ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة صباح اليوم الاثنين 9 كانون الاول 2019 على انسحاب سمير الخطيب وانضمامه الى “نادي الاسماء المحروقة” على طريق التكليف… فالحريري ودار الفتوى معاً أعطيا المشروعية لمبدأ التفاهم على اسم الرئيس المكلّف قبل الدعوة إلى الاستشارات، ما يعني التأليف قبل التكليف وبحسب “جريدة الاخبار” يكون الحريري قد انتقل من التعطيل إلى الابتزاز… “أنا او لا احد” وبشروطي.
* الاخبار
الحريري من التعطيل إلى الابتزاز: أنا أو لا أحد… وبشروطي!
مرة جديدة يحرق سعد الحريري اسماً كان يفترض أن يخلفه في رئاسة الحكومة. سمير الخطيب اعتذر من دار الفتوى، بعد أن سمع منها تأييداً لعودة الحريري. لكن ذلك كان مكلفاً. الحريري ودار الفتوى معاً أعطيا المشروعية لمبدأ التفاهم على اسم الرئيس المكلّف قبل الدعوة إلى الاستشارات، ما يعني التأليف قبل التكليف. وبذلك، يكون الحريري قد انتقل من التعطيل إلى الابتزاز: أنا او لا احد، وبشروطي. هذه المرة، يستند إلى موقف طائفي صريح، وإلى شروط دولية يُنتظر أن تظهر في مؤتمر باريس للمجموعة الدولية لدعم لبنان الخميس المقبل
كل المؤشرات كانت تدل على أن مصير سمير الخطيب سيكون كمصير بهيج طبارة ومحمد الصفدي. «السادية» السياسية التي يمارسها الرئيس سعد الحريري صارت مكلفة جداً. البلد في انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق، فيما هو يتلذذ بتقديم الأضاحي على طريق وصوله إلى السراي الحكومي… ودائماً تحت شعار: «ليس أنا بل غيري». ولذلك، تحديداً فإن سؤال ما بعد تأجيل الاستشارات النيابية إلى الإثنين المقبل، سيكون من هو التالي على لائحة الحرق؟ حتى الآن ثمة اسمان على الطاولة: نواف سلام وفؤاد مخزومي.
لم يكن مفاجئاً أن ينسحب الخطيب، لكن السيناريو هو الذي لم يكن واضحاً، فإذا بالإخراج يأتي سيّئاً وطنياً وطائفياً. «علمت من سماحته أنه نتيجة اللقاءات والمشاورات مع أبناء الطائفة الاسلامية تم التوافق على تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة»، قالها سمير الخطيب، بعد لقائه المفتي عبد اللطيف دريان. ثم «أبلغها» للحريري، الذي يُتوقع أن يكون، لزوم الحبكة الدرامية، قد فوجئ بقرار الخطيب الانسحاب.
ذلك السيناريو كان نضج مع بيان العائلات البيروتية، ثم مع زيارة الوزير نهاد المشنوق إلى دار الفتوى، لكن حق السبق يبقى محفوظاً لرؤساء الحكومات السابقين. هؤلاء كان هالهم، على ما جاء في بيانهم، «الاعتداء السافر على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلف من خلال الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية بإجرائها وبنتائجها». لم يجدوا صعوبة، حينها، في اتهام رئيس الجمهورية وصهره باستباق الاستشارات و«ابتداع ما يسمى رئيساً محتملاً للحكومة».
أمس تبيّن أن المشكلة ليست بالاعتداء على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلّف، بل بالجهة التي تعتدي. ولذلك، فإن الاعتداء من دار الفتوى مسموح في هذه الحالة، ويقع في موقعه الطبيعي!
لكن هذا لا يلغي أن الحريري ودار الفتوى قد خطوا خطوة يصعب التراجع عنها. وهما أعطيا المبرر لعون، ولأي رئيس يأتي من بعده، ليعمد إلى التفاهم على اسم الرئيس المكلف قبل أي استشارات. هكذا ببساطة، وبعد أن حفلت الأيام الماضية بحساسية عالية من «تخطّي الدستور» و«استباق الاستشارات»، أعلن دار الفتوى على الملأ، وقبل الاستشارات، تسمية الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة.
خير من عبّر عن هذه السقطة كان بيان للقاء التشاوري وتغريدة للنائب فيصل كرامي. فقال اللقاء، بعد اجتماع له في منزل النائب عبد الرحيم مراد، إن «مصادرة الحياة السياسية من قبل المرجعيات الدينية ينهي دور المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها المجلس النيابي». وذهب كرامي أبعد من ذلك، ليسأل «ما جدوى الاستشارات النيابية الملزمة إذا كانت الطائفة السنية أعلنتها من دار الفتوى مبايعة شاملة لسعد الحريري؟». ثم يضيف: «الطائف «باي باي»، وبأيدي السنّة قبل سواهم».
وتأكيداً لغرق الحريري في شرّ أعماله، كان بيان رئاسة الجمهورية مباشراً في الإشارة إلى أن تأجيل الاستشارات يهدف إلى إفساح المجال أمام «المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة». كما جاء في البيان أن التأجيل أتى بناءً على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، علماً بأن الوزير سليم جريصاتي أكد أن الحريري كان من بين القيادات التي طلبت التأجيل.
الخطيب ينسحب: الطائفة السنية
توافقت على تسمية
الحريري
ماذا بعد؟ وكيف يمكن أن ينتهي هذا الوضع؟ حتى اليوم، أثبت الحريري أنه يتحكم في اللعبة الحكومية، وإن خسر المعركة الدستورية. يعد ويتعهد ويلتزم، ثم يترك مهمة التخريب لغيره، واثقاً بأن خصومه لا يفضّلون غيره رئيساً للحكومة. وهو ما عاد وأكده النائب محمد رعد أمس بإشارته إلى تمسك حزب الله «بصيغة الوفاق الوطني واتفاق الطائف». أضاف: لذلك كان قرارنا أن يتمثل رئيس الحكومة برئيس الأكثرية السنية، أو من يوافق عليه أو من يرشحه كرئيس».
عندما طرح اسم الخطيب، أكد الحريري لعلي حسن خليل وحسين خليل أنه سيصوّت له. وعندما أُعلن بيان رؤساء الحكومات السابقين، أعاد التأكيد للخليلين أنه ملتزم بالاتفاق. صدّقه الأخيران، وصدّقه رئيس الجمهورية، فدعا إلى الاستشارات، التي كان يفترض أن يسمّى خلالها الخطيب. لكن يبقى سؤال بلا إجابة: لماذا منح عون مهلة زمنية لمن يريد إحراق الخطيب؟
إخراج أمس، أعاد به الحريري الأمور إلى المربع الأول. فإحراق اسم الخطيب هو إحراق للتسوية الحكومية، التي كان عنوانها تسمية الخطيب. وعليه، هل عاد الحريري إلى الابتزاز، مستعيداً شروطه القديمة: حكومة تكنوقراط يترأسها هو، ولا يشارك فيها حزب الله وجبران باسيل؟
بحسب معطيات أمس، فإن ما يؤخر تشكيل الحكومة حالياً هو الصراع بين «الحريري رئيساً لحكومة لا تضم باسيل» وبين «إما الحريري وباسيل في الحكومة معاً أو خارجها معاً». وإلى الإثنين المقبل، إذا لم تمل الكفة إلى أي من المعادلتين، فإن تأجيلاً جديداً لن يكون مفاجئاً.
مطران القدس يردّ على عودة: الكنيسة ليست مكاناً للتحريض
عمد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة إلى تحميل المقاومة تبعات الأزمات التي يعيشها اللبنانيون. وقال إن «البلد يُحكم من جماعة تحتمي بالسلاح». ولفت، خلال ترؤسه قداساً وجنازاً لمناسبة الذكرى السنوية الرابعة عشرة لاستشهاد النائب جبران تويني، في كاتدرائية القديس جاورجيوس، وسط بيروت، إلى أن «ما أخاف المسؤولين ولا يزال يخيفهم، هو صوت الحق والحقيقة، صوت الشعب الجائع والمتألم، صوت كلّ محبّ للوطن».
وسأل عودة: «ألا تسمعون ما يُطالب به أبناؤنا في الشارع اليوم؟ يُطالبون بأن يلتفت المسؤولون إلى مطالبهم المحقة، يصرخون قائلين إنّ احتجاجاتهم سلميّة وستبقى كذلك، ولكن هناك من يحاول تشويه سلميّة احتجاجاتهم»، مضيفاً: «أين الثقافة؟ أين العلم؟ أين المستوى اللبناني الذي نفتخر به؟ شخص لا نعرف ماذا يَعرف، يحكم بنا؟».
كلام عودة استدعى رداً سريعاً من حزب الله، الذي وضع كلامه في سياق ما يجري من محاولات لاستهداف المقاومة. وقال النائب محمد رعد، خلال احتفال أقامه حزب الله بذكرى الشهيد حسّان اللقيس في بعلبك، إن «هناك من يطلع ليقول إن البلد يحكم من رجل واحد وبقوة السلاح مع احترامنا لهذا الرجل وحكمته، ولأنه حكيم فهو لا يسمح لنفسه بحكم البلاد وفيها عقول ومكونات أخرى». واعتبر أن «هذا الكلام يصدر عمن يحاول أن يجهّل الاسباب الحقيقية للأزمة ويحاول أن يعطي ويبرر استهداف المقاومة في لبنان، وهذا الكلام ليس بريئاً ومن يقوله ليس بريئاً».
