ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 26 آب 2019 على خطاب الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مهرجان التحرير الثاني لجرود السلسلة الشرقية في بلدة العين البقاعية والذي تضمن رداً على الاعتداءات الاسرائيلية الاخيرة على لبنان وسوريا.
* الاخبار
العقاب حتماً!
اول اختبار دموي لمنظومة الردع بين المقاومة واسرائيل؟
ابراهيم الأمين
“عملية ما”، لكنها فاشلة في الضاحية الجنوبية، أتت بعد ساعات قليلة على عملية عسكرية دموية ضد عناصر من المقاومة في دمشق. تالياً، وبمعزل عن الهدف الذي كان العدو يقصده في الضاحية، فإنه قرر توجيه ضربة مباشرة ضد حزب الله في قلب بيروت وفي موقع معروف العنوان في دمشق… فما الذي يحصل؟
عودة الى حرب العام 2006. لم تكن مشكلة العدو، يومها، محصورة في نقص الحكمة والنضج لدى القيادة السياسية. أصل المشكلة يكمن في ان التقدير الذي عملت على اساسه القيادات الامنية والعسكرية، كان ينقصه الكثير من العناصر الضرورية لناحية الجهد الاستخباري من جهة، وتقييم واقع العدو من جهة ثانية. عملياً، تتحمل الجهات المهنية في كيان العدو (جيش وأمن) مسؤولية القرار السياسي بشن الحرب!
اليوم، نحن امام واقع مشابه على مستوى القرار في تل أبيب. لا تبدو القيادة السياسية متفوقة كثيراً بالنضج والحكمة عن حكومة ايهود اولمرت، وان كان بنيامين نتنياهو صاحب خبرة أكبر. لكن الصراعات السياسية داخل الكيان، تعيدنا الى المربع الاول، حيث القرار الحقيقي يرتبط بالجهات المهنية اياها، والتي يجب التدقيق في كيفية تعاملها مع المشاهد المعقّدة من حولها.
صحيح ان ما حصل في سوريا او في الضاحية يعكس نجاحاً استخباراتياً معيناً لدى العدو. او لنقل إنه يعطي اشارة واضحة على مستوى الجهد الاستخباراتي التي يقوم به العدو في الجبهة الشمالية منذ عام 2006. لكن الكلام عن النجاح في تحقيق الهدف من العملين، يبقى رهن التطورات، حيث التحديات الكبيرة، وحيث يضطر اهل القرار في تل ابيب الى العمل في ظل مناخ شديد التوتر.
يقرأ العدو جيداً ما يحصل في المنطقة ويدرك الربط القوي للملفات بعضها ببعض، وهذا ما جعله يبحث عن وسائل جديدة لمعالجة وضعية «الخيارات الضيقة» التي يجد نفسه فيها الآن. والناتجة عن:
– فشل الرهان على انتهاء دور سوريا في دعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وعلى سقوط النظام في دمشق.
– قيام قوة شعبية وسياسية ورسمية عراقية تنتمي مباشرة الى محور المقاومة وعدم قدرة الولايات المتحدة على خلق مناخ داخل العراق كالذي ساد في السنوات التي سبقت انطلاق ما سُمّي «الربيع العربي».
– بروز عجز اميركي وأوروبي عن الدخول في مواجهة مباشرة وواسعة مع ايران، والسعي الى احتواء التوتر لا العكس.
– المسار الذي اخذته حرب اليمن نحو هزيمة مدوّية للتحالف الاميركي – السعودي – الاماراتي – الاسرائيلي في مواجهة حلفاء ايران.
– عودة الحرارة القوية الى جسم قوى المقاومة الفلسطينية، وتعزز العلاقات بين حركة حماس على وجه التحديد ومحور المقاومة، واتساع قدرات وهوامش المناورة امام التنظيم الجهادي القوي، اي حركة الجهاد الاسلامي.
– فشل مساعي الحصار المالي والاقتصادي في إضعاف قدرات حزب الله او محاصرة دوره سواء داخل لبنان او على مستوى الاقليم، بل تعزيز قدراته الخاصة بملف فلسطين.
هذه الوضعية، تدفع اسرائيل نحو الجدار. لا يقتصر الامر على ضيق الخيارات، بل يرتفع أيضاً منسوب التوتر، وبالتالي تزيد الاخطاء والتي قد يكون ما حصل في سوريا ولبنان ليل السبت – الاحد احد تعبيراتها. هدف العدو هنا، قد يكون دفع الفريق السياسي «الحاكم» في لبنان الى القيام بعمل يضمن «ضبطا» لحركة المقاومة. لكن الامر يحتاج الى ضربة على الطاولة، من اجل اعلان الخروج من قواعد اللعبة القائمة. وهذا يعني بالضبط: قرار اسرائيلي بمحاولة تعديل ميزان الردع على الجبهة الشمالية.
عملياً، ما حصل هو ان ضربة دمشق، التي اصابت مجموعة تعمل ضمن القوة الجوية للمقاومة، وتدمير بعض مواردها، لا يمكن لها ان تقضي على مشروع كبير يتصل بامتلاك محور المقاومة وجميع قواه منظومات الدفاع والقتال الجوي.
وهذا المشروع تراقبه اسرائيل، ليس من خلال برامج التجسس البشري او التقني في ايران ولبنان وسوريا وفلسطين وحسب، بل ايضاً من خلال التقدم الهائل الذي حققه «انصار الله» في اليمن، حيث النجاح الكبير في مواجهة السعودية المستفيدة من برامج دعم عسكرية ولوجستية كبيرة من اميركا كما من اسرائيل نفسها. واسرائيل التي تجيد التمييز بين هذا الفريق او ذاك، تعرف ان ما يقوم به اليمنيون، في ظل ظروف الحرب والحصار والضغط، قد لا يمثل إلا القليل امام ما يمكن لقوة مثل حزب الله ان تقوم به على هذا الصعيد. وها هي اسرائيل على وشك اختبار منظومة الدفاع الجوي للمقاومة في لبنان بعد تصريحات السيد حسن نصرالله أمس، والتي أنهت سنوات طويلة من «الغموض البناء» الذي كان معتمدا حيال القوة الجوية والدفاع الجوي.
اما عملية الضاحية، فتفاصيل كثيرة عنها ستظل طي الكتمان. لكن العدو ليس مستعدا لفهم «الصدفة الالهية» التي افشلت العملية، كما ان المقاومة تعلمت من الدرس ما هو مهم لمواجهة هذا النوع من الاعمال الامنية – العسكرية، بالاضافة الى انه درس استخباراتي للاثنين معا. لكن الحصيلة سهلت للمقاومة الخروج من دائرة الغموض الى العلن حيال قوة الدفاع الجوي. كما ان الرد الاكيد على عمليتي دمشق والضاحية سيخلق واقعا جديدا على الجبهة الشمالية للعدو، وخصوصا من جانب لبنان. حيث قررت المقاومة، صراحة، ان تختار الاهداف من دون الوقوف عند خاطر قرارات دولية او اراض محتلة او ما شابه. وهنا يكمن خطأ العدو الكبير، في انه منح المقاومة مشروعية كبيرة لردود عقابية وردعية كانت صعبة التحقق لولا هجمات ليل السبت – الاحد.
ضربة دمشق لن تقضي على مشروع كبير
يتعلق بامتلاك محور المقاومة وكل
قواه منظومات الدفاع
والقتال الجوي
لذلك، دخلنا اليوم في مرحلة اختبار منظومة الردع عند الطرفين. اسرائيل تحاول القول إن «الضربات الوقائية» غير ممكنة من دون المسّ بقواعد اللعبة، وهو ما حصل في دمشق ثم في الضاحية، والمقاومة سترد، بضربات عقابية تعيد العدو الى صوابه حيال مسألة الردع. وهذا سببه:
– ان العدو كان يعلم ان الغارة على مركز المقاومة في دمشق ستؤدي الى سقوط شهداء في صفوف المقيمين هناك. وهو فعل ذلك عن وعي، ليس بالضرورة لاجل ايقاع الخسائر البشرية، بل لكون تحقيق المهمة لن يكون ممكنا من دون وجود هذه المخاطر.
– ان رد الحزب، القائم على «مبدأ التماثل» المعتمد منذ ضربة القنيطرة، يفرض توجيه ضربات مؤلمة الى العدو، وبينها ما يجعل العدو الان يختار من بين جنوده من هو الاكثر استعداد للموت قبالة الحدود مع لبنان.
وبالتالي، فان العدو يقف اليوم امام خيارات اكثر ضيقا، فاما يقبل برد مؤلم ويصمت، وعندها يفقد كل قيمة ما قام به ليلة السبت – الاحد، ويخسر اوراقا اضافية، واما سيكون امام عملية «تكبير راس» ويعمد الى الدخول في مرحلة «ضربات الترجيح» المفتوحة، والتي تعني في احد اوجهها إمكان تدحرج الامر نحو حرب واسعة.
في جانب اخر، كان واضحا من كلام السيد نصرالله، اننا اقتربنا من انتهاء مرحلة الصمت على الضربات الاسرائيلية في دول وساحات محور المقاومة. وهو امر «تشعر» به اسرائيل. وهي اصلا تعتقد – وتقول – بأن الغارة على موقع الحزب جنوب دمشق، كان هدفها منع هجمات بطائرات انتحارية ضد اسرائيل. وهو ما يعني لها، انه شكل من اشكال الرد على ما تقوم به بالتعاون مع اميركا في العراق او سوريا او على الحدود بين البلدين. ولذلك، كان اصرار العدو على القول ان هدف الغارة هو «قوة القدس ومعها ميليشيات شيعية، وبقيادة قاسم سليماني». وهي، هنا، تحاول، ولو بطريقة سخيفة، عدم تحميل حزب الله المسؤولية عما يقوم به المجاهدون الذين استُهدفوا في الغارة. لكن السؤال الذي يُطرح: لو كان العدو رفض تسمية حزب الله في بيانه حول غارة الشام، فلماذا اقدم على فعلته في الضاحية، وهو يعرف انها مركز القيادة في المقاومة، حتى ولو كان سيخرج ليقول ان الهدف كان ايرانيا ايضا؟
كل ما علينا فعله الآن هو انتظار نتائج تطورات الايام القليلة المقبلة. وانتظار نتائج المرحلة الجديدة من المواجهة. الكل متوتر، لكن العدو سيكون امام توتر غير مسبوق، والشاطر هناك يعمل على قياس الضغط عند الجمهور كما عند اصحاب القرار!
