تناولت الصحف الصادرة اليوم في بيروت نهار الخميس في 28-12-2017 العديد من الملفات المحلية والإقليمية وجاءت افتتاحياتها على الشكل التالي.
الأخبار
«معركة المرسوم» تحتدم: هل تُعطِّل مجلسَ الوزراء؟
تتفاعل قضية منح سنة أقدمية لدورة ضباط 1994 سلباً بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي. وزاد من حدّتها أمس رفض وزير المال توقيع ترقية الضباط المستفيدين من الأقدمية المشكو منها.
تتصاعد «حرب المرسوم» بين بعبدا وعين التينة، ولم تعد مجرّد أزمة عادية. أخطر ما فيها أن عدداً من القوى السياسية باتت تخشى انعكاسها على مجلس الوزراء، وإمكان وصولها إلى تعطيله. وتلفت المصادر إلى أن الرئيس نبيه بري يرى في مرسوم «الأقدمية» إخلالاً في التوازن الذي تُحكَم به البلاد، وأنه لن يتراجع عن موقفه، حتى لو وصل الأمر إلى اعتكاف وزراء حركة أمل عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء.
وتشير المصادر إلى أن اعتكافاً كهذا سيعطّل مجلس الوزراء. فبري مدعوم في موقفه الرافض للمرسوم من قبل حزب الله والنائب وليد جنبلاط الذي يرى في المرسوم انقلاباً على اتفاق الطائف، و«انتقاماً من كل الذين شاركوا في صنع الاتفاق وتطبيقه».
في المقابل، تستبعد مراجع سياسية أن تصل المشكلة إلى حد تعطيل مجلس الوزراء، من دون أن تخفف من خطورة الأزمة. وتعوّل هذه المراجع على سعاة الحل، وأولهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، المستمرين في مبادراتهم، والذين يبحثون عن خيارات جديدة لإحداث اختراق في جدار الأزمة الذي يزداد سماكة.
وفي ما بدا إعلاناً لفشل الوساطات، وإثر تصريح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من بكركي الاثنين الفائت بأن المرسوم قد صدر وبإمكان المعترضين اللجوء إلى القضاء، وبعد أقل من 24 ساعة على كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي حسم رسمياً موقفه المعترض على مرسوم أقدمية لضباط دورة عام 1994 الذي صدر موقّعاً من رئيسي الجمهورية والحكومة من دون أن يحمل توقيع وزير المال علي حسن خليل، ترجم الأخير موقف بري عملياً. فقد رفض خليل أمس توقيع مراسيم ترقيات الجيش من رتبة عقيد إلى رتبة عميد ومن رتبة مقدم إلى رتبة عقيد «لاكتشاف مخالفات بتضمينها أسماء ضباط وردت أسماؤهم في مرسوم الأقدمية لدورة 1994»، وطلب توضيحات من وزارة الدفاع.
مصادر التيار: لا يمكن التراجع عن المرسوم… وقرار خليل ضرب للجيش
حمل هذا الموقف إشارة بالغة الأهمية، لجهة أن ما قاله الرئيس برّي كان بمثابة إعلان فشل للوساطات القائمة. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أن «برّي أكد أمس، في لقاء الأربعاء، وجود الكثير من الأوراق بين يديه، لكنه لا يريد إعلانها، بل يُصر على إحاطتها بالسرية لتأمين تنفيذها». فيما لفتت مصادر عين التينة إلى «أننا مُتمسكون بموقفنا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا»، معتبرة أن «ما فعله وزير المال ليس كيدية سياسية بل خطوة دستورية». ولم تنكر المصادر أن «الخطوة تأتي في سياق الردود التي وضعناها وهي أول الغيث، وكل خطواتنا ستكون بالقانون». وأكدت المصادر أن «أي ترقيات أخرى أو أي مراسيم تحتاج لتوقيع الوزير خليل سيقوم بتوقيعها إن لم تتضمّن أي مخالفات». وأشارت في هذا السياق إلى «تحضير مطالعة قانونية ضد المرسوم، تستند في بعض نقاطها إلى قانون الدفاع، تحديداً المادة 47 منه»، التي تؤكّد أنه «يمكن منح الضابط أقدمية للترقية تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين تقديراً لأعمال باهرة قام بها خلال عمليات حربية أوعمليات حفظ الأمن أو اشتباك مسلح في الداخل». وفي ظل السؤال عن أين يقف «حزب الله» في الاشتباك السياسي الدائر بين حليفيه، وهل يستطيع البقاء على الحياد من دون أن يزعج أحداً منهما، أكدت أن «موقف حزب الله مؤيد لموقفنا وإن لم نرَ حتى الآن أي ترجمة له، ونحن لم نطلب أي شيء منه، والعلاقة معه ليست قائمة على طلبات متبادلة، فهو يدرك ما الذي يجب أن يفعله».
وكان خليل قد لفت أمس إلى أن «لا نقاش بأنّ توقيع وزير المال أساسي على هذا النوع من المراسيم بغض النظر عمّن هو وزير المال»، وأعلن أن «الضعيف يذهب إلى القضاء، يعني أن من لديه حجة دستورية ضعيفة هو من يذهب للقضاء»، مشدداً على أن «التزام الأصول هو الحل». وقال: «واجباتنا تقدير الأثر المالي لأي إجراء تقوم به الدولة على المالية العامة، لم يرسل إليّ مرسوم الأقدمية ولو أحيل لكان النقاش اتخذ منحى آخر فلماذا أقدميات قوى الأمن عُرضت عليّ ووقّعتها في اليوم ذاته الذي وُقّع فيه مرسوم ضباط دورة 1994؟ إن كلّ مراسيم الأقدميات التي صدرت في العهود السابقة من دون توقيع وزير المال باطلة، وما بني على خطأ هو خطأ». وأكد أنه وقّع «مراسيم ترقيات ضباط الجيش العادية من 1 ــ 1 ــ 2018 و1 ــ 7 ــ 2018، وفصل أسماء بقية الضباط المستفيدين من الأقدمية خلافاً للأصول عن الجداول».
في المقابل، أكّدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» أن المرسوم صدر، ولا يمكن التراجع عنه، إلا إذا أبطله مجلس شورى الدولة، إن طعن به أحد الضباط المعترضين. ورأت المصادر أن قرار وزير المالية عدم توقيع الترقيات ضرب لمؤسسة الجيش وتضحياتها، وخاصة بعد الإنجازات التي حققتها المؤسسة، سواء على المستوى الأمني في مجال مكافحة الخلايا الإرهابية، أو على المستوى العسكري في عملية تحرير الجرود.