كذلك كان لافتاً أن أحد أبرز الردود جاء من فلسطين ومن قلب الكنيسة الارثوذوكسية. فاعتبر رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذوكس في القدس المطران عطاالله حنا أن تصريحات مطران بيروت غير مبررة وغير مقبولة. وقال حنا إن «سماحة السيد وحزب الله كان لهما دور في الدفاع عن الحضور المسيحي في سوريا وفي أكثر من موقع في هذا المشرق، ونحن نرفض التطاول على مقام سماحة السيد وعلى حزب الله. وإذا ما كانت هنالك تحفظات على بعض الامور، فلا أعتقد أن الكنيسة ومنبر الكنيسة هما المكان اللائق للتعبير عن مثل هذه التحفظات. إذا كانت هنالك تحفظات، يمكن أن تترك للقاءات خاصة، لاجتماعات معينة، لكي يتم فيها التداول في مثل هذه الامور. أما استعمال منبر الكنيسة من أجل التطاول على حزب لبناني وعلى شخصية لبنانية مرموقة لها مكانتها ولها احترامها، فهذا موقف مرفوض ولا يمثلنا كمسيحيين ولا يمثلنا كأرثوذوكس، لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في هذا المشرق العربي».
من جهته، رد وزير الدفاع الياس بوصعب على عودة، من دون أن يسميه، بالقول: «مؤسف ما سمعناه اليوم من كلام سياسي غير جامع وتخطّى المطالب الاجتماعية للمواطنين، فزاد اقتناعنا بأن لا خلاص للبنان إلا بدولة مدنية، فيكون هناك فصل للدين عن الدولة».
لماذا نعارض المؤسسات غير الحكومية
ابراهيم الأمين
قبل مئات السنين، بدأ فلاسفة وعلماء اجتماع في أوروبا يتداولون عبارة «المجتمع المدني». اعتبرها البعض مقابلاً للحالة السائدة مجتمعياً، أي ما كان يُعرف بنظام الحكم التقليدي الذي رسّخته عائلات ومنظومات اقتصادية بمساعدة الكنيسة. لكنّ في أوروبا نفسها، عاد الجميع إلى الانقلاب على هذا التوصيف. وبدل أن يكون المجتمع المدني عاكساً للمجتمع المنظّم سياسياً، ذهب كثيرون نحو اعتباره مجتمعاً خاصاً في مواجهة الدولة ككلّ، وخصوصاً عندما شعر المنتسبون إلى المجتمع المدني بأن قوانين الدولة صارت تمثّل سلطة إكراه وقمع. لكنّ هؤلاء لم يكترثوا بكون هذا المجتمع المدني إنما يسير من دون نظام عدالة ومساواة كاملة بين أفراد الدولة، بل يغرق في حماية متطلّبات العيش كفرد، ولو ترافق ذلك مع عجز مُستدام عن معالجة مشكلاته الداخلية.
في عالمنا اليوم، وبعد صراعات جميع مفكّري القرنين التاسع عشر والعشرين حول فكرة الدولة، يحتلّ المجتمع المدني حيزاً أساسياً من اهتمامات بلداننا. لكنّه يطبّق المفهوم الغربي نفسه، القائم على نظرية تحقيق المصالح والحاجات الفردية ولو على حساب «المجتمع – الدولة».
المنتمون إلى هذا المجتمع يخلطون بين رفضهم قوانين ما قبل الدولة التي تتحكّم بكثير من الأمور في بلادنا، وبين رفضهم القوانين المتطوّرة المفترض أن تضعها مجموعات تسعى للخروج من هذه الأعراف – القوانين. وفي صحالتنا، يصبح المجتمع المدني رفضياً لكل ما هو عام.
يتحول هؤلاء إلى مجموعة مستقلّة على شكل حلقات مستقلّة، ثم على شكل أفراد مستقلّين أيضاً، تجمعهم مُعضلة الانخراط في القانون العام، لأن القانون العام عندما يقوم ويتطور، إنما يراعي ـــ تلقائياً ـــ الوضعيات الاجتماعية القائمة في البلاد. وهو العدوّ الفعلي لهذه المجموعات. وينتهي بهم الأمر، ساعين إلى خلق إطارهم الخاص الذي يرفض المشترك الذي يقوم بين من يؤلّف المجتمع ـــ الدولة في المسائل الوطنية العامة، من موضوع الدفاع عن الوطن إلى بناء السياسات والعلاقات الخارجية إلى القوانين الناظمة لشؤون الناس اليومية. أبناء هذا المجتمع المدني يريدون قانوناً يحمي فرديّتهم ويحمي حريتهم حتى ولو تعارضت مع هذه القوانين. وبهذه الحالة، لا يمكن أن يشكلوا في أي لحظة حلاً يعالج مشكلات كل الناس. وهم يربطون موقفهم من الطروحات المقابلة، بحجم تأثيرها على الحاجات والمنافع والأهواء التي تشكّل روابطهم كأفراد. وجاءت فكرة المنظمات غير الحكومية لترسّخ الفكرة القائلة بأن المجتمع المدني إنما هو حالة صراعية مع الحكومة، التي يُفترض أنها تمثل الدولة، أي تمثل المشترك الفعلي بين جميع قاطني أراضي هذه الدولة.
عندما يتصرف أفراد المجتمع المدني على أساس أن السياسة هي خصمٌ رئيسي لهم، إنما هم يفعلون ما يعتقدون أنه الأنسب للتفلّت من نتائج الفعل السياسي، أي التفلّت من رقابة القانون العام الذي يفرضه المجتمع ـــ الدولة. وبهذا المعنى، يتحول أفراد المجتمع المدني إلى خصوم فعليّين للدولة، وخصوصاً عندما يُفرطون في الدفاع عن استقلالهم الفردي ومصالحهم الخاصة.
وبذلك يمكن فهم التأصيل النظري الذي قدّمه الفلاسفة عن أن المجتمع المدني إنما هو في حقيقة الأمر واقع يقيم بين مرحلتي العائلة والدولة. فهو يقوم على مبدأ رفض قوانين العائلة، لكنّه لم يندمج بعد في معادلة قوانين الدولة. وبذلك، يصير أفراد المجتمع المدني، من حيث منظومة الإنتاج والاستهلاك، أقرب إلى البرجوازيين الذي يهتمون عملياً بمصالحهم الخاصة، في نقيض تامّ لطبقة المواطنين الذي هم في موقع أدنى اقتصادياً، لكنّ هاجسهم هو المصلحة المشتركة، أو ما يُعرف بالمصلحة العامة.
في حالتنا اللبنانية، ووفق تجربة ربع قرن من النضالات الشعبية، خبرنا كيفية مشاركة أفراد المجتمع المدني. وغالبية هؤلاء يمكن إدراجهم ضمن فئات، تتراوح بين متسلّق يسعى إلى المنبر بهدف الارتقاء من خلال بناء وضعية اجتماعية قابلة للتسييل على شكل أعمال وعائدات أو مناصب؛ أو مجموعة من الكوادر يجدون أنفسهم أسرى علاقات جديدة تُبعدهم أكثر عن البيئة العامة، فلا يحفظون من التجربة إلا الصور والذكريات، ثم يندمجون سريعاً في قواعد اللعبة، حيث يكون في انتظارهم جيش المنظّمات غير الحكومية؛ أو أفراد يسكنهم الإحباط ولا يُجيدون تمييز هوية المسؤول عن ذلك، فتراهم يصبّون جام غضبهم على السلطة القائمة، متجاهلين من ساروا خلفهم. أما الكتلة الأعمّ، فتعود إلى قوانينها اليومية: تمارس لعبة انفكاك القول عن قائله، بمعنى رفع نبرة الاعتراض مقابل تراجع فعلية الاحتجاج.
وصف ماركس المجتمع المدني بأنه الدولة الخاصة، أي الدولة غير السياسية. وهنا لا يعود المجتمع المدني إلا ممثلاً لكل ما هو مناقض للدولة. بهذا المعنى، يلجأ هؤلاء إلى لعبة التعميم والتجهيل، أي إنهم لا يهتمون بمحاسبة فلان أو فلان، بل هم يريدون التخلّص من خصم كبير اسمه الدولة. وبهذا المعنى، يتجنّب هؤلاء نقد المؤسسة الدينية الفاعلة جداً في حياة الناس، والمتورّطة في علاقة تخادم مع السلطة السياسية، إلا حيث تشكل عائقاً أمام حريتهم. لكنّهم لا ينظرون إليها بوصفها جزءاً من منظومة السيطرة على الحقّ العام.