حرب تهويل إسرائيلية… في انتظار الرد
لم يدع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هامشاً لتقدير خاطئ أو اجتهادات مغلوطة حول حتمية الرد على الاعتداءين الإسرائيليين في سوريا ولبنان. كان واضحاً لديه ضرورة تجنيب لبنان التداعيات الكارثية للامتناع عن الرد، والتي تتمثّل في مزيد من الاعتداءات نفسها وما يتجاوزها، وفي إطلاق يد العدو في الساحة اللبنانية.
مع حتمية الرد، تثار لدى الجانبين، الإسرائيلي واللبناني، جملة من الاسئلة تتجاوز الساحة اللبنانية إلى الاقليم، وفي مقدمها السؤال عن إمكان نشوب حرب، وإن ما زال التقدير هو استبعادها، من دون نفي إمكاناتها بالمطلق. علماً أن الرد التناسبي – رغم احتمال تصعيد يكبر أو يصغر في أعقابه – من شأنه أن يبعد الحرب لا أن يقرّبها.
المرحلة الحالية شبيهة، إلى حد بعيد، بمرحلة ما بعد غارة إسرائيل على بلدة جنتا الحدودية عام 2014، والتي استدعت رداً من حزب الله أذّى إلى تثبيت قواعد اشتباك أهم ما فيها منع إسرائيل من الإعتداء في الساحة اللبنانية.
في حينه، قدّرت تل أبيب – خطأ – إمكان امتناع الحزب عن الرد على وقع تطورات سياسية وميدانية على الساحتين اللبنانية والسورية. ويبدو اليوم، في تقدير ابتدائي، أن العدو يرتكب الخطأ نفسه في العام 2019، في لحظة سياسية إقليمية يراها ضاغطة على المقاومة والمحور المقاوم!
مع ذلك، الظرف الممكّن، كما قدرت إسرائيل، لم يعد محل الاهتمام الرئيسي لحزب الله، كما تبين من خطاب نصر الله أمس. مكان الاعتداء ونتيجته، وكارثية الامتناع عن الرد، هو ما يحكم توجّه حزب الله وقراره ويتقدم سلم اهتمامه، وفي المقابل قرار إسرائيل واهتمامها للآتي: سعي حزب الله لأن يكون الردّ تناسبياً قياساً بالاعتدائين بما يؤدي إلى القصاص وإلى تثبيت قواعد الاشتباك من جديد، في مقابل سعي إسرائيلي إلى الحد من مستوى مدى الرد وتقليص إيذائه.
تأسيسا على ذلك، يتموضع حزب الله هجومياً ومتوثباً لاقتناص فرصة الرد كما يراه مناسباً، وكذلك لمرحلة الردّ على ما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل في أعقاب الرد، إن وقعت في خطأ تقديراتها؛ فيما تتموضع إسرائيل دفاعيا مع محاولة «تصفير» الأهداف الميدانية على طول الجبهة من البحر إلى الجبل، وهو ما يستنزف جيشها ويشغله في اليقظة الدفاعية طوال فترة انتظار تلقي الرد.
تأثير المعادلة الجديدة سينسحب
على الميزان الكلي
للمواجهة مع
العدو
مع ذلك، جزء مهم جدا من رد حزب الله نفذ أمس وأُنجز بالكامل، وهو المعادلة الجديدة التي فرضت نفسها من خلال قرار استهداف المسيّرات الإسرائيلية فوق لبنان. هذا الجزء من الرد يتعلق بشكل مباشر بالاعتداء الأخير، إلا أن تأثيره ينسحب على الميزان الكلي للمواجهة مع العدو، ومن شأنه تعزيز الموقف الدفاعي في لبنان مقابل نزع واحد من مقوّمات العدو في مجال الادارة الاستخبارية والعملياتية.
بناء على ذلك، المتوقع أن تقسم إسرائيل حراكها السياسي والميداني للفترة المقبلة إلى مرحلتين:
مرحلة تتعلق بفترة انتظار رد حزب الله، وتخصص للتأثير المسبق في قرار الرد وتقليص تأثيره وايذائه. وهي مرحلة ستكون مشبعة بمواقف وتصريحات يتبارى فيها المسؤولون الإسرائيليون في صوغ عبارات التهديد، وهو ما بدأ أمس عبر تهديدات أطلقها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وعدد من وزرائه وقادة جيشه. وفي هذه المرحلة ايضا، سينشط الجيش الإسرائيلي في توجيه رسائل ردعية عبر الميدان من خلال استعراض وسائله القتالية ومنظومات دفاعه الاعتراضية، إضافة إلى إجراءات وتقارير إعلامية موجهة حول توثب دفاعي وهجومي لردع حزب الله. وهذا يعني أن من شأن الأيام المقبلة أن تشهد طفرة في التهديدات لا تعني، بالضرورة، أن تتحقق فعلا في أعقاب الرد، أو في أعقاب الرد على الرد.
على أي حال، مرحلة ما بعد رد حزب الله لها تقدير وترتبط بمعدلات أكثر انضباطا وتحسبا. إذ رغم كل ما حدث وكل ما سيصدر من تهويل وتهديد من إسرائيل، فإن قيادتيها السياسية والعسكرية غير معنيتين بنشوب مواجهة واسعة، وربما هذه هي الحقيقة الأكثر ثباتا في في كل ما يتصل بالمعادلة بين الجانبين التي تحاول إسرائيل تغييرها.
في المقابل، ستنشط إسرائيل، أيضا في مرحلة ما قبل الرد، باتجاه التأثير في حجمه، عبر تجنيد أصدقائها أو تجنّدهم، بدءا من الولايات المتحدة مرورا بأوروبا ووصولا إلى الاصدقاء في النظام العربي. وهذا يعني مزيدا من التهويل بحملة نصائح ضد لبنان دولة وشعبا، بما يشمل زيارات رسمية ستتزايد في الأيام المقبلة.
الأيام المقبلة لا تتعلق فقط بانتظار الرد، بل أيضا بانتظار التهويل والتهديدات. الثابت أن الرد مقبل وإن حده الأدنى تناسبي، في حين أن التهديد الإسرائيلي والتهويل أداة وليس حقيقة، في خدمة الموقف الدفاعي الإسرائيلي.
السيد نصرالله يفتتح معركة سلاح الجو!
تنفيذ العدو الإسرائيلي عملية أمنية في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، بواسطة طائرتين مُسيّرتين عن بُعد، ليل السبت – الاحد، وسقوط شهيدين للمقاومة بغارة إسرائيلية في سوريا، فرضا على المقاومة اتخاذ قرار بمنع العدو من إطلاق مسار يهدد فيه قوة الردع التي تحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، وتحمي المقاومين حيثما كانوا. ولأجل ذلك، أعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس المعادلة الجديدة: طائرات العدو المسيّرة عن بُعد لن تبقى آمنة في سماء لبنان بعد اليوم؛ والمقاومة ستردّ على غارة ريف دمشق، عبر الحدود اللبنانية – الفلسطينية.
مرحلة جديدة فرضها العدو الاسرائيلي على لبنان… «ونحن أهلها»، وفق ما أكّد نصر الله، لأنّنا نحن اللبنانيين «صنعنا أمننا وأماننا بأيدينا ودماء جنودنا ومقاومينا، وتحمّلنا أعباء أن يكون بلدنا واحة أمن وسلام، لن نسمح بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو أن يُصبح مُستباحاً». ومرّة جديدة، «سنُدافع عن بلدنا، عند كلّ حدود. وإذا راهن العدو على ضعفنا أو كان فرحاً بحصار مالي علينا، فهذا يعني انه لا يعرفنا. نحن حاضرون أن نجوع، لكن أن نبقى أعزّاء. نبيع بيوتنا ونُقاتل، لكن لا نسمح لأحد بأن يمسّ وجودنا وكرامتنا، وليتحمل الكلّ مسؤوليته في المرحلة الجديدة»، قال نصر الله داعياً في الوقت نفسه الجميع في لبنان إلى اتخاذ «موقف قوي موحّد، لأنّ العودة إلى الانقسامات القديمة، ستؤذي البلد».
في كلمته أمس، تحدّث السيّد نصر الله عن المُستجدات الاسرائيلية الأخيرة «الخطيرة جدّاً جدّاً جدّاً». ولكنّه اعتمد لهجةً تصعيدية – تهديدية، تتناسب مع معادلة الردع، التي ثبتتها المقاومة مع العدو الصهيوني، وتسمح لها برفع السقف عالياً، حتى لا يُراهن أحدٌ على تلقيها الضربات، من دون الردّ المناسب.
شارك نصر الله الرأي العام تفاصيل ما جرى فجر السبت – الأحد. فقال إنّ المقاومة «غنمت» طائرة مُسيّرة إسرائيلية، نظامية وليست من نوع الطائرات التي تُعتمد للتصوير الشخصي، «ممكن أن نعرضها على وسائل الإعلام، إضافة إلى حطام الطائرة الثانية». الطائرة الأولى دخلت إلى حيّ معوض، «وكانت للاستطلاع وغير مزودة بأي مواد تفجير». حلقت على علوّ منخفض، «إلى حدّ أصبحت بين البنايات»، يُرجّح أنّها كانت «تُقدّم صورة دقيقة للهدف المقصود». ليس حزب الله من أسقط الطائرة، بل «شبّان في الحي بدأوا برمي الحجارة عليها، ووقعت. قد تكون وقعت نتيجة خلل فني أو بسبب الحجارة لأنّها مُصابة». وأكمل نصر الله أنّه «بعد مدة زمنية بسيطة، جاءت الطائرة الثانية، بشكلٍ هجومي، وضربت مكاناً معيناً. ما حصل هجوم بطائرة مُسيرة انتحارية، على هدف في الضاحية الجنوبية». وهذا الهجوم الإرهابي هو «أول عمل عدواني منذ 14 آب 2006. كلّ وسائل الإعلام الاسرائيلية تتكلم عن مُسيّرة إرهابية. الاسرائيلي يعترف بأنّه قام بهذه الاغارة. وهذا خرق لقواعد الاشتباك التي تأسست بعد حرب تموز. خرق كبير وخطير والله لطف من دون ضحايا».
