل خلاف بين مجموعات من حراك طرابلس والشمال وصلت إلى بيروت دعماً للرئيس الحريري والمطالبة بعودته إلى رئاسة الحكومة، وبين آخرين رفضوا هذه العودة.
وافيد عن اشكال كبير حصل بين هذه المجموعات والمعتصمين، بعدما هتف شبان: «من إدلب إلى بيروت.. ثورة ثورة لا تموت»، ما اثار اعتراض الآخرين وجرى تدافع بينهم، تدخلت على اثرها القوى الأمنية للفصل بينهم.
وأصدرت قيادة الجيش بيانا أوضحت فيه ملابسات ما حصل على حاجز جسر المدفون مع الشبان الذين كانوا يستقلون باصات للانضمام إلى اخوانهم في بيروت. وقالت ان ما حصل هو «مجرد عمليات تفتيش مشددة تندرج في إطار إجراءات حفظ الأمن التي تقوم بها وحدات الجيش»، ونفت ما «تردد عن منع أي من الباصات من العبور»، ولفتت إلى ان عدداً من الأشخاص حاولوا الاعتراض على عمليات التفتيش رافضين الامتثال لتعليمات الحاجز، فتم توقيفهم لفترة وجيزة ثم أطلق سراحهم، وتم ضبط عدد من العصي وقناع غاز وكمامات داخل الباص.
وخلف الحادث زحمة سير خانقة وامتداد أرتال السيّارات لمسافات بعيدة.
من جهة ثانية، عادت حركة السير إلى طبيعتها في كورنيش المزرعة، وباتت الطريق سالكة في الاتجاهين، بعدما عمد عدد من أهل منطقة الطريق الجديدة قرابة السابعة مساءالى قطع الطريق بالاتجاهين امام جامع عبد الناصر، وسط انتشار كبير لوحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي.
كذلك اعيد فتح طريق المدينة الرياضية، بعد قطعها بالاتجاهين، لفترة قصيرة، بالاطارات المشتعلة في إطار التعبير عن رفض تكليف دياب.
وافيد عن إصابة 4 أشخاص بجروح، نتيجة اشكال وقع في خيمة الحراك في مدينة عاليه بين المعتصمين في الخيمة وعناصر من الحزب الاشتراكي، وتدخلت فوراً قوة من الجيش وعناصر من قوى الأمن الداخلي لتطويق الاشكال، وفتح تحقيق في الحادث، في حين نشطت فعاليات المدينة لتطويق ذيوله.
اختناق اقتصادي
اقتصادياً، يواجه التجار عشية عيد الميلاد ازمة خانقة، وقال زافي تاباكيان إن متجره لبيع الألبسة يعمل منذ أكثر من 30 عاما لكنه لم يشهد من قبل شيئا مثل هذا. وأضاف أن المبيعات انخفضت بنسبة 80 بالمئة في ديسمبر كانون الأول رغم أنه خفض أسعاره.
وقال تاباكيان الذي ينتج ويبيع الملابس في ضاحية برج حمود كثيفة السكان إنهم الآن يرون الزبائن يدخلون ويسألون عن الأسعار ثم يغادرون. ووصف الوضع بأنه مخيف.
وتراجعت حجوزات الفنادق والطائرات خلال موسم مزدهر عادة في لبنان الذي يضم أكبر نسبة من المسيحيين مقارنة بعدد السكان في دول العالم العربي.
ويعود كثيرون من المغتربين اللبنانيين إلى ديارهم في عيد الميلاد.
لكن بيار أشقر نقيب أصحاب الفنادق بلبنان قال إن الحجوزات في ديسمبر كانون الأول انخفضت من النسبة المعتادة ما بين 65 و75 بالمئة إلى ما بين سبعة و15 بالمئة.
وأضاف أن الفنادق أغلقت أجزاء من مبانيها وتعطي العاملين عطلات غير مدفوعة الأجر وتلغي خدمات مثل حافلات النقل المجانية من وإلى المطار لتقليل النفقات.
واختارت بعض المجالس المحلية إما استخدام زينة عيد الميلاد المتبقية من العام الماضي أو قضاء العيد دون زينة.