والحال نفسها بالنسبة إلى النظم الأخرى، من حيث العمل النقابي، الذي يُراد له أن يكون طوعياً بالكامل، أي غير خاضع لمنظومة القوانين العامة. وهنا يمكن فهم المشكلة الأكبر في علاقة المجتمع المدني بالحق العام، من خلال عدم الاكتراث للتعليم العام، أي للتعليم المدعوم من الدولة والذي يقلّص الفوارق بين المواطنين في تأسيسهم التعليمي، بل يتجهون إلى التعليم الخاص الذي يشكل عنصر تمايز اجتماعي لهم عن بقية الناس، ما يقود إلى فكرة القوانين الخاصة التي يعتقدون أنها ممكنة. ففي بيروت، مثلاً، يمكن لطلاب وأساتذة وأطباء ومدراء ومنتجي الجامعتين الأميركية واليسوعية تشكيل مجتمع مستقلّ، له كلّ نُظمه في ما خصّ شوؤن العمل والحياة وحتى الحاجات والأهواء. وهم في هذه الحالة يريدون من الحق العام (أي الدولة) توفير ما يحصّن الحق الخاص (أي المجتمع المدني خاصّتهم). وهذا سبب كافٍ لتدرك أنه لا يمكن لهذه المجموعة أن تمثل خياراً عاماً لبقية الناس وهم الأغلبية. لأن هواجس وطموحات أغلبية المشكلين لهذا المجتمع المدني، إنما هي في الحقيقة، تمثل نقيض ما يمكن أن يكون مشتركاً في بقية العوام. وبذلك يصبح الموقف من مسائل ذات طابع وطني، متصلاً بانعكاسه على مصالحهم وأهوائهم الخاصة. هنا تصبح منظومة الفساد، ليس في احتكار العلم الجيد والطبّ الجيد والطعام الجيد والترفيه الجيد، بل في كون ريفي أتى به جَهلة إلى منصب عام، وصار يريد فرض قانون للضريبة يختلف مع مصالح هذا المجتمع المدني.
يعني، في لحظة واحدة، يصبح المجتمع المدني حليفاً طبيعياً لمجتمع الطوائف. الاثنان في حالة تناقض كلي مع المجتمع – الدولة. وبهذا، لا يبدو مستغرباً أن يذهب أفراد المجتمع المدني نحو التماهي مع ما تقوم به القوى الأكثر نفوذاً في البلاد. لنأخذ الحريرية المنهارة درساً، أو لننظر إلى حالة حزب الله الذي أسّس لنفسه مجتمعاً مستقلاً، من حيث الحاجات المشتركة لأبنائه في العلم والعمل والطبابة والسكن والثقافة والفنون والترفيه، إضافة إلى عنصر تمايز أكثر فعّالية يتعلق بجيشه الذي يقيه شرّ الانقلاب متى أراد خصومه ذلك.
بهذا المعنى، يمكن القول، بأن المخبولين فقط يعتقدون أن أغلبية الناس في لبنان تقبل السير خلف ناشطين من «المجتمع المدني« يتجمّعون في أطر تحت اسم «المنظّمات غير الحكومية». والمسألة هنا لا تعود متعلقة بمواصفات المتصدّين لدور القيادة. المسألة تتعلّق بالأهداف الفعلية لهؤلاء. حيث التناقض أشد قساوةً في طبيعة التطلّع والتطلّب عند الكتلة المَدينية عن أبناء أحياء البؤس داخل المدينة نفسها، أو أبناء الأحزمة التي صارت مدناً بحالها. وهو تناقض يتصل بكل أشكال الحياة، بما يجعل التوافق على ورقة أو إطار أو اسم، توافقاً مفترضاً كحال الثائرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
أفراد المجتمع المدني هنا، هم الذين تجمّعوا خلال عقود ما بعد الحرب الأهلية. هم أولاد جيلين: واحد تعثّر مشروعه الكبير في التغيير الشامل، وثانٍ عانى من إحباط الأهل فوجد ضالّته في خيارات فردية، تجعل القائم شيئاً مرذولاً يمكن الاستغناء عنه. احتاج هؤلاء ليس إلى علوم متقدمة فقط، بل إلى تسويق لقدرات لا تجد تاجراً لها سوى العابثين بأحوال المجتمعات المرصودة كأهداف لاستعمار جديد. والتسوية بين الطرفين تنتهي على شكل حضاري منمّق لنفس فكرة جماعات «التكفير والهجرة» التي قامت في تسعينات القرن الماضي في شمال أفريقيا. هي حالة تنشد ابتعاداً إلى حدّ الانفصال عن المجتمع – الدولة. لا تفترض بالضرورة عنفاً مؤسِّساً لاحتراب أهلي، بل تكتفي بعنف لفظي قائم على فوقية افتراضية وتسخيف الآخر، والسعي إلى بناء بيئة مستقلّة، تتطلب توحّداً في الطقوس اليومية للحياة، ولكن راضية منصاعة لمرجعية واحدة تتحكّم بكل هؤلاء، هي مصدر المال.
والعنف البديل عند هؤلاء هو العنف اللفظي الذي ينتهي عادة على شتم وأنواع من التنمّر، حتى يكاد رفع الصوت أو القبضة أن يكون فعلاً انتحارياً، يتطلب حفلاً وداعياً تُتلى فيه وصايا الاستشهاديين. وفي بال هؤلاء صورة المضربين في «وول ستريت». هكذا تعلموا فعل النضال الجذري. هكذا شاهدوه بأمّ العين، لكن على شاشات. وهذا ما تدرّبوا عليه لسنوات في ورش العمل على النضال من أجل المواطنة، كما تُقدمها مدارس الـ«أن جي اوز».
بالنسبة إلى هذا الصنف، ينحصر الأمر في معاناة تخصّهم لوحدهم. تخصّ مكان سكنهم وجامعاتهم وعملهم وسهرهم. لا تبقى في ذهنهم صور مختلفة عمّا عاشوه في منازل الأهل. كل مظاهر الاحتجاج والملل من سنوات العشرية الأولى من حياتهم، هي حكايات للتندّر فقط. هم كحال الذين انتموا إلى أحزاب عقائدية عابرة. يجمعون كل ما عاشوه مع الأهل، ويضعونه في كيس داخل صندوق أمانات على باب المكتب الحزبي. هؤلاء، يحتاجون إلى قطع نهائي مع الماضي الاجتماعي، مستعدون لفعل أي شيء من أجل ذلك. حتى ارتكاب ما تراه عائلاتهم عيباً كبيراً، إذا كان يساعدهم على الانقطاع الكلي. الترقّي بالنسبة إليهم هو فعل مظهري، يتصل بنوع الثياب وقصة الشعر والحلي، وهو يتصل بنوع الأكل والشراب وطريقة الكلام ونوعية المفردات المستخدمة، وطقوس موحّدة حيال المسرح والسينما والموسيقى والقراءة والسفر. يتحولون فجأة إلى كشافة يشبهون بعضهم البعض حتى ولو كانوا يكيلون لبعضهم السباب والشتائم. القاعدة الجديدة التي أرستها ثقافة الفرد المستقلّ كما تقول نظرية المنظمات غير الحكومية، هي التي تجعلهم متساوين في الحقوق والواجبات إزاء الرجل الأبيض. درجة من الإعجاب الأخّاذ، لكن من دون نقاش جدي أو اعتراض فعلي. وإلا تم حرمانهم من كل شيء: العمل والراتب والعلاقات، وهذا يعني تلقائياً تهديدهم بإعادتهم إلى بيوت الأهل. وإلى الأحياء الحقيقية التي لا يريدون البقاء فيها.
اللّاطائفية التي تتّسم بها مجموعات هؤلاء ليست مسألة عميقة الجذور ثقافياً. اللّاطائفية، هنا، شكل من المساواة فرضتها آليات المموّل الذي لا يهتم لغير الولاء. لكن البديل عن الطائفية كشكل من أشكال التمييز في بلادنا، هو الطبقية بشكلها الجديد. الطبقية التي تجعل الساعي إلى الانتماء إلى هذه الفئة متحفّزاً لإثبات أنه غادر موقعه السابق، ومستعد للقيام بكل ما يجعله يحظى بالعضوية الجديدة، ولفعل أي شيء أثناء صعوده درجات سلّم هذا العالم، ويتّسم بانتهازية دفينة تجعله مستعداً كل لحظة للانشقاق والتحول نحو منظمة أخرى متى جاءت الفرصة الأفضل مكانة ومرتباً ونفوذاً. والمموّل لا يهتم لكل هذا السباق وكل هذا الصراع. ما يهمه هو الحفاظ على مرجعيته الأساسية التي تتحكم عملياً بحياة عشرات الآلاف من الشباب في بلدان متعبة. والتحكم هنا، من أجل تحويلهم إلى جنود في معركة السيطرة على الأنظمة والثروات. وعلى طريقة الديمقراطية الأميركية، سيكون للمنضوين في جيش هذه المنظمات، الحق، كل الحق، في قول ما يريدون. لا يهم رفع السقف والصوت، لكن، دون تجاوز الخط الأحمر.
أفراد المجتمع المدني أقرب إلى البرجوازيين الذين يهتمون عملياً
بمصالحهم الخاصة في نقيض لطبقة المواطنين الذين هم ف
ي موقع أدنى اقتصادياً وهاجسهم هو
المصلحة المشتركة
قسم غير قليل من هؤلاء، عاشوا في ظل عائلات عانت الأمرّين لتوفير أفضل العلوم للأبناء. وباعت أرزاقاً توارثتها جيلاً بعد جيل من أجل تحسين نمط العيش، وتخلّت عن الكثير من أحلامها من أجل زرع الأمل بغد أفضل في قلوب وعقول الأبناء. وهي عائلات تحدّت أيضاً قوانين «العائلة» و«الطائفة» و«المجتمع – السلطة» من أجل تحقيق ذلك. وهي فعلت ذلك، بصورة فردية، في ظل غياب مجتمع متماسك، وفي ظل غياب دولة طبيعية. وفي ظل غياب قوانين ناظمة للحياة. أما الأبناء، الذين نراهم اليوم في الساحات متصدّين لقيادة الثورة المجيدة، فقد سمعوا وحفظوا الكثير عن حياة القهر. وحملوا الحقد على مرجعيات وإقطاع أذاق البلاد الأمرّين ولم يزل. وسكنتهم الضغينة إزاء غياب العدالة في توزيع الفرص والثروة على الناس. لكنّ هؤلاء، تربوا على أن البديل عن التغيير العام الذي لا يحصل من دون حركات سياسية متكاملة، هو التغيير الفردي. ولذلك، نشط هؤلاء من دون هوادة لتغيير جذري في حياتهم كأفراد. أسقطوا توالياً كل أشكال التضامن الاجتماعي والأهلي. ثم أعلنوا كفرهم بكل تشكيل سياسي أو اجتماعي عابر للقضايا والمناطق والطوائف. وقرروا الاغتراب فكرياً وسلوكياً وحياتياً. وهم في حالة غربة حقيقية.