قد يلجأ البعض في الداخل اللبناني، وحلفاء الولايات المتحدة و«اسرائيل» في المنطقة، إلى تسخيف ما حصل. ولكن بالنسبة إلى نصر الله، «إذا سُكت عن هذا الخرق، فسيؤسّس لمسار خطير جداً على لبنان. وسيسمح بأن تقوم مُسيرة إرهابية، كلّ مدة، باستهداف هذا المبنى والمكان، تحت عنوان مُسيّرة الله أعلم من أين أتت». شبّه نصر الله ما يُحاول العدّو القيام به في لبنان، بتكرار للسيناريو الذي يجري في العراق حالياً، وبدأ منذ أسابيع باستهداف مخازن الحشد الشعبي. «فليسمعني كل العالم، شأنهم العراقيين كيف يتعاطون مع الأمر. لكن بالنسبة إلينا في لبنان، نحن لا نسمح بمسارٍ من هذا النوع، وسنفعل كل شيء لمنعه، مهما كلّف الثمن. تقوم الدولة بمسؤوليتها، تُدين الاعتداء، تُقدّم شكوى لمجلس الأمن، تتكلم مع الأميركيين، هذا جيد، لكن لن يوقف المسار الخطير الذي سيُعيد لبنان إلى ما قبل عام 2000».
وهنا يأتي دور المقاومة، فأكّد نصر الله انتهاء الزمن «الذي تقصف فيه اسرائيل لبنان، ويبقى الكيان آمناً، في أي نقطة فيه». توجّه إلى المستوطنين، مُبلغاً إياهم: «لا تعيشوا، لا ترتاحوا، لا تطمئنوا، ولا تراهنوا أنّ حزب الله سيسمح بمسار من هذا النوع». ففي المرحلة الجديدة التي يريدها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، «لم تعد المسيّرات الإسرائيلية في نظرنا مسيّرات جمع معلومات، أو خرق سيادة، بل أصبحت مُسيرات تفجير وعمليات إرهابية وقتل. بالتالي من حقنا ومواجهتها، وعندما تدخل إلى سماء لبنان سنعمل على إسقاطها. البعض قد ينزعج من كلامي، فلينزعج الناس الذين ينزعجوا. وليتحدث اللبنانيون إلى الأميركيين، ليقولو للإسرائيليين ينضّبوا». أما عن وتيرة وتوقيت إسقاط المُسيرات، «فهذا له علاقة بالتكتيك».
السيد نصر الله: إذا سُكت عن هذا الخرق
(في الضاحية) فسيؤسّس
لمسار خطير جداً
على لبنان
وعن إعلان العدو قصفه مركزاً لقوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني، في ضواحي دمشق ليلة السبت، كشف نصر الله أنّ «نتانياهو يكذب على المستوطنين. فسلاح الجو أغار (أول من أمس) على بيت لحزب الله، لا يوجد فيه إلا شباب لبنانيون. وقد ارتقى في القصف الشهيدان حسن يوسف زبيب وياسر أحمد ضاهر». وذكّر نصر الله الاسرائيليين «بأنّه لا نمزح حين نقول إنّه إذا قتلتم أياً من إخواننا في سوريا، فسنرد على القتل في لبنان، وليس في مزارع شبعا». وباللهجة اللبنانية العامية، توجّه إلى كلّ الاسرائيليين، وليس فقط سكّان المستوطنات في الشمال، بالقول: «وقاف على الحيط، على إجر ونصّ، وانطرنا». فنتانياهو «يشتغل انتخابات».
وبعد أن جرب، في العادة، أن يخوض الاستحقاق «بدماء شعوب المنطقة، إنّه يخوضها بدمائكم أنتم أيها الاسرائيليون. هو يستجلب النار لكم من كلّ مكان. يقودكم إلى حافة الهاوية، لأنّه خائف من نتائج الانتخابات، وعليه ملفات فساد».
قبل تناول المستجدات الميدانية، افتتح نصر الله كلمته في مهرجان «سياج الوطن»، لإحياء للذكرى السنوية الثانية لتحرير الجرود الشرقية من المجموعات التكفيرية، بالحديث عن الذكرى. واعتبر أن الحضور الشعبي الكبير في بلدة العين البقاعية، «هو أول ردّ على الاعتداءات الاسرائيلية ليلة (أول من) أمس». الاحتفال بهذه المحطة التاريخية، أساسي، «لأنّ ما حصل كان كبيراً ومهماً، ولا يجوز أن يُصبح حدثاً عابراً في وجدان المنطقة». فهو جزء من مشروع «أُعد لسوريا، وانطلق منها منذ الـ2011، واستهدف نظاماً مقاوماً، وكانت هناك خريطة لاعادة تقسيم المنطقة، على أسس عرقية ومذهبية. وقتال محورنا خلال السنوات الماضية هو الذي منع، وسيمنع التقسيم، في كلّ البلدان العربية والاسلامية». واضاف: «حالياً، نشعر بالأمن والأمان من دون منة من أحد، لكن يجب أن نبقى متنبهين لأنّ الجرح قائم. الخطر، في مكان ما، لا يزال قائماً»، مع الإشارة إلى أنّ «داعش أصبح أبعد مكانياً عن بلدنا. جبهة النصرة أيضاً هي أبعد ما تكون عن حدود لبنان. وسوريا تسير بخطى ثابتة نحو النصر النهائي».
ما هي تبعات ما بعد التحرير؟ قال نصر الله إنّه «كنا نأمل أن يكون للدولة مسؤولية مختلفة تجاه المنطقة، لأنها دافعت عن لبنان. فلو استطاعوا إسقاط بعلبك – الهرمل، لكان داعش والنصرة في المناطق الساحلية. هكذا يجب أن تنظر مؤسسات الدولة إلى المنطقة». تحدّث الأمين العام لحزب الله عن إهمال الدولة لآلاف اللبنانيين الذين يسكنون في قرى القصير، «وحافظوا في المعركة على موطئ القدم الذي انطلقت منه المقاومة والجيش السوري»، داعياً إلى تحمّل المسؤولية تجاههم.
«أمن البقاع»… لا بديل من الجيش والقوى الأمنية
تنظيم احتفال تحرير السلسلة الشرقية من التكفيريين، في بلدة العين البقاعية، شكّل مناسبة حتى يُثير السيّد حسن نصر الله ثلاثة هموم بقاعية؛ الأول أمني، وتذكير بأنّ «مسؤولية الأمن هي لدى الدولة والأجهزة الأمنية والجيش. لا يجوز أن يدفع أحد حزب الله، أو أي قوة سياسية، إلى تحمّل مسؤولية أمن المنطقة. هذا يدفع إلى اقتتال عائلي وعشائري… ومن ليس مُستعداً لتقديم التضحيات للحفاظ على أمن الناس، فليعتذر ويُقدم استقالته». وهناك مسؤولية تُلقى على الأهالي أيضاً، «بضبط أفراد وعناصر عشائرهم. وتفهّم تعب ومعاناة الجيش، حين تحصل أخطاء. لا يجوز رفع الغطاء الشعبي عنه، ولا بديل من الجيش والأجهزة الأمنية، لأن هذا ما يريده المجرمون في المنطقة».
الهمّ الثاني إنمائي، فذكّر نصر الله بالمطالبة بإنشاء مجلس إنماء لبعلبك – الهرمل، «ولو أردتموه مجلساً مؤقتاً، بانتظار الهيكلية النهائية. يهمنا الإنماء وأن تُنصف المنطقة». وأكد نصر الله أنّه «سنواصل جهدنا ونُحقق الإنجازات، وحين نصل إلى حائط مسدود، سنعود إليكم لتتحملوا المسؤولية. في ذلك اليوم، سنعتصم حيث يجب، وسيكون صوتكم عالياً».
أما الهم الثالث، فهو صورة المنطقة، «ومن يعمد إلى تشويهها، نتيجة أعمال البعض». طلب نصر الله محاسبة «الأقلام التي تمسّ الكرامات»، وفي المقابل، توجّه إلى العائلات والعشائر بالسؤال: «لماذا السكوت عن الأفراد المسيئين إلى سمعتكم؟».
المحور الأميركي في لبنان: لعدم التهوّر | بومبيو يلاقي السنيورة: لا تبالوا بالاعتداء
بدت كل المواقف التي صدرت عن المحور الأميركي – السعودي في لبنان منضبطة بين موقفين؛ الأول أصدره الوكيل، الرئيس فؤاد السنيورة، صباحاً، وأكد فيه ضرورة التحلّي بالمسؤولية والصلابة وعدم التهوّر في الردود والتصرفات، والثاني أصدره الأصيل، أي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حيث دعا في اتصاله المسائي مع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى «تجنّب أي تصعيد، والعمل مع الأطراف المعنيين كافة لمنع أي شكل من أشكال التدهور». لم ينه بومبيو الاتصال إلا وقد سمع من الحريري تأكيداً لـ«بذل كل الجهود من الجانب اللبناني لضبط النفس والعمل على تخفيف حدة التوتر». كان ذلك قبل أن يفرض السيد حسن نصر الله مرحلة جديدة عنوانها عدم ترك أي اعتداء من دون رد.
قبل ذلك، كان الحريري يطمئن بومبيو إلى التزام لبنان بموجبات القرارات الدولية، لا سيما القرار ١٧٠١ ، منبّهاً إلى مخاطر استمرار الخروقات الاسرائيلية لهذا القرار وللسيادة اللبنانية ووجوب العمل على وقف هذه الخروقات.
موقف هذا المحور، أسوة بكل ما صدر من مواقف، كان مندّداً بالاعتداء الإسرائيلي الأول من نوعه منذ عام 2006، إلا أن ذلك لم يُقرن بالإشارة إلى وجوب الرد على الاستباحة الإسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية، أو مجرد التهديد به. وكان هناك حرص، وهو «مفهوم»، على «التمسك بالقرارات الدولية ومستلزماتها والتقدم بشكوى عاجلة إلى مجلس الامن، لنؤكد حق لبنان ونحفظه أمام العالم»، على ما قال الحريري والسنيورة ووزيرة الداخلية ريا الحسن… لكن ما لم يكن مفهوماً، هو الإصرار على تحييد كل عناصر القوة، تلك التي ينص عليها خطاب القسم والبيان الوزاري. للتذكير، ينص البيان الوزاري على عدم توفير مقاومة في سبيل حماية وطننا من عدو لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية.
وهذا يعني أن لبنان الرسمي يفترض أن يكون أول من يرد على الاعتداء الإسرائيلي، وليس مهادناً أو ساعياً إلى امتصاص أي ردّ فعل مفترض أو منتظر. لكن مع تجاوز ذلك والاقتناع بأن الخلافات والاقتناعات السياسية لن تسمح بموقف متقدم كهذا، فعلى الأقل يفترض الالتزام بحق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم، أم أن واضعي البيان الوازري نسوا أنهم أكدوا «حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة»؟
في التصريحات الصادرة عن عدد من الوزراء انقلاب على البيان الوزاري
في التصريحات الصادرة عن عدد من الوزراء انقلاب على البيان الوزاري. عبارات التنديد بالاعتداء عالية السقف وتُذكّر بأن إسرائيل خرقت القرار 1701، داعية إلى الشكوى إلى مجلس الأمن. لكن ماذا بعد؟ وزيرة الداخلية دعت الى الالتفاف حول الدولة ومؤسساتها الشرعية وأجهزتها الامنية لحفظ الامن والاستقرار عبر قرارات سياسية موحدة لمصلحة لبنان واللبنانيين».