* الاخبار
هل يحرق رئيس الحكومة المستقيل نفسه أم خَلَفه؟ الشارع آخر أوراق الحريري
لم يتقبّل الرئيس سعد الحريري مرور تكليف حسان دياب بتأليف الحكومة بسلاسة. خسارته أدّت الى ارتفاع منسوب توتّره وتوتّر مناصريه، يُترجم اليوم بغضبة سنيّة احتجاجاً على التسمية… فهل يلعب الحريري ورقته الأخيرة في الشارع؟
لم يحسِبها رئيس الحكومة السابِق سعد الحريري صح، حينَ ظنّ أن الفرصة باتَت مؤاتية للتخلّص من شريكه في التسوية، الوزير جبران باسيل. لذلك، حينَ أوحى إليه الأميركيون بأهمية الاستقالة في لحظة انطلاق الحراك الشعبي، من ضمن مشروع انقلاب كبير يهدف الى إطاحة حزب الله من الحكومة وتجاهل نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، لم يتأخر في تنفيذ ذلك كله، ليُفاجأ بعدَها بأن واشنطن نفسها تتخلّى عنه. قطارُ تأليف الحكومة مع الاستشاراتِ غير المُلْزِمة التي أجراها الرئيس المكلّف حسان دياب مع الكتل البرلمانية أَقلع، من دون أن يُبدي الأميركيون ولا أي دولة أخرى ملاحظة بشأن التسمية.
فجأة وجدَ رئيس «تيار المُستقبل» أن الأمور تجاوزته. خسِر رهاناته بالعودة الى رئاسة الحكومة، سواء بالتعويل على المفاوضات مع حزب الله وحركة أمل باتباع سياسة أنا أو لا أحد غيري، أو بالاستثمار في التحركات في الشارع. خسارة أدّت الى ارتفاع منسوب توتّره، وتوتّر مناصريه على الأرض، يُترجم بـ«غضبة» احتجاجية على تسمية حسّان دياب، وببعض التصريحات التي تتحدث عن سقوط الشرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، كما غرّدت النائبة ديما جمالي أمس. الأكيد أن الأخيرة لم تنشر هذا الموقف من دون إيعاز من «كِبار» التيار، الذين تقصدوا إيصال رسالة الى المعنيين برفض تسمية دياب. مع أن الحريري نفسه، بعيداً عن الشارع الملتهب في مناطِق نفوذه، يظهر هادئاً ومتعاوناً مع رئيس الحكومة المكلف، فيما تشير بعض المعلومات الى «مُفاوضات تُخاض مع أجل التمثل في الحكومة، ليسَ عبرَ أشخاص محسوبين عليه بشكل رسمي، لكن يحظون بغطائه». هنا يظهر حجم التخبّط لديه. شارعه متوتر. هو نادم على الاستقالة وعدم القدرة على العودة الى الحكومة، لكنه مجبر على التعامل بواقعية، بعد كل المؤشرات التي تفيد بوجود ملاحظات أو فيتو دولي وإقليمي عليه.
ثمّة من يرجّح أن لا يحرق الحريري كل المراكب مع 8 آذار، وتحديداً حزب الله، لأنه «يتوقع لحظة مستقبلية تُعيده الى السراي الحكومي. وهذه اللحظة لا يُمكن أن تأتي إلا برضى الحزب وموافقته». وهذا ما يجعله يقِف بين منزلتين: إما ترك الخيار لشارعه بالتعبير عن رأيه، وعدم إظهار التعاون مع الحكومة على أمل إسقاط دياب في الشارع، من أجل العودة اليه كخيار وحيد، وإما التعامل بواقعية وبانفتاح مع الجميع لفتح صفحة جديدة تؤمّن له العودة في ما بعد. حتى الآن تعتبر مصادر في 8 آذار أن «الحريري يراهن من جديد على الشارع، وكأنه يلعب الورقة الأخيرة»، فإما أن «تحترق ورقة دياب، وإما أن يخسر الحريري هذه الورقة ويخسر ما تبقّى لديه».
