ركزت الصحف اللبنانية على تطورات الحراك الشعبي المستمر وتاثيراته الميدانية وانعكاساته السياسية، كما تناولت اقليميا موضوع اعلان واشنطن قتل ابو بكر البغدادي.
البناء
واشنطن تُنهي مرحلة هجومها تحت راية البغدادي بقتله… وترامب يشيد بتعاون سورية
الحراك يحاول تشكيل سلسلة بشرية أمس… ويستعدّ لقطع الطرق اليوم بالسيارات
لا تعديل ولا تغيير في الحكومة… وصفي الدين يحذّر من التلكؤ في الورقة الإصلاحية
كتب المحرّر السياسيّ
انتهت مرحلة إقليمية كان عنوانها تنظيم داعش بزعامة أبي بكر البغدادي، الذي قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية قبل ثلاثة أعوام أنه من صناعة الإدارة الأميركية متهماً سلفه باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بصناعته. ووفقاً لقراءة مصادر تابعت تنظيم القاعدة والتغيرات التي رافقت بنيته ودوره، جاء اغتيال أسامة بن لادن مترافقاً مع خطة استيلاد داعش وجبهة النصرة من رحمه، برعاية مباشرة أشرف عليها مدير وكالة المخابرات الأميركية سي آي أي الجنرال ديفيد بتريوس، الذي قام خلال وجوده في العراق برعاية مرحلة سابقة من حياة جبهة النصرة مع الأردني أبي مصعب الزرقاوي الذي قتل في ظروف مشابهة لمقتل البغدادي، بعدما انتهت مهمته، رغم أن اعتقاله كان ممكناً، كما كان الحال مع أسامة بن لادن. ومع الحرب على سورية تشكّل الهجوم الأميركي بجناحين هما النصرة وداعش، جناح يتحدّث بلغة تسلّم السلطة أو المشاركة فيها ووقف الحرب العالميّة التي يخوضها تنظيم القاعدة، وجناح يقيم دولة الخلافة بضمّ أراضٍ سورية وعراقية لسيطرته. والرهان الأميركي الذي قام على التحكم بمصير الجناحين عبر الإمدادات اللوجستية من تركيا، وبالسيطرة على خطة الحرب المعلنة على الإرهاب، اصطدم بعجزه عن التحكم بمسار هذه الحرب وفرض تدحرجها لسنوات من منطقة إلى منطقة، بسبب وجود إرادة حازمة لقوى محور المقاومة بإنهاء تنظيم داعش في سورية والعراق، كما اصطدم بالعجز عن توفير الحماية لتركيا عندما وجدت نفسها أمام خطر تصادم مع روسيا وإيران واضطرت للتراجع أمامهما وصولاً للانضواء في مسار أستانة، وصولاً لترتيبات التعاون مع الانتشار العسكري السوري في شمال شرق سورية حتى الحدود التركية، وهي المناطق التي كانت ملعب داعش في ما مضى. ووفقاً للمصادر المتابعة فإن نهاية داعش ليست أكيدة بمقدار ما هو أكيد لجهة نهاية مرحلة هامة من حياة التنظيم، ومن الرهان الأميركي في سورية، هو ما رمز إليه كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوجّه بالشكر للدولة السورية لسماحها للطائرات الأميركية التي نفّذت مهمة قتل البغدادي بالتحليق في الأجواء السورية.
في هذا المناخ الذي يختصره وصول صراعات المنطقة إلى ترسيم الحدود والأدوار والمسارح والأدوات، تضع مصادر لبنانية أمنيّة النظر لما يشهده لبنان، وتشكّل أوجاع اللبنانيين من الوضع الاقتصادي، وغضبهم من أداء الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثين عاماً، مسرحه الرئيسي، ويقدّم الحراك الشعبي الذي عرفته بيروت منذ أكثر من عشرة أيام ساحته الأساسية. ففي لبنان من شارك في الحرب على سورية تحت المظلة الأميركية ويخشى أن ينتهي دوره كما انتهى دور البغدادي ولو بقي على قيد الحياة، وهو يسارع لتقديم أوراق اعتماده لدور آخر عنوانه القدرة على تحويل الحراك الشعبي منصة لاستهداف حزب الله ومحاصرته، أو لنقل لبنان إلى ساحة للفوضى تربك المقاومة وتستنزفها. وقد وضعت المصادر الأمنية كلام الأمين العام لحزب الله التحذيري كرسالة لهؤلاء وليس للحراك ولا لمكوّناته الشعبية، لجهة مضمون رسالة السيد حسن نصرالله لهؤلاء بأن المقاومة كشفت مخطّطهم وهي بجهوزية كاملة لمواجهته، وتحذير الحراك من خطورة الذين سيحاولون العبث بوجهته، ولفت انتباه المخلصين والشرفاء لضرورة التنبه لما يدبّر لحراكهم من ألاعيب، وجاء كلام رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين التحذيري لمكوّنات السلطة من التلكؤ في تطبيق القرارات المتفق عليها في الورقة الإصلاحية، منعاً لمحاولة استثمار المسافة التي اتخذها حزب الله من ساحات الحراك لاعتماد التسويف والمماطلة في مقاربة مطالب الناس.