الوزيرة مي شدياق أشارت إلى أنه «في هذا الظرف الخطر يجب الالتفاف حول أجهزة الدولة الأمنية الشرعية لتكون وحدها مسؤولة عن حماية الوطن وفق استراتيجية دفاعية واضحة. عسى ألا يتفرد فريق بقرار السلم والحرب ويجر لبنان للمجهول».
الوزير عادل أفيوني دعا إلى الرد «بالوقوف صفاً واحداً تحت مظلة الدولة والشرعية الدولية وتطبيق القرار 1701». وعلى المنوال نفسه سارت تغريدات عدد كبير من النواب. التضامن والالتفاف حول الدولة لمواجهة التحديات، ودعوة المجمتع الدولي إلى ردع إسرائيل عن اعتداءاتها، مقابل التحذير من تفرّد أي طرف بالقرار.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عبّر، في بيان، عن تعاطفه الكامل «مع أهلنا في الضاحية الجنوبية»، مستنكراً «الاختراقات الاسرائيلية المتكررة لسمائنا كما لجوؤهم إلى طائرات مسيّرة مفخخة ضد أهداف في لبنان». إلا أنه دعا الحكومة الى «التوقف مطولاً عند ما جرى، ومناقشة موضوع وجود القرار الاستراتيجي العسكري والامني خارج الدولة، واتخاذ التدابير اللازمة لإعادته إلى الدولة رفعاً للأذى عن شعبنا وتجنّباً للأسوأ»، فيما دعا الرئيس تمام سلام إلى وقفة وطنية لبنانية جامعة «تحبط مخططات إسرائيل وتذكّر المجتمع الدولي بمسؤولياته، وتنأى بلبنان عن الحريق الإقليمي».
* اللواء
مواجهة أميركية – إيرانية في أجواء المنطقة.. ولبنان يقترب من خط النار!
السيد نصر الله يتوعّد بإسقاط المسيّرات.. واتصالات عربية ودولية عاجلة لإحتواء إعتداء الضاحية
دخل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على خط التهدئة بين لبنان وإسرائيل، بعد العملية الأمنية الإسرائيلية عبر «مسيّرة مفخخة»، وأخرى استطلاعية في المبنى الذي تتواجد فيه الوحدة الإعلامية التابعة لحزب الله.
لكن مصادر دبلوماسية لاحظت ان هذا الدخول اتسم بعدم الحياد، إذ في وقت طلب من الرئيس سعد الحريري السعي الى ضبط النفس، وعدم الرد على «الاعتداء الإسرائيلي»، على ان تعالج ضمن الأطر الدبلوماسية بعيداً عن السياقات الحربية، على قاعدة «اقتله أولاً» وهو التبرير، الذي قدمه الجيش الإسرائيلي على لسان جوناثان كونريكوس، الناطق باسمه، زاعماً ان طائرات مسيّرة، كانت ستستهدف أماكن في إسرائيل احبطت الخميس الماضي، متهماً إيران بالتحضير لها، فيما أقرّ في اتصال مماثل مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل انها تتفهم دوافع وحق تل أبيب بالدفاع عن النفس.
وإذا كانت المواجهة المتوسعة بين الولايات المتحدة الأميركية، ومعها إسرائيل وإيران، ومعها أطراف المحور تعم أجواء المنطقة، عبر المسيرات الحربية، سواء في العراق أو سوريا وصولاً إلى لبنان، وغزة، فإن الأوساط الدبلوماسية رفعت من مستوى مخاوفها من اقتراب النار من سمائه وحدوده، بعد الاعتداء الإسرائيلي المسير في الضاحية الجنوبية، وتهديد السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بمنع اسرائل من تسيير مسيرات في الأجواء اللبنانية.
وهذا الأمر، على خطورته، سيكون أوّل بند على جدول مجلس الوزراء الذي ينعقد غداً في السراي الكبير، والمخصص اصلاً لمعالجة أزمة النفايات.
العدوان الإسرائيلي
وكان الدخول الإسرائيلي السلبي على الوضع اللبناني فجر أمس الأحد، قد وضع التطور الإيجابي الداخلي الذي سجل السبت، وتمثل بزيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بيت الدين، ومن ثم الغداء الذي جمعهم في حضور رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، على شكل «مصالحة ومصارحة» جديدتين، في المرتبة الثانية من الاهتمامات والمتابعات اليومية للبنانيين، الذين ما زالوا تحت وطأة صدمة التصنيف الائتماني السلبي لاحوالهم الاقتصادية، بانتظار ما يمكن ان تحدثه هذه الصدمة من تطورات ميدانية في سوق القطع اليوم الاثنين مع بدء الحركة العادية في الأسواق، قبل ان يتفأجوا ليل السبت – الأحد، بعدوان إسرائيلي على منطقة الضاحية الجنوبية بطائرتين مسيرتين وتفجير احداهما قرب مكتب العلاقات الاعلامية لـ «حزب الله» في حي معوض، مادفع الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله الى الاعلان امس في كلمة لمناسبة ذكرى الانتصار على الارهاب في السلسلة الشرقية، ان الحزب لن يسمح بعد الان بمرور اية طائرة استطلاع اسرائيلية وسيعمل على إسقاطها».
كما اعلن نصر الله ان العدوان الاسرائيلي ليل السبت الاحد على ضواحي دمشق استهدف بيتا لاقامة عناصر الحزب وليس مركزا عسكريا، ما ادى الى سقوط شهيدين للحزب، متوعدا جيش الاحتلال بالرد «ومن لبنان وليس من مزارع شبعا»، مخاطبا الجندي الاسرائيلي بالقول: «بدك توقف على رجل ونص وتنتظرنا».
وكان مسؤول العلاقات الاعلامية في «حزب الله» محمد عفيف قد ابلغ «اللواء» نهاراً ردا على التسريبات بأن الحزب سيرد قبل كلمة نصر الله، «ان اي قرار للحزب بالرد او عدم الرد على العدوان الاسرائيلي بطائرات تجسس مسيّرة على منطقة الضاحية الجنوبية، لم ولن يتخذ قبل كلمة الامين العام»، وقال: كيف يعقل ان يعلن مصدر في «حزب الله» انه سيتم الرد عسكريا، بينما لدينا احتفال جماهيري كبير يتحدث فيه السيد نصر الله ويعلن الموقف المناسب؟..
اضاف عفيف موضحا: ان الطائرتين سقطتا في نفس المكان على سطح المبنى الذي يقع فيه مركز العلاقات الاعلامية والاعلام الالكتروني للحزب، واصيب ثلاثة من العاملين فيه بجروح بسيطة نتيجة تناثر الزجاج…
وتابع: ان الطائرة الاولى سقطت ولا نعرف كيف، لكن تقديرنا انها كانت تلتقط صورا وتجمع معلومات، وان الطائرة الثانية المتفجرة قد تكون بصدد تفجير الاولى لمنعنا من الحصول على المعلومات التي التقطتها الاولى، لكن في الحالتين لسنا نحن من اسقطنا الطائرتين ولا ندري بعد كيف سقطتا.
ومساء سألت «اللواء» عفيف عن الهدف الذي قال نصر الله ان الطائرة المتفجرة استهدفته؟ فاجاب: «لا تعليق الان بانتظار جمع كل المعطيات والمعلومات».
ولوحظ ان الأجهزة الرسمية العسكرية والأمنية والقضائية نزلت فوراً إلى ميدان الحدث لمباشرة التحقيقات، فيما جرت اتصالات مكثفة بين كبار المسؤولين، لتوحيد الموقف من التعامل مع العدوان الجديد، وبقي الرئيس عون على اتصال مع الأجهزة الأمنية والقضائية والنيابية العامة العسكرية، عبر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الذي أجرى كشفاً ميدانياً وتحقيقاً اولياً.
وذكرت معلومات ان الرئيس عون ستكون له لقاءات في الأربع والعشرين ساعة المقبلة لمعالجة الموضوع مع عدد من ممثلي المجتمع الدولي والدبلوماسيين لمواكبة العملية بعد التهديدات الإسرائيلية والتطورات التي حصلت.
وإذ أعلن عون ان ما حصل عدوان غادر على السيادة اللبنانية، وان لبنان سوف يتخذ الإجراءات المناسبة بعد التشاور مع الجهات المعنية، قال رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ان الحكومة «ستتحمل مسؤولياتها الكاملة بما يضمن عدم الانجرار لأي مخططات معادية تُهدّد الأمن والسيادة الوطنية»، في حين اوعزت وزارة الخارجية إلى مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة امال مدللي لتقديم شكوى فورية لمجلس الأمن ضد إسرائيل لخرق السيادة اللبنانية والقرار 1701.
وأفاد المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، أن الرئيس الحريري تلقى اتصالاً من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي أكّد خلال الاتصال على ضرورة تجنّب أي تصعيد والعمل مع كافة الأطراف المعنية لمنع أي شكل من اشكال التدهور.
وبحسب المكتب فإن الرئيس الحريري شدّد من جانبه على «التزام لبنان موجبات القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701، منبهاً إلى مخاطر استمرار الخروقات ووجوب العمل على وقف هذه الخروقات».
وتلقى الحريري أيضاً اتصالاً هاتفياً من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي أكّد تضامن الجامعة مع لبنان «في هذا الظرف الدقيق، واستعدادها للقيام بالدور المنوط بها في صيانة الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في لبنان».
وإذ شدّد على ان الجامعة تتابع باهتمام التطورات الأخيرة في لبنان، وتدين بشدة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، فإنه اعرب عن أمله بأن تلتزم كل الأطراف المعنية بمنع التصعيد وضبط النفس للحيلولة دون الانزلاق إلى منعطف خطير يُهدّد أمن واستقرار لبنان والمنطقة.