والتنافس القائم بينهم لا يتصل فقط باسترضاء المموّلين. بل يقوم على فكرة النشاط المفرط في سبيل إثبات القدرة على التأثير أكثر في الشارع. وعلى قدرة تقديم المختلف، لا يهم كيف يتم الأمر. المهم الحفاظ على مصادر التمويل جارية من دون توقف. وفي هذه الحالة، تختفي الشفافية الحقيقية، وتحل مكانها عبارة تُذيّل بها أوراق ومواقع عمل هؤلاء، تحت اسم «الممولون». أما كيف تجري عملية الانتساب، فهذا شأن خاص. لك أن تتعرف إليه فقط، في حالة قررت الانتساب إلى هذا النادي. وهناك تتعلم ألاعيب تُذكرك بسماسرة الإدارات الرسمية في الدولة. كيف تختار النموذج الأفضل لكتابة الفكرة، ثم من تستشير للحصول على خبرة في شرح الفوائد. ومن ثم تستعين بصديق لكي يكون منتجك مطابقاً للمواصفات، ثم تبدأ رحلة الاستجداء والاستعطاء. فترسل مشروعك إلى مئات العناوين، وتتصرف بانتهازية غير مسبوقة في التواصل مع كل من يخدم غرضك. ومتى حصلت على الموافقة الأولى، تستعد لتعلم كل متطلبات النجاح في المقابلة المباشرة. ولا بأس هنا، من الاستفادة من خبرات السابقين في كيفية وضع الموازنات وفتح الحسابات وتوظيف الناس وإعداد قوائم الدفع للمشاركين في هذا المشروع أو ذاك. لكن، لا يحصل ابداً، أن يسأل هؤلاء عن المنفعة العامة لما يقومون به. ومع الوقت، يصبح الواحد منهم، أسير موقعه الجديد. يتعرّف شيئاً فشيئاً إلى ماهية الأمر. ويعرف أكثر طبيعة المقاصد. لكنه، يسير في قطيع أعمى، ويقف مثل عمال عصور العبودية، في طابور طويل، ينتظر من ينقطه بضعة دنانير مع نظرة فوقية تذكره بأنه لن يكون يوماً على شاكلة الرجل الأبيض.
هل تذكرون ماذا فعل رفيق الحريري بجيل كامل؟ جرّه من إحباطه إلى العمل في خدمة مشروع لا أسس ثابتة له. أيقظ طائفية ومذهبية مقيتتيْن في عقول وقلوب من خبر التفلّت من قيود القبيلة. وجعله يتلو فعل الندامة ليلَ نهارَ. جعل مثقفين يتفنّنون في تأصيل مشهد الكرم والسخاء على أنه فعل إنساني خالص. وجعل جيشاً من الأتباع فريسة نظام حياة إن تخلوا عنه ماتوا غيظاً، فصارت السيارة والبيت والثياب والمطاعم والسفر أساس أي موقف من أي قضية. وما إن فرط المشروع بشحطة قلم، حتى سكن الإحباط هؤلاء. والآن نراهم في الساحات، مثل العاطلين عن عمل، لكنهم يريدون قيادة الناس نحو تغيير شامل، من دون الإشارة إلى مصدر القهر. وكلهم يستغلّون خوف اللبنانيين من كتابة تاريخ كلّه دماء وقمع وكذب، لكنهم يتوافقون على حيلة أهل هذه البلاد، بأنهم شعب اصطفاه الخالق من دون الآخرين، منبعاً للحرية والتقدم!
هؤلاء، هم أنفسهم الذين يتصرفون بثقة مُفرطة، على أنهم قادة التغيير في البلاد. وأي بلاد؟ بلاد نهشتها قوانين وسياسات عامة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقبلية على مدى قرنين على الأقل، ويعتقدون أن تطبيقاً ذكياً جُرب في مكان ما في هذا العالم، سيكون كافياً لسحق منظومة تتجذّر في الأرض وتحتاج إلى جيوش لقلعها. ويعتقدون أن طقوساً بلهاء، تحت عنوان التعايش والحب والعلم الوطني، كافية لإعادة إنتاج شعب مختلف. ومع ذلك، تراهم يختارون بوعي أو من دونه، الساحات نفسها التي ترمز إلى الحرب الأهلية مكاناً للتجمعات، ويسيرون في شوارع سُميت بخطوط التماس بين المتقاتلين، كأنهم يشعرون في دواخلهم بأن الحرب لم تنته بعد. هل سمع أحد بتظاهرة في الدكوانة أو فرن الشباك أو حارة حريك أو الطريق الجديدة؟ هل تجمّع الناس في وسط المتن أو في جرد كسروان؟ هل سار هؤلاء في شوارع فنيدق أو تكريت أو قصدوا أحياء شحيم الضيقة، أو جرّبوا التنقل بين أزقة باب التبانة أو أحياء جبل محسن؟ هل قصدوا البلدة القديمة في صيدا أو غابة اللحم البشري في الأوزاعي أو حي السلم، أو تعرفوا إلى أحياء عالية الداخلية أو ما الذي يجري خلف الجدران في بعقلين وكفرحيم أو كيف يحل الصمت عند كل غروب، كأن الحياة انتهت في عماطور وبقعاتا ونيحا الشوف بينما يسترق الفتية صوت السمر والسهر يأتي خفيفاً من قصر الزعيم؟ هل جرّب أحدهم الدخول في قلب بلدة مجدل عنجر، أو حي الطمليس وحارات عين الرمانة وقرى إهمج وجاج ولاسا في جرد جبيل؟ هل يعرف هؤلاء ماذا ترتدي النسوة في قرى بشري ودير الأحمر وأعالي القبيات، وهنّ يشجعن الفتيات على الدرس عسى يكبرن ويتاح لهن التشبه بثياب الزعيمة عارضة الأزياء؟
لم يفعلوا، ولن يفعلوا، هم يتصرفون كما يفترض بهم التصرف على طبيعتهم، يذهبون نحو الساحات التي ينظرون إليها باعتبارها مركز النظام. يعتقدون أنهم في حال احتلوا حيزاً فيها، صاروا جزءاً من النظام. أو صار بمقدورهم التصرف على أساس أنهم هم النظام. برغم أنهم يعرفون أن أصل النظام موجود في الأحياء البعيدة وفي المناطق والأرياف. هناك يجري حشد الناس والأصوات. ومن هناك يأتي الموظفون والجنود والمتعبون. فتية المجتمع المدني، يرون في ساحات وشوارع المدينة الرئيسية أمكنة الحياة. وهم لا يهتمون بغير المركز. ويفترضون على طريقة الانقلابيين، أن من يحتل المركز يسيطر على البلاد.
ينسون أين كانوا هم قبل جيل. وعلاقتهم بالمهمّشين، تتحول مع الوقت إلى علاقة قائمة على أساس التفوق في كل شيء، العلم والمعرفة والسلوك والذوق وحتى الإحساس. وعندما يبنون ريفهم في المناطق البعيدة، لا يجيدون بناء علاقة مع أهل الأرض. بالنسبة إليهم، الفقراء بحاجة إلى دعم. لكن على طريقة العمل الخيري، صاروا مثل الأثرياء الجدد، يتنافسون على طريقة الإحسان إلى الفقراء. لا يعرفون عملاً من دون استعراض. حتى القبلة على خدّ طفل تنتظر وصول الكاميرا. والكاميرا هنا، لم تعد وسيلة الإعلام – الإعلان التقليدية. بل صارت كل الفضاء المفتوح عبر مواقع التواصل الاجتماعي. والإصلاح عندهم، يقتصر على حملة لمنع التنمّر, أو تعلم وضع حزام الأمان والتوقف عند إشارة السير، أ التدرب على فرز النفايات في المنزل والحي، أو لنذهب في رحلة إلى ذاك الجبل، لكن بعد أن نشتري العدّة كما شاهدناها في فيلم المتسلّق المحبوب. أما البحر، فيصعب أن يكون مكاناً للاختلاط مع العاديين. نرفض كل شيء عام. نرفض حتى الفنادق الكبرى، لكن تعالوا نفرض نموذجاً عن الفنادق الخاصة، من تلك البيوت التي هجرها أهلها، بموت أو تشرّد أو حتى إبعاد من الأولاد، لتحويلها إلى بيوت سياحية تستقبل الزوار الآتين من المدينة مع ابتسامات ودهشة.