على صعيد ساحات الحراك، حققت الدعوة التي أطلقتها قيادة الحراك غير المعلنة لتشكيل سلسلة بشرية بين مدينتي صور وطرابلس مروراً بالعاصمة بيروت، ثلث نجاح، حيث ربطت جونية بجل الديب، وفشلت بربط صور وصيدا وصيدا ببيروت وجونية بطرابلس. وكان العدد الذي صرّح به القيمون على الدعوة لنجاحها هو مئة وسبعين ألف متظاهر، بينما بدأ أن ثلث النجاح يعادل توافر ثلث العدد، وهو ما فتح باب العودة للتدقيق بالأعداد التي جرى التداول بها حول حشود الساحات، من دون التقليل من قيمة الحشود التي تمثل عشرات الآلاف من اللبنانيين وليس ضرورياً بلوغها الملايين كي يشكل صوتها وصراخها سبباً للإنصات لرسالتها.
اليوم تشكل الطرقات مسرح التجاذب بين قرار لقيادة الحراك السريّة بإغلاق الطرق بالسيارات وإيقافها في منتصف الطرقات، وقرار القوى الأمنية بتأمين طرقات العاصمة ومداخلها. ليتبين مدى إمكانية عودة الحياة الطبيعية للمدارس والمؤسسات العامة والخاصة، بينما بقي الشأن الحكومي يراوح مكانه مع غياب التوافق على مقاربة واحدة للملف. فحكومة التكنوقراط التي يتحدث عنها البعض تطرح السؤال عن اسم رئيس الحكومة غير السياسي والذي يشكّل بتسميته صدمة إيجابية تدعو الحراك إلى اعتبارها حلاً، وبقاء الرئيس سعد الحريري على رأسها كسياسي يطرح بقاء سياسيي القوى الأخرى على الأقل بمناصب رئيسية وفي الحقائب السياسية، فيما يرى البعض أن حكومة التكنوقراط هي معادلة مواربة للدعوة التي سبق وأطلقها الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة لحكومة تكنوقراط بصفتها الشكل الأمثل لحكومة بدون حزب الله.
ولم تصل المشاورات الرئاسية التي تجري بعيداً عن الاضواء الى حل واضح للأزمة الحكومية حتى الآن، إلا أن الثابت لدى معظم القوى السياسية هو تجنب أي خيارات تؤدي الى الفراغ الدستوري كاستقالة الحكومة، دونما الاتفاق على حل واضح ومضمون تنفيذه. إلا أن المخاوف الأمنية تتصاعد من انجرار الشارع الى فوضى وفتنة يحضر لها خارجياً، مع استمرار عدد من المتظاهرين بقطع الطرقات ونشر العناصر الحزبية بثياب مدنية وإقامة الحواجز والطلب من المواطنين الهويات وفرض الخوات لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها رئيس القوات سمير جعجع ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط. وهذا ما أشار اليه نائب التيار الوطني الحر زياد أسود بقوله: «حواجز وتشليح وخوّات نتيجة واضحة لمن يحضّر ثورات ولمن يركب موجات. والأمر الثاني طارت الحكومة فتطير معها التسويات ونعود إلى المربع الأول بتجربة 1976، أخبرونا إلى أين وماذا تفعلون وكيف ستقودون الشعب وتنقذون الدولة». لكن الإشتراكي نفى في بيان، فرضه خوّات مالية على المواطنين للعبور.