السيد نصر الله
اما السيّد نصر الله، فلم يشأ الكشف سوى عن جانب قليل من المعلومات، إذ قال في مهرجان الذكرى الثانية لتحرير الجرود الشرقية في بلدة العين البقاعية، ان ما حصل هو استهداف بطائرة انتحارية مسيرة لهدف معين في الضاحية، بعدما سبقتها طائرة أولى مسيرة استطلاعية وغير مزودة بمواد تفجيرية، وكانت تعطي صوراً دقيقة للهدف المقصود، لكنها سقطت من تلقاء نفسها، (وربما اسقطها شبان بالحجارة لأنها كانت قريبة جداً من الابنية)، مشدداً على عدم السماح بمسار من هذا النوع مهما كلف الثمن وسيتم إسقاط أي طائرة مشابهة إذا تكرر نفس المشهد، واصفاً ما حصل بأنه «أول خرق واضح وصريح لقواعد الاشتباك منذ عدوان تموز 2006»، مشيراً إلى انه مشابه للسيناريو المعتمد حالياً في العراق، ومشدداً «على ان الزمن الذي كانت فيه طائرات العدو الإسرائيلي تقصف لبنان ويبقى كيانه آمناً انتهى».
واعتبر أن الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي تدخل لبنان «لم تعد لجمع المعلومات بل لعمليات الاغتيال.. ومن الآن فصاعداً سنواجه الطائرات المسيرة الإسرائيلية عندما تدخل سماء لبنان وسنعمل على إسقاطها، وليأخذ الاسرائيلي علما بذلك، نحن لن نقبل بأن تستباح مناطقنا، واذا كان احد في لبنان حريص، فعليه ان يحكي مع الاميركي كي يحكي مع الاسرائيليين ان ينضبوا».
لقاء عون – جنبلاط
من جهة ثانية، علم ان اللقاء بين الرئيس عون وجنبلاط كان جيدا بحيث ان التشنج الذي تركته حادثة قبرشمون وما تلاها من ردود فعل ازيل وفي الأصل ازيل منذ لقاء المصارحة والمصالحة لكن ساد مناخ افضل والحديث تناول الوضع الأقتصادي خصوصا وهو الذي يركز عليه عون.
واكدت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان هناك تطابقا في وجهات النظر متفقة على معالجة سريعة ليس في الأجراءات الأقتصادية وانما في مواكبة سياسية كي يكون هناك. تناغم بين الأجراءات التي تتخذها الدولة وردة الفعل الشعبية والسياسية لأن موازنة 2020 ستتضمن بعض القضايا التي تتطلب تضامنا وطنيا واسعا حتى تطبق.
وكشفت انه تم التطرق الى مواضيع الساعة منها البيئه وغيرها، واوضحت انه دار حوار في حضور الوزير باسيل اتسم الجو بالهادئ، وابلغ عون حنبلاط انه يحضر لأجتماع موسع بعد عودته الى قصر بعبدا لرؤساء الكتل والأحزاب في مجلس النواب لأطلاعهم على حقيقة الوضع الأقتصادي والمالي التي يمكن اتخاذها بهدف قيام مشاركة من قبل الجميع لتحمل مسؤولية المرحلة المقبلة لأن لا بد من قيامها.
وافادت ان الآجتماع سيعقد مطلع الأسبوع المقبل اما الأثنبن او الثلاثاء المقبلين وفق وتيرة الدعوات التي توجه ِ. وابرز المدعوين الرئيسان نبيه بري والحريري ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية الممثلة في مجلس النواب. وسيكون هناك عرض للواقع الأقتصادي والمالي والأجراءات التي يمكن اتخاذها.
وقالت ان اللقاء مع جنبلاط افسح في فتح صفحة جديدة بينه وبين عون وباسيل.
واذا كان لقاء بيت الدين تميز بالايجابية, كما قالت مصادر الحزب التقدمي لـ«اللواء»، خاصة مع حضور الوزير باسيل، ما يُعطي مزيداً من الايجابية لمساعي رأب صدع الخلافات بين الطرفين، فإن المصادر أوضحت أيضا ان لا خطوات جديدة حتى الان على صعيد مسار العلاقة بين التقدمي وبين «حزب الله»، لكنها قالت: ان العدوان الاسرائيلي امس، من شأنه ان يدفع كل الاطراف الى مزيد من التهدئة لمعرفة اتجاه الاحداث، ونحن ندفع باتجاه مزيد من تطبيع العلاقات مع كل الأطراف، علماً ان جنبلاط كان غرد معلقاً على العدوان بقوله ان «افضل طريقة لمواجهة الاعتداء هو بالوحدة الوطنية».
ثبات الليرة
وعلى صعيد التصنيف الائتماني للبنان، بالشكل الذي خرجت به مؤسستا «ستاندر اند بوز» و«فيتش» يترقّب اليوم كيفية تعامل الأسواق المالية مع التصنيف الجديدة، وعما إذا كان وضع الليرة سيتأثر بالمضاربات على غرار ما حصل في اليومين الماضيين بفعل الشائعات التي حذر منها الرئيس عون، وكذلك وزير المال علي حسن خليل، الذي أعلن انه لا يتوقع تهوراً اسرائيلياً، مع انه يجب دائماً الاستعداد، لافتاً إلى ان التحدي المالي لا يكون بمهلة ستة أشهر أو بالتصنيف السلبي وانما بالحاجة إلى إجراءات جدية، واستكمال موازنة العام 2020 قبل تشرين الأوّل، مشيرا إلى اننا امام فرصة لإقرار الموازنة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة ضمن المهلة الدستورية، جازماً انه في الموازنة الجديدة لن يكون هناك فرض ضرائب جديدة.
وأكّد خليل انه واثق بمقدرة الليرة في الحفاظ على استقرارها وان الدولة لن ترحم المتلاعبين باستقرار الليرة.
اما الوزير السابق مروان خيرالدين، فتوقع ان يكون اليوم عادياً على صعيد التعاملات بين المصارف، لافتاً إلى ان بعض المضاربات التي يُمكن ان تحصل ستكون محدودة، مؤكداً انها ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها لبنان لتصنيف سلبي، إذ سبق في العام 2008 حيث كان تصنيفه في مرتبة تربل C. وكشف ان قيمة سندات اليوروبوند غير المملوكة في حدود 3 مليارات دولار، وهذه السندات يُمكن ان تتعرض لمضاربات لكنها لا تؤثر على وضع المصارف ولا على اللبنانيين، وإنما فقط على الأشخاص الذين يشترون أو يبيعون.
* الجمهورية
واشنطن تنصح بعدم التصعيد … ودعوة إلى حــوار إقتصادي في بعبدا
دخل لبنان في قواعد اشتباك جديدة بين «حزب الله» واسرائيل، فرضَتها «غزوة» الطيران الاسرائيلي المسيّر لأجواء الضاحية الجنوبية لبيروت فجر أمس التي انتهت بسقوط طائرتين مسيرتين، وتزامنت مع غارات جوية اسرائيلية على مواقع في ريفي دمشق والقنيطرة قالت اسرائيل انها استهدفت مواقع للحزب ولـ«فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني. وقد عكس الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قواعد الاشتباك هذه في خطابه امس لمناسبة تحرير الجرود من المنظمات التكفيرية، مؤكداً انّ «المشهد الاسرائيلي» فجر امس «خطير جداً جداً جداً»، ومعلناً انّ الحزب يواجه من الآن وصاعداً المسيرات الاسرائيلية في سماء لبنان، وسيعمل على إسقاطها و«ليأخذ الاسرائيلي علماً بذلك».
سادت أمس حال من الحذر الشديد على طول الحدود الجنوبية إثر الاعتداء الاسرائيلي فجراً بالطائرتين المسيرتين على الضاحية الجنوبية، وتواكبت مع نداءات أطلقتها السلطات الاسرائيلية للمستوطنين في المستعمرات القريبة من الحدود اللبنانية، لتوخي الحذر، فيما بَدا الأمر على الجانب اللبناني هادئاً، إلّا ان مصادر امنية اكدت لـ«الجمهورية» انّ حالة من الاستنفار تسود المنطقة، متواكبة مع إعلان المقاومة رفع حالة الجهوزية لدى مقاتليها تحسّباً لأي طارىء.
السيد نصرالله
في هذه الاجواء أطلّ السيد نصرالله من بلدة العين (في محافظة بعلبك الهرمل) بخطاب مُتلفز لمناسبة ذكرى تحرير الجرود من المنظمات التكفيرية، فأكّد أنّ ما حصل في الضاحية «خطير جداً، هو هجوم بطائرة مسيّرة انتحارية على هدف في الضاحية الجنوبية لبيروت».
ولفت الى أنّ هذا الهجوم «هو أول عمل عدواني منذ 14 آب 2006، وهذا خرق لقواعد الاشتباك التي تأسست بعد حرب تموز، وهو خرق كبير وخطير، وأيّ سكوت عنه سيؤدي الى تكرار السيناريو العراقي في لبنان»، وقال: «نحن في المقاومة لن نسمح بمسار من هذا النوع مهما كلّف الثمن، وانتهى الزمن الذي تأتي فيه طائرات اسرائيلية تقصف مكاناً في لبنان ويبقى الكيان الغاصب في فلسطين آمناً».
وقال: «من الآن وصاعداً سنواجه المسيّرات الإسرائيلية في سماء لبنان، وعندما تدخل سنعمل على إسقاطها وليعلم الاسرائيلي بذلك من الآن، ولن ننتظر أحداً في الكون، وإذا كان أحد في لبنان حريصاً على عدم حصول مشكلة ليتحدث مع الأميركان لكي يطلبوا من الاسرائيليين أن ينضَبّوا».
وأشار نصرالله الى القصف الاسرائيلي الذي استهدف مركزاً لحزب الله في سوريا «وارتقى فيه شهيدان»، وقال: «سأعيد تذكير العالم بهذا الالتزام، اذا قتلت اسرائيل أيّاً من أخواننا في سوريا سنرد في لبنان وليس في مزارع شبعا، وأقول للجيش الإسرائيلي على الحدود «قف على الحائط على إجر ونصف وانطِرنا» يوم أو اثنين أو 3 أو 4. وأقول للاسرائليين ما حصل ليلة أمس لن «يقطع»، وأقول للاسرائيليين انّ نتنياهو ينظّم انتخابات بدمائكم ويستجلب لكم النار من كل مكان».
وأضاف: «لن نسمح بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو أن يصبح لبنان مستهدفاً، وهذا الأمر بالنسبة إلينا خط أحمر». وقال: «نحن أمام مرحلة جديدة، وليتحمل الجميع مسؤوليته في هذه المرحلة».
مشاورات
وجرت مشاورات في الساعات الماضية بين الرؤساء الثلاثة، تمحورت حول العدوان الاسرائيلي وسبل مواجهته.
وفيما لم تؤكد مصادر وزارية مواكبة لهذه الاتصالات او تنفي ما تردد عن إمكان الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، او دعوة المجلس الاعلى للدفاع الى الانعقاد، علمت «الجمهورية» انّ رئيس الحكومة سعد الحريري إتصل برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعهما في اجواء اتصال تلقّاه من وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، الذي نقل اليه رغبة واشنطن في إبقاء حال الاستقرار سائدة في لبنان، وانّ الادارة الاميركية تبلغت من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو انّ اسرائيل ليست في صدد التصعيد مع لبنان.