هكذا هي حياة هؤلاء. الأفراد أو المجموعات المشكّلة لمجتمع واحد ولو بوجهين، هما مجتمع المنظمات غير الحكومية، ومجتمع الطوائف. يتصرف هؤلاء على أنهم البديل الفعلي لإدارة الدولة. حفظوا مقرّرات من مناهج بعيدة. درسوا تطبيقات على أمكنة وشعوب لا تنطبق بالضرورة على ناسنا هنا، لكنهم قرروا أنها الأنسب لنا. ويعتقدون أن بمقدورهم التسلط على الناس المتعبين، وقيادتهم في حراك أو انتفاضة أو ثورة لتغيير يدّعون أنه شامل. هؤلاء ليسوا، مع الأسف، مؤهّلين لنضال عام يقود نحو دولة متكاملة متماسكة، لها قوانينها المدنية أي المضادّة لقوانين الطوائف، ولديها سياساتها غير المحايدة إزاء ما يجري من حولنا في السياسة والأمن والاقتصاد والاستراتيجيا. هؤلاء مجموعة من الانتهازيين، تلفّهم السذاجة عندما ينظرون إلى أنفسهم في المرآة، على طريقة أفلام الكرتون، التي تجعل الفأر فيلاً، وهم مجموعة من المتكسّبين، يعانون من مرض عُضال لا يقلّ خطراً عن مرض الحاكمين باسم الله والطائفة والمنطقة والعائلة!
* اللواء
أسبوع التأجيل: فسحة للتفاهم أو توسيع التفاقم؟!
الخطيب ينسحب من البازار .. وعودة يتّهم نصرالله بالتفرّد في البلد وقبلان ورعد يردّان
المسألة أبعد من تأجيل الاستشارات النيابية إلى الاثنين المقبل، أو انسحاب المرشح سمير الخطيب أو تسمية هذه الشخصية أو تلك، فهي تتعلق بالتداعيات الخطيرة لمؤشرات الخلافات حول الخيارات، وهي تتجاوز في نتائجها مسألة حتى المطالب، والوضع الاقتصادي الصعب، والذي يتوقع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ان «لبنان إذا استمر على هذا المنوال، لن يتمكن من الصمود طويلاً، وتعد له فوضى لن تكون خلاقة بل مدمرة».
في الوقت هذا، دخل حزب الله في خضم الأزمة عبر الاشتباك الكلامي بين متروبوليت بيروت للطائفة الأرثوذكسية المطران الياس عودة وكل من المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد، الذي اعتبر كلام عودة عن السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله والمقاومة بأنه ليس بريئاً ومن يقوله ليس بريئاً.
الأهم في موقف رعد انه يلمح إلى رفض حزب الله تمثيل الحراك، لأن الهدف الضغط على المقاومة، وهو تجاوز لاتفاق الطائف.
على ان الأهم، في ضوء تأجيل الاستشارات اسبوعاً تعويم صيغة ما قبل الخطيب، والتي تقوم على الركائز الأربع التالية:
1 – تأليف حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري بعدما استقر رأي الطائفة السنية على ذلك.
2 – ان تكون الحكومة من 24 وزيراً.
3 – يكون أربعة من هؤلاء وزراء دولة، يمثلون جهات سياسية، لكن من دون شخصيات «فاقعة» أو مكشوفة الانتماء.
4 – ان يمثل الحراك بثلاثة وزراء، وقد تمّ الاتصال بثلاثة من النشطاء في الشارع، لتمثيل الحراك، بشخصيات لا شبهة حولها من جهة الانتماءات أو العلاقات مع السفارات.
وتوقع مصدر واسع الاطلاع، ان تتكثف الاتصالات لتوفير ارضية تفاهم، تسمح بالاسراع بالتفاهم على الصيغة الحكومية، لجهة الوزراء والشخصيات، قبل الاثنين المقبل.
اعتذار الخطيب
ووفق ما كان مرتقباً، أعلن المرشح لرئاسة الحكومة المهندس سمير الخطيب، اعتذاره عن اكمال المشوار الذي رشح من أجله، وذلك بعد زيارة لدار الفتوى، استتبعها بزيارة ثانية لـ«بيت الوسط» حيث اطلع الرئيس سعد الحريري على الموقف الذي تبلغه من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والذي يؤيد إعادة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة.
وأعاد انسحاب الخطيب من السياق الحكومي اسوة بما حصل مع غيره من المرشحين، خلط الأوراق والمعطيات، لكنه هذه المرة حشر الجميع في الزاوية الحادّة، خصوصاً وان الإعلان عن هذه الخطوة جاء عشية الاستشارات النيابية الملزمة التي كان مقرراً اجراؤها اليوم في قصر بعبدا، الأمر الذي اقتضى اجراء مشاورات سريعة بين الرئيس ميشال عون وكل من الرئيسين نبيه برّي والحريري، انتهت ليلاً إلى إعلان تأجيل هذه الاستشارات اسبوعاً، بهدف إفساح المجال امام مزيد من الاتصالات، لمعرفة ما إذا كان الرئيس الحريري سيرضى بالنزول عند رغبة دار الفتوى للترشح مجدداً لرئاسة الحكومة بعدما كان مصراً على موقفه المعلن: «ليس أنا بل أحد غيري»، ووفق أية شروط يمكن ان يقبل بها للعودة، فضلاً عن استطلاع آراء بقية الكتل النيابية، ولا سيما تكتل «لبنان القوي» الذي كان تردّد انه قد لا يسمي الخطيب بسبب خلافه مع الحريري على تشكيلة الحكومة، ما يعني خلافاً أيضاً مع الخطيب على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب.
وفي كل الأحوال، فقد بات من الصعب ان تعود الأمور إلى الوراء بعد ان عادت إلى نقطة الصفر، وبات الحريري الوحيد في الساحة الذي يحظى بالغطاء الطائفي والدعم السياسي، وان بقي الشارع متردداً بين القبول به أو رفضه مجدداً، في سياق رفعه شعار: «كلن يعني كلن بمن فيهم الحريري»، لكن المشكلة ان تكليف الحريري يعني ان أزمة التأليف ستعود إلى النقطة صفر، أي حكومة تكنوقراط غير مطعمة بسياسيين، أو ان يعود الحريري فيعود معه الوزير جبران باسيل؟ أو يقبل الحريري بحكومة تكنوقراط مطعمة بسياسيين، وليس حكومة سياسيين مطعمة بتكنوقراط، وهذا يعني احتمالاً من اثنين:
اما يحصل تكليف للحريري ويتعذر أو يتأخر التأليف نتيجة الخلاف على تشكيل الحكومة، أو لا يحصل تكليف الحريري بل شخصية أخرى غيره، وهذا يعني انه أياً كان المكلف سيعيد تجربة الرئيس نجيب ميقاتي بعدم وجود غطاء سني وسياسي واسع له، ومع ذلك استمرت حكومته قرابة سنة ونصف السنة.
وثمة من يذهب للتشاؤم أكثر ليقول: ان الأزمة طويلة وقد لا يخرج منها لبنان قريباً في المدى المنظور، ما يعني دخول البلاد في الفراغ، أو في «الفوضى غير الخلاقة» على حدّ تعبير وزير الخارجية جبران باسيل، الذي «توقع ان لا يتمكن لبنان من الصمود طويلاً إذا استمر على هذا المنوال».
وقال باسيل في تصريحات لـ«فرانس 24» امس الأوّل، ان «لبنان مهدد في حال استمرت التوترات الحالية بالوقوع في فوضى لن تكون خلاقة بل ستكون مدمرة».
وأضاف «إذا لم نتدارك أنفسنا بالإصلاحات المطلوبة وبحماية البلد من التدخلات.. قد نكون أمام باب التدهور المالي والاقتصادي الذي يوصلنا إلى حالة من اللااستقرار المعيشية والاجتماعية وللأسف قد تتطور إلى أكثر من ذلك».
تأجيل الاستشارات اسبوعاً
في كل الأحوال، فإن المشاورات السريعة التي جرت مساء أمس، في أعقاب اعتذار الخطيب عن ان يكون مرشحاً للتكليف، أظهرت رغبة الكتل النيابية في تأجيل الاستشارات الملزمة اسبوعاً، لاجراء اتصالات في ما بين هذه الكتل، حول احتمال عودة الحريري، أو تسمية أحد غيره، وهو ما ألمح إليه بيان التأجيل الذي صدر قرابة العاشرة عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، وفيه: «في ضوء التطورات المستجدة في الشأن الحكومي، ولاسيما ما طرأ منها بعد ظهر اليوم، وبناء على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، وافساحا في المجال امام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة، قرر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كانت مقررة غدا الاثنين 9 كانون الاول 2019 الى يوم الاثنين 16 كانون الاول الجاري وفق التوقيت والبرنامج والمواعيد التي نشرت سابقا».
وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» انه كان هناك توقع بما حصل في الموضوع الحكومي لجهة وجود «افخاخ» مشيرة الى اتصالات تمت مع القصر الجمهوري لتاجيل الاستشارات وافيد انها تمحورت مع عين التينة وبيت الوسط.
واعلنت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية لـ«اللواء» انه بعد كل ما جرى لم يكن الرئيس عون يوما محبذا التأجيل في التكليف او التأليف قبل التكليف وتأبيد تصريف الأعمال، واملت ان يكون قد ادرك الشعب اللبناني من يحدد ومن يرجىء.
وفهم من المصادر نفسها ان سلسلة اتصالات سياسية ستجري في الفترة الفاصلة عن الموعد الجديد للاستشارات في السادس عشر من كانون الاول المقبل وتتركز على الملف الحكومي برمته.