في هذا الإطار، أشار مستشار رئيس الجمهورية جان عزيز، إلى أنّ ما حصل في مرسوم «دورة ضباط عام 1994» مندرج تماماً تحت الأحكام القانونية، ولا يتعارض مع أي عرف، خاصة مع اتفاق الطائف، ورئيس الجمهورية ميشال عون متمسك بنظام الطائف بشكل حرفي. ولفت، في حديث إلى قناة «أل بي سي آي» إلى أن هناك أكثر من 60 مرسوم ترقية منذ الطائف إلى اليوم لا يحمل توقيع وزير المال، فهل تعتبر هذه المراسيم باطلة؟ وشدد على أن صاحب الحق من يلجأ إلى القضاء، قائلاً: «لا أعتقد أن الرئيس برّي لا يثق بالقضاء، لأنه ابن القضاء وابن قوس العدالة في لبنان».
وقد كان بارزاً أمس أول تصريح رسمي لتيار المستقبل تعليقاً على أزمة المرسوم، على لسان النائب محمد قباني، الذي أكد حرص الرئيس سعد الحريري على أن تبقى العلاقة إيجابية مع رئيس مجلس النواب، وهو ما يعكسه موقف الحريري بأنه لم يدخل في الخلاف الكلامي بين الرئيس وبري، وتريث في نشر مرسوم الأقدمية للضباط موضوع الخلاف، ما يشير إلى أنه يسعى إلى حل لا يغضب بري. ورأى قباني أن موقف الأخير «مفهوم ويتعلق بالصلاحيات في ما خص توقيع وزير المال على المرسوم».
الحسيني: المرسوم لا يُطبّق قبل نشره
رأى رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، أن المشكلة بين عون وبري «تأتي على حساب هيبتهما والحل لا يكون إلا بالعودة إلى الدستور والمادة 54» (تنص المادة 54 على وجوب أن يشترك مع رئيس الجمهورية في التوقيع على المراسيم «رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة. أما مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة». ولفت الحسيني في حديث إلى قناة «أل بي سي آي» إلى أن «كل تغيير في الرتبة يتضمّن تغييراً في الراتب»، ما يعني أن الأقدمية ترتّب أعباءً مالية. واستغرب الحسيني الفكرة التي يجري تداولها بشأن تطبيق المرسوم قبل نشره في الجريدة الرسمية، معتبراً أن استناد قيادة الجيش إلى مرسوم لم يُنشر في الجريدة الرسمية مخالف للقانون. وذكّر بقانون صادر عام 1997 ينظّم أصول نشر المراسيم والقوانين في الجريدة الرسمية.
البناء
المصالحة التركية السعودية تتخطّى أزمة قطر وتنضج في السودان… أين «إسرائيل»؟
تل أبيب تعترف بتحوّل استراتيجي في جبهة الحدود السورية بعد معارك بيت جن
ربط نزاع رئاسي سياسي في ملف الضباط… والوساطات تحتاج التبريد الإعلامي
كتب المحرّر السياسي
خلال أيام قليلة بدت المصالحة السعودية التركية تتسارع من دون ظهور بوادر حلحلة في الأزمة القطرية السعودية، وما ارتبط بها من موقف سعودي من القاعدة التركية في قطر، ما يعني أنّ تطوّراً فوق العادة فرض هذا التجاوز السعودي للملف القطري الضاغط سعودياً لحساب ما هو أهمّ، بحيث تكلّلت زيارة رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم إلى الرياض بالنجاح في ترتيب زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى أنقرة، بعدما بدا في الظاهر أنّ التطوّرات المحيطة بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» وضعت كلاً من السعودية وتركيا على ضفتين متقابلتين، فيما تقود تركيا جبهة إعلامية تحت عنوان المواجهة مع القرار الأميركي، وتقود السعودية جبهة تدعو للتعقل لأنّ لدى الأميركي عزماً على حلّ شامل يقوم على مبدأ الدولتين ولو كانت القدس فيه موضع خلاف، ليظهر حصول تركيا على إدارة جزيرة سواكن السودانية الاستراتيجية على البحر الأحمر، بصورة أثارت الريبة المصرية، كتعبير عن رضا أميركي سعودي على دور تركي يمثل الحصول على الجزيرة دفعة على الحساب لتأديته، في ظلّ ما حصل على جبهة العلاقات السعودية السودانية وأثمر شراكة الجيش السوداني في الحرب على اليمن، وما حدث على الجبهة الأميركية السودانية بدعم سعودي تجسّد برفع العقوبات الأميركية عن السودان.
الاستنجاد لتركيا لكبح الانتفاضة الفلسطينية، من خلال الاحتفاظ بغبار كلامي بوجه «إسرائيل»، ما يتيح منافسة مصر على رعاية الملف الفلسطيني، ومزاحمة إيران على قيادة المواجهة حول القدس، وحدَه يفسّر ما يجري، وفقاً لمصادر واسعة الاطلاع في محور المقاومة، توقفت أمام الكلام التركي التصعيدي بوجه سورية ورئيسها كدلالة على التنكّر للتفاهمات التي توصّل إليها الثلاثي الروسي التركي الإيراني في أستانة، تمهيداً لمؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري،
ومحورها استبعاد ملف الرئاسة السوري من التداول، والسعي لتطبيع العلاقات التركية السورية على هذه القاعدة، وفتح الباب لوساطة روسية إيرانية بين دمشق وأنقرة تقوم على التزام تركي بالسيادة السورية، لجهة تحديد طبيعة الوجود العسكري التركي في سورية، وتوصيفه وجوداً مؤقتاً تحت عباءة دور المراقبين، وفقاً لتفاهمات أستانة.
