ألقى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، كلمة خلال اللقاء العربي-الروسي للتعاون في دورته الخامسة، في موسكو، فقال: “ما أحوجنا اليوم الى التوازن في العلاقات الدولية، في هذا الزمن الذي تمنح فيه دولة ما أرضا تخص دولة الى دولة أخرى، وفي زمن تهب دولة ما عاصمة تاريخية تعود لشعب الى شعب آخر، وذلك كرمى لحملة إنتخابية لمن قتل النساء وضرب الأطفال وترك العزل دون مأوى في فلسطين، وفجر حقده في أشجار الزيتون وقبب الكنائس ومآذن المساجد”.
اضاف: “ما أرخص دماءنا، تستعمل لحشد الأصوات، وتهدر حقوقنا في سبيل رافضي السلام. هذه حالنا وحال العالم، نشكو من آحادية ظالمة ليس بحقنا فقط، بل بحق بشرية بات عليها أن تدفع ثمن هذه الآحادية تطرفا وإرهابا.
واكد انه “لم يعد مقبولا اليوم هذا التمادي في إهدارالحقوق العربية تمهيدا للإعلان عن صفقة العصر، التي إنتظرناها حلا وتمنيناها أفقا جديدا للأجيال الجديدة لتعيش بأمن وسلام، فوجدناها سلسلة تلف حول عنق القضية لخنقها، فتضيع معها القدس والجولان وشبعا وتنتهي القضية، شعبا مشردا وأرضا مسلوبة ونظاما دوليا منهارا بضياع الحقوق وتكريس مفهوم الإغتصاب بدل العدالة، وكأن بنا نعود قرونا لنعيش نظام العبودية بدل أنظمة حقوق الإنسان”.
وتابع: “من الممكن أن يخاف البعض من طموح دولة ما، أو من تمدد طائفة ما، ولكن تهدئة المخاوف لا تبرر التعاطي مع الشيطان. زملائي، لا يجوز أن نخطىء في العدو ولا أن نضيع البوصلة، فالعدو هو إسرائيل والبوصلة هي فلسطين، وكل ما يشتت من تركيزنا عن هدف إعادة حقوق الشعب الفلسطيني هو إلهاء لنا عن مصالحنا ومصالح شعوبنا. وأنا أدعو الى مراجعة الحسابات وإعادة تحديد الأهداف. أقول هذا للتاريخ ولتسجيل موقف فيما نحن على وشك ضياع القضية وضياع الأرض والقدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وإذا إرتضى أحد اليوم بذلك فنحن على ثوابتنا باقون، فلسطين عربية، وعاصمتها مدينة القدس، والجولان سورية، وسكانها عرب سوريون، وشبعا لبنانية وصكوكها عائدة لنا، كما كرامتنا لا يأخذها أحد منا”.
وقال: “قد يرى البعض في طرح هذه القضية خروجا عن موضوع إجتماعنا، أما الحقيقة فهي أن أحد أهم أوجه التعاون العربي-الروسي هو المجال السياسي، وذلك لإعادة التوازن الى منطقتنا في وقت دفعت فيه ثمن الأحادية وغياب مرجعيات القانون والعدالة والسلام”، مؤكدا ان “تعزيز تعاوننا ليس موجها ضد أحد ولا يجب أن يقلق أحد، لأن الهدف الأساس من وراء هذا الإجتماع هو التنسيق والتعاون وإيجاد السبل الى حياة أفضل في منطقتنا العربية. فالتعاون العربي مع الصين أو روسيا أو اليابان أو الهند أو أميركا أو الإتحاد الأوروبي، هو لمصلحة الشعوب العربية، وتعزيز رخائها وإزدهارها، وهو ليس تحالفا عسكريا أو سياسيا موجها ضد أحد”.
أضاف: “كل تعاون مرحب به، وبالتحديد نحن داعمون للتعاون العربي -الروسي وداعون الى تعزيزه لما فيه من خير لشعوبنا ودولنا على كافة الصعد دون حصره بالشق السياسي بل إمتداده ليشمل الإقتصاد وكل قطاعاته، من نفط وغاز حيث الشركات الروسية رائدة، والصناعة الروسية متطورة، والتكنولوجيا والعلوم متقدمة والزراعة عضوية، والسياحة ممتعة”.