لكن التحذير الأوضح جاء على لسان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من مخطط لنشر الفوضى والفتنة في لبنان عبر استغلال التحركات الشعبية، وقال خلال لقاء مع بعض كوادر المردة ومناصرين: «اننا مع الناس ومع وجعهم وهمومهم، لكن كل ثورة تنبثق من وجع الناس هي ثورة محقة، إنما الخوف من حرف الحراك عن مساره لزرع الفوضى». ولفت الى ان الحراك في أيامه الأولى شكل صرخة حقيقية وكان عفويّاً، ولكن ما ظهر بعد ذلك دفعنا الى الحذر، وهناك خوف من حرف الحراك عن مساره لزرع الفوضى». وشدّد على أننا ثابتون في تحالفاتنا خصوصاً مع المقاومة ونحن جزء أساسي من هذا المحور وسنقف بالمرصاد لكل ما ومن يهدّد وجودنا او مشروعنا وهويتنا ووطننا».
وإذ لم يطرأ أي جديد على الصعيد السياسي والحكومي، قالت أوساط السرايا الحكومية لـ»البناء» إن «مشاورات بعيدة عن الإعلام تجري على الخطوط الرئاسية لإيجاد حل للازمة»، ونفت الأوساط ما أشيع عن استقالة الرئيس سعد الحريري اذا ما أُريقت دماء في الشارع»، مؤكدة أن «ما يقوله الحريري يصدر رسمياً عنه وغير ذلك مجرد إشاعات»، وشدّدت الاوساط على أن «الحريري مستمرّ بالقيام بمسؤولياته الدستورية ولن يستقيل إلا اذا تم الاتفاق على حكومة بديلة لأنه حريص على المصلحة الوطنية والاستقرار وعدم الوقوع في الفراغ ولن يُقدم على قفزة في المجهول». مشيرة الى أنه «حتى الآن لم يتم التوصل الى صيغة حل محددة والمشاورات مستمرة». ولفتت الى ان «الحريري مستمر بعقد الاجتماعات واللجان التنفيذية للورقة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة وسيجري البحث اليوم بقانون العفو العام الوارد ضمن الورقة». واوضحت الاوساط انه «لم تحدد بعد جلسة لمجلس الوزراء»، ولفتت الى ان «الحريري لم يلمس اي نية خارجية لتغيير الحكومة بل كل المسؤولين الدوليين الذين التقاهم شددوا على ثلاثة أمور: دعم لبنان واستمرار الحكومة وتشديد على الحفاظ على السيادة والاستقرار ومنع استعمال العنف مع المتظاهرين ورفض الفوضى»، موضحة أن «الجيش يتعامل بحرفية وحذر مع المتظاهرين ولا يزج نفسه بالصدام معهم تاركاً المجال للمعالجات السياسية والحكومية».
أشارت المعطيات المتوافرة الى أن «المعنيين يربطون البتّ بأمر استقالة الحكومة أو التعديل الوزاري بفتح الطرقات أولاً، وثانياً بعودة الرئيس الحريري على رأس أي حكومة، وثالثاً الاتفاق على الصيغة الوزارية ضمن معايير موحّدة تشمل الجميع، يعني أنه في حال كانت حكومة اختصاصيين فيجب أن تكون كلها كذلك، وإن كانت حكومة سياسية يتم فيها فصل الوزارة عن النيابة فيجب أن تكون كل التشكيلة كذلك».
ومن الخيارات التي تبحث بجدية، بحسب مصادر «البناء» هي تعديل حكومي اي تعيين مكان وزراء القوات المستقيلين 4 وزراء آخرين مقبولين لدى الشعب، واقالة عدد من الوزراء من ضمنهم وزراء حزب الله ولم يبدِ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ممانعة بتغيير وزير المال إذا اتفق على مبدأ التغيير يطال وزير الخارجية جبران باسيل، لكن هنا العقدة بحسب المصادر في حين ان مصادر التيار الوطني الحر تتخوّف من ان يكون استبعاد باسيل ضربة للعهد ولرئيس الجمهورية ولباسيل نفسه. وتساءلت ما علاقة استهداف عون وباسيل تحديداً بالقرار الذي اتخذه الرجلان بالذهاب الى سورية لإعادة النازحين والانفتاح الاقتصادي؟
ودعا رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين «السلطة السياسية أن تتحمّل المسؤولية للمسارعة في تنفيذ وعودها في الحكومة وفي المجلس النيابي، ونحن سنتابع ونراقب»، وحذر المسؤولين أنهم «إذا لم يسارعوا إلى تنفيذ هذه الوعود التي التزموها، فسيكون لنا موقف واضح وحاسم».
