أطلق تيار «المستقبل» أمس حملة هدفها غير الخفي هو منع محاسبة سارقي المال العام ومزوّري حسابات الدولة التي أنهت وزارة المال التدقيق فيها وإعادة تكوينها. وفيما يطالب حزب الله بإحالة هذه الحسابات على القضاء لتحديد المرتكبين ومعاقبتهم، استحضر «المستقبل» أدبيات 14 آذار، عن استهداف «إرث الرئيس رفيق الحريري» من قبل «النظام الامني اللبناني – السوري»!
لم يمرّ يوم على المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب حسن فضل الله، والذي خصصه للمطالبة بإحالة ملف «حسابات الدولة» على القضاء والمجلس النيابي لمحاسبة المرتكبين والسارقين والمخالفين ومهملي القيام بوظائفهم، حتى استنفر تيار المستقبل لمنع إجراء محاسبة مهدري المال العام وسارقيه. ما انجزته وزارة المال منذ العام 2014، بإعادة تكوين حسابات الدولة، كشفَ الكثير من «الفظائع» في الحسابات، بين عامي 1993 و2013: حسابات ضائعة، أموال لم يُعرف من أنفقها ولا كيف أنفقت، هبات غير مسجّلة أو مستخدمة في غير وجهتها الأصلية، مستندات ضائعة أو مضيَّعة…
ورغم أن فضل الله رفض تحميل المسؤولية لأحد قبل أن يقول القضاء كلمته في الملف الذي لا يزال في وزارة المال، انبرى تيار المستقبل أمس، بكتلته النيابية ووسائل إعلامه، وعبر مكتب الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، للدفاع عن السنيورة الذي توعّد بعقد مؤتمر صحافي يوم الجمعة المقبل للرد على الاتهامات التي لم تطله بالإسم! لم يترك المستقبل سلاحاً إلا وزج به في هذه المعركة: اتهام حزب الله بالفساد، استحضار اسم الرئيس رفيق الحريري للقول إن المطالبة بالمحاسبة تهدف إلى «خوض الحرب ضد الارث السياسي والاعماري والاقتصادي للرئيس الشهيد رفيق الحريري»، وهو ما ورد في بيان كتلة «المستقبل» ومقدمة نشرة أخبار تلفزيون المستقبل أمس. وفي معركته الرامية إلى منع التحقيق في حسابات الدولة، اعاد «المستقبل» إحياء «النظام الأمني اللبناني – السوري»، متهماً حزب الله بتكرار «الخطأ الذي تناوبت عليه جهات داخلية واقليمية عديدة». وقالت الكتلة الزرقاء في بيانها إنه من «الأجدر بمن يرشحون أنفسهم لمكافحة الفساد، أن يسألوا أنفسهم عن كلفة الهدر الذي كانوا شركاء فيه، وعن كلفة تعطيل الدولة والمؤسسات فضلا عن الاكلاف الباهظة للحروب والمعارك المتنقلة في الداخل والخارج». اما السنيورة، فرأى في بيانه أن «من سخرية القدر ان المرتكب يحاول ان يتهم الآخرين بما تفنن هو في ارتكابه»، رابطاً بين مطالبة حزب الله بمكافحة الفساد وكتاب «الإبراء المستحيل» (وصفه السنيورة بـ«السيئ الصيت») الذي سبق أن أعدّه رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان لتفنيد المخالفات المرتكبة من قبل فريق السنيورة. وتزامن ذلك مع إعادة تعويم شخصيات من فريق 14 آذار خرجت للهجوم على كل من يطالب بالمحاسبة. وفيما رفض فضل الله التعليق على هجوم «المستقبل»، جرى التداول بتسجيل صوتي لكنعان يهاجم فيه التيار الأرزق والسنيورة، من دون معرفة تاريخ التسجيل.