مجموعة الدعم
ولم تستبعد مصادر مطلعة، ان يكون تأجيل الاستشارات اسبوعاً، جاء لمعرفة نتائج اجتماع مجموعة الدعم الدولية الأربعاء المقبل، والتي قد يتمثل فيها لبنان بالرئيس الحريري، الذي سيقدم شرحاً حول الوضع اللبناني بما يؤمن الدعم المطلوب في هذا الظرف، وهو كان واصل بذل جهوده لمعالجة النقص في السيولة، وتأمين مسلتزمات الاستيراد الأساسية للمواطنين، عبر توجيه المزيد من الرسائل إلى رؤساء ووزراء ومسؤولي عدد من الدول الصديقة، شملت أمس الأوّل كلاً من المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون واسبانيا بيدرو سانشيز.
وذكرت مصادر مطلعة ان الدعوة التي تسلمها الأمين العام للخارجية السفير هاني شميطلي من نظيره الفرنسي عبر السفير الفرنسي في بيروت، لاجتماع مجموعة الدعم الدولي في باريس في 11 الجاري، موجهة للبنان. فمجموعة الدعم تأمل أن تكون المشاركة اللبنانية فاعلة ومكونة من مسؤولين يمثلون مركز القرار كما ويتمتعون بتفويض كافٍ يخوّلهم التفاعل والتجاوب مع باقي الأعضاء المشاركين بالإجتماع، خصوصا أنه سيصدر في الختام بيان يحدد التوجه في الفترة المقبلة.
ولفتت المصادر إلى دقة توقيت هذا الإجتماع الذي يتزامن مع سعي لبنان لتأليف حكومة توحي بالثقة داخليا أو خارجيا، معتبرة أنه يبرز اهتمام مجموعة الدعم بوضع حد للتدهور الحاصل في لبنان.
إشارة إلى أن هذا الإجتماع الذي سيعقد في وزارة الخارجية الفرنسية وسيترأسه الأمين العام للخارجية الفرنسية، دعيت إليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية، ألمانيا، إيطاليا، مصر، ونظرا لأهمية ودقة التوقيت دعيت أيضا السعودية والإمارات. ومع أن المجموعة لم تتلقّ بعد جوابا من المملكة العربية السعودية والإمارات حول الحضور أو عدمه، لكنّ المصادر أشارت إلى أن الأجواء إيجابية.
الكتل والحراك
إلى ذلك لفت الانتباه ان الكتل النيابية لم تكن مستعجلة لتحديد موقفها في الاستشارات، ربما لأنها كانت تتوقع مفاجأة اعتذار الخطيب، إذ لم ترد معلومات عن اجتماع كتلة نيابية، وحتى إعلان كتلة «اللقاء الديموقراطي» عن مقاطعة الاستشارات، جاء في تغريدة عبر «تويتر» لرئيس اللقاء النائب تيمور جنبلاط، فيما أعلن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل رفضه تأجيل الاستشارات، وانتقد «اللقاء التشاوري» الذي يضم مجموعة من النواب السنَّة من خارج «المستقبل» ان مصادرة المرجعيات الدينية للحياة السياسية في البلاد ينهي دور المؤسسات الدستورية، في إشارة ضمنية، إلى الموقف الذي صدر عن دار الفتوى وأنهى مسألة ترشيح الخطيب لرئاسة الحكومة.
اما الحراك المدني الذي كان يتهيأ للقيام بسلسلة خطوات لمنع وصول النواب إلى قصر بعبدا اليوم، فقد بدا واضحاً انه لم يتخذ أي موقف في هذا الصدد، بسبب انقسام الآراء داخل مجموعاته إلى فريقين، فريق يميل إلى قطع الطرقات على النواب، ويتركز في المناطق خارج العاصمة، حيث أعلن الحراك في طرابلس عن تنفيذ إضراب عام اليوم مع قطع الطرق ابتداء من الرابعة فجراً، ودعمه الحراك في عكار في حين أعلن حراك صيدا انه لن يقطع الطرق، وانه سيتخذ الموقف في ضوء ما سينجم عن الاستشارات.
أم الفريق الآخر، فقد كان من رأيه التوجه والاعتصام امام مجلس النواب في ساحة النجمة، ولهذا الغرض، حاولت مجموعة حزبية من الحراك التسلل إلى ساحة المجلس، عبر البوابة الحديدية التابعة لكنيسة مار جاورجيوس، مستغلة احياء الذكرى الرابعة عشرة لاستشهاد جبران تويني، لكن حرس المجلس تنبه للمحاولة ومنع أفراد المجموعة من الوصول إلى الساحة.
ولاحقاً، سجل تدافع بين المتظاهرين والقوى الأمنية، عند مدخل ساحة النجمة لناحية أسواق بيروت، مع تزايد اعداد المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى مبنى المجلس، وهم يهتفون: «توت.. توت.. عالمجلس بدنا نفوت»، وهتف آخرون تجمعوا امام أحد مداخل «بيت الوسط»: «ما رح ترجع حريري»، في حين انطلقت مسيرة دراجات من منطقة الطريق الجديدة إلى دار الفتوى، أعلنت تأييد المشاركين ودعمهم لموقف المفتي دريان والرئيس الحريري.
ومن جهته، دعا حزب «سبعة» في بيان إلى التظاهر الضاغط والدائم امام القصر الجمهوري ومجلس النواب والسراي، معتبرا انه حان وقف التصعيد السلمي على كل الصعد وتسريع الأحداث، فالوطن لم يعد يحتمل المماطلة».
وأعلن انه لن يتوقف قبل تشكيل حكومة حيادية انتقالية وتحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة من أجل تغيير مجلس النواب، داعيا إلى «الانتقال من مرحلة التحركات الرمزية إلى مرحلة المقاومة المدنية بكل ما للكلمة من معنى».
سجال عودة- «حزب الله»
وبعيداً عن مسألة الحكومة والحراك، اندلع سجال يخشى ان تكون له تداعيات، على هامش القدّاس بذكرى تويني، حيث سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، في عظته: «هل نعيش في جمهورية اصنام أم دمى؟
وقال في إشارة واضحة إلى «حزب الله» وامينه العام السيّد حسن نصر الله، «ان هذا البلد يحكم من شخص كلكم تعرفونه ومن جماعة تحكمنا بالسلاح، شخص يرجع الله ولا يرجع إلى الأعلى منه».
وسرعان ما رد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان على المطران عوده، حيث رأى رعد «ان هناك من يطلع ليقول ان البلد يحكم من رجل واحد وبقوة السلاح مع احترامنا لهذا الرجل وحكمته ولأنه حكيم فهو لا يسمح لنفسه بحكم البلاد وفيها عقول ومكونات أخرى لكن هذا الكلام يصدر عمن يحاول ان يجهّل الاسباب الحقيقية للازمة ويحاول ان يعطي ويبرر استهداف المقاومة في لبنان وهذا الكلام ليس بريئاً ومن يقوله ليس بريئاً».
اما المفتي قبلان فقال في تصريح له «لبنان يمر بأدق مراحل تاريخه الحديث، وليس مسموحا لأحد أن يزيد النار تسعيرا، سواء أكان مطرانا أو شيخا، بل الواجب الديني والأخلاقي يفرض عليه أن يسهم في إطفائها».
وتوجه الى المطران عودة قائلا: «هذا الشخص وتلك الفئة حررت وقاومت وحمت وصانت وأعادت الحرية والسيادة والاستقلال لبلد كان محتلا ودولة كانت بين أنياب إبليس، حررت ولم تحكم، قدمت ولم تأخذ، أعطت لله وللوطن، قاومت وعينها على لبنان وليس على كراسيه.
ومن جهته، اعرب رئيس أساقفة القدس وفلسطين للروم الارثوذكس المطران عطاالله حنا، عن حزنه وصدمته من كلام عودة الذي وصفه بأنه «غير مبرر وغير مقبول ولا يمثلنا كمسيحيين. مشيراً إلى «ان الكنيسة ليست مكاناً للتحريض ولا الإساءة لأحد». والى ان السيّد نصر الله وحزب الله كان لهم دور في الدفاع عن الحضور المسيحي في سوريا وفي أكثر من موقع، وانه يرفض التطاول عليه وعلى الحزب.
* الجمهورية
طار الخطيب وعاد الحريري.. وعون لإستشارة “الشخــصيات المحتمل تكليفها”
بين ليلة وضحاها من كان رافضاً صار قابلاً، ومن كان مرشّحاً صار مستبعداً، رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري يعود عن عزوفه ويقبل التكليف، والمهندس سمير الخطيب ينسحب بـ«راحة ضمير» من ترشيحه لهذا التكليف، وتولّى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الإخراج مبلغاً الى الخطيب الذي زاره «اننا اتفقنا على تسمية الرئيس سعد الحريري» لرئاسة الحكومة، بما يقطع الطريق على احتمال وجود أي مرشح آخر يطرح نفسه عضواً جديداً من نادي المرشحين لرئاسة الحكومة. وتأسيساً على هذه الخطوة تقرر تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كان سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم لتسمية من سيكلّفه رئاسة الحكومة الجديدة الى الاثنين المقبل «إفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة، ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة»، على حدّ ما ورد في بيان التأجيل الذي أصدرته رئاسة الجمهورية مساء أمس. وجاء هذا الموعد معاكساً لرغبة أبداها الحريري لعون في أن يكون الخميس المقبل.
فقد صدر مساء أمس عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية البيان الآتي:
«في ضوء التطورات المستجدة في الشأن الحكومي، ولاسيما ما طرأ منها بعد ظهر اليوم، وبناء على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، وإفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة، قرّر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كانت مقررة غداً الاثنين 9 كانون الاول 2019 الى يوم الاثنين 16 كانون الاول الجاري وفق التوقيت والبرنامج والمواعيد التي نشرت سابقاً».
