لن تُثبت الولايات المتحدة و بريطانيا و معهما 21 دولة انصاعت لأوامر حملة طرد الدبلوماسيين تورط روسيا في قضية محاولة إغتيال عميل الإستخبارات البريطانية الروسي سكريبال وابنته. إغتيال عميل منتهية صلاحيته لم يكن محط اهتمام أجهزة الإستخبارات الروسية في الوقت الذي تضع تلك الأجهزة فعلياً عشرات بل مئات عملاء الغرب المهددين للأمن القومي الروسي والفاعلين داخل وخارج روسيا تحت مجهر المتابعة والمراقبة المتواصلة، فالعملية لا تعدو كونها ذريعة للتغطية على مخططات هيمنة قديمة مستحدثة تزداد سخونة عن أي حرب باردة سبقت.
وتفيد مصادر معنية مطلعة أن روسيا كانت على أهبة الإستعداد لاستيعاب هذه الهجمة المتوقعة الغير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، ففصول المواجهة تجري على جبهات متعددة أُفشِلَت فيها مخططات ويجري العمل على إفشال مخططات أخرى.
وتشير المصادر إلى تاريخ برنامج أميركي تعود فصوله لحقبة إحتلال العراق تحت ذريعة القضاء على أسلحة كيميائية بحوزته، يومها تبخرت تلك الأسلحة الكيميائية ولم يُعثر عليها ومؤخراً ظهرت بصماتها لدى التنظيمات الإرهابية في سوريا- داعش، النصرة و مجموعات مسلحة تُحتَسَب على معارضة مسلحة مُنِحَت شرعية دولية لإدخالها في المسار السياسي. مؤخراً روسيا أَفشَلت مخطط استخدام مسرحي لأسلحة كيميائية في الغوطة الشرقية، سيناريو حضرته مجموعات مسلحة و منظمة الخُوَذ البيضاء ، و بِفَضحِ هذا المخطط تلقت أجهزة الإستخبارات الأميركية والغربية المرابطة في سوريا و تحديداً في منطقة الغوطة صفعة أحبطت مشروعها وسمحت بتنفيذ عملية إستكمال تحرير ريف دمشق و إبعاد الخطر عن العاصمة السورية.
وفريق تشيني، بولتون، بومبيو فريق الحرب الذي اختاره الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو نفسه صاحب نظرية أسلحة العراق الكيميائية بات اليوم أكثر هيمنةً على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تُدار أساساً من واشنطن. هذه المنظمة أغمضت عينيها عن مواد و قدرات و تقنيات تصنيع الأسلحة الكيميائية بحوزة التنظيمات الإرهابية في سوريا ورفعت صوتها في قضية عميل الإستخبارات البريطانية الروسي الأصل سكريبال والذي هو أساساً خارج دائرة إهتمام موسكو.
فكيف لـ 23 دولة أن تتخذ قراراً موحدا بالتضامن لطرد دبلوماسيين روس قبل انتهاء تحاليل خبراء تلك المنظمة العميلة لواشنطن؟
معظم الدول الأوروبية تعرضت للإبتزاز الأميركي البريطاني. بعض هذه الدول تملص من الأوامر والبعض الآخر أظهر عدم استعداده للإنضمام لجوقة طرد الدبلوماسيين الروس ودول أخرى قامت بطرد دبلوماسي أو إثنين شكلياً لتجنب الضغوطات. فبريطانيا الخارجة من الإتحاد الأوروبي تثبت ولاءها لواشنطن من خلال عملية هيمنة على دول أوروبية مدخلة إياها في أزمة مفتعلة مع روسيا لمنع تغريدها خارج السرب الأميركي. و في 27 آذار (اليوم) صرح مدير تلك المنظمة بأن فحص المادة السامة المستخدمة ضد سكريبال سينتهي بعد أسبوعين أو ثلاثة و ستطلع المنظمة روسيا على نتائجه بعد إطلاع بريطانيا عليها، وربما سيدلي بتصريحات إضافية تمدد عمل الخبراء في فحص المادة المستخدمة إذا وردته تعليمات بريطانية أميركية بهذا الشأن ليعطي المجال لواشنطن وحلفها للإستفادة من عامل الوقت المستخدم لممارسة المزيد من الضغوطات على موسكو.
وبما أن الولايات المتحدة هي من سهلت حصول داعش، النصرة و غيرها على مواد سامة و تقنياتها، فمن غير المستبعد أن تكون أجهزة إستخباراتها بتعاون مع نظيراتها البريطانية قد زودت سكريبال بالمادة السامة التي يدعون العثور عليها و سمموه بها، كما أن التوصيف الدقيق للمادة المذكورة يشير إلى إمتلاك بريطانيا لها، فكيف تدعي أن الجرعة التي تم تسميم العميل بواسطتها هي من صُنع روسي؟
روسيا اختارت المحافظة على إنجازاتها الجيوسياسية والميدانية الإستراتيجية في سوريا بالتعاون والترابط مع محور المقاومة والصين والتوجه نحو التكامل الإقتصادي ضمن هيكليات شانغهاي و بريكس و فتح آفاق التطور الإقتصادي شرقاً بدلاً من الإنصياع للإبتزاز الأميركي مهما عَلَت وتيرة تهديد تحالف الحرب الذي تديره واشنطن. فالرد الروسي المتناسب على الوقاحة الأميركية البريطانية على قاعدة المعاملة بالمثل آتٍ و سيزيد من عزلة واشنطن و محورها و يُظهِر المزيد من التناقضات ضمن مكونات حلف الناتو.
المصدر: موقع المنار