قالت المصادر إنّ قطع العلاقات بـ «إسرائيل» يشكل مفتاح جدية أيّ دولة تدّعي الاهتمام بمنع تهويد القدس. فالكلام ليس هو ما يضغط على واشنطن وتل أبيب، بل الأفعال، وماذا بيد الدول العربية والإسلامية أن تفعل ما دامت لا تجرؤ على قطع علاقاتها مع «إسرائيل» وإغلاق أبواب سفاراتها من العواصم العربية والإسلامية؟
بالتوازي، كانت القناة الثانية «الإسرائيلية» تتحدّث عن مأزق «إسرائيلي» كبير يواجه تعاظم الانتفاضة الفلسطينية وحجم التواصل بين قادة الفصائل الفلسطينية وإيران وحزب الله، ودرجة الاستعداد التي يملكها محور المقاومة لأيّ مواجهة مقبلة مع «إسرائيل»، بينما كانت الصحف «الإسرائيلية» وفي مقدّمتها «معاريف» تشير إلى مأزق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المهدّد بالسقوط مع انفجار حركة الإضرابات والتحركات المطلبية في ضوء الأزمة الاقتصادية، في ظلّ تصاعد الانتفاضة الفلسطينية، وتضع استنجاد نتنياهو بالحاخامات اليهود لدعم حكومته ومنع سقوطها، من بوابة تحذيره من خطر وصول اليسار للحكم تحت عنوان مطلبي وانعكاسات ذلك على الملفات السياسية، وفي مقدّمتها المواجهة مع الانتفاضة الفلسطينية ومحور المقاومة.
موقع تيك ديبكا التابع للمخابرات «الإسرائيلية» الموساد قال «إنّ إسرائيل فقدت سيطرتها العسكرية في منطقة القنيطرة السورية وإنّ رفض الجيش الإسرائيلي فتح ممرّ لانسحاب المتمرّدين السوريين من موقع بيت جن، أتاح للجيش السوري وحزب الله التمركز على مسافة خمسة كيلومترات فقط من الحدود في الجولان». وأضاف: «إنّ خسارة موقع بيت جن، تعني أنّ إسرائيل فقدت سيطرتها العسكرية على مداخل منطقة القنيطرة، التي تعتبر منطقة استراتيجية شنّ منها الجيش السوري هجوماً على الجولان في حرب سنة 1973». وأشار الموقع الى «أنّ المتمرّدين السوريين في بيت جن، رضخوا للجيش السوري وحزب الله والقوات المحلية، ووقّعوا على مذكرة استسلامهم التي ضمنت تولي الجيش السوري السيطرة الكاملة على كافة المواقع في المنطقة، وعودة الأمور الى ما كانت عليه قبل عام 2011».
لبنانياً، تواصلت أزمة مرسوم الضباط بإرخاء ظلالها على العلاقات الرئاسية، بصيغة ربط نزاع وتفاهم على تبريد إعلامي سيؤدّي للمزيد من التصعيد، وقد قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إنه لن يضيف على ما قاله في هذا الملف، مواصلاً إبداء استغرابه لما يجري، بمقابلة إيجابيته بسلبية غير منتظرة، رغم أنّ الأمر قانوني دستوري ميثاقي صرف لا طابع فئوي ولا طائفي ولا حزبي ولا شخصي يظلله، بينما قالت مصادر متابعة لملف الوساطات إنّ التبريد الإعلامي شرط ضروري للبحث الهادئ عن مخارج واستكشاف مدى وجود خلفيات وحسابات سياسية وراء الخلاف من جهة، والتقدم بمشاريع حلول تقنية للملف تراعي الحساسيات والحسابات الرئاسية وتشتغل على المصلحة العليا للدولة وللرئاستين الأولى والثانية باستعادة مناخ التوافق.
أزمة «المرسوم» تتمدّد وبري يعتصم بالصمت
يبدو أن العام الحالي سيُغلَق على زغلٍ بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي على خلفية أزمة مرسوم ضباط 1994 التي يبدو أنها باقية وتتمدّد ومرشحة للتفاعل أكثر في مطلع العام الجديد، في ظل إصرار الرئاستين على مواقفهما من دستورية وقانونية المرسوم من عدمهما، لكن مخاوف بدأت تبرز عما إذا كانت الأزمة ستنعكس سلباً على عمل المؤسسات لا سيما مجلسي النواب والوزراء أم تبقى في إطارها الطبيعي؟…
وفي وقتٍ قال الرئيس نبيه بري كلامه ومشى أمس الأول، واعتصم بالصمت، نقل النواب عنه بعد لقاء الاربعاء النيابي أنه يكتفي بما قاله بشأن المرسوم، مشيراً الى أن هناك أموراً كثيرة تتعلّق بالموضوع لا يرغب بالحديث عنها اليوم. وقال من جهة أخرى إن الأهم اليوم ما يجري في فلسطين المحتلة، وهذه الانتفاضة المستمرة للشعب الفلسطيني التي تحتاج الى المساندة والدعم الحقيقيين في وجه الاحتلال «الإسرائيلي».
غير أن ما أحجم بري عن قوله استشفّه النواب، حيث أكدوا لـ «البناء» أن «الأزمة تراوح مكانها والاتصالات مستمرة، لكنها لم تصل الى حل بعد وأن كل الحلول المجملة مرفوضة من رئيس المجلس كمنح أقدمية لدورتي ضباط 1995 و 1996»، مشيرين الى أن «كل حل يرضي المؤسسات ويحترم الصلاحيات وعمل المؤسسات مرحّب به»، ورفض بري بحسب الزوار تصوير الأزمة أنها طائفية وأن كلامه موجه الى طائفة معينة، بل هو ينطلق من حرصه على الشراكة في الحكم وعلى اتفاق الطائف الذي هو العقد بين اللبنانيين حتى إشعار آخر وعلى الجميع احترامه والتقيّد بمواده وأحكامه وأعرافه، كما نقل الزوار استغراب بري حسم الرئيس ميشال عون الأمر، وسدّ الأبواب على الوساطات؟ فضلاً عن امتعاضه من توقيت توجيه الرسائل عبر الإعلام وفي صبيحة عيد الميلاد ونقل الملف الى القضاء، ما عُدَ تحدياً في غير مكانه، رغم أن بري سُئِل الأربعاء الماضي وأجاب أنه سيترك الملف في عهدة عون.
ونقل زوار عين التينة عن رئيس المجلس استشهاده بمحاضر جلسة مجلس النواب عام 2014 وقال: «عودوا الى محضر جلسة مجلس النواب في نيسان 2014 عندما اعترض خمسون نائباً على اقتراح قانون ضباط 1994، وكانت هناك مداخلة من 20 صفحة للرئيس فؤاد سنيورة اعتراضاً على اقتراح «الأقدمية».