ويبدو أن المؤسسات العامة والخاصة والمصارف والمدارس والجامعات ستبقى مغلقة اليوم في ظل دعوات الحراك الى قطع الطرقات بدءاً من صباح اليوم في مناطق عدة لا سيما في بيروت، وذلك عبر البقاء على الطرقات حتى ساعات الفجر الأولى كي لا تستغل القوى الأمنية غيابهم وتعمد الى فتح الطرقات. وفي إطار الاستغلال الخارجي للأزمة ولحراك الشارع لخلق بلبلة مالية ونقدية كشف مصرف لبنان في بيان، ان «ثلاثة صيارفة في حوزتهم عملات عربية مختلفة دخلوا الاراضي اللبنانية بعد الاعلان عنها. وقد تم تبديلها بالدولارات الاميركية في أسواق بيروت ليتم شحنها الى تركيا».
على صعيد آخر أفادت «الوكالة الوطنية» أن «طائرات حربية اسرائيلية حلقت أمس، في سماء القطاعين الأوسط والغربي وفوق قرى قضاء بنت جبيل على مستوى متوسط».
الاخبار
كيف نحمي الحراك من معركة السلطة ولصوصها والطفيليين؟
ابراهيم الأمين
تدخل البلاد اليوم مرحلة جديدة من المواجهة السياسية. الحراك الشعبي ليس متوقعاً له النهاية كما يفكر أركان السلطة، كما أن الحوار المفترض بين الجانبين ليس جاهزاً بعد، وحالة الحيرة القائمة عند الناس إزاء ما ستقوم به الحكومة، تقابلها حيرة أكبر عند أهل السلطة حول ما يمكن القيام به وإرضاء الناس. لكن جوهر الأزمة في عدم قدرة أي من الطرفين، أو أي وسيط على إدارة حوار ولو بالواسطة. ذلك أن السلطة تحب المكابرة حتى آخر نفس، أما الحراك، فهو أمام تحديات كبيرة، أهمها كيفية إنتاج إطار تنسيقي يصلح كمنبر يعكس المشترك الممكن بين مطالب المشاركين فيه، فيما تتعاظم مساعي جميع القوى السياسية لاستثمار غضب الناس في معارك أهل السلطة.
وبينما أُخِذ على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أنه بالغ في توفير الحماية لأهل النظام، وأنه يرفع من سقف مخاوفه من مساع خارجية وداخلية لاستثمار الحراك ضده سياسياً، كان الطرف الآخر (الغرب والسعودية والإمارات والقوات اللبنانية وبقايا 14 آذار، وأنصار المعارضة السورية في لبنان) يسعى لتأكيد عدم وجود علاقة بينه وبين تحرك الناس. لكن ما الذي حصل، حتى اضطرت «القوات» الى إظهار وجودها بشكل قوي من خلال تدابير اتفق عليها في مكاتب «mtv» أول من أمس، ثم عمّمت لاحقاً على الآخرين، وتتعلق بكيفية مواجهة قرار فتح الطرقات. وما الذي اضطر هذا الفريق إلى استدراج الجامعتين اليسوعية والأميركية لتوفير غطاء «نوعي» للحراك. وما الذي جعل الإعلام العربي والغربي يزيد من مستوى اهتمامه على قاعدة اعتبار ما يجري «ثورة ضد حزب الله وضد الفاسدين».
كل ذلك، يدل على أن المواجهة بين القوى السياسية غير القائمة أساساً بالحراك، تحتدم بصورة كبيرة، بينما تحبط مساعي القوى الحقيقية للحراك، والتي تمثل غالبية لبنانية مقهورة، في إنتاج وضعية خارج الخلافات بين أركان السلطة الموجودين أو المستقيلين، وهو ما تمثل في استمرار عرقلة محاولة إنتاج إطار قيادي تنسيقي ينطق ولو باسم الغالبية. وبدا واضحاً لعدد غير قليل من الناشطين، أن هناك من يحول دون «اجتماعات عملية وجدية منتجة» تقود الى خلق الإطار التنسيقي، وأن الميل لا يزال أقوى باتجاه ترك الناس تعبّر عن هواجسها من خلال حلقات حوارية مفتوحة في أكثر من تجمع للمتظاهرين.
