قبل أكثر من خمسة أشهر خرج المدعي العام السعودي بطلب تنفيذ حكم إعدام بحق أكثر من 30 سعودياً ضمن ما يُعرف بـ “خلية الكفاءات”، كانت تهمة أحدهم اللقاء بقائد الجمهورية الاسلامية، هذه التهمة كانت كفيلة باستحقاق الإعدام، لأن إيران الإسلامية تصنف وفقاً لمزاج أمراء المملكة كـ “دولة عدوة”.
فماذا عن كيان الاحتلال الصهيوني الذي يجمع الشارع الاسلامي على تصنيفه عدواً… كيف تتعاطى المملكة مع من يلتقي بمسؤوليه؟ أي عقوبة حددها القانون السعودي لهؤلاء؟ وماذا عن تطبيق هذه العقوبات؟
بموجب نظام مقاطعة “إسرائيل” الصادر في عهد الملك السعودي الراحل سعود بن عبدالعزيز، تحظر المملكة زيارة كيان الاحتلال، وتجرّم التواصل مع الصهاينة.
في حديثه إلى موقع المنار، يوضح المحامي السعودي “طه الحاجي” أنه بموجب المادة الأولى من نظام مقاطعة “إسرائيل”، فإن المملكة السعودية تحظر “على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالوساطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسياتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، أينما قاموا وذلك متى ما كان محل الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية او أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته”.
وتحدد المادة السابعة عقوبة من يخالف نظام المقاطعة “بالسجن مدة أدناها ثلاثة أشهر وأقصاها ثلاث سنوات وبغرامة أقلها خمسمائة ريال عربي سعودي وأكثرها خمسة آلاف ريال عربي سعودي أو بإحدى هاتين العقوبتين”، وفق ما يفيد المحامي الحاجي.
ولا تكتفي المملكة السعودية بتجريم اللقاء بالصهاينة، وإن كانت العقوبات التي فرضتها المملكة “مريبة” لجهة تهاونها مع “المطبعين”، بل إنها تحظر السفر إلى كيان الاحتلال. إلا أن أي عقوبة لم تطبق على مرتكبي جرم التواصل مع “إسرائيل” أو زيارتها. بل على العكس فقد ملأوا الشاشات الممولة سعودياً للحديث عن زيارتهم إلى كيان العدو ومن قلب الرياض.
أعادت زيارة الجنرال السعودي أنور عشقي الحديث عن موقف المملكة السعودية من المواقف المتكررة التي صدرت على لسان أو من ممارسات أمرائها ومسؤوليها. وزارة الخارجية السعودية اكتفت بالتذكير ببيان أصدرته سابقاً بأن أشخاصاً من بينهم أنور عشقي لا يمثلونها ولا علاقة لهم بأية جهة حكومية ولا يعكسون وجهة نظر حكومة السعودية، وأن آراءهم تعبر عن وجهات نظرهم الشخصية. إلا أن تبرير الخارجية السعودية لن يقنع أحداً بل زاد الطين بلة، خصوصاً أن وزارة الخارجية السعودية لم تتبرأ من الزيارة ولم تدنها طبعاً، بل كل ما الأمر إنّها قالت إنّ لا علاقة لها بها.
في زيارته الأخيرة لكيان الاحتلال، سجل الجنرال السعودي لقاءه السادس بدوري غولد، أحد مسؤولي الخارجية الاسرائيلية. وهو نفسه من أطلق في أيلول/سبتمبر الماضي تصريحات لقناة “24” الصهيونية، امتدح فيها الجزار بنيامين نتنياهو. ودونما حرج وصف الجنرال السعودي المسؤول الأول عن عدوان غزة بـ “الرجل القوي والواقعي”. وكشف موقع «واللا» نقلاً عن اثنين من كبار المسؤولين في تل أبيب، أن نتنياهو يرى في عشقي أنه “قناة مهمة للاتصال مع السعوديين، من أجل تبادل الرسائل معهم”.
ولم يشكل أنور عشقي في مواقفه المغازلة للعدو الصهيوني حالة سعودية شاذة. بين أمراء آل سعود هناك من صافح المسؤولين الصهاينة والتقى بهم وتحدث إلى صحافتهم، إنه تركي الفيصل، الذي أراد أن يضفي شرعية على المحرمات الإسلامية والعربية، من خلال رمزية المملكة السعودية على مستوى الشارع الإسلامي، الرمزية التي تستمدها من تعمد التذكير بأنها “بلاد الحرمين”، الذين استبيحا من قبل جيوش آل سعود قبل أن يتم وضع اليد عليهما.
في أيار/مايو الماضي، التقى أمير التطبيع مع مستشار الأمن القومي السابق لحكومة الإحتلال الجنرال الصهيوني يعقوب عميدرور على هامش مناظرة نظمها “معهد واشنطن للسياسات الشرق الأدنى”.
وعلى مسمع الفيصل، قال عميدور: ” بالنسبة للحوار الإسرائيلي – السعودي، فقد التقى الإسرائيليون والسعوديون في الكثير من المناسبات عدة مرات في اجتماعات غير رسمية. وفي إسرائيل، هو أمر عادي”. وأضاف: “أنا متأكد أنها ليست المرة الوحيدة التي يلتقي فيها سعودي وإسرائيلي، وهي ليست مشكلة في إسرائيل”.
لم يقاطع الأمير السعودي كلام المسؤول الصهيوني، لم يعترض عليه، ولم ينفه حتى. كان ذلك بمثابة صك اعتراف، بأن العلاقات بين الجانبين “طبيعية”.
حتى اليوم لم تبرر وزارة الخارجية السعودية أو أي وزارة سعودية أخرى سبب عدم تطبيق عقوبة خرق نظام التطبيع مع كيان الاحتلال على كل من أنور عشقي وتركي الفيصل. لا سجن ولا حتى غرامة مالية فُرضت على اي ٍ منهما، حتى انه لم يتم التعامل مع “المطبعين” مع كيان العدو كما تم التعامل مع الذين يزورون ايران. مع العلم ان العلاقات الايرانية السعودية بقيت طبيعية وان اعتراها الكثير من الشوائب حتى مجزرة منى التي ذهب ضحيتها الاف الحجاج الايرانيين.
لقد ألغت السعودية مفاعيل نظام التطبيع مع “العدو”، والسؤال ماذا عن الخطوة السعودية التالية على سكة الوصول لتحقيق التطبيع الكامل مع “إسرائيل”؟