وقالت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» إن «الأزمة بين الرئيسين عون وبري لن تتعدّى الخلاف القانوني والدستوري والميثاقي كما لن تنعكس على عمل المؤسسات وانطلاق عجلة الدولة والمسار الحكومي في معالجة القضايا الحياتية والاقتصادية والمالية»، ونفت المصادر أن «يكون بري قد وجّه اتهاماً الى عون بمحاولة نسف أو الغاء مواد مكرسة في الطائف»، لكنها اعتبرت أن «تجاوز توقيع وصلاحية وزير المال بداية غير مشجّعة لمخالفة الطائف، وبالتالي ما أراده رئيس المجلس هو التدليل على الخطأ والدعوة الى العودة عنه، وفي ذلك فضيلة».
ولفتت المصادر الى أن «توقيع وزير المال مرسوم ترقية الضباط في الأسلاك العسكرية الذي يوقّع نهاية كل عام، دليل على أن لا كيدية سياسية والخلاف لن يعطّل عمل المؤسسات لا سيما المؤسسة العسكرية التي لها مكانة خاصة عند الرئيس بري».
..ووزير المال يوقِّع
وفي حين أعلن وزير المال علي حسن خليل أمس، أنه «وقع مراسيم ترقيات ضباط الجيش»، لم يوقع مراسيم ترقيات الجيش من عقيد الى عميد ومن مقدم الى عقيد بحسب المعلومات، لاكتشاف مخالفات بتضمينها أسماء ضباط وردت أسماؤهم بمرسوم الاقدمية الموقع من الرئيسين عون وسعد الحريري لدورة 1994 وطلب توضيحات من وزارة الدفاع.
وقال خليل بعد لقائه بري إن «لو عرض المرسوم المتعلق بالضباط لما كانت هناك مشكلة دستورية»، معتبراً «ان ما بني على باطل هو باطل»، ومشيراً الى «ان مراسيم الاقدمية لقوى الامن عرضت عليه وان وزارة المال لا ينحصر دورها بالإنفاق بل أيضاً بتأثير الإنفاق»، ولافتاً الى ان «لا نقاش بأن توقيع وزير المال أساسي على مراسيم أقدميات الضباط بغض النظر عمن هو وزير المال، والالتزام بالأصول هو الحل».
مستشار عون: لا مانع من إعادة النظر بالطائف
وفي حين لم يخرج عن بعبدا أي ردّ حتى الآن، أشار مستشار رئيس الجمهورية جان عزيز في حديث تلفزيوني الى أن ما حصل في مرسوم «دورة ضباط عام 1994» مندرج تماماً تحت الاحكام القانونية، ولا يتعارض مع أي عرف خاصة مع اتفاق الطائف ، ورئيس الجمهورية ميشال عون متمسك بنظام الطائف بشكل حرفي.
ولفت عزيز الى أن «هناك أكثر من 60 مرسوم ترقية منذ الطائف الى اليوم لا يحمل توقيع وزير المال ، فهل تعتبر هذه المراسيم باطلة؟ واليوم تابع الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الدفاع يعقوب الصراف ما قام به أسلافهم من الطائف الى اليوم، اما إن كان المطلوب اعادة النظر بالطائف كعرف او ممارسة يُعاد بحثه من قبل كل اللبنا نيين لإنتاج شراكة جدية في السلطة التنفيذية». وأوضح أنه «لم يطرأ أي جديد اليوم حتى يتم طرح الموضوع الذي ينفذ منذ 24 سنة الى اليوم».
وشدد على أن صاحب الحق من يلجأ الى القضاء، ولا اعتقد أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يثق بالقضاء، لانه ابن القضاء وابن قوس العدالة في لبنان. وأكد أن «موضوع الخلل الطائفي في المؤسسة العسكرية بعد الترقية غير صحيح، وأن التوازن الوطني الذي يقوم عليه الانصهار الكياني داخل المؤسسة العسكرية مضمون، إن كان على مستوى الضباط أو الهيكليات والمواقع في المؤسسة العسكرية».
واذ أشارت معلومات الى تذمر واعتراض داخل صفوف ضباط الجيش من دورات مختلفة حيال المرسوم، أكدت مصادر الـ «أو تي في» أن «لا صحة لتسجيل ضباط من دورتي الـ 95 والـ 96 اعتراضات على منح أقدمية لضباط دورة الـ 94».
انفراج دبلوماسي على خط بيروت الرياض
في غضون ذلك، وبعد تدهور العلاقات السياسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية على خلفية أزمة احتجازها رئيس حكومة لبنان وترجمة ذلك بأزمة تمثيل دبلوماسي بين الدولتين، سجلت يوم أمس انفراجات على خط بيروت الرياض بعد اتصالات قادها رئيس الحكومة مع القيادة السعودية عبر فرنسا، وقد وافقت الرياض رسمياً على تعيين السفير فوزي كبارة سفيراً للبنان، بحسب المعلومات، في المقابل سيحدد لبنان بدوره موعداً لسفير السعودية في بيروت وليد اليعقوبي لتقديم أوراق اعتماده، وأشار وزير الخارجية جبران باسيل في تصريح أن «الموافقة وصلت شفوياً منذ إرسال كتاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى السعودية طالباً اعتماد السفير كبارة لدى الرياض». وتوقعت مصادر دبلوماسية أن «يتم مطلع العام الجديد تحديد موعد لتقديم اليعقوبي أوراق اعتماده الى الرئيس بعد لقاء يجمعه بباسيل الذي سيتسلّم نسخة عنها».
وعلقت مصادر لـ»البناء» على ذلك بأنه نصر دبلوماسي للبنان وأن موافقة الرياض على تعيين السفير اللبناني الجديد لديها بعد رفضه لمدة ثلاثة أشهر جاء نتيجة صمود الموقف اللبناني الرسمي والتعامل بالمثل مع السعودية.
اللواء
بيروت تطوي الأحد عام الأزمات وقلبها على الطائف!
برّي يجنح إلى التهدئة.. وخليل يردّ مرسوم الترقيات.. وبعبدا على موقفها
بعد يوم عاصف بالكلام من العيار الثقيل، بنقاطه الأربع، التي أدت به إلى الترحُّم على الدستور، وتحديد التعازي بساحة المادة «54» رضخ الرئيس نبيه برّي إلى التهدئة مع الرئيس ميشال عون، ونقل عن نواب «لقاء الأربعاء» والذي غاب عنه نواب كتلة «الاصلاح والتغيير» انه «من شأن موضوع مرسوم الضباط يكتفي بما قاله أمس الأوّل»، مشيراً إلى ان «هناك اموراً كثيرة تتعلق بالموضوع، لا يرغب بالحديث عنها اليوم، داعياً إلى إعطاء الأولوية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، في وجه الاحتلال الاسرائيلي».
