تستعد السلطات اليابانية مع اقتراب حلول شهر سبتمبر/أيلول من كل عام لاتخاذ تدابير وقائية لمواجهة حالات انتحار، فهو موعد بداية الفصل الدراسي الجديد وفترة شديدة القلق في البلاد، رغم أن نظامها التعليمي أكثر الأنظمة تنافسية وصرامة في العالم.
ويعرف الأول من سبتمبر/أيلول بأنه “يوم انتحار المراهق في اليابان”، فهو تاريخيا يوافق انتحار أكبر عدد من الأطفال كانوا يبلغون من العمر 18 عاما.
وتشير إحصاءات إلى أنه خلال الفترة بين عام 1972 و 2013 انتحر أكثر من 18 ألف طفل في اليابان، كما يختار 131 طفلا تقريبا هذا اليوم للإقدام على الانتحار، وعلى الرغم من التراجع العالمي في معدلات الانتحار خلال السنوات الماضية، مازال الانتحار سببا رئيسيا لوفاة الشباب بين الفئة العمرية 15 و 29 عاما في شتى أرجاء العالم. وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية.
كما أظهرت إحصاءات الحكومة الهندية، التي نشرتها الدولة كجزء من تقرير سنوي عن أرقام الجريمة، أن نحو 133 ألف شخص انتحروا في البلاد عام 2015. وتشير الإحصاءات إلى أن 40 في المئة على الأقل من إجمالي عدد المنتحرين من الهنود تراوحت أعمارهم بين 10 و 30 عاما.
وتقدر دراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية عام 2012 أن معدل الانتحار بين الفئة العمرية بين 15 و 29 عاما تتجاوز 35 لكل 100 ألف شخص، في وقت بلغت المعدلات الوطنية 21 لكل 100 ألف شخص.
وفي البرازيل يحدث الانتحار بين الفئة العمرية 10 إلى 14 عاما، بزيادة تتجاوز 65 في المئة خلال الفترة بين عامي 2000 و 2015.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنويا وإن أكثر من 78 في المئة من حالات الانتحار تحدث في دول منخفضة الدخل و متوسطة الدخل، بيد أن الدول الغنية تتعامل أيضا مع زيادة حالات الانتحار، من بينها حالات تشمل صغار السن.
وسجلت معدلات الانتحار في الولايات المتحدة في محيط المراهقين والمراهقات (15 إلى 19 عاما) زيادة مطردة خلال الفترة من عام 2007 إلى 2015، بحسب تقرير عام 2017، الصادر من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وفي المملكة المتحدة، ينتحر أربعة أشخاص دون سن 35 عاما يوميا في المتوسط.
تكشف البحوث أن أسبابا كثيرة ربما تدفع الشخص إلى الانتحار، وفي الدول ذات الدخول المرتفعة هناك علاقة بين الانتحار والإصابة باعتلالات عقلية، غير أن ضغوط الحياة مثل الاضطرابات المالية والعلاقات العاطفية والأمراض فضلا عن المشكلات الثقافية مثل التعرض لمواقف تمييزية قد تلعب دورا كبيرا في الانتحار.
وفي كوريا الجنوبية، يلعب أيضا النظام التعليمي التنافسي جزءا في حدوث الانتحار في البلاد، مع تسجيل أعلى معدلات بين الدول الأكثر تقدما (32 لكل 100 ألف شخص)، ويعد هذا المعدل أعلى ثلاث مرات مقارنة بالمتوسط العالمي، ويعد الانتحار سببا رئيسيا للوفاة بين المواطنين في كوريا الجنوبية بين الفئة العمرية 10 إلى 30 عاما.
وتحتل نيوزيلندا مرتبة أعلى معدلات الانتحار بين الفئة العمرية 15 إلى 19 عاما، بواقع 15.6، وهي ضعف النسبة في الولايات المتحدة وخمسة أضعاف النسبة في بريطانيا. بيد أن بعض الخبراء أشاروا إلى مشكلة خاصة تتعلق بالشباب، وهي مشكلة ذات صلة بأسباب بيولوجية أكثر من كونها اجتماعية، وعلى نحو أكثر تحديدا تتعلق بنمو مخ المراهق.
كما لاحظ خبراء الأمراض العصبية بالفعل أن المخ ينمو بطريقة غير متوازنة، وقال العلماء إن هذا التفاوت يستمر حتى سن 25 عاما.
وقال تيموثي وايلينس، طبيب نفسي للأطفال في مستشفى ماساتشوستس العام، في ورقة بحثية نشرتها دورية الأكاديمية الأمريكية لطب النفس للأطفال والمراهقين، إن النمو غير المتماثل للمخ يجعل المراهقين أكثر عرضة للإدمان والمشكلات العقلية، بما في ذلك الإكتئاب، وجميعها عوامل ذات صلة بالانتحار.
والأسوأ من ذلك أن البحوث أظهرت أن معظم الأطفال لديهم القدرة على فهم معنى الانتحار بدءا من سن الثامنة فأكثر.
وتقول إرشادات منظمة الصحة العالمية إن الوقاية من الانتحار تحتاج تنسيقا وتعاونا بين جميع قطاعات المجتمع المتعددة “لأنه لا يوجد نهج واحد يمكن أن يؤثر بمفرده على القضية”.
وتتباين الإجراءات الموصى بها بين جهود غير مباشرة، مثل سياسات الحد من الاستخدام المضر للكحول، إلى التدخل في “مواقع الانتحار” كالجسور ومحطات القطارات، وفي ذات الوقت، لا تملك الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية برنامجا وطنيا لمكافحة الانتحار مع عدم توافر الاستثمارات للتعامل مع قضايا الصحة العقلية.
وتقول المنظمة إن نحو نصف سكان العالم يعيشون في دول يوجد بها طبيب نفسي واحد تقريبا لكل 100 ألف شخص.
المصدر: بي بي سي