وكان الاتصال بين الحريري وبومبيو حصل إثر حادثة الطائرتين، وشدّد الاخير خلاله على «ضرورة تجنب أي تصعيد، والعمل مع كافة الأطراف المعنية لمنع أي شكل من أشكال التدهور».
وفي المقابل، شدد الحريري على «التزام لبنان بموجبات القرارات الدولية، ولاسيما منها القرار 1701»، منبّهاً إلى «مخاطر استمرار الخروقات الإسرائيلية لهذا القرار وللسيادة اللبنانية، ووجوب العمل على وقف هذه الخروقات». وشكر الحريري لبومبيو اتصاله، مؤكداً «بذل كل الجهود من الجانب اللبناني لضبط النفس والعمل على تخفيف حدة التوتر».
ودانَ كلّ من عون والحريري الاعتداء الإسرائيلي، فيما أصدرت وزارة الخارجية بياناً طلبت خلاله من مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة أمال مدللي تقديم شكوى فورية إلى مجلس الأمن الدولي، لإدانة هذا «الخرق الخطير للسيادة اللبنانية».
روكز
وفي المواقف من حادثة الضاحية، إعتبر عضو كتلة «لبنان القوي» العميد شامل روكز لـ«الجمهورية» أنّ «هذا الإعتداء على السيادة اللبنانية مرفوض، خصوصاً أنّ الضربة الإسرائيلية أتت في قلب الضاحية الجنوبية».
وشدد على «ضرورة المواجهة الشعبية الموحّدة لهذا الإعتداء»، قائلاً: «نحن كلبنانيين، علينا أن نقف في وجه الإعتداء». داعياً مجلس الوزراء إلى «اتخاذ موقف واضح وصريح وحاسم من هذا الموضوع». ومشيراً الى أنّ «توقيت الضربة الإسرائيلية حسّاس جداً وسلبي إزاء الإستقرار في لبنان والمنطقة».
هاشم
بدوره، عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم قال لـ«الجمهورية» انّه «بات واضحاً وضوح الشمس أن ما حصل في الضاحية هو اعتداء على لبنان وانتهاك لسيادته، وهذا الاعتداء لا يحتاج الى أدلّة أو براهين. ما حصل هو تأكيد لطبيعة الإسرائيلي العدوانية والهمجية، فهو لا يتوقّف عند حدود المواثيق والقرارات الدولية».
وأضاف «أنّ لبنان سيتعامل مع هذه الحادثة على أنّها اعتداء، ولن يسكت عن هذا الإنتهاك لأنّه أوّل تغيير في قواعد الإشتباك منذ العام 2006، أي منذ 13 عاماً وحتّى اليوم. وهذا التطوّر الخطير يدلّ الى النيات الإسرائيلية العدوانية تجاه لبنان».
ولفت هاشم إلى أنّ «هذا الإعتداء قد جاء مباشرةً بعد الإعتداء على سوريا، كذلك تزامناً مع ما يجري في العراق، وكأنّ الهدف أخذ المنطقة إلى حرب مفتوحة».
قاطيشا
واعتبر عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب وهبة قاطيشا أنّ «حزب الله يروي ما يريد من القصّة، وأنّ العدوّ الإسرائيلي لم يقدّم أي معلومات إضافية، فلا تزال الحقيقة غير معروفة».
وطرح قاطيشا تساؤلات عدة حول ما حصل في الضاحية الجنوبية، وقال لـ«الجمهورية»: «كيف تحلّق طائرة بهذا الحجم بين البنايات في الضاحية الجنوبية، فمن أين انطلقت ومن أطلقها؟ أمّا بالنسبة الى الطائرة الثانية، فكيف وصلت بعد دقيقة ونصف دقيقة وكان الإتصال قد قطع بينهما؟».
واعتبر قاطيشا أنّ «السيد حسن غيّب الدولة اللبنانية في خطابه الذي يحمل لهجة تهديدية، وانّ على الدولة أن تقوم هي بالتحقيقات، وأن يتسلّم الجيش اللبناني حطام الطائرة بنفسه». ودعا الحكومة إلى «التصرّف بسرعة قبل أن يضعها «حزب الله» في موقف معيّن يحتّم عليها ترجّي الأمم المتحدة».
داوود
وإذ تزامن الخرق الاسرائيلي للأجواء اللبنانية مع الذكرى الثانية لمعركة «فجر الجرود»، قال قائد عملية «فجر الجرود» العميد السابق فادي داوود لـ«الجمهورية»: «بداية، استبعد انّ الطائرة سقطت عن طريق الخطأ، فهل تسقط طائرتان من طريق الخطأ ونحن نتكلم عن طائرة متقدمة تكنولوجياً؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا لم تسقط تلك الطائرات مصادفة في الطريقة نفسها فوق العراق وسوريا بل فقط فوق الضاحية؟
ولم يستبعد داوود «امتلاك حزب الله الرادارات التي تتحكم بالمسيرات عبر اعتراضها راديوياً».
وعن إمكانية وجود صواريخ لدى الحزب تسببت باستهداف مركزه الاعلامي تحديداً، قال داوود: «حتى لو لم يكن هناك صواريخ على مقربة من المركز او تحته، من المؤكد انه أسوة بمراكز القيادة تستهدفه إسرائيل مثلما استهدفت مقر قناة «المنار» وقصفت كل الهوائيات واللواقط وفشلت في وقف الارسال، لأنها كان تعتقد أنّ وسائل اتصالاته وأوامره لمجموعاته القتالية كانت تتم عبر تلفزيون «المنار» برسائل مشفّرة، فالوسيلة الاعلامية التابعة لحزب الله بحسب الاسرائيليين هي في حد ذاتها هدفاً».
وشدد داوود على أنه «ليس من وسيلة تمكّن حزب الله من معرفة الـ «درون» او الطائرة اذا كان لا يملك رادارات كونها تطير على علو 2000 متر، وهو يستبعد ان تنخفض الى مجال رؤيتها مباشرة الّا اذا كانت ستفجّر هدفاً ما».
ورجّح داوود ان تكون الطائرة الثانية قد أرسلت عندما فُقد الاتصال مع الاولى، فأرسلت الثانية خلفها بـ 20 دقيقة للاستطلاع، وهي كانت مجهزة بمتفجرات لتفجير الطائرة الاولى والثانية معاً تحسّباً، إذا سقطت.
وعن إمكانية امتلاك حزب الله الرادارات التي تعزز قدراته الجوية، يعتقد داوود «أنّ حزب الله يمتلك تلك الرادارات لأنّ السيد حسن قد انذر اسرائيل اليوم (أمس) بأنه سيسقط مُسيّراتها من الآن فصاعداً، إضافة الى انّ هذه الرادارات متوافرة مع الحرس الثوري وقد استعملها في اماكن عدة من الاقليم».
حوار اقتصادي
وعلى الصعيدين الاقتصادي والمالي علمت «الجمهورية» انّ اتصالات مكثفة جرت بين المستويات الرئاسية والرسمية، فور صدور تقريرَي وكالتي «ستاندرد اند بورز» و«فيتش»، تناولت سبل احتواء التداعيات التي قد تنشأ منهما، وخصوصاً ما يتصل بالتصنيف السلبي وإسقاط لبنان الى المرتبة C، حسب تقرير وكالة فيتش.
في هذا الاطار جرى تواصل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وتم التوافق على عقد اجتماع موسّع في القصر الجمهوري في 2 أيلول المقبل.
وبحسب مصادر موثوقة فإنّ هذا الاجتماع سيكون على شاكلة جلسات الحوار الوطني، وستشارك فيه القوى السياسية الموالية والمعارضة من الصف الأول الممثلة للكتل النيابية في مجلس النواب، وذلك للبحث في الوضع الاقتصادي في ضوء التصنيف الائتماني الجديد، وبالتالي اتخاذ الخطوات والتدابير حتى ولو كانت موجعة، والواجب اتخاذها لإحداث صدمة ايجابية في الواقع الداخلي، تعيد الامور الى نصابها وتضع الوضع الاقتصادي على سكة المعالجة الجدية.
بري
وعُلِم أنّ بري سيتولى توجيه الدعوات الى الحوار الاقتصادي في الساعات المقبلة، وقال لـ»الجمهورية»: «الوضع دقيق، ووصلنا الى لحظة لا بد فيها من اتخاذ قرارات حاسمة».
وأشار الى انه «بصرف النظر عن التقريرين وما تضمّناه، فإنّ الكرة كانت وما زالت في أيدينا، لإيجاد العلاجات الفورية للأزمة الاقتصادية، وهذا الأمر يتطلب فوراً اعلان حالة طوارىء اقتصادية، لوضع خريطة طريق الانقاذ، الذي بات ملحاً».
واكد بري انه «لم يعد ينفع ترف الوقت والانتظار بلا أي مبادرات، نحن في مركب واحد، وواجبنا إنقاذ هذا المركب من الغرق». واشار الى انّ تشاوراً حصل بينه وبين رئيس الجمهورية، وفي ضوئه تقرر عقد اجتماع موسع على مستوى رؤساء احزاب الكتل النيابية على اختلافها، للبحث في الحلول الفورية، والتي تتطلب ادراك الجميع لضرورتها، حتى ولو كانت حلولاً موجعة.
واوضح بري انّ هذا الاجتماع هو بمثابة «حوار اقتصادي» ينبغي ان يصل الى نتائج سريعة، على ان تأتي ترجمته فورية في موازنة العام 2020، والتي يفترض ان تتضمن تخفيضات ملحوظة جداً في العحز، اضافة الى تضمينها الابواب الاصلاحية الضرورية.
ورداً على سؤال، قال بري: انّ المهم قبل كل شيء، هو ان يتم التركيز على الشأن الاقتصادي. لم يعد الوقت يسمح للتلهّي بالمناكفات السياسية التي ارتدت بسلبياتها على الجميع، وقبلها على الوضع الاقتصادي.
وكرر بري، قائلاً: نحن ملزمون بإيجاد حلول، الوقت يضيق وامامنا فرصة للانتقال الى الانفراج، وامامنا ابواب يمكن ان نَلجها فوراً وتكون عاملاً مساعداً. فعلى سبيل المثال، لم يُعالج ملف الكهرباء الذي يشكل وحده ثلث عجز الموازنة، لحل جانب كبير واساسي من المشكلة، فكيف اذا عالجنا اموراً اضافية، الوضع ليس مقفلاً، ولكن لا بد من حلول سريعة.
