في شهر شباط الماضي، أعلن فريق علمي دولي من المختصين في الفيزياء، رصد موجات جاذبيّة (Gravitational waves) ناجمة عن اصطدام ثقبين أسودين (يبعدان 1.3 مليار سنة ضوئيّة عن الأرض)، بواسطة مرصد موجات الجاذبيّة «LIGO». وكان العالم ألبرت آينشتاين (1879-1955)، صاحب نظرية النسبيّة العامة، افترض وجود تلك الموجات قبل مئة عام.
توجد صعوبة في حلّ المعادلات الفيزيائية التي وضعها آينشتاين، ولا يمكن حلّها يدوياً، بل تحتاج إلى أدوات حسابيّة مُمَكْنَنَة ومتطوّرة.
في هذا الإطار، تُجري ثماني مجموعات دوليّة بحوثاً في شأن حلّ معادلات آينشتاين عبر الأدوات الحسابيّة بواسطة الكومبيوتر. وتضم هذه المجموعات ثلاثين باحثاً، منهم الباحث اللبناني في الفيزياء الدكتور عبد الحسين مروة.
مروة هو باحث في الفيزياء الطبيّة حول علاجات الأشعة للأمراض السرطانيّة في جامعة شيكاغو منذ سنتين، حاصل على شهادة الماجستير في الفيزياء من قسم الفيزياء في الجامعة الأميركيّة في بيروت (2004)، وحصل في العام 2009 على درجة الدكتوراه في الفيزياء الفلكيّة من جامعة كورنيل الأميركيّة. وتابع بحوثه في الفيزياء الفلكيّة النظريّة في المعهد الكندي في الفيزياء الفلكيّة في مدينة تورونتو. يساعد حلّ معادلات آينشتاين، وفق مروة، على رصد موجات الجاذبيّة ـ التي يُصعب رصدها بسبب أثرها الضئيل جداً على الأشياء ـ وتحديد مصدرها ومسبّباتها.
تشير نظرية آينشتاين، إلى أنَّ حركة جسمين ثقيلين، تحت تأثير الجاذبيّة وعلى مرّ الزمن، تؤدّي إلى توليد موجات جاذبيّة. عمل مروة وفريقه في المعهد الكندي للفيزياء الفلكيّة النظريّة، على محاكاة حسابيّة للكثير من الموجات الناجمة عن الثقوب السوداء المزدوجة مع اختلاف وزن الأجسام ونسبة دورانها، ما يساعد في رصد موجات الجاذبيّة وتحديد مصدرها.
ساهمت نتائج هذه البحوث العلميّة، وفق مروة، بالاكتشاف الذي تمّ الإعلان عنه في شباط الماضي، الذي تمثّل بإثبات وجود موجات الجاذبيّة وتحديد مصدرها. فللمرّة الأولى، يتمّ رصد موجات الجاذبيّة – وحجمها صغير جداً (أقل من واحد على ألف من حجم جسيم البروتون)، كما أنَّ أثرها ضئيل جداً على أبعاد الأشياء. وأثبت رصد تلك الموجات، بشكل مباشر، وجود الثقوب السوداء التي تنجم عن تطوّر نجوم وزنها كبير، ونهايتها. تلك الثقوب، لا تظهر تضاريس أو لوناً، وتتميّز بجاذبيّة عالية لدرجة أنَّها تحبس الضوء، في ما يمكن دراسة تفاعلها مع محيطها عبر تحديد وزنها، ودورانها، وشحنتها الكهربائيّة. يقول مروة، إنَّ رصد موجات الجاذبيّة والثقوب السوداء يساعد في فهم حركتها ودورانها وخصائصها وتفاعلها بعضها مع بعض.
وأدّى انصهار الثقبين الأسودين، اللذين تمّ رصدهما أخيراً، إلى توليد طاقة أكبر بخمسين ضعفاً من الطاقة الإشعاعيّة لجميع النجوم في الكون. من ناحية أخرى، سيساهم رصد موجات جاذبيّة أخرى، في تحديد مصادر أخرى مثل انفجار نجم، أو نجوم نيوترونية ودراسة حركتها ومواقعها وتفاعلها، ما يعزّز فهم البشريّة للكون وتحوّلاته.
وفي ما يعتبر وجود باحث لبناني ضمن المجموعات البحثيّة مساهمة علميّة ومعرفيّة، يشير مروة إلى أنَّ القيام بالبحوث العلميّة في الخارج يغني الباحث بالمعرفة وبالمعلومات وبالتخطيط لإدارة مشاريع ضخمة وتنفيذها.
ويؤكّد مروة وجود نقص في الاهتمام بالبحث العلمي في لبنان، غير أنَّ ذلك لا يجب أن يحدّ من إرادة الطلاب للتعلّم والدراسة والمتابعة العلميّة.
يُذكَر أنَّ كلية الآداب والعلوم ومركز تعليم العلوم والرياضيات في الجامعة الأميركية في بيروت، أطلقا سلسلة محاضرات «العلوم والرياضيات في متناول الجميع». وستشكّل هذه المحاضرات جسراً بين الباحثين والجمهور للاطّلاع على البحوث التخصصيّة. وقدّمت الكلية، أمس، ثلاث محاضرات بعنوان «تموجات في نسيج الفضاء ـ الزمان».
المصدر: جريدة النهار