ومع ذلك لم توفّر قناة الـOTV عين التينة، فردت على النقاط الأربع، بما وصفته وقائع مغايرة سواء في ما يتعلق باقتراح القانون الذي قدمه العماد عون، عندما كان نائباً ورئيساً لتكتل الإصلاح والتغيير، ومضمونه وسقوطه في الهيئة العامة أو احالته إلى اللجان، وهو لم يمر في اللجان بسبب تطيير النصاب وليس بالتصويت على الاقتراح الذي وصف بأنه ينصف الضباط، لا في اللجان ولا في الهيئة العامة التي لم يصلها الا في العام 2014.
وغمزت المحطة من قناة وزير المال علي حسن خليل، الذي غمز بدوره من قناة الفريق العوني، بأنه لو وصل إليه المرسوم، ووقع عليه لسارت الأمور بطريقة أخرى، أي كان قد مرّ وأخذ طريقه إلى التنفيذ. وعلى وقع هذه الأزمة التي سممت «الاجواء الوفاقية» التي سادت في الأشهر الماضية، تودّع بيروت الأحد في احتفال ينظمة المجلس البلدي العام في 31 الجاري، وهو اليوم الأخير من السنة، على غرار ما تفعل عواصم العالم كباريس وروما واثينا ونيويورك وواشنطن وبكين ولندن بناءً على طلب من الرئيس سعد الحريري، الذي ما يزال يصرّ على ان بيروت هي «ست الدنيا».
الترقيات أولى الضحايا.
وبحسب أوساط سياسية مطلعة، فإن معالجات أزمة مرسوم الضباط من «دورة عون» والتي تحوّلت إلى مواجهة مفتوحة ومباشرة بين الرئاستين الأولى والثانية، باتت بحاجة إلى من يفك احجية تصلب كل طرف بوجهة نظره، وعدم استعداده للتراجع عن موقفه خطوة واحدة، خصوصاً بعدما تأكد ما ذهبت إليه «اللواء» أمس من خشية من ان تطاول أزمة المرسوم الملتبس أزمة مراسيم ترقية ضباط الجيش التي تستحق ابتداءً من مطلع العام الجديد، ولا سيما الضباط من رتبة عقيد إلى عميد، وبينهم على وجه التحديد ضباط «دورة عون» الذين منحوا سنة اقديمة.
إذ كشفت معلومات ان وزير المال علي حسن خليل ردّ أمس إلى وزارة الدفاع مراسيم ترقيات ضباط الجيش من رتبة عقيد إلى عميد، ومن رتبة مقدم إلى عقيد، لتضمنها أسماء ضباط وردت اسماؤهم في مرسوم الاقدمية، طالباً توضيحات بهذا الخصوص، معتبراً بأن ضباط دورة عام 1994 لا يمكنهم الاستفادة من الترقية، لأن استفادتهم على الاقدمية تمت خلافاً للأصول، طالباً من الوزارة شطب اسمائهم عن الجداول.
وفيما لم يعرف ردّ فعل وزارة الدفاع حيال خطوة وزير المال، باستثناء معلومات رجحت ان تعمد قيادة الجيش إلى وضع مشروع مرسومين، الأوّل باسماء كل الضباط المرشحين للترقية، والثاني من دون أسماء ضباط «دورة عون»، أوضحت مصادر وزارية مطلعة لـ«اللواء» ان الرئيس عون ليس في وارد العودة عن قراره في ما خص مرسوم منح الاقدمية، وليس في وارد التحايل في موضوع المرسوم، على اعتبار انه لا يُشكّل خرقاً للعرف ولا للطائف ولا للقانون، كما انه لا يحتم أعباء مالية ويحفظ الاقدمية فقط، ولفتت إلى ان الاجراء الذي اتخذه الرئيس عون ليس موجهاً ضد أحد أو نكاية بأحد، وإنما يراد منه إحقاق الحق.
ورأت هذه المصادر ان الرئيس عون اوجد الحل من خلال دعوة المتضرر من المرسوم إلى اللجوء إلى القضاء وتنظيم شكوى إلى مجلس شورى الدولة الذي يمكنه ان يحكم في هذه المسألة، وأكدت في الوقت نفسه ان المرسوم المتعلق بقوى الأمن الداخلي مستقل ويدرسه وزير الداخلية والبلديات.
وفي اعتقاد هذه المصادر ان معالم الملف أصبحت واضحة، وهو ان من حصل على منح اقدمية بموجب المرسوم قد لا يستفيد بمردود مالي، ولكن عندما تتحوّل هذه الاقدمية إلى ترقية فيجب ان تمر المسألة عند ذلك عبر وزارة المال. ومع ان المصادر الوزارية أكدت ان اتصالات الوساطات متوقفة حالياً، الا انها لا تستبعد ان تنطلق مجدداً، وفي لحظة سياسية يجدها المعنيون مناسبة لاحداث خرق في الجدار.
لقاء الأربعاء
اما الرئيس نبيه برّي فقد استكمل أمس هجومه في الاتجاه نفسه، ولكن بطريقة غير مباشرة، وأبلغ نواب الأربعاء الذين التقاهم في عين التينة، بأنه «يكتفي بما قاله في لقائه مع الإعلاميين أمس الأوّل، بما خص مرسوم اقدمية الضباط والخلاف مع رئيس الجمهورية بشأنه»، مشيراً إلى ان هناك اموراً كثيرة تتعلق بالموضوع ولا يرغب في الحديث عنها اليوم (امس)، مشدداً على انه لا يمكن معالجة أي موضوع بقواعد خاطئة.
ودعا برّي النواب للعودة إلى محضر الجلسة النيابية التي عقدت في 1 و2 و3 نيسان من العام 2014، عندما اعترض خمسون نائباً على اقتراح قانون ترقية ضباط دورة 1994 موقعاً من قبل رئيس تكتل التغيير والاصلاح آنذاك النائب ميشال عون، وان الرئيس فؤاد السنيورة تقدّم يومذاك بمداخلة من 20 صفحة فند فيها أسباب اعتراضه على الاقتراح، مقترحا احالته إلى اللجان المشتركة، وما زال هناك.
وأعلن بعض النواب بعد اللقاء انه «يفهم من جو الرئيس بري ان لا حل قريباً لأزمة المرسوم». وقال الوزير خليل للصحافيين: لا نقاش بأنّ توقيع وزير المال اساسي على هذا النوع من المراسيم بغض النظر عمّن هو وزير المال. وأعلن ان «الضعيف يذهب للقضاء يعني ان من لديه حجة دستورية ضعيفة هو من يذهب للقضاء»، مشددا على ان الالتزام بالاصول هو الحل.
