لعل موقف وزير الحرب الصهيوني افيغدور ليبرمان التهديدي للبنان وسيادته وموارده الطبيعية على خلفية موضوع بلوك 9 النفطي في المياه الاقليمية اللبنانية، جاء ليذكّر الكثير من اللبنانيين ان هناك عدوا لم ينته خطره وان تهديده المتربص بلبنان واطماعه بهذا البلد هي التي يجب ان تبقى في صدارة الحسبان في كل المراحل والظروف، وان هذا العدو – بطبيعته ومساعيه – هو المضاد للوحدة الوطنية والمستفيد حتما من اي تمزق وطني يضعف الكيان اللبناني.
مع اقتراب توقيع عقود استكشاف وإنتاج النفط والغاز في المنطقتين 4 و9 من المياه اللبنانية، المفترض ان تتم في 9 شباط الحالي، اتى ادعاء ليبرمان ان البلوك 9 لاسرائيل (اي ضمن مياه فلسطين المحتلة) وليس للبنان، وهو حث الشركات العالمية على عدم تقديم عروضها وقال “عندما يطرحون عطاء يخص حقلا للغاز يشمل الامتياز 9 الذي هو ملك لنا بكل المقاييس فإن هذا يمثل تحديا سافرا وسلوكا استفزازيا هنا، والشركات التي تقدم عروضا في المناقصة هي في رأيي ترتكب خطأ فادحا لأن هذا يخالف جميع القواعد والبروتوكولات في حالات مثل هذه”.
كلام ليبرمان واضح وصريح هذه المرة، ولكن الضغوطات والتهديدات الصهيونية بهذا الملف ليست جديدة، وعملت اسرائيل مع واشنطن اكثر من مرة على مسالة الضغط على لبنان في موضوع الحدود البحرية، ومثال على ذلك ما ذكره في اذار 2017 موقع “غلوبس” الإسرائيلي أنَّ إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة والأمم المتحدة الضغط على لبنان لإدخال تعديل على مناقصة التنقيب عن الغاز والنفط في خمسة من البلوكات البحرية بحجة وجود ثلاثة من هذه البلوكات بمحاذاة “حدودها البحرية” وكونها متداخلة مع منطقة بحرية هي موضع نزاع مع لبنان تقدر مساحتها بـ 800 كلم مربّع.
لكن المفارقة ان من النتائج الجيدة لتصريحات وتهديدات ليبرمان حول البلوك 9 بروز توحد سياسي امس بوجه التهديدات رغم المرور بمرحلة من التوتر السياسي عالي المستوى الذي وصلت مفاعيله الى الشارع. الرئيس ميشال عون اكد امس ان كلام ليبرمان عن البلوك رقم 9 تهديد للبنان ولحقّه في ممارسة سيادته على مياهه الإقليمية. واكد اليوم ان لبنان تحرك لمواجهة هذه الادعاءات الاسرائيلية بالطرق الدبلوماسية مع تأكيد حقه في الدفاع عن سيادته وسلامة اراضيه بكل السبل المتاحة..
رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حذّر من ان زيارة رئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو الى روسيا هي اكثر من خطيرة مما يتطلب من جميع اللبنانيين التنبه والتوحد، نبه من تصريح وزير حرب العدو عن ان البلوك رقم 9 ليس للبنان ومع ذلك يعمل على تلزيمه. رئيس الحكومة سعد الحريري اكد ان ادعاء ليبرمان حول البلوك 9 باطل وتهديد للأمن الإقليمي.
وزير الخارجية ذكّر برسالته التي بعثها سابقا الى الامم المتحدة عن “حق الدفاع للجمهورية اللبنانية بكل الوسائل المتاحة عن نفسها وعن مصالحها الاقتصادية المحقة والموثقة في حال اي اعتداء عليها، والقيام بأي رد ممكن مماثل”.
هذا التوحد والتأكيد على السيادة الوطنية هو ما يزعج “اسرائيل” ويقف بوجه تنفيذ اي من اطماعها الى جانب وجود مقاومة رادعة يحسب لها العدو الف حساب في حال فكر بالتطاول على سيادة لبنان وتحركت نزعة اطماعه بأرض لبنان وموارده مجددا، وهو الذي يحتل فلسطين أساسا ويعتبر مياهها الاقليمية ملكه بل يتطاول خارج الحدود الفلسطينية.
وقد جاء موقف المقاومة عبر بيان حزب الله صريحا وواضحا مؤكدا وقوفه الى جانب ما صدر من تصريحات من الرؤساء الثلاثة بوجه ليبرمان، ليضيف “نجدد تأكيدنا على موقفنا الثابت والصريح في التصدي الحازم لأي اعتداء على حقوقنا النفطية والغازية والدفاع عن منشآت لبنان وحماية ثرواته”.
لم يكن الامر الجيد الوحيد، التوحد بوجه التهديد الاسرائيلي المستجد فحسب، بل ايضا التاكيد على الحق في ردع التهديد وبمواجهته بكل الوسائل المتاحة، وطبعا من هذه الوسائل قوة يمتلكها لبنان هي قوة المقاومة، ومعادلة جيش وشعب ومقاومة وهي معادلة لولاها لكان الوضع مختلفا في لبنان بوجه التهديدات الصهيونية والتكفيرية.
لبنان يعود مجددا الى دائرة التهديدات الصهيونية وهذه المرة بشكل صريح في ملف سيادي كبير، رغم ان الساسة اللبنانيين تاخروا كثيرا في مسارات هذا الملف الذي شهد منذ العام 2013 مدا وجزرا رغم انه مورد ضخم يحتاجه لبنان كثيرا وهو الغارق في المديونية والهدر الى ان اقترب عمليا من ان يكون بلدا نفطيا.. المرحلة التي وصل اليها الملف والتحديات والتهديدات والظروف الاقتصادية كلها تعني ان لبنان بحاجة الى ان يحسن ادارة هذا الملف واستغلال كل موارده بالشكل المثالي، وان يحسن الدفاع عن موارده ويحرص على مكامن قوته وعلى الوحدة الوطنية التي هي من أهم الموارد لقوة الوطن الذي يتربص به كثيرون لإضعافه وتحريك الفتن.
المصدر: موقع المنار