* البناء
عدوان صهيونيّ يسقط شهيدين جنوب دمشق… وآخر ينتهي بسقوط طائرتين مسيَّرتين في الضاحية
السيد نصرالله: إقفال الأجواء اللبنانية أمام المسيّرات الإسرائيلية… والردّ قادم
تنديد لبنانيّ رسميّ بالعدوان… وحردان: تصعيد خطير لن يتحكّم العدو بتداعياته
كتب المحرّر السياسيّ
رغم زحمة الأحداث الدولية والإقليمية واللبنانية خطفت كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والعدوان الإسرائيلي على لبنان وسورية الذي سبقها وشكل محور المواقف التي أطلقها السيد نصرالله خلالها، كل الأضواء المحلية والإقليمية والدولية، حيث يحبس العالم أنفاسه مع انتقال جبهة المواجهة بين محور المقاومة والمحور الذي تقوده واشنطن من ساحة إلى ساحة، ففي ظل سيطرة أنصار الله على معادلات جبهة الخليج، وتسيُّد إيران على الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وعلى إيقاع الانتصارات الباهرة التي حققها الجيش السوري والحلفاء في جبهات إدلب، نشط التحرك الأميركي الإسرائيلي لخلق قواعد اشتباك جديدة في جبهات العراق وسورية ولبنان. ويأتي هذا التصعيد في ظل تقدّم في المسار التفاوضي حول الملف النووي الإيراني يستعيد مشاهد العام 2015 وحالات التصعيد الأميركي الإسرائيلي عشية الاتفاق من جبهة القنيطرة إلى إدلب إلى شنّ حرب اليمن.
الترويج لتصعيد من طرف المقاومة تحت الشعار التقليدي، الاتهام بمحاولة تحسين وضع إيران التفاوضي، مردود عليه بالوقائع التي حملتها الاستهدافات الأميركية الإسرائيلية المتتالية لمواقع الحشد الشعبي في العراق، وفقاً لمصادر في محور المقاومة رأت أن لا فصل بين ما يشهده العراق وما شهدته سورية من تحوّل الغارات الإسرائيلية للمرة الولى إلى استفزاز بلا قيمة عسكرية عبر قتل عنصرين من عناصر حزب الله لاختبار قدرة المقاومة على الردّ، في ظل التفاوض المتسارع على الملف النووي الإيراني، الجاري على هامش قمة السبعة الكبار، والرهان على عجز المقاومة عن ترجمة تهديداتها مراعاة لوضع إيران، كما حدث مع عملية القنيطرة عام 2015. وقالت المصادر ومثلها عملية الطائرتين المسيّرتين أمس، فوق الضاحية، وأضافت ولكن كما حدث عام 2015 وخاب ظنهّم وفشل رهانهم، جاء كلام السيد نصرالله يفتتح مرحلة جديدة من مراحل الردع ويحوّل التحدّي إلى فرصة، مثبتاً أن منطلقات المقاومة في اعتبار أولويّاتها هي بوصلتها في المواجهة مع إسرائيل ، كما في كل مرة.
العدوان الإسرائيلي بما هو انتهاك صارخ للسيادة اللبنانية لاقى استنكاراً وتنديداً على المستوى الرسمي اللبناني تشارَك فيه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية الذي أعلن التوجه بشكوى لمجلس الأمن الدولي، بينما كانت حالة واسعة من التضامن الشعبي والإعلامي والحزبي مع المقاومة، كان أبرز ما قيل خلالها كلام رئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، حول اعتبار العدوان تصعيداً خطيراً لن يستطيع العدو التحكم بتداعياته.
الكلام النوعي الذي قاله السيد نصرالله والذي ترجم قلقاً إسرائيلياً سيتجسّد في اجتماع عاجل لمجلس الوزراء المصغر لكيان الاحتلال صباح اليوم، تضمّن جديدين، الأول الإعلان عن دخول المقاومة مرحلة جديدة من الردع سيتظهر خلالها وجود سلاح الدفاع الجوي إلى العلن بإعلان نهاية مرحلة الصمت عن حركة الطيران الإسرائيلي المسيّر في الأجواء اللبنانية، وبعدما كان اعتبار التعاطي معه من مسؤولية الدولة اللبنانية، سيتمّ اعتبار الأجواء اللبنانية مقفلة أمام هذا الطيران من اليوم، أما الجديد الثاني فهو مع التمسك بقرار الردّ على سقوط شهيدين للمقاومة في الغارات الإسرائيلية على سورية، الإعلان عن كون الردّ سيكون من أي نقطة في لبنان على أي نقطة لوجود قوات الاحتلال في فلسطين المحتلة، وبالتالي الخروج من معادلة حصر الردّ في منطقة مزارع شبعا.
النبرة التي تحدّث بها السيد نصرالله كانت بذاتها تعبيراً عن الحزم والحسم والغضب، سيتعامل معها قادة كيان الاحتلال كجزء من مضمون المواقف التي أطلقها، فقد دعا جنود وضباط جيش الاحتلال إلى الوقوف على رجل ونصف ووجوههم إلى الجدار بانتظار رد المقاومة ليوم، لإثنين، لثلاثة، لأربعة…، وتناول الضغوط التي يمكن أن تُمارس على المقاومة قائلاً اتصلوا بالأميركيين ليتصلوا بالإسرائيليين و يقولولهن إنضبّوا .
السيد نصرالله: سنردّ على العدوان
فيما كانت الجهود الرئاسية والحكومية منصبّة على استيعاب صدمة «تقارير» وكالة التصنيف المالية العالمية وعلى استكمال المصالحات الوطنية في الجبل والتحضير لحوار في بعبدا لبحث سبل المعالجة للأزمات الاقتصادية والمالية، خطفت التطوّرات الأمنية والعسكرية في سورية والضاحية الجنوبية الأضواء في المشهد الداخلي، لخطورة العدوان الإسرائيلي المفاجئ والجديد والذي اعتُبر تغييراً في قواعد الاشتباك القائمة بين العدو الإسرائيلي والمقاومة منذ حرب تموز 2006 حتى مساء السبت الفائت. ما يفتح مرحلة جديدة من الحرب بين حزب الله و»إسرائيل» ستتسع جبهاتها لتشمل الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ولم تعُد تقتصر على مزارع شبعا فضلاً عن انتقال نوعيّ نحو قواعد اشتباك جديدة في الجو عبر استهداف المقاومة للطائرات المسيّرة الإسرائيلية في سماء لبنان.
وفي ردّ مباشر على الاعتداءات التي ارتكبها العدو ليل السبت الأحد، بطائرتين مسيّرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت، واستهداف حزب الله في سورية، أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن المقاومة ستردّ على هذه الاعتداءات.
وإذ لفت السيد نصر الله في احتفال بذكرى التحرير الثاني في بلدة رأس العين في بعلبك إلى أن هذا الهجوم المسيّر الانتحاري هو أول عمل عدواني منذ 14 آب 2006، وأن نتنياهو ومَن معه في اتخاذ القرار مشتبهون اذا ظنوا أن هذا الخرق يمرّ عندنا، لأنه إذا سُكت عنه سوف يؤسس لتكرار الاعتداء على لبنان بالطائرات المسيّرة، أشار إلى أن هناك تكراراً لسيناريو الاستهدافات ضد الحشد الشعبي في العراق، مؤكداً أن المقاومة الإسلامية لن تسمح بمسار من هذا النوع مهما كلف الثمن، وانتهى الزمن الذي تأتي فيه طائرة «إسرائيلية» تقصف في لبنان ويبقى الكيان آمناً. وأضاف «من الآن وصاعداً سنواجه المسيّرات «الإسرائيلية» في سماء لبنان وسنعمل على إسقاطها وليأخذ «الإسرائيلي» علماً بذلك».
وأوضح أن الطيران «الإسرائيلي» أغار على منزل يقطنه شباب من حزب الله وارتقى فيه شهيدان لنا، لافتاً إلى أن نتنياهو يكذب على شعبه بأن المستهدف هو فيلق القدس. وأضاف «نحن لا نمزح وقلنا للصهاينة إذا قتلتم أي مجاهد من حزب الله، فنحن لدينا التزام واضح أن إذا قتلت «إسرائيل» أياً من اخواننا في سورية نحن سنردّ على هذا القتل في لبنان وليس في مزارع شبعا».
وتوجّه إلى الجيش الإسرائيلي بالقول «قف على رجل ونصف وانتظر ردّنا»، موضحاً أن نتنياهو اليوم يجري انتخابات بدماء «الإسرائيليين».
وتمنّى أن يكون هناك موقف موحّد، مؤكداً أن المقاومة ستدافع عن البلاد عند كل حدود وفي البحر والسماء بما تقتضيه الحكمة، قائلاً «نحن أهل المعركة التي فرضها العدو، نبيع بيوتنا ونجوع ونقاتل، لكن لا نبيع كرامتنا وعزتنا».
ولفتت مصادر مطلعة لـ»البناء» في هذا السياق الى أننا اليوم أمام مرحلة جديدة، فالمقاومة كانت ملتزمة قواعد اشتباك محدّدة منذ ما بعد حرب تموز، لكن الآن هناك قواعد اشتباك جديدة عنوانها إقفال الأجواء اللبنانية أمام الطائرات الإسرائيلية المسيّرة وفتح حدود الردّ والاشتباك على طول الحدود مع فلسطين المحتلة ما سيعرقل حركة الجيش الإسرائيلي على الحدود، بحسب خبراء عسكريين. ولفتت المصادر الى أن الردّ على العدوان حتمي، لكن لن يحصل بتوقيت «إسرائيل» ورئيس حكومة العدو بل سيعمد الحزب الى استغلال الوقت لزيادة الخسائر في كيان العدو في إطار الحرب النفسية، وتضيف المصادر الى أن السيد نصرالله فضح كذب قادة العدو عن حالة الأمان في «إسرائيل» وأعلن انتهاء هذه الحالة ما سيشكل ضغطاً من المستوطنين على قادته وحكومته، وتوقعت المصادر أن يكون وقع رسائل السيد نصرالله ثقيلاً جداً على دوائر القرار الأمني والسياسي في «إسرائيل»، وأوضحت أن الرد المنتظر من قبل الحزب على الاعتداءين في الضاحية وسورية ربما يكون بعملية واحدة أو أكثر.
وعلمت «البناء» أن هدف ارسال الطائرتين المسيّرتين الى الضاحية هو تنفيذ عملية اغتيال احد قادة المقاومة، لكن تعثر الطائرة الأولى وإفشال مهمتها، دفع بالطائرة الثانية الى تفجير نفسها ما أدى الى إحباط العملية ما يُعتبر فشلاً أمنياً إسرائيلياً.