حزب الله وحركة أمل يتمسّكان
بمشاركة الحريري
في الحكومة
ليسَ الحريري في موقع يُحسد عليه، فهو بلا غطاء إقليمي ولا دولي، وبلا حلفاء في الداخل. موقف القوات يؤشّر الى بقائه وحيداً. موقف النائب السابق وليد جنبلاط وتغريدته أكدا فشل مسعى إعادة شدّ أواصِر ما كان يُسمّى فريق 14 آذار. وحدهم الذين حاول الحريري قلب الطاولة عليهم، ما زالوا ملجأه الأخير. فرُغم ما قيل عن عدم مشاركة «المستقبل» في حكومة دياب، ولا حتى بوجوه «تكنوقراط»، تقول المعلومات إن حزب الله وحركة أمل يتمسّكان بتمثيل الحريري في مجلس الوزراء. الاتصالات مع الحريري غير مقطوعة، في محاولة لاستمالته. يفضّل الثنائي أن «تكون أسماء الوزراء السنّة في الحكومة مغطاة من الحريري، إن لم يُسمّيها هو، فعلى الأقل تأتي بالاتفاق معه». هذا الجوّ عبّر عنه الحزب بلسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، محمد رعد، الذي قال إن «الحكومة بقدر ما تكون أوسع تمثيلاً، توفّر وقتاً وتساعد على الإنجاز». وقد سبقه الى ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري في حديثه الى الرئيس المكلف عن «ضرورة ضم أوسع تمثيل وعدم استثناء أحد، حتى أولئك الذين صوّتوا ضده». مصادر فريق 8 آذار تُعيد التمسّك بالحريري الى الأسباب ذاتها التي سبق أن دفعته إلى تفضيل الحريري على أي اسم آخر لرئاسة الحكومة: «الحفاظ على السلم الأهلي وعدم السماح بحصول توتير مذهبي»، ولأن «الحريري لا يزال الأكثر تمثيلاً داخل طائفته». تعتبر هذه المصادر أن «الحريري ارتكبَ أكبر خطأ في حق نفسه»، خاصة أن «حزب الله وحركة أمل لم يكونا في وارد التخلّي عنه لولا قراره هو بالانسحاب»، مشيرة إلى أنه «يجب عليه الآن عدم تكرار الخطأ، ولا استبعاد نفسه عن الساحة السياسية، أو المراهنة على أصدقاء من الخارج». تؤكد المصادر أن «8 آذار يرفض تحييد الحريري، أو عزله، وسيحاول جاهداً منعه من عزل نفسه».
زيارة هيل: أميركا خسرت جولة الحراك
ابراهيم الأمين
كما في كل مرة، يفترض من يعملون مع الولايات المتحدة أن واشنطن تعمل في خدمتهم. لذلك، وإذا ما تراجعت خطوة الى الخلف، يتهمونها بالخيانة والخذلان، أو بعقد صفقة حتمية مع خصومهم، وهم – في حالتنا – إيران وحلفاؤها في لبنان. أما ما لن يحصل، فهو إقرار من يفترض نفسه حليفاً لأميركا، بأنه واهم ويفترض لنفسه موقعاً ليس له أساساً.