وقال:»ان واجباتنا تقدير الاثر المالي لاي اجراء تقوم به الدولة على المالية العامة، لم يرسل اليّ مرسوم الاقدمية ولو احيل لكان النقاش اتخذ منحى آخر فلماذا اقدميات قوى الامن عُرضت عليّ ووقّعتها في نفس اليوم الذي وُقّع فيه مرسوم ضباط دورة 1994؟ ان كلّ مراسيم الاقدميات التي صدرت في العهود السابقة من دون توقيع وزير المال باطلة وما بني على خطأ هو خطأ».
بدوره، قال النائب علي بزي «إن رئيس مجلس النواب ما يزال عند رأيه لجهة الجانب الدستوري والقانوني بالنسبة الى مرسوم الضباط، ومن يحاول تصوير الأمر كأنه ضد المسيحيين فهو مخطئ في العنوان، لأن الرئيس بري لا يتعامل بهذه الطريقة، وربما لو أخذ برأيه لكان هناك أكثر من حل». أضاف: «ما من اشتباك سياسي، ولكن ربما هناك من يقدم نصائح خلافا للدستور والقانون».
وفي السياق نفسه، أكّد المرجع الدستوري الوزير السابق ادمون رزق، ان المراسيم العادية، خلافاً لمراسيم نشر القوانين التي يقترص توقيعها على رئيس الجمهورية والحكومة يجب ان تقترن بتوقيع الوزير أو الوزراء المختصين ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وفقاً للمادة 54 من الدستور. وقال: اذا كانت الاقدمية ترتب أعباء مالية وجب توقيع وزير المالية»، مشدداً على ان المرسوم إذا كان يشمل ضباطاً من القوى الأمنية، فإن وزير الداخلية مختص أيضاً ويجب تالياً ان يوقع المرسوم.
الحريري في ذكرى شطح
وإذا كانت إشارة الرئيس برّي امام نواب الأربعاء إلى اعتراض الرئيس السنيورة على اقتراح اقدمية الضباط، لافتة، بقصد احراج الرئيس سعد الحريري مع انه كان أوعز إلى الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء فؤاد فليفل تجميد نشر المرسوم المتنازع عليه، فإن الرئيس الحريري بقي ملتزماً الصمت حيال هذه الأزمة، لكنه شدّد في خلال مشاركته في احياء الذكرى الرابعة لاستشهاد الوزير محمّد شطح في فندق «الموفنبيك» على ان البلد لا يمكن ان يعيش من دون حوار.
وقال: «نستطيع جميعاً ان نتكبر على بعضنا البعض ونتحدى بعضنا البعض، ونصرخ على بعضنا البعض، ونحارب بعضنا البعض، ولكن في النهاية الوطن هو من سيدفع الثمن». اضاف: «يبقى الحوار الذي رمزه محمّد شطح هو السبيل الوحيد، ومهما كانت خلافاتنا السياسية، فإننا لن نتفق في الكثير من الأمور مع بعض الأطراف السياسية في البلد، خصوصاً في الأمور الإقليمية، وحتى في الأمور الداخلية، ولكن من دون حوار أسألكم أين سيكون البلد؟ ألم نعش أيام انعدام الحوار قبل اتفاق الطائف؟ فإلى أين وصلنا؟ تحاربنا.. ثم جلسنا إلى طاولة الحوار في الطائف وليس في لبنان، لكي نوجد الحل السياسي». وأكد ان الطائف بألف خير لأننا سنكون دائماً المدافعين الأوائل عن هذا الدستور».
وكان الرئيس الحريري أشار للمرة الأولى منذ عودته عن استقالته، إلى الأزمة التي مرّ فيها، حين قال: «في كل سنة من السنوات الأربع كنت أشعر بحجم الفراغ الكبير الذي تركه محمّد شطح، لكني هذه السنة شعرت بغيابه أكثر من أي سنة أخرى، شعرت كم أنا بحاجة لأن يكون إلى جانبي، كم كنت احتاج إلى حكمته وعقله وصلابته لكي يكون إلى جانبي خلال أزمة من أمر الأزمات في حياتي السياسية».
انفراج ديبلوماسي
لبناني – سعودي
في غضون ذلك، طرأ تطوّر إيجابي على صعيد العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية، تمثل بتسلم وزارة الخارجية اللبنانية كتاباً من الخارجية السعودية تبلغها فيه موافقتها على تعيين فوزي كبارة سفيراً معتمداً للبنان في الرياض. وبموجب هذا الكتاب فإنه يفترض بالسفير كبارة المغادرة في غضون شهر إلى المملكة لتسلم مهامه خلفاً للسفير عبدالستار عيسى الذي عين سفيراً في لاهاي. وتوقعت مصادر دبلوماسية ان يُصار في المقابل، في مطلع العام الجديد، تحديد موعد لتقديم سفير المملكة في بيروت وليد اليعقوب أوراق اعتماده إلى الرئيس عون بعد لقاء يجمعه بوزير الخارجية جبران باسيل لتسليم نسخة عنها، وبالتالي تعود العلاقات إلى سابق عهدها من الود والصفاء.
الجمهورية
أزمة مرسوم الأقدميات تتفاقم.. واستعــدادات رئاسية لجولة إشتباك جديدة
يدفع الجيش اللبناني مجدّداً ثمن الخلافات السياسيّة التي وصلت إلى أمور كانت تُعتبر حتى الأمس القريب جوهريّة، في وقتٍ لم تنفع كل المحاولات السابقة لإبقاء المؤسسة العسكريّة خارج دائرة الاشتباك الرئاسي. وفي حين تتمسّك كل من بعبدا وعين التينة بمواقفهما، تُطرَح أسئلة كبيرة عن الطريقة التي يكافَأ بها الجيش، فضبّاطه الذين لم توقَّع ترقياتهم، وهي حقّ مكتسَب لهم، حملوا أرواحَهم على أكفّهم وقاتلوا «داعش» والتنظيمات الإرهابية في جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال، وهؤلاء الضبّاط لم يأبهوا للخطر ولم يتردّدوا يوماً في خوض المعارك لحماية الحدود والداخل، كما أنّ عدداً من رفاقهم ارتقوا إلى مرتبة الشهداء.