وحذرت المصادر من أن استمرار العدو بعدوانه ربما يتدحرج الى حرب شاملة، وكشفت معلومات «البناء» أن قيادة المقاومة أعلنت الجهوزية الكاملة والاستنفار للمجاهدين على الجبهات كافة تحسباً لأي طارئ.
وأوضح السيد نصر الله أن ما حصل في السنوات الأخيرة وأنهته حرب الجرود لم يكن حدثاً عابراً ولا يجوز أن يصبح كذلك، وأن المقاومة قاتلت في المرحلة السابقة لمنع مشروع التقسيم في المنطقة، مضيفاً أنه يجب أن نستحضر مَن ساند الإرهابيين ودعمهم وزوّدهم بالسلاح وراهن عليهم ودافع عنهم سياسياً وإعلامياً.
وتابع أن معركة طرد جبهة النصرة قامت على أكتاف المقاومة وثم كانت المرحلة الأخيرة ضد تنظيم «داعش» والتي شارك فيها الجيش اللبناني، وأن القرار الرسمي اللبناني بإدخال الجيش اللبناني في معركة الجرود كان شجاعاً، ومن الجحود والإنكار تجاهل دور المقاومة والجيش السوري في هذه المعركة.
وأكد أن المقاومة قامت بإخلاء الجرود التي هي من مسؤولية الدولة اللبنانية وبقيت إلى الجانب السوري لأشهر والجيش السوري بدوره أبقى على انتشاره على طول الحدود نزولاً عند طلبنا لعدم السماح بعودة التكفيريين إلى حدودنا، وأضاف أننا ما زلنا نحافظ على وجودنا على الحدود كبنية قتالية وعندما تدعو الحاجة يمكن أن يلتحق الآلاف بالجبهة.
وكانت طائرتا استطلاع تابعتان للعدو الإسرائيلي خرقتا الأجواء اللبنانية ليل السبت الاحد فوق منطقة معوض حي ماضي في الضاحية الجنوبية، سقطت الأولى أرضاً وانفجرت الثانية في الأجواء متسببة بأضرار اقتصرت على الماديات.
وعلى الفور حضرت قوة من الجيش وعملت على تطويق مكان سقوط الطائرتين واتخذت الإجراءات اللازمة، كما تولّت الشرطة العسكرية التحقيق بالحادث بإشراف القضاء المختص.
وقبيل خطاب السيد نصرالله بقليل وما واكبه من تسريبات ومعلومات وتحليلات عن ردّ وشيك لحزب الله، سارع الأميركيون كالعادة لمحاولة استيعاب أي ردّ محتمل على إسرائيل ، وأجرى وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو اتصالاً برئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وأكد بومبيو خلال الاتصال على ضرورة تجنّب أي تصعيد، والعمل مع الأطراف المعنية كافة لمنع اي شكل من اشكال التدهور .
وشدّد الحريري من جانبه على التزام لبنان موجبات القرارات الدولية لا سيما القرار 1701، منبّهاً الى مخاطر استمرار الخروق الإسرائيلية لهذا القرار وللسيادة اللبنانية ووجوب العمل على وقف هذه الخروق.
وعلقت أوساط سياسية لـ البناء على اتصال بومبيو بأنه كان الأجدر به الضغط على إسرائيل لثنيها عن الاعتداء على لبنان وليس الضغط على الحكومة اللبنانية ورئيسها لمنع المقاومة من الردّ. موضحة أن الموقف اللبناني الرسمي لن يكون على قدر ومستوى العدوان بسبب التركيبة الحكومية والسياسية والانقسام حول دور وسلاح المقاومة، مشيرة الى أن المقاومة لن ترضخ لأي ضغوط سياسية وإعلامية داخلية ولا مالية خارجية، ولن تسمح بأي قواعد اشتباك جديدة. واستغربت المصادر اكتفاء وزارة الخارجية برفع شكوى الى مجلس الأمن دون الطلب باجتماع عاجل للمجلس.
وكانت المواقف الرسمية الرئاسية والحكومية والأحزاب القومية والوطنية توحّدت على إدانة العدوان وأجمعت على اتخاذ الإجراءات المناسبة للدفاع عن لبنان وردع العدوان.
وفي سياق ذلك، اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن الاعتداء «عدوان سافر على سيادة لبنان وسلامة أراضيه وفصل جديد من فصول الانتهاكات المستمرة لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، ودليل إضافي على نيّات إسرائيل العدوانية واستهدافها للاستقرار والسلام في لبنان والمنطقة». وأشار الى ان «لبنان الذي يدين هذا الاعتداء بشدة سوف يتخذ الإجراءات المناسبة بعد التشاور مع الجهات المعنية»، بينما وصفه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بأنه اعتداء مكشوف على السيادة اللبنانية وخرق صريح للقرار 1701.
ولفت إلى أن المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان في العالم أمام مسؤولية حماية القرار 1701 من مخاطر الخروق الإسرائيلية وتداعياتها والحكومة اللبنانية ستتحمّل مسؤولياتها الكاملة في هذا الشأن بما يضمن عدم الانجرار لأي مخططات معادية تهدّد الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية .
وأعطى وزير الخارجية جبران باسيل تعليماته للمندوبة اللبنانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك للتقدّم بشكوى فوريّة إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة هذا الخرق الخطير للسيادة اللبنانية، مؤكداً «حرص لبنان على تنفيذ القرار 1701، والالتزام بقرارات الشرعيّة الدوليّة وتمسكه بالاستقرار ولا يسقط حقه في الدفاع على السيادة الوطنية والقيام بما يلزم لصونها».
وكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس توجّه الى موقع سقوط الطائرتين في الضاحية الجنوبية واعتبر أن «هذه الحادثة تختلف التحقيقات فيها عن الجرائم التي تقع عادة على الأرض والجيش هو مَن يقوم بهذه المهمة».
واتصل رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، بمسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف مطمئناً إلى سلامته والجهاز الإعلامي. وأدان حردان الاعتداء «الإسرائيلي»، ودعا الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة، لأنّ الاعتداء «الإسرائيلي»، انتهاك فاضح لسيادة لبنان، وتحدٍّ لإرادة اللبنانيين الذين يحتفلون بانتصار لبنان على الإرهاب ورعاته.
وقال حردان: إذا كان العدو يشعر بالاطمئنان إلى أنه في منأى عن أيّ إجراءات دولية عقابية، فعلى هذا العدو، عندما يعتدي على لبنان وسورية، أن لا يشعر بالاطمئنان على الإطلاق، لأنّ شعبنا بكلّ قواه الحيّة، يمتلك الإرادة والتصميم على الصمود ومواجهة العدوان والإرهاب.
واعتبر أنّ استهداف العدو مركزاً إعلامياً لحزب الله في لبنان، وقصفه مواقع داخل سورية، هو تصعيد خطير لا يستطيع العدو «الإسرائيلي» أن يتحكّم بتداعياته وحجم الردّ عليه.
إلى ذلك، قام عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية وعضو المجلس الأعلى عاطف بزي بزيارة مكتب العلاقات الإعلامية المستهدف، ونقل إلى عفيف موقف «القومي» الشاجب للاعتداء الصهيوني الغادر.
وشارك حمية وبزي في الاعتصام الإعلامي العفوي الذي أقيم أمام مكتب العلاقات الإعلامية.
وكانت عمدة الإعلام قد أصدرت بياناً أدانت فيه العدوان، وأكدت أنه عمل عدواني خطير، يكشف عن تمادي العدو في اعتداءاته وفي انتهاكه للسيادة اللبنانية، وفي استهداف المراكز الإعلامية، ضارباً عرض الحائط بكلّ القوانين والمواثيق الدولية، وفي محاولة يائسة لتبهيت انتصار لبنان ومقاومته على الإرهاب.
وأشار البيان إلى أنّ هذا العدوان الصهيوني على مركز إعلامي في لبنان، وتزامنه مع عدوان استهدف سورية، يؤكد بأنّ العدو الصهيوني ماضٍ في عدوانه وغطرسته وإرهابه، وفي تحدّيه القرارات والقوانين الدولية، ولذلك، فإنّ مواجهة هذا العدوان ستكون خطوات وإجراءات رادعة وعلى كلّ المستويات.
وعكس موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الأجواء السياسية الإيجابية لا سيما بعد زيارته الرئيس عون في بيت الدين، ولفت جنبلاط الى أن «أفضل طريقة لمواجهة العدوان الإسرائيلي الذي حدث والذي يبشر بتفجير كبير هو في الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار واتخاذ كل الإجراءات الضرورية الإدارية والمالية وغيرها لتحصين الوضع الداخلي الأمر الذي اشار اليه الرئيس عون أمس، والذي عليه سيدعو الجميع لتحمل المسوؤلية».
وكان جنبلاط زار قصر بيت الدين والتقى رئيس الجمهورية واللبنانية الأولى السيدة ناديا الشامي عون، برفقة عقيلته السيدة نورا ونجله رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط. وضم اللقاء كلاً من الوزير باسيل وعقيلته السيدة شانتال عون باسيل، والمستشارة الرئيسية لرئيس الجمهورية السيدة ميراي عون الهاشم وزوجها السيد روي الهاشم. واستكمل اللقاء على غداء أقامه عون على شرف ضيوفه.
واشار جنبلاط بعد اللقاء الى أن «عون سيدعو لاجتماع من أجل مواجهة التحديات والتحضير لموازنة 2020 التي يجب أن تكون بداية حقيقية لتصحيح الوضع الاقتصادي والنقدي. وهذه النقطة الأساسية التي يجب الدخول اليها».
ووفق معلومات «البناء» فإن الرئيس عون لم يحسم موقفه من دعوة جنبلاط لزيارة المختارة حتى الآن لا سيما أنه تلقى ثلاث دعوات من كل من النائب طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب إضافة الى دعوة جنبلاط، وقالت مصادر تكتل لبنان القوي لـ»البناء» الى أن تلبية الدعوات يحددها الرئيس ولم يقرر بعد، علماً انه سيبقى في بيت الدين الى الاسبوع المقبل، لكنها أكدت أن أجواء اللقاء كانت إيجابية جداً لا سيما انها جمعت جنبلاط وباسيل وتركت ارتياحاً وانعكاساً إيجابياً على الاوضاع في الجبل لا سيما اهالي الشوف، على أن تتبعه خطوات مقبلة لتثبيت المصالحة والعيش المشترك في الجبل.
المصدر: صحف