لم يكن ديفيد هيل لطيفاً كما روّج كثيرون. بل كان عاكساً لحقيقة موقع إدارته في هذه اللحظة السياسية. انتظر الرجل وإدارته ستين يوماً قبل أن يأتي الى لبنان. انتظر أن تحترق بيروت تحت أقدام خصوم أميركا وخصوم 14 آذار. لكن الإحباط أصابه، وهو يكرّر لوم نفسه على استمرار الرهان على مجموعات وقوى لبنانية لم تنفّذ يوماً مهمة واحدة بنجاح. انتظر هيل وإدارته كل القوى التي تطوعت وكتبت ونظّرت لتغيير جذري يطيح السلطة التي تعطي أذنها لإيران وحزب الله، ويأتي بسلطة «تحظى بثقة المجتمع الدولي». طال الانتظار. وفيما كانت الشاشات تقدم المشهد اللبناني على أنه انقلاب عام، كانت السفارة الاميركية في بيروت تكتب تقارير مغايرة حول ما يحصل، إذ يعرف فريق السفارة حقيقة الوضع تماماً. والنقاش داخل الأجهزة الاميركية المختلفة حول لبنان لم ينته الى انتصار وجهة على أخرى، بل انتصر الموقف السابق الذي يقول بالسعي الى إدارة الازمة بأقل الخسائر الممكنة. جاء هيل وقد فقد أوراقاً كثيرة، من ورقة سعد الحريري الذي تحتاج عودته الى السراي الى حرب أهلية، الى ورقة الجيش اللبناني الذي كاد يتحول مشكلة لا حلاً كما افترض البعض، مروراً بالمنظمات غير الحكومية التي توهمت أن المسرح خلا لها مكان الدولة والقوى الاساسية. جاء هيل، وقد فقد أيضاً كتلة من رجال الاعمال والمصالح المرتبطين عضوياً بالغرب وسياساته، وسمع غضبهم على كل شيء، وعلى سياسات إدارته والعقوبات التي أصابت غالبية الناس قبل أن تنال من حزب الله. جاء هيل، وهو مضطر إلى التعامل مع الوقائع اللبنانية كما هي، لا كما صوّرها مراهقون تناوبوا على منصات في لبنان والخارج وهم يزرعون الأوهام على شكل مؤسسات ومناصب. جاء هيل، ووجد جبران باسيل ينتظره في منزله مرتاحاً. وفوق كل ذلك، وصل هيل، والفريق الخصم لإدارته قد رشّح أستاذاً جامعياً معروفاً منه شخصياً. حتى إنه أقرّ لبعض من التقاهم بأنه يعرف حسان دياب جيداً، ولا يمكن اتهامه بأنه من إنتاج حزب الله. أكثر من ذلك، فيما كان حلفاء هيل ينتظرون منه بياناً يشبه بيان مايك بومبيو عندما زار لبنان، وجدوه يعتذر عن عدم مناقشة ملفات الحدود والنفط والغاز والعقوبات وصواريخ المقاومة.
عملياً، جاء الرجل الى بيروت متعاملاً بواقعية مع مشهد يقول إن مشروع إسقاط الحكم في لبنان قد سقط، وإن القوى الحليفة له ليست في موقع قادر على نقل طاولة من غرفة الى غرفة، فكيف بقلب الطاولة على الجميع. ولأن الواقعية تفرض على أصحاب المصالح النزول عن الشجرة العالية، فإن أميركا باتت مضطرة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها في لبنان. لن تتوقف واشنطن عن التدخل والتخريب، ولن تتراجع عن مواقفها المانعة لقيام دولة طبيعية في لبنان، وستعود إلى فرض مزيد من العقوبات عليه، وستبتزّه بشروط كثيرة للحصول على دعم معنوي هنا أو مادي هناك. وسيعود الاميركيون، مرة جديدة، الى إثارة ملفات الحدود والسلاح والنفط والمال. لكنهم يحتاجون الى لحظة مراجعة. سيتم تغيير طاقم السفارة في بيروت بفريق آخر، من السفير الى موظفين أساسيين.
حلفاء واشنطن يرفضون الإقرار
بفشلهم فتراهم يتحدثون
عن خيانة أو صفقة
وسينتظر الاميركيون نتائج الجولة الجديدة من المعارك شمال شرق سوريا وغربها، وسيراقبون طريقة تأليف الحكومة الجديدة في العراق، وينتظرون نتائج المفاوضات المباشرة بين السعودية وأنصار الله في اليمن، وسيدقّقون في أحوال القوى الحليفة لهم بعد تأليف الحكومة الجديدة. وحتى لو كان بين الأميركيين من يفضل المزيد من التعثر والفوضى، بما في ذلك تعطيل عملية تأليف الحكومة الجديدة، لكن الأكيد أن بقايا قوى 14 آذار لن تكون مقبلة على أيام أفضل. ستجهد لإقناع أميركا والغرب بأنها أهل للمسؤولية. وستضطر إلى القيام بالكثير لتعيد تنظيم صفوفها، خصوصاً أن الرئيس سعد الحريري يتوعد «القوات اللبنانية»، كما الحزب التقدمي الاشتراكي، بمواقف قاسية في وقت قريب، علماً بأنه ليس من ضمانة لأن ينفذ ما يقوله، بينما قررت الكنيسة في لبنان أخذ مسافة من هذا البرنامج، ودخلت في عملية تفكير في كيفية إعداد خطة مواجهة للنتائج الاجتماعية المأسوية للانهيار الاقتصادي والمالي على الناس، كما هي حال قوى أخرى في لبنان. أما الجيش والقوى الأمنية، فإن تحدي ضبط الوضع في لبنان، ومنع الاختلالات داخل صفوفها، يتقدمان على أي أولوية أخرى، وسط مخاوف أكيدة لدى قيادات القوى العسكرية والأمنية من احتمال إقالتها في وقت ليس ببعيد، علماً بأن الضغوط لمنع حصول ذلك كبيرة جداً، من داخل البلاد وخارجها.
