عندما وقع تفجير فردان لم يكن في المكان مارة، كان حينها وقت الافطار، اذاً لم يقع ضحايا وكان هذا كافيا ليحمد اللبنانيون في ساعتها ربهم على سلامة ابناء بلدهم ، لكن سرعان ما تحول المشهد الى سريالي مع بدء حملة الاتهامات الواسعة والمتناغمة منذ لحظة التفجير.
واللافت في خضم هذه الحملة ان القوى الأمنية والمولجين عنها والذين زاروا مكان الانفجار منذ اللحظات الاولى وعدوا اللبنانيين بالكشف السريع عن المجرمين ، وهذا كان عشم اللبنانيين المتسمرين على شاشات التلفزة اذ سمعوا من هذا المسؤول وذاك في اثناء النقل المباشر عن الكاميرات المزروعة في تلك المنطقة فاطمأنوا الى ان المجرم سيتم الكشف عنه قريبا.
وفيما كان اللبنانيون يتشوقون لسماع اخبار عن مسار التحقيق والجهة المنفذة تفاجأوا بتسريب عن التحقيقات في وسائل الاعلام تفيد بان الكاميرات المعول عليها للكشف عن الجاني “غير مطابقة للمواصفات”. فما تمت اثارته حول عدم فعالية كاميرات المراقبة في المكان في كشف الخيوط الاولية المتعلقة بالتفجير اثار اسئلة. فهل السبب في تعميم هذا الجو هو الاستمرار في حملة توجيه الاتهامات التي لا تزال مستمرة من قبل عدد من السياسيين الذين اطلقوها بموازاة حملة اعلامية بغيضة؟
وحتى تقنيا اذا كان صحيحا فيعتبر ذلك فضيحة وقصورا امنيا وعدم فعالية في موضوع كاميرات دُفع عليها ملايين الدولارات في بيروت.
من الناحية التقنية كما يقول خبير تقني في هذا المجال لموقع المنار فكاميرات المراقبة يمكن ان تلتقط صوراً بجودة عالية حسب نوعيتها، ويشير هنا الى ان الحديث عن عدم فعالية كاميرات المراقبة من الناحية التقنية يتعلق بعدة امور: مكان استعمال الكاميرا ووضعها، المسافة التي تتواجد فيها الكاميرا عن مكان الحدث المقصود، مواصفات الكاميرا ، اهمال نظافة الكاميرا او صيانتها.
ويلفت الى انه من ناحية الاستفادة في التحقيقات من الكاميرات فيتم ذلك عبر رصد يمتد الى فترة سابقة لرصد التحركات التي تواجدت في المكان، لا سيما حركة السيارات، او حتى حركة الاشخاص ليلا اذا كانت كاميرات متطورة، ورصد حركات مشبوهة وتحليلها .
في شباط 2014 فازت شركة “غوارديا” بمناقصة مشروع تركيب كاميرات المراقبة في شوارع العاصمة بيروت. كانت قيمة العقد 60 ملياراً و565 ألف ليرة وشمل تركيب 1550 كاميرا ثابتة، و200 متحركة، و100 كاميرا مخصصة بالتقاط أرقام السيارات، إضافة لأعمال الصيانة الممتدة 5 سنوات، مع تجهيز غرفتين للتحكم . يتساءل بعض السياسيين اليوم أين هي كاميرات المراقبة التي دفع أبناء بيروت ثمنها خمسين مليون دولار أميركي في كشف الفاعل او الافادة في التحقيقات بشكل فعال إلا إذا كان من استعجل الاتهام يريد التغطية على الفاعل الحقيقي؟
بحسب المعلومات فالكاميرات منتشرة بشكل كثيف في منطقة محيط التفجير فهل كلها هي من نوع رديء ولماذا وضعت اصلا اذا لم تكن فعاليتها كافية في مثل هذه الحالات ، فما ذكر في بعض وسائل الاعلام حول عدم فعالية هذه الكاميرات او بعضها او انها لا تعمل بالشكل المطلوب يثير اسئلة عديدة، اذ ان الكاميرات اذا كانت غير موجودة اصلا فهي مشكلة واذا كان عددها غير كاف فهي مشكلة واذا كانت موجودة ولم تقم بدورها مشكلة اكبر.
الخبير في الشأن الامني د عماد رزق يشير لموقع المنار الى ان “مسالة كاميرات المراقبة في هذا الحدث تنقسم الى 3 اقسام:
-الكاميرات في محيط المنطقة
-الكاميرات التي ركبتها بلدية بيروت والتي كان يفترض ان تعطي نتيجة
-كاميرات المصرف الذي وقع امامه التفجير”.
ويلفت الدكتور رزق الى انه “عندما نقول ان الكاميرات بشكل عام لم تتمكن من الرؤية فهذا يعني وجود تواطؤ، اذ انه على صعيد الاحتمالات ممكن ان تكون شبكة كاميرات بلدية بيروت وشبكة بث المعلومات لم تعمل بعد ، لكن ماذا عن كاميرات المصرف وهو مصرف رئيسي ، كذلك على المستوى الامني نتحدث عن شبكة طويلة عريضة من الكاميرات موجودة في المنطقة وتبين انها قديمة”.
ويشير الى انه “حتى اذا افترضنا ان الصورة ملتقطة في الليل فالاموال التي صرفت على الكاميرات يفترض ان تكون عل اساس انها “high definition- HD”، مع جودة واستشعار في الليل والتقاط صورة اثناء الحركة السريعة، لذلك نتحدث هنا عن فضيحة متعلقة بالوهم ان الامن مستتب او الامن في لبنان امن سياسي”. كما اشار ان “المصرف بعد التفجير قال ان اي من مستنداتي لم تتضرر فهل التفجير كان لاخفاء او سرقة مستندات معينة”؟
واكد رزق ان “هناك من الاطراف من ذهب باتجاه اتهام حزب الله وزيادة الشرخ بينه وبين المستقبل وتوتير الجو الذي كان يتحدث عن حلول، ونتساءل ايضا هل ما حصل تغطية لودائع معينة متورطة بأمور قذرة في المنطقة”؟
اذا تجاوزنا النقاش في الاعلام الذي اثير منذ سنوات حول مبدأ الكاميرات واين تصل معلوماتها وهل هناك جهات استخبارية خارجية تدخل على الخط ، وبين القول ان الكاميرات وجودها هام في ظل الاحداث على الساحة اللبنانية، فالكلفة الكبيرة يفترض انها متعلقة بكاميرات متطورة وبعدد كبير . ألا يفترض ان تلعب الكاميرات دورها في مثل هكذا حدث وهكذا مكان اذا لم تقم بدورها فمتى يكون دورها.
اذاً ينتج عن ذلك امران:
-إما ان الكاميرات كانت قاصرة عن اداء دورها في هكذا حدث وفي منطقة لها اهميتها في العاصمة وهذه فضيحة بحد ذاتها تقنيا وماليا وامنيا.
-وإما ان هناك تعمداً في تجهيل الفاعل .
والى ان يثبت غير ذلك على صعيد الامني وحتى السياسي، تبقى الاسئلة مشروعة خاصة اذا ترافق كل ذلك مع حملة سياسية خطيرة بمجرد وقوع التفجير المشبوه في التوقيت والمكان في ظل موجة “العقوبات المصرفية” .
المصدر: موقع المنار