واضحٌ أنّ أزمة مرسوم الأقدمية مستعصية، واللافت انعدام التواصل بين بعبدا وعين التينة باستثناء الاتصال اليتيم الذي جرى في عيد الميلاد بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري واقتصَر على مجاملات محدودة، فيما الاتصال لم ينقطع بين عين التينة وبيت الوسط، واشتغل الهاتف اكثر من مرة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل، ونقطة البحث الاساسية كانت تطورات المرسوم. في وقتٍ تجمّدت حركة الاتصالات التي تولّاها بعض الوسطاء في مربّع العجز عن اختراق التصلّب في موقف الرئيسين ورفضهما التراجع.
توقيف الترقيات
واستولدت أزمة مرسوم الأقدمية أزمة جديدة على خط الرئاستين، وعلى الخطوط السياسية الأخرى، تتمثل بتوقيف العمل بمرسوم الترقيات للضبّاط التي يُفترض أن تسري اعتباراً من 1/1/2018، رغم توقيعها من وزير المال.
وقالت مصادر وزارة المال لـ«الجمهورية»: «لا توجد مشكلة على الإطلاق مع الجيش، ولن تكون هناك مشكلة. لقد وقّع وزير المال المرسوم الذي يتضمّن ترقيات للضبّاط من رتبة ملازم وحتى رتبة عقيد، ولكن خلال عملية التدقيق الإداري في الأسماء الواردة في مرسوم الترقيات، تبيّن أنّ هناك 6 أسماء لضبّاط (تردّد أنّهم برتبة مقدّم) واردة أسماؤهم في مرسوم الأقدميات الموقّع من الرئيسين عون والحريري ووزير الدفاع يعقوب الصرّاف، ومن دون توقيع وزير المال، وأدرِجت هذه الأسماء كمستفيدين من الأقدميات بناءً على المرسوم المختلف عليه، فأوقِف المرسوم الى حين سحبِ أسماء الضبّاط الستة منه.
والحال نفسُه بالنسبة الى المرسوم المتعلق بالترقية الى رتبة عميد، حيث تبيَّن في التدقيق الاداري الذي أجريَ في وزارة المال أنّ من بين المرشحين للترقية الى رتبة عميد 9 ضبّاط واردة أسماؤهم في مرسوم منح الأقدميات، لذلك اضطرّ وزير المال الى توقيف المرسوم في انتظار سحبِ اسماءِ هؤلاء الضبّاط من مرسوم الترقيات.
عون يردّ
وفي موازاة ذلك، كان البارز حديث الإعلام القريب من رئيس الجمهورية عن «المغالطات الميثاقية والدستورية والقانونية والإجرائية والواقعية التي تتوالى من قبَل عين التينة في قضية تتناول الجيش اللبناني»، وفنَّد «المغالطات»، كما يلي:
أوّلاً، قيل في عين التينة أنّ العماد عون كان قد تقدَّم باقتراح قانون، لإعطاء ضباط الجيش أقدمياتهم المستحقّة، فيما الحقيقة والوقائع تشير إلى أنّ رئيس تكتّل التغيير والإصلاح كان قد تقدَّم باقتراح قانون لتمديد المهَل القانونية التي تتيح لهؤلاء المراجعة القضائية لتحصيل حقوقهم الضائعة.
ثانياً، قيل في عين التينة أنّ الاقتراح سَقط في الهيئة العامة، فيما الحقيقة والوقائع تؤكد أنّ الاقتراح أحيلَ مِن قبَل رئيس المجلس إلى اللجان، بعد ورود ملاحظات عليه، لجهة إمكان أن يشمل آخرين، لا أن يحرم الضبّاط المعنيّين من حقوقهم.
ثالثاً، قيل في عين التينة أنّ الاقتراح لم يمرّ في اللجان، فيما الحقيقة والوقائع تؤكد أنّ ما حصل هو مجرّد تطيير للنصاب، لا تصويت على اقتراح الإنصاف.
رابعاً، ما لم تقُله عين التينة أنّ الاقتراح قدِّم سنة 2012، ولم يصل إلى الهيئة العامة إلّا سنة 2014 قبل أن ينام في الجوارير خمسة أعوام حتى اليوم، والجارور نفسه أضاف إليه وزير المال حقوقَ ضبّاط الجيش اللبناني كلّهم في الترقية، أي حقّ مئات الضبّاط في استحقاق عرَقهم ودمِهم وتضحياتهم، كلّها اتّسَع لها جارور وزارة المال المنتمية، علماً أنّ بين تلك التضحيات دماءَ عائدةً للشهيد البطل داني حرب، ابن دورة العام 1994 ودماء أخرى عائدة للشهيد البطل نور الدين الجمل، ابن دورة العام 1994 أيضاً، وأن بين الأسماء المطلوب شطبُها عن المرسوم المعرقل اليوم، قادة الأفواج التي حرّرت الجرود وحمت الحدود ودحرَت الوحوش، واستعادت السيادة واستردّت الكرامة، كلّها حشِرت في جارور ضيّق في الوزارة المنتمية. فهل يَسَع جارورٌ ما لم تَسَعهُ صُدورُ شعبٍ كامل في إحساسه بالفخر والنصر؟
بعبدا
وعكسَت دوائر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» أسفَها «لاتّخاذ الأمور هذا المنحى التصعيدي لحرفِ الأنظار عن ضرورة إعادة الحقّ الى أصحابه، وخصوصاً الى مجموعة من الضبّاط الذين حرِموا الأقدمية لأسباب سياسية تتعلّق بما شهدته البلاد في 13 تشرين 1989 وتداعياتها، وليس لأسباب مسلكية أو عسكرية. ونفَت الاتهامات بأنّ المرسوم المتصل بتسوية اوضاع هؤلاء شكّلَ خروجاً على الدستور والمادة 54 منه أو ضرباً للطائف والميثاقية».
وقالت: «هناك مغالطات كبيرة تُرتكب بالعودة الى جلسات مجلس النواب التشريعية العام 2012. فاقتراح القانون الذي تقدَّم به العماد عون يومها كان اقتراحاً شاملاً وواسعاً تناوَل الكثير من القضايا التي وجب تصحيحها أو تعديلها، وإنّ قضية هؤلاء الضباط هي جزء بسيط ممّا شمله الاقتراح في حينه وأحيلَ الى اللجان النيابية التي لم تتناوله مرّة منذ ذلك التاريخ».