عملياً، لن تكون الأمور صعبة على الفهم كثيراً خلال الأيام القليلة المقبلة. في جانب أميركا وحلفائها، بحث في الخطوة المقبلة. وفي جانب الغرب وحلفائه من العرب، أيام من الانتظار لتقدير الموقف والتصرف. وفي جانب تحالف 8 آذار، بحث في كيفية توفير مناخات لقيام حكومة قوية وذات مصداقية من خلال أسماء الوزراء والبرنامج. وفي جانب الحراك، ثمة أسئلة وجودية حتمية، خصوصاً أن الفرصة باتت مؤاتية، مرة جديدة، لمراجعة تتيح إعادة تنظيم الصفوف، والتصرف كقوة رادعة للسلطة، وداعمة لأي برنامج إصلاحي، ولو كان هدفه تحسين سلوك السلطة لا إطاحتها… وغير ذلك، يبقى مفاجآت، ولو كان العنف عنوانها!
«المستقبل» يسطو على ساحة الشهداء… و«ثوار» يلتقون دياب: هل حان وقت إنتاج «قيادة» للانتفاضة؟
يدور جدل واسع منذ 17 تشرين الأول حول ضرورة إنتاج قيادة أو ممثلين للانتفاضة، يحددون مطالبها وينطقون باسمها. عند كل أزمة يواجهها المنتفضون، يشتعل الجدل من جديد. يوم أمس، استقبل الرئيس المكلف بتأليف الحكومة، حسان دياب، عدداً من الذين يزعمون المشاركة في التظاهرات منذ اليوم الأول. ما سبق أغضب بعض المجموعات المنقسمة في ما بينها أصلاً حول استقلالية دياب والانفتاح عليه أو مطالبته بالاعتذار
من يمثل الانتفاضة؟ لطالما أتى الجواب عن هذا السؤال أو الأسئلة التي تدور في فلكه من بعض المجموعات المدنية بأن «لا قادة للثورة». بدت الفكرة صائبة يومها، أي منذ قرابة شهرين، على اعتبار أن قادة حراك 2015 من المجموعات نفسها، اختلفوا على «الزعامة» ونسوا الأهداف حينذاك، ففُضّت التحركات نتيجة الخلافات الداخلية. بدت الصورة أحلى وأكثر نضوجاً في البداية، ووسيلة أنجح لتشجيع المواطنين على التعبير عن مطالبهم المختلفة من دون فرض إطار محدد لها وملزم للحشود، تبعها إصرار المجموعات على عدم إنتاج قيادة للانتفاضة تعيد عقارب الساعة الى الوراء وتسهم في تفريقهم. لكن مع ذلك، نصبت هذه المجموعات خيماً لها في ساحة الشهداء، وبدأت بعقد ندوات ومساحات نقاش مع المحتجين. ذهب بعضها الى إصدار بيانات تحدد المطالب الشعبية، من حكومة مستقلة الى تمرير قانون استقلالية القضاء وانتخابات نيابية عادلة الى استعادة الأموال المنهوبة ودولة مدنية ونظام اقتصادي عادل. وهو ما يتناقض مع إصرار هؤلاء الدائم على أنهم لا يدّعون تمثيل أحد إلا من هم منضوين تحت رايتهم. إذاً كيف تُصنّف هذه المطالب في خانة «ما يريده المحتجون»، في حين أنكم لا تمثلونهم؟ يجيبون: «تمكنّا في الأيام الأولى من الثورة من تحديد هذه المطالب التي كانت تتردد في ساحة الشهداء ورياض الصلح». اللافت هنا، أن المجموعات المدنية نفسها، لا يتلاقى بعضها مع بعض في ما تقول إنها «المطالب الشعبية الثلاثة»، إذ تختلف القائمة بين مجموعة وأخرى. وهي تختلف اليوم على طلب رئيس الحكومة المكلف حسان دياب الحوار مع «ممثلين عن الحراك»، وعلى إذا ما كان واجباً منحه فرصة للتأليف ومحاسبته على الأسماء المقترحة أو معارضته والسعي الى إسقاطه في الشارع أيضاً، لينتهي مشهد يوم أمس، على تلبية عدد من الأشخاص دعوة «فريق دياب» على ما يقولون، للقائه والاطلاع منه على «رؤيته للوضع السياسي والاقتصادي». لم يدّع هؤلاء أيضاً أنهم يمثلون الحراك، بل أكدوا أنهم أتوا بـ«صفة شخصية ويشاركون في التظاهرات منذ اليوم الأول»! ومن بين الأسماء المتداولة: وليد عيتاني، محمد نون، حسين خليل، نبيل الحجار. وقد تعرض هؤلاء لحملة من الانتقادات، فضلاً عن الإساءة الى الاعلامية وعد الهاشم التي أوضحت على مواقع التواصل أنها زارت دياب تلبية لدعوة تلقّتها من فريق عمل الرئيس، حيث شاركت بوجهة نظرها الشخصية حول الهموم والمشاكل، وهي لم تتعود أن تستأذن أحداً لممارسة اقتناعاتها».
مجدداً، من يمثل الانتفاضة ومن يقف وراء البيانات التي تأخذ على عاتقها الحشد كل نهار أحد، وإطلاق تسمية خاصة عليه، إن كانت تفتقد القيادة؟ «هو عمل تنسيقي بين المجموعات التي تمكنت من التوافق على بعض العناوين العريضة وتعقد اجتماعات دورية لمناقشة النشاطات والتداول بالأفكار». إذاً، لماذا لا يتم الاعلان على الملأ عن هذه الاجتماعات والمقررات حتى لا يتكرر مشهد أمس، وحتى تتوضح المطالب ويتم فرضها على أي حكومة مقبلة، ولو في ظل عدم مشاركة وجوه من المجموعات فيها؟ المشكلة الرئيسية، بحسب البعض، أن «التنسيق قائم على أن يأتي القرار من الشارع. نتفق على طريقة العمل وليس على القرار السياسي. وكان واضحاً أن الشارع، كما المجموعات رفضا وانتقدا من ذهب الى الرئيس المُكلّف ليفاوض باسمهم. وعملياً، لا يملك هؤلاء أي تأثير على الأرض». وتلك معضلة أخرى، إذ يرى جزء من المتظاهرين أن «المجموعات لا تريد الحوار ولا التوافق حول قيادة وتقول إنها لا تمثل الناس، وعندما يحدد الأفراد خياراتهم يعملون على شيطنتهم فوراً». أما ممثلو المجموعات، فينفون أي مسعى لحرق بعض الطامحين «وهذا حقهم. حرصنا على رفض أي قيادة للثورة تنطلق من تضييع المطالب بالخلافات حول تسلّم القيادة… ومن الخوف من شيطنة السلطة لوجوهنا». ذلك لا يعني أن المجموعات غير مدركة لمساوئ ترك الساحة مفتوحة ليدّعي من يشاء تمثيلها. الأيام الثلاثة الأخيرة مثلت مؤشراً واضحاً على خطورة عدم الإمساك بأماكن التجمع، إذ سطا عليها أنصار تيار المستقبل، وسط هتافات طائفية منفّرة. حاول البعض هنا أيضاً الاستفادة من هذا الخرق للادعاء أن المتظاهرين منذ 60 يوماً ما هم إلا جمهور الحريري، فسقط قناعهم اليوم… «خصوصاً أن حزب سبعة وضع مسرحه ومكبرات صوته بتصرف أنصار أشرف ريفي وبعض الناطقين بلغة طائفية والمطالبين بعودة الحريري».