من هو صاحب المصلحة في عدم تشكيل إطار قيادي للحراك؟
بعض القوى الناشطة، يعتقد أن السلطة هي التي تريد قيام هذا الإطار حتى تعمل على استمالته أو استهدافه، بينما يرى ناشطون آخرون أن الفعاليات نفسها ليست في وضع يتيح لها التوافق على إطار تنسيقي من دون التفاهم على تسمية أشخاص، وأن الوضع الحالي سوف يفرض قيام إطار واسع وعريض لا يقدر على إنتاج ورقة عمل إلا بعد وقت طويل، فيما يقول طرف ثالث (وهو للأمانة ليس كبيراً داخل الحراك) إنه ربما «تكون هناك جهة خفية تمنع قيام هذا الإطار، حتى يظل بالإمكان التأثير عليه من خلال أفكار مفاجئة أو من خلال التعبئة الإعلامية».
وبمعزل عن هذا الرأي أو ذاك، فإن النتيجة هي دخول الجميع في مرحلة النقاش العقيم. يعني أن السلطة التي لا يبدو أنها مستعدة لتغيير جوهري، تريد أن تدخل مع الناس في حوار «الدجاجة والبيضة». وتراهن السلطة هنا على تعب الناس ومللهم، وعلى شكوى المواطنين من تعطل الحياة العامة والأشغال. ويكثر أهل السلطة من روايتهم المحبّبة، المتعلقة بالقواعد الطائفية والمذهبية والتحولات القائمة فيها، بينما تسعى أدوات السلطة الأمنية الى محاولة اختراق صفوف الناشطين من خلال عمليات ترهيب وترغيب، علماً بأن القوى الأمنية ليست كلها عاملة الآن عند الدولة، بل فيها أيضاً اختراقات خارجية وفيها ما يحاكي حسابات البعض وطموحاته، من أركان هذه المؤسسات.
في المقابل، فإن القوى السياسية المعارضة للسلطة، والتي تمثل القوات اللبنانية رأس الحربة فيها، تعتبر أن المواجهة القائمة ستتيح لها توسيع دائرة نفوذها في الشارع عموماً، ولدى المسيحيين على وجه الخصوص، علماً بأن كثيرين من المشاركين في التظاهرات ينفون قدرة «القوات» على التأثير المباشر على الناس، وأن هذا الفريق يتحاشى الظهور علانية، ليس لعدم اتهامه بالتدخل، بل لأن كثيرين من الناس لا يرونه خارج فريق السلطة أساساً.
عملياً، الاستعراض للأحداث لا يكفي لفهم ما يجري. لكن الأساس هو تحديد مصلحة الحراك، وتحديد آلية حمايته من السلطة ومن لصوص السياسيين والسفارات والخارج والفاسدين أنفسهم. وهذا يعني ضرورة العودة به الى المربع الاول، حيث مركز الاحتجاج على سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية. وهو الأمر الذي يحتاج الى تغيير جوهري في السلطة، لكن ليس على طريقة التكنوقراطيين أو الخبراء الذي يظهرون فجأة ليتم تصويرهم لنا كمنقذين، مثل غسان حاصباني (ملك الخصخصة) أو عادل أفيوني (المتهم باختلاسات مالية في مصارف أوروبا) أو فادي جريصاتي (غير العارف بآلية عمل الدولة وطريقة مخاطبة الناس) أو محمد شقير (الذي يجري تصويره على أنه ملك التجارب التجارية الناجحة، وهو الممنوع من التدخل في عمل عائلته خوفاً على العمل نفسه).
إن شعار إسقاط الحكومة هو حتماً جزء طبيعي من أي حراك شعبي، وهو أمر لا بد منه في كل الأحوال، لكن أن يحصل التغيير وفق وصفة فضلو خوري (الذي تنهار صحتنا وسمعتنا بـ«فضلو») أو أن يجري وفق محادثات جانبية تجريها القوات اللبنانية أو وليد جنبلاط مع شركائهما في السلطة، فهذا ما لا يتطابق والأهداف الفعلية للحراك الحقيقي، القائم على فكرة نسف طبقة منتشرة على مقاعد الحكومة والمجلس النيابي والإدارة العامة والقضاء والمؤسسات الأمنية والعسكرية وحشد المجالس والمؤسسات العامة. وإذا لم يسارع أهل الحراك إلى إعادة تصويب البوصلة، فإننا نسير نحو مأزق قد يقودنا الى خسارة كبيرة، والى إحباط جديد..