ولكي يكتمل المشهد، تطلّ الحكومة اللبنانية على اللبنانيين بجدول أعمالٍ أقلّ من عادي، في جلستها العمليّة الثانية منذ تشكيلها هذا الأسبوع، مهملةً الكم الهائل من الأزمات المتراكمة. وحتى مساء أول من أمس، كان احتمال عدم الدعوة لجلسة مجلس الوزراء وارداً جدّاً، في ظلّ الخلاف على التعيينات الإدارية، بين من يطرح التعيين على دفعات وبين اقتراح الوزير جبران باسيل على حصول التعيينات بسلّة واحدة.
ويتصدّر جدولَ الأعمال بند طلب وزارة المالية إصدار سندات خزينة بالعملات الأجنبية وتقديم عروض استبدال كامل أو جزء من سندات الخزينة بالعملات الأجنبية، بما فيها اليوروبوند المستحقة خلال العام 2019، في خطوة لا تدلّ على شيء سوى نيّة الحكومة عدم مناقشة الموازنة العامة، على الأقل من الآن وحتى نيسان المقبل، موعد استحقاق الجزء الأوّل من السندات. وتعزّز هذه النظرية، البنود اللاحقة، كمشاريع مراسيم نقل اعتمادات إضافية من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة رئاسة مجلس الوزراء – مجلس الإنماء والإعمار (حوالي أربعة مليارات ونصف مليار)، وإلى وزارة الثقافة (حوالي 300 مليون ليرة) على أساس القاعدة الإثني عشرية. ويشير جدول الأعمال إلى أن الحكومة لا ترى أزمة في البلاد تستحق التوقف عندها، بل تستمر في تجاهل أصل مسببات الأزمة، وأولها النموذج الاقتصادي القائم على الاستدانة والتحويلات من الخارج. أما باقي بنود الجدول، فتدور حول طلبات لاستقبال هبات، والحصول على أموال بدل سفر، بعضها على سبيل التسوية، أي أنها جرت سابقاً خلال مرحلة تصريف الأعمال، وسيجري في جلسة الخميس «قوننتها».
وفي سياق غير بعيد، اطلعت «الأخبار» على جدول الاعمال الذي تقترحه جمعية المصارف لاجتماعها اليوم مع حاكم مصرف لبنان، والذي يضم البنود الآتية:
1- التطورات النقدية والمصرفية،
2- كلفة الازدواج الضريبي على المصارف،
3- تطبيق ضريبة الفوائد (7%) على الفوائد المدفوعة من المصارف لصالح مصرف لبنان،
4- مواضيع مختلفة او مستجدة.
ويعني البندان الثاني والثالث ان المصارف تشن، بدورها، حملة هدفها منع المس بأرباحها التي تحقق معظمها من المال العام عبر فوائد الدين العام. وتأخذ هذه الحملة شكل «الحرب الاستباقية» أيضاً، من خلال إعادة النقاش إلى الضرائب التي فُرِضت عليها خريف العام 2017. ويبدو أن أصحاب المصارف لم يكتفوا بالتعهد الذي تلقوه من رئيس الحكومة قبل أيام بعدم فرض ضرائب جديدة عليهم، بل يريدون ضمان ذلك من خلال دفع المطالبين بإشراك القطاع المصرفي في دفع كلفة الخروج من الازمة المالية إلى الاكتفاء بإبقاء الحال على ما هي عليه اليوم.
من جهة أخرى، وفيما يرأس رئيس مجلس النواب نبيه برّي غداً جلسة لهيئة مكتب المجلس تحضيراً لجلسات العقد الاستثنائي للبرلمان الذي يبدأ الشهر المقبل، علمت «الأخبار» أن الحريري فاجأ بري أمس بحضوره إلى عين التينة من دون موعد مسبَق في فترة «التمشاية» المسائية. واجتمع الرئيسان وحدهما مدة ربع ساعة، قبل أن يغادر الحريري. ووصفت مصادر «الأخبار» الجلسة بـ«الإيجابية جداً»، إلّا أن بري لم يشارك زواره أسباب الزيارة وتفاصيل ما دار فيها.
المصدر: صحيفة الاخبار