سطا أنصار تيار المستقبل على
ساحة الشهداء طوال
يوم أمس
لذلك، وتفادياً لأي سيناريو مماثل، تعمل المجموعات على إنتاج «خطاب أوضح وابتكار أساليب جديدة واستراتيجية إعلامية ولوجستية تسهم في التفريق ما بين المتظاهرين الحقيقيين وأصحاب المطالب المحقة والجماهير الحزبية والطائفية». ففي مقابل هتافات الحريريين أمس، علت هتافات جانبية في ساحة الشهداء ترفض عودة الحريري كما ترفض تكليف حسان دياب، علماً أن موضوع إعطاء دياب فرصة والحكم على أسماء الوزراء، هو موضوع نقاش واسع بين شباب الانتفاضة ويثير خلافاً في ما بينهم. ففيما يرفضه بعض المجموعات بشكل كامل على اعتبار أنه «من إنتاج السلطة التي اختارت أخيراً الاختباء وراء وجه مبهم وغير معروف»، يرى آخرون أن تكليف دياب يأتي ضمن مطلب وصول وجه مستقل وغير حزبي لرئاسة الحكومة. ويفترض تالياً انتظار بضعة أيام حتى ينجلي برنامجه الاقتصادي وعدة عمله وتتضح أسماء الوزراء. وهم لا يرون مشكلة في التحاور معه، وربما التمثل داخل الحكومة أيضاً إن كانت مطابقة لتطلعاتهم. هؤلاء أيضاً (يرفضون الكشف عن هوياتهم) يؤيدون الوصول الى صيغة ما لتنظيم الانتفاضة والانطلاق في خطة عمل فعلية وذات نقاط واضحة في موازاة تأليف الحكومة. هي الفرصة الأخيرة بالنسبة اليهم، فالناس الذين وثقوا بهم في العام 2015، ومنحوهم فرصة ثانية في العام 2019، سيلعنونهم إذا ما فشلوا ويساوون بينهم وبين السلطة… لا بل يمكن للطبقة السياسية أن تقنع «الناس التعبانة بأنه أفضل الموجود».
اعتداء على منتفضي عاليه
أعلن منتفضو عاليه، في بيان أمس، أنه «وبعد مغادرتهم خيمتهم للمشاركة في الاعتصام في بيروت، تسللت مجموعة شباب مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي بأعلامهم الى خيمة الثورة في عاليه، وقامت بتسجيل فيديو من داخلها». وأكدوا أن «هذه الخيمة لا تقبل وجود أي رموز من أحزاب السلطة فيها (..) وأي محاولات من هذا النوع الجبان، كما كل محاولات الترهيب التي سبقتها، لن تثنينا عن الاستمرار في النضال للحصول على حقوق الشعب اللبناني، بما فيها مناصرو الأحزاب تحت شعار كلن يعني كلن». نتيجة ذلك، حصل إشكال ما بين مناصري الاشتراكي والمتظاهرين، أدى الى وقوع 4 جرحى، من دون أن تتدخل القوى الأمنية الموجودة هناك، والتي خلصت الى الطلب من المتظاهرين إزالة الخيمة! وقال بعض الشبان الذين تواصلت معهم «الأخبار» أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها خيمتهم لأعمال من هذا النوع، محمّلين مسؤولية ما يصيبهم للحزب الاشتراكي والنائب أكرم شهيب تحديداً، وعملوا على استفزازهم عبر رفع علم الحزب داخلها ثم عملوا على الاعتداء على المتظاهرين، وبينهم نساء».