لننتظر اليوم كيف سيجري التحرك أمام مصرف لبنان، ومن سيهتم به مشاركة أو تغطية أو متابعة… وبعدها لكل حادث حديث!
الجمهورية
نصائح للحريري بعدم الإستقالة… وقداسة البابــا لـ”حوار وحلول عادلة”
لم يطرأ جديد على المواجهة الدائرة بين السلطة والانتفاضة الشعبية التي تدخل يومها الثاني عشر، إذ إنّ المواقف ظلت على حالها في السياسة كما في الساحات والشوارع، ومن المنتظر أن يتّضح مسار الاوضاع في ضوء ما ستشهده بداية الاسبوع اليوم من حراك واتصالات على الضفتين. وعلمت «الجمهورية» أنّ فكرة التعديل الحكومي تبدو صعبة التنفيذ حتى الآن، خصوصاً في ظل الاصرار على بقاء الوزير جبران باسيل في الحكومة. وفي المقابل، فإنّ فكرة تأليف حكومة تكنوقراط، التي يطالب بها المتظاهرون، هي الأخرى صعبة التنفيذ. وبين الخيارين يبدو رئيس الحكومة سعد الحريري مُربكاً، فيما تصرّ جميع الأوساط السياسية عليه لعدم الذهاب الى الاستقالة تجنّباً لوقوع البلاد في الفراغ. وكان البارز أمس دعوة قداسة البابا فرنسيس إلى سلوك طريق «الحوار» لإيجاد حلول «عادلة» في الأزمة السياسية والاجتماعية التي يمرّ بها لبنان. وقال: «أفكاري مع الشعب اللبناني العزيز، خصوصاً الشباب الذين أسمعوا في الأيام الأخيرة صرختهم في وجه التحديات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد». وحَضّ «الجميع على البحث عن حلول عادلة من خلال الحوار»، مشيراً إلى أنّ الهدف هو أن «يستمر هذا البلد، بدعم الأسرة الدولية، في أن يكون مساحة تَعايش سلمي واحترام لكرامة وحرية كل شخص لمصلحة منطقة الشرق الأوسط كلها».
أجمعت الاوساط السياسية أمس على انّ الحلول مجمّدة بين إصرار الشارع على مطالبته بتغيير الحكومة، في مقابل تمسّك السلطة بالاكتفاء بالورقة الاصلاحية وفتح الطرق فوراً، على أن يلي ذلك انتداب وفد يمثّل المتظاهرين الى الحوار مع رئيس الجمهورية، والاتفاق على الاجراءات التي يمكن ان تتخذها الدولة، وفي مرحلة ثالثة يتم البحث في ملف التعديل الحكومي. لكنّ أوساط الحراك اعتبرت انّ في هذا الطرح الحكومي «فخاً» لضرب هذا الحراك وإحباطه.
خطة لفتح الطرق
وعلمت «الجمهورية» انه كان من المقرر البدء فجر أمس بتنفيذ خطة عسكرية ـ أمنية لفتح الشوارع الرئيسة، لكن تم تأجيل هذه الخطة لمدة 24 ساعة بسبب تعقيدات برزت في اللحظة الاخيرة.
وكان قد انعقد صباح السبت اجتماع أمني في مقر قيادة الجيش، ضَم، الى قائده العماد جوزف عون، جميع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وناقش المجتمعون الأوضاع الراهنة في البلاد في ضوء استمرار التظاهرات وقطع الطرق، ولاسيما منها الطرق الدولية.
وقالت مصادر المجتمعين لـ»الجمهورية» انّ القيادات العسكرية والأمنية تقاسمت المهمات والمناطق، سعياً الى ترتيب الأجواء التي تسمح باستعادة الحركة الطبيعية من دون حصول أي صدام مع المتظاهرين. ولذلك، فقد توزعت المهمات على هذه الأسس، توصّلاً الى أفضل الإجراءات التي تُسهّل حرية تنقّل المواطنين على الطرق الحيوية، وحفظ أمن المتظاهرين وسلامتهم.