قصة
وكانت سلسلة الاتصالات التي حصلت، وبعد إعلان الخطيب اعتذاره عن الاستمرار في الترشح لرئاسة الحكومة، تمحورت بين الحريري وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الوزير علي حسن خليل.
وبحسب المعلومات، فإنّ الحديث تناول مسألة تأجيل الاستشارات الملزمة، بعد تواتر أنباء من القصر الجمهوري عن توجّه لدى رئيس الجمهورية الى هذا التأجيل.
وعكست المعلومات ما وصفته «ارتياحاً» لدى الحريري لاعتذار الخطيب، وقالت مصادر عاملة على خط الاتصالات لـ«الجمهورية» انّ «الامور من بدايتها كانت واضحة لجهة الوصول الى اعتذار الخطيب، على رغم من كل الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي بلغته من الحريري».
ورداً على سؤال قالت هذه المصادر: «لا شيء يمنع على الاطلاق انطلاق الاستشارات خلال ايام قليلة مع تحديد موعدها، على ان تتخلل هذه الايام حركة اتصالات متجددة ومكثفة بين الاطراف، وتحديداً مع الحريري كونه الوحيد المرشّح لرئاسة الحكومة، على ان تحمل الاستشارات المنتظرة تكليفاً له تشكيل الحكومة».
ورداً على سؤال آخر، قالت المصادر نفسها: «خروج الخطيب وعودة الحريري مجدداً كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة، معناه عودة الى المربّع الاول الخلافي حول معادلة الحريري ـ باسيل. هذه المسألة قد تكون العقدة الاساسية امام تشكيل الحكومة المقبلة».
مرجع مسؤول
وتعليقاً على ما آلت اليه الامور لجهة التعثّر في طريق الخطيب، قال مرجع سياسي مسؤول لـ«الجمهورية»: «كان من الافضل لو انّ موعد الاستشارات لم يكن بهذا البعد الزمني بين الاعلان عنه وبين موعده، فلو كان تحدد هذا الموعد الخميس الماضي لكان التكليف قد حصل، ولَما كنّا وصلنا الى ما وصلنا إليه من تعقيد».
وأضاف المرجع: «أمّا وقد حصل ذلك، فلم يبقَ سوى الحريري كمرشح لرئاسة الحكومة الجديدة. ومعنى ذلك انّ الاستشارات الجديدة يجب ان تحصل في أسرع وقت، على ان يتم التأليف في وقت أسرع منه وعدم إضاعة أشهر مثلما كان يحصل في السابق. وهذا المستجد يطرح المسؤولية في أيدي الجميع، وقد سبق لنا أن حذّرنا من أنّ وضعنا لا يتحمّل مزيداً من الهدر في الوقت والتسبّب بالاهتراء السياسي والاقتصادي والمالي، وهذا الكلام نكرره اليوم خصوصاً أننا نلقى حرصاً خارجياً على لبنان وتحديداً من الجانب الاوروبي اكثر من حرص اللبنانيين على بلدهم، وها هم يحذروننا ويحضّوننا على الاسراع في تأليف حكومة لأنّ كل تأخير له ثمن سلبي يدفعه الناس، وبالتالي قد يؤدي الى سقوط البلد في ما هو أبعد من الجوع».
ورداً على سؤال، قال المرجع: «مع الأسف علّتنا تكمن في الطائفية التي انتعشت في الآونة الاخيرة، فهذه الطائفية خربت لبنان سياسياً وها هي تخربه اقتصادياً ومالياً».
مرحلة أخرى
وفي هذه الأجواء قالت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انّ ما جرى أنهى مرحلة وفتح التطورات على مرحلة أخرى.
وعن سبب إلغاء اجتماع كتلة «المستقبل» الذي كان متوقعاً عشيّة الإستشارات النيابية، قالت المصادر نفسها: «انّ من تحدث عن اجتماع للكتلة كان يترقّب خطوة تقليدية لا بد منها، وانّ ما قيل في هذا الأمر كان استنتاجاً. ولكن الحقيقة تقول انّ الدعوة لم توجه أصلاً الى اجتماع ليتم التراجع عنه او إلغاؤه. ولذلك، فإنّ كل ما قيل في هذا الموضوع كان مجرد توقعات لم تكن واردة في ذهننا».
وعن هوية المجموعات التي قصدت «بيت الوسط « للتعبير عن رفضها تكليف الحريري، قالت المصادر «انها مجموعة من شبّان الحزب الشيوعي، ولا نعرف مدى العلاقة بينهم وبين الحراك القائم في البلاد».
سفر الحريري؟
وفي جانب آخر رجّحت مصادر سياسية، ولكن بلا تأكيد، إمكان سفر الحريري الى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي دعت اليه فرنسا حول لبنان بعد غد الاربعاء.
وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري كان يفضّل أن يشارك لبنان في هذا المؤتمر عبر وفد يترأسه وزير المال علي حسن خليل، الّا انّ الاخير آثَر عدم الذهاب، وتقرر بالتالي أن يشكّل وفد لبناني للمشاركة في هذا الاجتماع، ويضم كلّاً من المدير العام في القصر الجمهوري انطوان شقير والمدير العام لوزارة المال الان بيفاني، إضافة الى موظف كبير في وزارة الخارجية يرجّح ان يكون الامين العام للوزارة هاني شميطلي.
وفي هذا الصدد قالت مصادر «بيت الوسط»، رداً على سؤال عمّن سيمثّل لبنان في مؤتمر باريس بعد غد، انّ «الترتيبات اتخذت على اساس ان يمثّل لبنان الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، تأسيساً على أنّ مستوى المشاركين في الاجتماع هو على مستوى وزراء الخارجية».
وقيل للمصادر: أليس من المنطقي ان يمثّل الحريري لبنان بعد الرسائل التي وجّهها الى قادة الدول المدعوة الى المؤتمر طالباً الدعم؟ فأجابت: «إنّ الدعوة الى المؤتمر لا علاقة لها بمضمون الرسائل التي وجهها الحريري، وإنها كانت خطوة مقررة سابقاً، وبالتالي لا علاقة تربط بين الخطوتين».
رسائل
ومن جهة ثانية، أكدت مصادر مالية لـ«الجمهورية» انّ بعض المستويات الرسمية اللبنانية تلقّت رسائل مباشرة من ممثلين للبنك الدولي تعبّر عن الاستعداد لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته، إلّا انّ تأكيد هؤلاء كان مشروطاً بأن تؤلّف حكومة في لبنان في أسرع وقت بمعزل عمّن سيكون رئيسها وتوحي بالثقة للبنانيين، وبدرجة مهمة تحظى بثقة المجتمع.
قلق مالي مُبرَّر
الى ذلك، يُفتتح الاسبوع الطالع على مجموعة تطورات اقتصادية ومالية تؤكد ما هو مؤكد، لجهة دقة الأزمة وخطورتها.
على المستوى الحياتي، برزت أزمة تأمين الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان لضمان استمرار توليد الطاقة. وعلى رغم انه تمّت معالجة المشكلة من خلال الاتصالات مع دولتي الجزائر والكويت، إلّا أنّ تداعيات المشكلة بَدت أعمق من مجرد حل إشكالية وصول الفيول، وصولاً الى خطورة ما جرى لجهة رفض مصارف عالمية فتح اعتماد عبر مصرف لبنان، بسبب ارتفاع المخاطر الائتمانية.
وفي الموازاة، يتم التركيز حالياً على النتائج التي قد يخرج بها اجتماع دول مجموعة الدعم التي ستلتقي في باريس في 11 الجاري، لبحث الاوضاع المالية في لبنان، والنظر في سبل مساعدته.
لكن، وبصرف النظر عن النتائج التي قد يخرج بها الاجتماع، يسود شعور بالقلق العام في الداخل، بسبب اضطرار لبنان الى طلب المساعدة للتمكّن من استيراد المواد الأولية الضرورية. ومجرد التمعّن في نوعية طلب المساعدة الذي قدّمه لبنان بواسطة الحريري، يمكن الاستنتاج أنّ البلد وصل الى مرحلة متقدمة في أزمته المالية، وانّ الوقت بات ضاغطاً اكثر مما يظنّ البعض. (ص 10)
عودة
من جهة ثانية، لفت متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في ذكرى استشهاد جبران تويني الى أنّ «ما أخاف المسؤولين ولا يزال يخيفهم، هو صوت الحق والحقيقة، صوت الشعب الجائع والمتألم، صوت كلّ محبّ للوطن».
وقال: «اليوم، هذا البلد يُحكم من شخص تعرفونه جميعاً، ولا أحد يتفوّه بكلمة، ويُحكم من جماعة تحتمي بالسلاح»، سائلاً: «أين الثقافة؟ أين العلم؟ أين المستوى اللبناني الذي نفتخر به؟ شخص لا نعرف ماذا يَعرف، يحكمنا».
وتساءل: «ألا تسمعون ما يُطالب به أبناؤنا في الشارع اليوم؟ يُطالبون بأن يلتفت المسؤولون إلى مطالبهم المحقة، يصرخون قائلين إنّ احتجاجاتهم سلميّة وستبقى كذلك، ولكن هناك من يحاول تشويه سلميّة احتجاجاتهم».