وأكّدت «أنّ بعبدا لا تبحث عن مشكلة، وأنّ المرسوم لم يشكّل سابقةً، بل هو نسخة طبق الأصل عن مراسيم عدة حملت تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الدفاع فقط بعد الطائف، ولا سيّما أيام الرئيس الراحل الياس الهراوي ومِن بعده ايام الرئيس العماد إميل لحود.
وكذلك عقب أحداث مخيّم نهر البارد بتوقيع من الرئيس العماد ميشال سليمان وصولاً إلى المراسيم التي وقّعها الرئيس عون ومعه الرئيس الحريري ووزير الدفاع عقبَ عملية «فجر الجرود» حيث تمّت ترقية 300 ضابط من مختلف الأسلحة التي شاركت في العملية، وصولاً إلى المرسوم الخاص بإعطاء العميد الركن سعدالله محي الدين الحمد أقدمية اربعة أشهر لتعيينه أميناً عاماً للمجلس الأعلى للدفاع بعد ترقيته الى رتبة لواء ركن.
وحول الاستنسابية في توقيع وزير المال مرسومَ الترقيات العادية السنوية لفَتت هذه الدوائر»الى أنّ استثناء 3 أو 4 ضبّاط من الترقية كما أراد وزير المال امرٌ غير مقبول بحجّة انّها مخالفة للدستور والقانون لكونِهم من ضبّاط دورة العام 94، علماً انّ هذه الترقية من رتبة مقدّم الى عقيد ومنه الى عميد هي استنسابية، وإذا استحقّ أحدهم هذه الترقية باقتراح من قيادة الجيش فيكون ذلك عن جدارة».
وحولَ الاتّهام بأنّ وراء المرسوم خلفيات مذهبية لكونهم أكثرية مسيحية، ذكّرَت الدوائر المعترضين بأنّ الرئيس عون وقّع قبل مدة مرسوماً منح بموجبه الترقية لمجموعة من ضبّاط الصف ضمّت 63 مسلِماً و16 مسيحياً، وهو أمرٌ ينفي هذه التهمة المذهبية».
خليل
وقرّر بري الاكتفاء بما قاله قبل يومين، مع إلقاء كرةِ المعالجة والتراجع «عن هذا الخطأ» في ملعب عون، فيما رسَم وزير المال صورةً غامضة حول مستقبل هذه الأزمة التي لا ينفي صعوبتها وأنّها ما زالت تُراوح في مربّع الخلاف حولها، وقال لـ«الجمهورية»: «لسنا مَن تسبَّب بهذه المشكلة، هناك تجاوُز فاضِح، ومخالفة موصوفة لا نستطيع السكوتَ عليها أو أن نسمح بتمريرها، والمطلوب تصحيحُها من دون أيّ إبطاء، ولا يمكن القبول بتكريس هذه المخالفة وجعلِها سابقة، والاستناد الى خطأ لارتكاب خطأ أكبر».
وقالت مصادر معنيّة بمرسوم الأقدميات لـ«الجمهورية»: «ما أشار إليه بري قبل يومين حول تجاوزِ توقيع وزير الداخلية على مرسوم الأقدميات رغم وجود ضبّاط من قوى الأمن الداخلي ضمن «دورة عون» التي وضِع المرسوم لأجلها، حرّكَ اتصالات بين الوزراء المعنيين بهذا الأمر». وكشَفت «عن محاولة لإضافة توقيع وزير الداخلية على المرسوم»، إلّا انّها لم تشِر الى نجاح هذه المحاولة ولا إلى الطرف السياسي الذي سعى الى ذلك.
لا حلول وسطى
وقالت مصادر مواكبة للاشتباك بين الرئاستين لـ«الجمهورية»: «ما هو سائد بين بعبدا وعين التينة يبدو عميقاً جداً، ولعلّها الأزمة الأكثر عمقاً وصعوبة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي منذ الافتراق الذي جرى بينهما حول الانتخابات الرئاسية ووقوف بري في موقع المعارض لانتخاب عون رئيساً للجمهورية». وأشارت المصادر «إلى عدم توفّرِ أيّ صيغة لحلول وسطى حول مرسوم الأقدميات يمكن ان ترضيَ الرئيسين معاً، لأنّ الحالة الراهنة هي إمّا أبيض وأمّا أسود، أي إمّا وجود أو سرَيان مرسوم الاقدميات وهنا يقف رئيس الجمهورية، وإمّا إلغاء هذا المرسوم لتجاوزِه توقيعَ وزير المال ولِما يعتريه من خلل ميثاقي وفي التوازن وهنا يقف رئيس المجلس».
ولاحظت المصادر «أنّ الأجواء المشحونة آخذةٌ في التفاقم أكثر لدى طرفَي الاشتباك الرئاسي، وما يقال في المجالس الرئاسية من مآخذ واتّهامات ينذِر باستعدادات لجولات جديدة من الاشتباك على حلبة مرسومِ الاقدميات تضاف اليها حلبة مرسوم الترقيات». إلّا أنّ المصادر تحدّثت «عن اتصالات غير معلنة يقوم بها «حزب الله» مع حليفيه، إلّا أنّها ليست بالمستوى المطلوب امام أزمةٍ عميقة الى هذا الحد». هذا مع الإشارة الى أنّ مصادر قريبة من الحزب أكّدت «أنّ قراراً حزبياً داخلياً تمّ تعميمه بعدمِ مقاربة مرسوم الاقدميات لا من قريب أو بعيد في الاعلام، إلّا أنّ موقفه من هذه المسألة الى جانب موقف بري.
الحريري
وعلى رغم احتدام المشكلة على خط الرئاستين الأولى والثانية، ظلّ الحريري معتصماً بالصمت، متريثاً في نشرِ مرسوم الأقدميات في الجريدة الرسمية، مبدياً، كما أكّد قريبون منه لـ«الجمهورية»، الحرصَ على بقاء التواصل قائماً بينه وبين رئيس المجلس». وكان لافتاً ما قاله الحريري، في كلمةٍ ألقاها خلال إحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد الوزير محمد شطح، ولا سيّما لجهة إشارته للمرّة الأولى إلى ما جرى معه في السعودية، وحديثِه عن «أزمة من أمرِّ الأزمات في حياته السياسية»، وكذلك لجهة تأكيدِه على الحوار وتطمينِه بأنّ الطائف بألف خير، وهو كلام يأتي غداة كلام بري وحديثِه عن مسِّ مرسوم الأقدميات بالطائف.
المصدر: صحف