سوريا: الجيش إلى معرّة النعمان
يتابع الجيش السوري عملياته في ريف إدلب الجنوبي في سياق مساعيه القديمة ــــ الجديدة للوصول والسيطرة على الطريق الدولي M5، وهو يسعى مرحلياً إلى التقدم نحو مدينة معرة النعمان
تستمر العمليات العسكرية في ريف إدلب الجنوبي. الجيش السوري تمكّن من توسيع سيطرته في المنطقة في وقت سريع عبر هجمات برية مكثفة وموجات قصف عنيفة، وتوزيع العمليات على أكثر من محور لتشتيت قدرة الفصائل المسلحة على القتال والدفاع. يوم أمس فقط، تمكنت وحدات الجيش من السيطرة على أكثر من عشر قرى وبلدات جديدة بعد معارك عنيفة مع المسلحين. ومن بين القرى التي سيطر عليها: تحتايا، الحراكي، القراطي، وفروان والمعيصرونة وغيرها في ريفي إدلب الجنوبي، والجنوبي الشرقي. مع هذا التوسع، باتت القوات الحكومية على بعد أقل من ثلاثة كلم عن بلدة جرجزناز ذات الأهمية الاستراتيجية، إذ تُعدّ بوابة الدخول إلى منطقة معرّة النعمان المجاورة، على الطريق الدولي M5.
العمليات التي يشنها الجيش تهدف عامة إلى السيطرة على M5 الذي يربط مدينتي حماه وحلب، ويمر في محافظة إدلب بمحاذاة المدينة. أما الهدف المرحلي من المعارك الجارية منذ أيام، فهو وفق مصادر عسكرية مطلعة «التقدم باتجاه مدينة معرة النعمان الواقعة على الطريق الدولي، للتمدد على الأوتوستراد قدر الإمكان وتأمينه». تشير المصادر إلى أن «المنطقة التي تجري فيها العمليات ضعيفة من جهة المسلحين، إذ إن هذا المحور لطالما عانى من فشل في إدارة المعارك وتحقيق الإنجازات عندهم، فضلاً عن أن جبهة النصرة لا تشارك بكثافة في الدفاع عنه، وهي تتهاون كما تتهمها فصائل غرفة عمليات الفتح المبين، التي تضم النصرة أصلاً وتتولى زمام المعركة هناك».
وشهدت المنطقة حالة من الانهيار السريع أمام تقدم الجيش الذي بدأه الأسبوع الماضي، إذ استطاع منذ بداية العملية السيطرة على أكثر من 25 قرية وبلدة في الريف الجنوبي لإدلب. وكانت دمشق قد اتخذت قراراً باستعادة السيطرة على M5 بالقوة بعدما فشل الضامن التركي في تعهده بفتح الطريق وإعادته إلى حالته الطبيعية، كما جرى التوافق في سوتشي في أيلول/سبتمبر من العام الماضي. وفي المقابل، لا يبدو الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مستاءً جداً من العملية، بل يعمد إلى استغلالها لممارسة المزيد من الابتزاز للدول الأوروبية، إذ يهدّدهم بموجة لجوء جديدة، مع أن قواته على الحدود تمنع بحزم أي نازح من العبور.
يستغل أردوغان هذه العملية
العسكرية لابتزاز الدول
الأوروبية
ويبدو أن أردوغان يريد الحصول على التأييد والدعم الأوروبي والدولي لخططه في الشمال السوري، حيث ينوي توطين اللاجئين في ما يسميه «منطقة آمنة»، إضافة إلى استغلال ذلك في أي مفاوضات مع موسكو. وهو قال أمس إن «نحو 80 ألفاً بدؤوا التحرك من إدلب باتجاه تركيا بسبب القصف الروسي والسوري»، مضيفاً خلال حفل توزيع جوائز في إسطنبول، أنه «لا مفرّ من أن تواجه أوروبا ظروفاً مثل أزمة المهاجرين التي شهدتها عام 2015، إذا لم تقدّم يد العون لوقف العنف في هذه المنطقة». كما أشار إلى أن وفداً تركياً سيذهب إلى موسكو لبحث الوضع في سوريا اليوم، وأن أنقرة ستحدّد الخطوات التي ستتخذها بناءً على نتيجة هذه المحادثات.
المصدر: صحف