يعود الأمر الى أيار/مايو من العام 2014 عندما خرجت قضية مصادرة البذور الزراعية من العالم الى العلن بشكل واضح، وتحديدا من فرنسا، لـتكر بعدها السبحة وتتوالى الفضائح في الشرق والغرب، عن محاولات شركات غربية وضع يدها على بذور العالم، والدخول بحرب ضد الانسانية جمعاء، بهدف اخضاع الشعوب وتحقيق ارباح مادية هائلة.
قليلون في العالم هم الذين سمعوا نداء الخبيرة الزراعية والمناضلة الهندية ضد احتكار الحبوب “فاندانا شيفا”، التي اعتبرت ان ان اكثر من مليار شخص حول العالم يناضلون ضد عبودية البذور، “عبودية المزارعين والمجتمع والحكومات التي أصبحت خاضعة لهذه الشركات”. وتُعتبر الهند المختبر الأول لصناعة البذور المعدلة جينيا من قبل الشركات الخمس، وهو الامر الذي ادى خلال السنوات القليلة الماضية الى انتحار أكثر من 200 الف مزارع هندي بعد فشل زراعة القطن في الهند.
فيلم وثائقي انتجته قناة TV5 Monde في العام 2014 تحت عنوان “حرب البذور”، كشف ان خمس شركات عالميّة موزعة على عدّة دول في الغرب تسيطر على أكثر من 50% من البذور المخصصة للزراعة في العالم. وهذه الشركات التي تسيطر على البذور هي “مونسانتو Monsanto و بايونير Pioneer في الولايات المتحدة الامريكية – ليماغران Limagrain في فرنسا – سانجانتان Syngenta في سويسرا – وباير Bayer في المانيا”. هذه الشركات التي لا شكّ انها تمتلك نفوذا كبيرا، ونشاطا خفيا، تمكنت من الزام الدول وخاصة في آسيا وافريقيا من استصدار القوانين التي تكرس احتكار هذه الحبوب.
القضية عادت اليوم الى الواجهة بعد خروج تقارير “فرنسية – هندية” تتحدثت عن امتلاك الشركات الخمس 75% من البذور الزراعية في العالم حاليا، وان البذور التي تباع في اوروبا اليوم تكون مسجلة في “كاتالوغات” خاصة مع اسماءها وسماتها، كما مع اسماء مالكيها. وكشفت هذه التقارير ان هذه الشركات الخمس باتت تملك 6 آلاف نوع من الحبوب، وبالتالي فإن المزارعين باتوا ملزمين بشراء هذه البذور المعدلة جينيا، والغير قابلة للزراعة الا مرّة واحدة، فامكانية اقتطاع جزء من المحصول لاعادة زراعته بات امرا غير ممكن، لان البذور المعدلة من قبل هذه الشركات “عقيمة” ولا تُزرع الا لمرّة واحدة، فالنتيجة هي جعل المزارعين مجبرين على شراء البذور المعدلة جينيا والتابعة لهذه الشركات..
الوثائق “الفرنسية – الهندية” والتي كشفتها جمعيات زراعية تنشط في مجال حماية المزارعين وتوزيع الحبوب، جددت الحديث عن مصرف الحبوب الذي أُنشأ في جزيرة في قلب القطب الشمالي “سفالبارد”، وهو الامر المعروف للكثيرين على انه بنك لحفظ الحبوب في حال تعرضت الارض لكارثة كبيرة، الا ان الامر ليس كذلك. تؤكد التقارير الجديدة ان هذا المصرف بات يضم أكثر من 75% من انواع الحبوب الموجودة في العالم، والتي من المفترض ان تعيش بين 400 و 500 سنة. وكشفت التقارير ان آخر دفعة من الحبوب وصلت الى هذا المصرف – الذي لا تفتح ابوابه الا 4 مرات في السنة – من سوريا في العام 2014 بينما كانت الحرب هناك في اوجها، وهو الامر الذي يحمل الكثير من التساؤلات.
أكدت هذه التقارير الشكوك، فالامر لم يكن صدفة، فبعد ان كشف الوثائقي الفرنسي وجود 19 دولة تمول المستودع الجليدي في القطب، قالت التقارير ان الشركات الخمس المصنعة للبذور تأتي في مقدمة الجهات المانحة لمصرف البذور، وانها لوحدها قادرة على الحصول على البذور واعادة تأهيلها جينيا لتوزيعها في السوق.
هذه الدول والشركات الخمس نفسها، تؤكد الوثائق انها تلعب دورا اساسيا في تدمير التنوع البيئي في العالم، وخاصة في المناطق الزراعية في افريقيا وآسيا، بغية السيطرة عليها، وتحقيق مزيد من النفوذ والارباح، وهذا الامر يحصل بقوّة اليوم في الشرق الاوسط وافريقيا الوسطى وبعض مناطق شرق آسيا.
من الهند وفرنسا بشكل خاص تخرج الاصوات المناهضة لهذه الشركات الاحتكارية والتي تسعى الى احتكار السوق الزراعية العالمية، وبالتالي حرب على الانسانية من خلال الغذاء. جمعيات قليلة تتقدمهم “كوكوبيلي” ترفع صوتها بوجه المحتكرين وتوزع البذور على المزارعين مجانا، الا انها تتعرض لضغوط كبيرة خاصة في الغرب.
حرب مستمرة بأشكال عدّة تخوضها شركات عملاقة محمية من لوبيات كبيرة جدا في الغرب، تسعى الى السيطرة على العالم بشتى السبل، من الحرب والنفط وصولا الى الغذاء، وهذه الحرب تذكرنا بعناوين سابقة اتخذتها الامم المتحدة بحق بعض الدول – بعيدا عن ظروفها حينها – كالنفط مقابل الغذاء، او الامن مقابل الغذاء، وبالتالي فإن العالم خلال الفترة المقبلة سيكون أمنه الغذائي مهدد ومرتهن لشركات احتكارية لا شك انها ستفرض شروطها لانها ستكون حينها ممسكة بورقة الغذاء الاقوى، وتحصل مقابلها على ما تريد.
المصدر: موقع المنار