انسحاب بعض القوات الإماراتية من جنوب اليمن – أو معظمها- الذي يعتبره البعض إعادة إنتشار “خبيثة”، نتيجة مطامع النظام الإماراتي القديمة – الجديدة بالموانئ اليمنية الجنوبية وخاصة ميناء عدن، يعبر بلا شك ايضاً عن الهرب من الفشل المتكرر في اليمن وعن القلق من الاوضاع الميدانية ومن انعكاساتها المحتملة على الداخل الاماراتي.
يقول أحد المُعلِّقين في برنامج حواري على إذاعة بي بي سي “إذا عادت الموانىء اليمنية الجنوبية الى العمل، فإن ميناء دبي يُطفىء أنواره”، لأن الموانىء اليمنية الجنوبية – جغرافياً وخدماتياً – هي أقل كلفة على الناقلات والبواخر من كل موانىء الإمارات، وبالتالي، فإن “إنسحاب زرع الفوضى” الذي اعتمدته الإمارات، سوف يُنتِج تقاتلاً شرساً، من خلال الصراع الذي سيحصل، بين قوى الحراك الجنوبي اليمني والمُرتزقة السودانيين والكولومبيين الذين كانوا يعملون تحت أمرة القوات الإماراتية، ما يكفل للنظام الإماراتي استمرار إقفال أو إرباك أمن الموانىء اليمنية، وبالتالي، ضمان استمرارية “اصطياد” ميناء دبي مغانم العائدات.
ذهب مُعلِّقٌ آخر الى القول في البرنامج نفسه، أن الإنسحاب الإماراتي، هو من جهة، يهدف الى تبييض صورة أبو ظبي في المحافل الدولية بعد الجرائم التي ارتكبتها القوات الإماراتية في الجنوب اليمني، ومن جهة أخرى، هو خطوة أمنية استباقية، لأن صاروخاً يمنياً واحداً من النوع الذي يُطلق على السعودية، لو سقط على مدينة دبي، كافٍ لوقف الإستثمارات فيها وهروب المستثمرين.
تعود أولى المحاولات الإماراتية الجادة للسيطرة على ميناء عدن، إلى بداية التسعينيات في ظل حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتحديداً عقب الوحدة اليمنية، عندما أقرت الحكومة آنذاك إنشاء منطقة التجارة الحرة في المدينة، مما أثار مخاوف أبوظبي أن ينعكس ذلك على حركة ميناء دبي، وأسهمت الإمارات في تعطيل المفاوضات اليمنية مع العديد من الشركات العالمية لتطوير ميناء عدن وتشغيل المنطقة الحرة فيه، الى أن نجحت الحكومة الإماراتية يومذاك في إبرام إتفاقية مع الحكومة اليمنية لإستثمار الميناء شرط تطويره ضمن مهلة زمنية محددة، فاستثمرت وفق مصالحها وأخلَّت بكل بنود تطويره، كونه يتمتَّع بموقع استراتيجي وسيكون منافساً صعباً لدبي.
وتعليقاً على الإنسحاب الإماراتي، أوردت صحيفة “لاكروا” الفرنسية ما يلي: “بعد خمس سنوات من المشاركة في حربٍ خلَّفت أكثر من 10000 قتيل وثلاثة ملايين نازح، وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ها هي دولة الإمارات العربية المتحدة تُعبِّر عن رغبتها في الحديث عن السلام، وخفض عدد قواتها على الأرض، لكن ذلك لا يعني إطلاقاً، أن أبو ظبي ستسحب الميليشيات التي شكَّلتها وتُموِّلها وتُسلِّحها منذ العام 2015، والتي تضم حوالي 400 مرتزق من أميركا الجنوبية تلقوا تدريبهم في الإمارات، و400 إريتري أرسِلوا إلى اليمن بتمويل إماراتي، والمساعدات المالية والمادية التي تقدمها الإمارات للمرتزقة وعناصر الميليشيات، بما فيها موارد لتوفير أسلحة لجماعات متطرفة مثل تنظيم القاعدة في اليمن التي لن تتوقف”. وتُضيف الصحيفة: “الإمارات في هذا لم تتصرف مطلقاً بدافع أخلاقي، بل إن قرارها نابع من تقييمها لتطور العلاقات الجيوسياسية”. ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي “سيباستيان بوسوا” قوله: “إنها حرب كلفتهم غاليا، وهم يريدون الآن التركيز على مشاركة الأميركيين والسعوديين في الضغوط الدبلوماسية والعسكرية التي يمارسونها على إيران، وختمت الصحيفة تقريرها بقول “بوسوا: “لا يمكن لأحد إلقاء اللوم على الإمارات في الانسحاب من هذه الحرب واختيار السلام، لكن يجب ألا ننسى أنهم قادوا لمدة خمس سنوات حربا دموية مدمرة تدخلوا فيها ببلد آخر”.
وبصرف النظر عن نوعية وحجم إعادة الإنتشار أو الإنسحاب الإماراتي، مع ترك بقايا شراذم مأجورة للسحق تحت أقدام اليمنيين، فإن هذا الانسحاب يعد نكسة كبيرة للتحالف بقيادة السعودية، ويزيد الضغط على الرياض ، كما ان الهزيمة الإماراتية على قساوتها، لا تُقارن بقساوة الهزيمة على نظام آل سعود، بعد الخيبات العسكرية داخل اليمن وداخل الجنوب السعودي الذي تغلغل فيه اليمنيون عبر الجيش واللجان الشعبية، ويُسطِّرون البطولات والانتصارات، وبانتظار إعلان نهاية التحالف المُجرِم الذي تقوده السعودية في اليمن، فإن الأثمان السياسية ستكون باهظة، ولعل أولها نهاية مجلس التعاون الخليجي الذي كانت الإمارات الداعمة الوحيدة للسعودية فيه وتتوالى لاحقاً باقي التداعيات إذا استطاعت مملكة العدوان تحرير أرضها في عسير ونجران وجيزان من السيطرة اليمنية…
المصدر: موقع المنار