* البناء
المطران عطالله من القدس للمطران عودة: نرفض التطاول على السيد نصرالله… وكلامك لا يمثّلنا
الحريري مرشّح وحيد بعد انسحاب الخطيب وبيان الفتوى… والاستشارات الإثنين المقبل
صيغة الخطيب ـ إبراهيم صالحة لحكومة تكنوسياسية… والتفاوض لترسيم التفاصيل
كتب المحرّر السياسي
لم تنجح لعبة الشارع في إسقاط تسوية تكليف المهندس سمير الخطيب تشكيل حكومة جديدة، كما لم تنجح في جعل سلاح حزب الله ومهابة قائد المقاومة السيد حسن نصرالله في التداول، فتقاسمت مرجعيات دينية المهمتين، وتولت دار الفتوى سحب ترشيح الخطيب وتسمية الرئيس سعد الحريري مرشحاً وحيداً، لرئاسة الحكومة الجديدة، فيما تولى المطران الياس عودة دون مقدمات، فتح النار على المقاومة وسلاحها وسيّدها، ومثلما سارع اللقاء التشاوريّ إلى استغراب وإدانة موقف دار الفتوى بتعقيم الحياة السياسية في طائفة رئيس الحكومة وقطع طريق التعدّد فيها، سارع مطران القدس للروم الأرثوذكس عطالله حنا إلى استغراب واستنكار وإدانة كلام المطران عودة.
وفقاً لتوصيف مصادر متابعة يشكل المشهد الجديد مع كلام المرجعيات الدينية تحولاً خطيراً، يهدّد بضياع الحياد الذي التزمته المرجعيات الدينية تجاه حال التعدّد التي تشهدها الطوائف، وانتقال بعضها إلى اللعبة السياسية هو علامة عجز وإفلاس لأصحاب المشاريع التي تستهدف لبنان ومقاومته عن امتلاك بدائل من جهة والعجز عن المضي في لعبة الاستنزاف الاقتصادي تحت ستار البحث في الوضع الحكومي. والأهم هنا هو أن البديل الذي راهن الغرب على استعماله لتحقيق الهدفين معاً، وهو الحراك الشعبي الغاضب على الفساد والطائفية والسياسات المالية القائمة على الدين والفوائد، وقد ثبت أن للاستعمال والتوظيف حدوداً لا يستطيع تخطيها المتربّعون على عرش قيادة الحراك وراء الستار، فالناس ليست قطيعاً وقد خرجت نحو التغيير وفقاً لضغط حاجات واضحة ومحدّدة، والاستثمار على جعل الحراك أداة لاستهداف المقاومة بلغ سقوفه وسقط. والرهان على الحراك لإيجاد الأعذار لعودة الرئيس الحريري مصاب بالعقم لأن شعار “كلن يعني كلن” الذي جرى تلبيسه للحراك للنيل من المقاومة، صار قيداً على عودة الحريري ببركة الحراك الذي منح الحريري على ظهره فرصة الاستقالة في ذروة التصعيد، بدلاً من ترك الحراك يخوض معركة الضغط لتحقيق أهدافه.
على الصعيد السياسي تشكّل الصيغة التي تبلورت في المفاوضات مع المهندس سمير الخطيب، والتي كان الرئيس الحريري الطرف غير المباشر فيها، أرضية مناسبة لحكومة تكنوسياسية، صاغ قواعدها بحصيلة التفاوض المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ويمكن اعتمادها من الحريري نفسه، كما سبق وقال له الخليلان في اللقاء الأخير، الذي جمعه بوزير المال علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، بأن أمامه صيغة صالحة لتشكيل حكومة تحظى بدعم الجميع واتفاقهم، وبمستطاعه أن يستبدل اسم الخطيب باسمه ويترأسها؛ وهو ما كانت أوساط ثنائي حركة أمل وحزب الله تفتح الباب أمام حدوثه كاحتمال دائم الحدوث كلما اقتربنا من اللحظة الفاصلة عن الاستشارات النيابية. وهذا ما حدث.
على الصعيد السياسي، جاء انسحاب الخطيب ببيان ترشيح للحريري من دار الفتوى، عشية موعد الاستشارات النيابية مدخلاً لتفاوض سيسعى الحريري خلاله إدخال بعض التحسينات لصالحه على صيغة الخطيب – إبراهيم، وسيقابل بمرونة تراعي الفروقات بين حكومة برئاسة الحريري وحكومة برئاسة الخطيب، وتراعي أن اللحظة لم تعُد لحظة خشية من مواجهة ستخاض بوجه المقاومة، من منصة الحكومة، فيما كل المؤشرات في الإقليم تأتي معاكسة، لكن المرونة لن تتعدّى الثوابت التي يفترض أن تتضمّنها أي حكومة يُراد لها النجاح في التصدّي للأزمة بغطاء جامع.
مع قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات الى الاثنين المقبل اتجهت الأزمة الحكومية الى مزيد من التعقيد والغموض وفتح الباب على الاحتمالات كافة، منها إطالة أمد الفراغ الحكومي وتفعيل جزئي لحكومة تصريف الاعمال وتعميق وتعميم الفوضى المالية والاقتصادية والنقدية والمصرفية وربما الأمنية الى أجل غير مسمّى مع اتجاه الشارع الى التصعيد. الأمر الذي يتحمّل مسؤوليته الرئيس سعد الحريري بالدرجة الأولى بحسب مصادر في 8 آذار الذي يحرق المرشحين ليبقى المرشح الأوحد فيما لا يكترث لخطورة الوضع الذي وصل اليه لبنان. لكن الأوساط السياسية تترقب نتائج مؤتمر باريس المزمع عقده الثلاثاء المقبل بحضور دول غربيّة وخليجية لحشد الدعم المالي للبنان وانعكاسه على الملف الحكومي!
لكن تحذير وزير الخارجية جبران باسيل كان خطيراً بقوله إن «لبنان مهدّد في حال استمرت التوترات الحالية التي تشهدها، بالوقوع في فوضى لن تكون خلاقة بل ستكون مدمّرة».
وبعد التشاور مع رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والرئيس الحريري أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات الى الاثنين المقبل. قرار عون جاء بعد اتصال تلقاه من الحريري طالباً تأجيلها، وبعد قرار عدد من الكتل مقاطعة الاستشارات كالقوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي وسط غموض في موقف كتلة المستقبل.
وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان أن «الاتصالات التي أجراها الرئيس عون بعد التطوّرات الحكومية الأخيرة شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري».
وقالت الرئاسة في بيان: «في ضوء التطورات المستجدة في الشأن الحكومي، ولا سيما ما طرأ منها بعد ظهر اليوم، وبناء على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، وإفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة، قرر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كانت مقررة غداً الاثنين 9 كانون الأول 2019، إلى يوم الاثنين 16 كانون الأول الجاري وفق التوقيت والبرنامج والمواعيد التي نشرت سابقاً».
وكان المهندس سمير الخطيب قد أعلن انسحابه بعد زيارة له الى بيت الوسط ولقائه المفتي عبد اللطيف دريان في دار الفتوى قبل لقائه الحريري، وقال: «أعلن بكل راحة ضمير اعتذاري عن اكمال المشوار الذي رُشِّحت اليه سائلاً الله ان يحمي لبنان من كل شر».
«إلا أن اللافت هو ما أعلنته ما يُسمّى بـ «هيئة تنسيق الثورة» في بيان رفض ترشيح الحريري الى رئاسة الحكومة.
وفيما رأت مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» أن تأجيل الاستشارات يشكل فرصة لإعادة صياغة اتفاق سياسي لعودة الحريري واستغلال نتائج مؤتمر باريس»، أشار مصدر مقرّب من بيت الوسط الى أن «التطوّرات والاتصالات التي تحصل أعادت عقارب الساعة الى الوراء وأبعد من 17 تشرين والاتصالات تحصل على أعلى المستويات».
وردّ «اللقاء التشاوري»، على موقف دار الفتوى وأشار في بيان بعد اجتماعه مساء اليوم في دارة النائب عبد الرحيم مراد، وبحضور جميع أعضائه، أن «مصادرة الحياة السياسية من قبل المرجعيات الدينية ينهي دور المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها المجلس النيابي، ويصادر الحرية السياسية الوطنية التي تجلّت في حراك الشعب اللبناني المنتفض على سياسة الفساد وتوزيع المغانم الذي أوصل البلاد الى ما نحن فيه، ويسيء إلى الدور الروحي للمرجعيات الدينية التي تجمع ولا تفرق، وتنأى بنفسها عن زواريب الحياة السياسة والالعاب السياسية الرخيصة».
وبرز موقف لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أكد فيه أن «هناك مَن يعمل على انقلاب لموازين القوى وإبعاد نفوذ المقاومة عن المشاركة الفاعلة في الحكومة أو المجلس النيابي بعدما نتج عن الانتخابات النيابية التي حصلت أكثرية لفريق المقاومة وكان لا بد من اعادة التوازن بإسقاط الحكومة والإتيان بحكومة جديدة وانتخابات مبكرة وربما تقصير لمدة الرئاسة على حساب الناس وكراماتها ولقمة عيشها وللذين ينصاعون ويؤيدون مثل هذه المحاولة».وشدّد رعد في تصريح أننا “نتمسك بصيغة الوفاق الوطني واتفاق الطائف وتشكيل حكومة وفاق وطني من خلال الطائف على أن تتمثل بالأكثرية السنية وهو من يجب أن يرأس الحكومة لذلك كان قرارنا ان يتمثل رئيس الحكومة رئيس الأكثرية السنية، او من يوافق عليه أو من يرشحه كرئيس”.
المصدر: الصحف