أمين أبوراشد
لا تندرج استقالة المبعوث الأميركي لحلّ الأزمة الخليجية، أنطوني زيني، ضمن سلسلة إستقالات الوزراء والمُستشارين والمُدراء العاملين في إدارة البيت الأبيض، لأن مهامه لم تكُن تقتصر على مُصالحة قطر مع السعودية، بل كانت تتعدَّاها الى الإشراف على إنشاء حلف أمني تحت مُسمَّى “ناتو عربي” ولا يُمكن البدء بتأسيسه قبل إتمام المصالحة القطرية السعودية، لأنه تقرَّر أن يتشكَّل من الدول الخليجية الست: السعودية والإمارت والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين، إضافة الى مصر والأردن.
من مبرِّرات استقالة “زيني”، إعترافه بأنه فشِل في إقناع قطر والسعودية بالمصالحة، وسط اتهامات مُتبادلة بين الدولتين،
وإذ ذهبت قطر الى رفض الحوار تحت وطأة لُغة الحصار السعودية، تتَّهم السعودية أمير قطر بالتعنُّت ورفض الحوار، والمُلفِت أنه وسط الأزمة التي يُواجهها ولي العهد السعودي نتيجة تداعيات جريمة قتل جمال خاشقجي، قام أمير قطر تميم بن حمد بجولة خارجية لتعزيز علاقات بلاده مع أوروبا بشكلٍ خاص، رافقه خلالها إعلامٌ قطري قويّ، أظهره وكأنه الشخصية الخليجية المُنفَتحة الودودة بالمقارنة مع سمعة محمد بن سلمان.
ونكسة إنشاء “الناتو العربي” جاءت مزدوجة، لأنه كان محاولة تعويض عن انتكاسة إقامة “الناتو الإسلامي” الذي تقرر في قِمَّة الرياض التي حشدت السعودية من أجلها ربع زعماء العالم حول دونالد ترامب في أيار/ مايو من العام 2017، لتخرُج القِمَّة بقرار إنشاء حلف إسلامي من أربعين دولة لمواجهة إيران وفشِل إنشاؤه، لأنه تحت راية العلم السعودي، وأحجمت عنه الدول الخليجية قبل باقي الدول العربية والإسلامية.
والنكسات الثلاث التي نتجَت عن فشل تشكيل “ناتو إسلامي” و”ناتو عربي” واستقالة المبعوث الأميركي زيني، هي رسائل ثلاث الى المملكة السعودية:
– رفض بعض الدولة الإسلامية الإنضواء تحت لواء حلف كانت ستستخدمه السعودية لِمُحاربة دولة إسلامية مثل إيران، تزامناً مع شنُّ السعودية أشرس عدوان على دولة إسلامية أخرى هي اليمن، وتُحاصر دولة إسلامية ثالثة هي قطر.
– رفض بعض الدول الخليجية لزعامة سعودية على الحلف العربي، وتأتي الكويت وسلطنة عُمان وقطر طبعاً، في طليعة المُناهضين للهيمنة السعودية، وهي نفس الدول التي رفضت منذ سنوات الوحدة السياسية لدول مجلس التعاون لأن عاصمة هذه الوحدة كانت مقررة في الرياض.
– ليست استقالة أنطوني زيني نِتاج لِتعنُّت أمير قطر، بل هي مبالغة في الإستكبار لدى محمد بن سلمان وتجاهله لتداعيات “جريمة المنشار” على سمعته وسمعة العائلة المالكة السعودية، خاصة بعد ثبوت عدم إمكانية الرئيس دونالد ترامب في تغطية شريك صفقاته أمام الرأي العام الدولي والأوروبي بشكلٍ خاص، إضافة الى المؤسسات الإعلامية التي تقودها “الواشنطن بوست” ضد بن سلمان وإدانة المنظمات الإنسانية لجريمة العصر.
ومع بدء انتفاضة الأمم المتحدة على وحشية النظام السعودي في اليمن، والمواجهات الداخلية الأميركية بين الكونغرس والبيت الأبيض على خلفية الحرب على اليمن وجريمة خاشقجي، جاءت التطورات الميدانية الإيجابية في سوريا، والوفود الدولية والعربية التي تتقاطر الى دمشق، والتسابق لإعادة فتح السفارات، ووجدت السعودية نفسها باستقالة الوسيط الأميركي بينها وبين قطر، وتبخُّر حلمها القيادي لحلف عربي، وكأنها باتت خارج المُعادلة حتى في بحث أزمات المنطقة، التي يحاول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في جولته الحالية حشر نفسه بها دون جدوى، لأن مصيره مع سياسات ترامب، لن يكون أفضل من مصير عادل الجُبير الذي خَرَج كما كبش المحرقة لسياسات مملكة الإرهاب بتغطية أميركية، ولعل النكسات العسكرية والسياسية المتتالية ارتدَّت هزيمة على الإثنين معاً بكل قساوتها …
المصدر: موقع المنار