منذ العام الماضي خرجت الى دائرة الضوء ما سميت المبادرة الفرنسية للسلام لكنها بقيت تحت اضواء دولية خافتة يحجبها الرفض الصهيوني لها. والمفارقة انه فيما كان الرفض الاسرائيلي مستمرا ومتكررا كان الفرنسيون يسرعون تارة الى تحديد موعد للمؤتمر الدولي للسلام المنبثق عن هذه المبادرة وتارة اخرى الى تحديد حتى عدد الدول المشاركة! لكن الاسرائيلي كان في واد آخر فتأجلت المواعيد مرة تلو اخرى.
الجديد انه في الايام الماضية ضخ “الأوروبي” من جديد الدم في عروق المبادرة عبر تبنيه لها ، بعد ان كادت تنطفئ اعلاميا، وقد بدا هذا الموقف تطورا بارزا. للوهلة الاولى يخيل ان هناك شجاعة دولية محدثة تجاه “اسرائيل” لم نعهدها من قبل، لكن التمعن في هذا القرار بشكل متعمق وبما تضمنه وبالظروف القائمة حوله يطرح العديد من النقاط حول الهدف الاوروبي الحقيقي وحول ما اذا كان هناك فعلا نية للضغط او حرص على “التسوية” او “حقوق الفلسطينيين بعدما عاثت بها “اسرائيل” طوال السنوات الماضية دون ان يحرك الاميركي والاوروبي ساكنا واستمر الاستيطان المتصاعد. فما لم يقم به الاميركي الذي استمر باغداق المساعدات على انواعها لاسرائيل والمكافآت على سياساتها، لن يتولاه الاوروبي.
فمن الثابت ان اياً من الاطراف الدولية لن يضغط على اسرائيل في اي امر متعلق بسياساتها وهذا ما بات معروفا منذ عشرات السنين وثبت ان المقاومة والنضال هو الوحيد الكفيل بنيل الحقوق وفرملة الانتهاكات.
لا بد هنا من الالتفات الى امور عديدة:
-تقترح المبادرة الفرنسية التي تبناها الاتحاد الاوروبي مهلة 18 شهرًا للتوصل إلى تسوية تقوم على إنشاء دولة فلسطينية بالاستناد إلى حدود 1967، مع المقايضات في الأراضي وهذه المدة كفيلة بالكثير من مراكمة في التهويد والاستيطان حتى لو كانت على طاولة التفاوض وكما اثببت التجارب الماضية
– تتحدث المبادرة عن الترتيبات الأمنية على “طول الحدود” مع نشر قوات دولية، وبحيث تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح تمامًا وهذا يحمل في طياته تفاصيل ومظاهر تكرس الاحتلال وتضعف الدولة الفلسطينية.
– عندما تبنى الاتحاد الاوروبي المبادرة اشار الى انه سيتم منح رزمة غير مسبوقة من المساعدات للطرفين ، وذلك دليل على ان اسرائيل ستحصل على مساعدات سخية لن تكون طبعا بمستوى ما سيتم تقديمه للفلسطيني.
– لم يتغير الموقف الاسرائيلي الرافص بعد تبني الاتحاد الاوروبي والسبب انه في العقلية الصهيوني القائمة الان لا نية اعتراف بقيام دولة فلسطينية، لكن المبادرة والموقف الاوروبي يسعيان عبر المبادرة وقبلها وبعدها الى مصلحة اسرائيلية.
وفي هذا الاطار يقول الخبير في الشان الاوروبي د. وليد عربيد للموقع ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يريان انه لا يمكن رسم خريطة جديدة من الناحية السياسية للمنطقة الا بحل للقضية الفلسطينية وهذا يتحدد في موافقة اسرائيل على دولة فلسطينية قابلة للحياة، هذا يصطدم بالرفض الاسرائيلي للمبادرة التي طرحها فابيوس. اوروبا تعي انه لا سيما بعد حصول الازمات في المنطقة يجب تأمين امن وحماية “اسرائيل” ولكن هذا يصطدم مع العقلية الاسرائيلية لا سيما اليمين المتطرف المتمسك ب”يهودية الدولة”.
اذاً في خلفية كل هذه التحركات الدولية والقرارات الاوروبية مصلحة صهيونية لاستمرار ضمان امنها، وفي الخلفية الثانية سعي اوروبي واميركي سيتبلور بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية للتوجه في طريق اخر متعلق بمنطقة الشرق الاوسط ككل.
وهنا يقول د. عربيد ان الراي العام في في اميركا واوروبا في اقتناع انه في القرن 21 وبعد الازمات في المنطقة يجب تامين حدود آمنة وان ينتقل هذا الكيان من صورة كيان غاصب الى “دولة مستقلة” وهذه عملية تتطلب دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية.
في الخلاصة هناك اهداف اوروبية منسقة مع الاميركي في الدفع باتجاه حلول في المنطقة منها “تسوية” في القضية الفلسطينية وبالطبع تسوية تحمل مصلحة “اسرائيل” اولا واخرا وتهدف الى سلوك طريق حلول في الشرق الاوسط في عدة ملفات بعد الاحداث في السنوات الاخيرة وتتجه بالتالي الى بدء تكريس التطبيع العلني مع الدول العربية وهو تطبيع انطلق سريا منذ سنوات تحت الطاولة. ولكن حتى ذلك الوقت يبقى الموقف الصهيوني مبديا للتعنت، من اجل مزيد من الكسب والابتزاز.
المصدر: موقع المنار