وقال باسيل: “مؤتمرنا اليوم للحوار، وكل حوار عليه أن يكون منتجا، وكل عمل ما بين الدول يجب أن يكون مثمرا، ونحن مؤتمنون على مستقبل أجيالنا، ولزام علينا فتح الأسواق الجديدة لمنتجاتنا، وإستقدام السواح لفنادقنا، وجلب الإستثمارات لأسواقنا، والتعاون التكنولوجي مع جامعاتنا، وتبادل الخبرات مع مؤسساتنا، فالتعاون بين الدول لا أفق له ولا تحده حدود سوى إستقلال كل دولة ومصالحها وخضوعنا جميعا للقانون الدولي؛ والتواصل الإنساني بفضل تطور الإتصالات وتطور الفكر لم يعد أمامه أي عائق، فلا تقيده تأشيرة دخول ولا يعيقه شرطي حدود، فالدول والشعوب يجب أن تتواصل وتتلاقى من دون ضوابط أو قيود. وعلينا اليوم وضع الإطار لتنظيم وتسهيل عملية التواصل بين شعوبنا، وخلق مساحات إستراتيجية مشتركة في ما بيننا”.
وتابع: “في كل مرة نجتمع فيها، هناك كرسي شاغر ينغص جمعتنا العربية، فلا يجوز أن تبقى سوريا خارج الحضن العربي. تاريخيا، لقد كانت لكل منا ملاحظات على النظام في سوريا وقد كنت شخصيا أنا وما ومن أمثل من المناهضين للوجود السوري في لبنان، ولكن حين إنسحبت الجيوش السورية الى سوريا، إرتضينا أن نكون على أحسن العلاقات معها. اليوم الأزمة السورية على شفير الإنتهاء، ونحن مع تعزيز المصالحة في ما بين المكونات السورية، ومع وضع لجنة لتعديل الدستور، ومع الحل السياسي الذي سوف يوافق عليه ويختاره السوريون، ومع الإنتخابات الديموقراطية، ومع إعادة الإعمار ومع عودة النازحين السوريين الى أرضهم، وذلك من دون ربطها بأي شرط سوى الأمن والكرامة”.
وقال: “لا أريد تكرار ما تحمل لبنان من تبعات للأزمة السورية، فالكل يعرف هذا جيدا، ولكن أريد أن ننحاز هنا في روسيا الى مصلحة لبنان ونؤيد جميعا المبادرة الروسية القاضية الى عودة النازحين الى بلدهم، بدلا من الإكتفاء بشكر لبنان على إستضافته الكريمة لهم. فلبنان لم يعد يحتمل، وهو بحاجة الى الأفعال قبل الأقوال والأموال؛ هو بحاجة الى حل مستدام وليس الى مساعدات دائمة”.
واعتبر باسيل “ان لبنان اليوم مسؤولية عربية ودولية، وليست مسؤولية روسيا وحدها مساعدته على تحقيق العودة. وهو يناشدكم لمساعدته، فلا حل بمعزل عن الحضن العربي؛ أعيدوا سوريا الى الجامعة، ولنعمل معا لإعادة النازحين الى سوريا، ولتكن الجامعة العربية أم الصبي والمبادر الأول لمعالجة المشاكل العربية ونطلب عندها مساعدة روسيا، ومن يريد مساعدتنا، على إيجاد الحلول وليس على خلق المشاكل. ولتكن سوريا أول الحلول، ولنبدأ بعلاج الجرح السوري وختمه نهائيا لأن لائحة مشاكلنا طويلة وصعبة، فليبيا واليمن تنتظرانا وعلينا المبادرة، وفلسطين على شفير الضياع وعلينا المبادرة، والسودان والجزائر ليسا بأفضل الأحوال”.
وقال: “شعوبنا العربية تعول علينا وتنتظر أن تلعب الجامعة العربية دورا أساسيا في جمع الصف العربي وحل مشاكلنا الكثيرة. فلنبرهن عن الرشد العربي، الذي به نقيم تفاهماتنا الإستراتيجية مع أصدقائنا وعلى رأسهم روسيا، عوض أن نعيش القصور العربي الذي يظهر تبعيتنا لأصدقائنا أو أعدائنا”.
المصدر: الوكالة الوطنية