في بعبدا
وكانت الإتصالات قد تواصلت طوال عطلة نهاية الأسبوع، إذ بقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تواصل مع رئيس الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون وقادة الأجهزة الأمنية لمتابعة التطورات، في ظل إصراره على إعادة فتح الطرق، وتسهيل استعادة الحياة الطبيعية الى البلاد، والتوصل الى حل للخروج من الأزمة.
وقالت مصادر وزارية قريبة من عون لـ»الجمهورية» انّ البحث في التغيير الحكومي بات أمراً ثابتاً ومقبولاً لدى الجميع، ومن ضمن المؤسسات الدستورية والمعايير الموحّدة التي يجب أن تسري على الكل، ولكن المشكلة تكمن في مرحلة ما بعد الاستقالة، إذا حصلت. وتَمنّت على أصحاب هذا الاقتراح التفكير بما بعده، لأنّ التفاهمات المسبقة متعذّرة حتى اللحظة، وليس هناك من إجماع على تشكيلة وزارية للحكومة البديلة.
بيت الوسط
في المقابل لم تتوقف حركة الاتصالات في «بيت الوسط»، وتحدثت أوساطه لـ»الجمهورية» عن سلسلة من الاجتماعات واللقاءات لمواكبة التطورات، وسط التركيز على ما بعد أي خطوة يمكن الحريري ان يُقدم عليها، وخصوصاً في ظل الحديث عن تغيير الحكومة، إذ انّ هذه الخطوة لا يمكن الاقدام عليها قبل الاتفاق المُسبق على الحكومة العتيدة، بحيث يتم التغيير من ضمن الآليات الدستورية.
وسيترأس الحريري في السراي الحكومي اليوم اجتماعاً للجنة الوزارية المكلّفة البحث في مشروع قانون العفو العام، بعدما تقرر في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة الاسراع في إصداره.
باسيل والتعديل الحكومي
والى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ خيار التعديل الوزاري يواجه صعوبات وتعقيدات جوهرية، لعل أبرزها يكمن في انه يوحي أنّ الوزراء المُراد استبعادهم هم المسؤولون عن الاسباب التي أدّت الى الانفجار الشعبي، بحيث أنّ إخراجهم من الحكومة سيبدو نوعاً من العقاب لهم، في حين انّ الحكومات المتعاقبة على امتداد نحو 30 عاماً والسياسات الاقتصادية والمالية المتراكمة، هي التي أوصلت الى انتفاضة 17 تشرين الاول، ولا يجوز اختزال المشكلة ببضعة وزراء وتحويلهم كبش محرقة، كما يعتبر المعترضون على التعديل الموضعي.
وأكد قريبون من الوزير جبران باسيل انّ البعض يدفع الى إخراجه من الحكومة لإلباسه ثوب الأزمة وتحميله المسؤولية عنها، «وهذا ما لا يمكن القبول به بتاتاً، وكلّ طرح من هذا القبيل هو تَخبيص خارج الصحن»، مشدّدة على أنه «من غير المسموح إعطاء أي تغيير حكومي طابع العقاب أو الاستهداف لرئيس التيار الوطني الحر. وبالتالي، فإنّ مقاييس أي تغيير من هذا النوع يجب ان تكون موحدة وغير استنسابية». ولفت هؤلاء الى «انّ من يظن أنّ بمقدوره استخدام مطلب التبديل الحكومي للانتقام من باسيل وتصفية الحسابات معه، إنما هو مشتبه وواهِم». وأكدوا انّ مغادرته لموقعه الوزاري «لا يمكن ان تتم سوى في إطار التوافق على خيار سياسي جديد للتعامل مع المرحلة المقبلة، وفق معيار مشترك»، الأمر الذي يتضمّن تلميحاً الى انّ خروج باسيل ليس ممكناً، إلّا إذا استقالت الحكومة مجتمعة.
ولئن كانت أوساط باسيل تُقرّ بأحقيّة المطالب المرفوعة في الساحات، إلّا انها لفتت الى «انّ هناك مَن دخلَ على خط العفويين من المحتجّين لتنفيذ أجندة سياسية، ترمي الى تدفيع الرئيس ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» ثمن خياراتهما الاستراتيجية الصحيحة، خصوصاً بعد إعلان باسيل الصريح في خطاب الحدث في 13 تشرين الاول عَزمه زيارة سوريا قريباً، بُغية إيجاد حل لملف النازحين السوريين.
المصدر: صحف