طرح مركز الأبحاث في “فيسبوك”، بإدارة ديفيد غنسبيرغ، بياناً صحافياً، في 15 كانون الأول عام 2017، وأثار أسئلة هامة حول استهلاك المعلومات على شبكات التواصل الاجتماعي، وتضمّن جملة من الأسئلة النقدية موجهة إلى “وادي السيليكون”، في محاولة للبحث عن أجوبة عليها من طرف مجموعة البحث التي تضم الخبيرة النفسية-الاجتماعية، موارا بورك، التي ساهمت في صياغة البيان.
أحد الأسئلة يتعلق بانفصال الرباط الاجتماعي بين الافتراضي والحقيقي، وهو ما تشتغل عليه وتعمل على تطويره مجموعة البحث في “فيسبوك”، في صورة مركز الأبحاث.
وتقول الفرضية “نحن معاً ووحيدون”، لأننا متصلون بأجهزتنا التي تربطنا ببعضنا البعض، ويتعلق الأمر بالنسبة لشبكات التواصل الاجتماعي بتجاوز مستوى الاستثمار في البحث في السيكولوجية والسيكولوجية الاجتماعية، من أجل اكتشاف رهانات الواقع المرتبط، بشكل خاص، بالقضايا التي يدرسها “فيسبوك”، مثل فرضية العلاقة بين اكتئاب الشباب واستخدام تكنولوجيات جديدة.
ويتحدث البيان، أيضاً، عن أهمية أخذ الجوانب الإيجابية لهذا الاستخدام للتكنولوجيات الجديدة بعين الاعتبار، خاصة في العمومي وبصفة انفرادية، ما يتيح التفاعل في مواجهة العزلة التي يصادفها المرء في المجالات العمومية.
المهم في الأمر هو الاستنتاج أولاً بأنه يوجد إسهامٌ متناقض، وجدانياً، في المجتمع عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي: الإيجابي يتمثل في زيادة التفاعل النشيط بين الأشخاص، بينما السلبي يتمثل في الاستهلاك السلبي لمحتويات المعلومات الاجتماعية. المقترَح الذي يقدمه البيان كجواب على رهان وسائل الإعلام الجديدة هو التركيز، بشكل خاص، على كيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، بدل البحث عن طبيعة ذاتية ومُوَجَّهَة لشبكة التواصل الاجتماعي.
والأمر الثاني هو أن نكوّن عبر التقنية التي نستخدمها محيطاً اجتماعياً افتراضياً، يستطيع أن يكون، في آن واحد، داعماً (مثل شبكة أصدقاء) وعبئاً ثقيلاً من دون قيمة (عبر استهلاك سلبي للمعلومة الاجتماعية من دون اهتمام كبير من المرء بتقدم شخصيته الخاصة).
موقف “فيسبوك”، كما يوضحه مارك زوكربيرغ، هو التالي: “تشجيع الناس على خلق تفاعلات مليئة بالمعنى”. ولهذا السبب ركّز الباحثون في مركز الأبحاث حول “فيسبوك” جهودهم على بعض خصائص شبكة التواصل الاجتماعي، ومن بينها ميزة مصادر الأخبار (أو حزمة الأخبار)، عن طريق سحب المقالات التي تتضمن عناوين جذّابة ولاصقة، وأيضاً التضليل الإعلامي.
وقد انتشر، أخيراً، سجالٌ حول محتوى بالغ الحدة على شبكات التواصل الاجتماعي، ويتعلق الأمر بفيديو يوتيوب للشخص بالغ التأثير، لوغان بول، الذي قام بزيارة غابة الانتحارات الشهيرة، قرب جبل فوجي في اليابان، ثم اكتشف جثة شخص أقدم على الانتحار.
هذا الفيديو تسبّب في إثارة جدال داخل مجموعة “يوتيوب” لأسباب عديدة: فمن جهة، تم اختيار الفيديو من قبل “يوتيوب” حتى وصل إلى المرتبة العاشرة في قطاع التداول على الرغم من محتواه المُبالِغ في عدم احترام شخص المُنتَحِر، ومن جهة ثانية، فإن ردود فعل مجموعة الفنانين الذين كانوا وراء الاكتشاف أبانت عن ذوق رديء وبالغ السوء. فهؤلاء الأخيرون اختاروا الاقتراب والتصوير ثم كتابة كلمات غير متناسبة مع الحالة التي كانوا يوجدون حيالها (الانتحار).
مدون “يوتيوب”، لوغان بول، هو من اختار سحب الفيديو من المنصة، ولم يتلقَّ أي رد فعل من منصة “يوتيوب”، فيما يبدو، والتي وصل بها الأمر إلى ترقية الفيديو في قطاع التداول.
وهذا المثال يطرح أسئلة حول موضوع الحدّ من المحتويات الحساسة، وأين يُرسَم الخطّ حول شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديدة من أجل حماية الأجيال الجديدة التي تعتبر المستهلك الرئيسي للترفيه على المنصات الجديدة.
إن إشكالية الاعتدال في المحتوى لم يَبْدُ أنها استرعت انتباه بعض الأثرياء على “يوتيوب”، كما أن أسئلة أخرى تمّت إثارتها حول الموضوع، خاصة “كليكبيت”، أي هذا العنوان اللاصق الذي يحث على الضغط على المحتوى، أو “الأخبار الكاذبة”، والتضليل الإعلامي.
وكما تفسر عائلة “إيه بي” الفعالة على “يوتيوب”، رداً على فيديو لوغان بول، بعد الجدال الذي أثارته غابة الانتحار، أن “مشاهدتك هي صوتك”، حول هذه المنصات الجديدة، ويتعلق الأمر باتخاذ خيارات واعية حول من يستحق أن يحظى بمشاهدات كبيرة جداً على منصة “يوتيوب”.
المصدر: العربي الجديد