خرجت تظاهرات غاضبة لليوم الثاني على التوالي في كردستان العراق احتجاجا على الازمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب الاقليم، وأحرق خلالها مقار لاغلب الاحزاب الرئيسية على يد متظاهرين طالبوا كذلك باقالة حكومة الاقليم.
ويريد المتظاهرون التعبير عن عدم ثقتهم بالاحزاب السياسية التي تهيمن على الاوضاع في كردستان منذ عقود، ويطالبون بحل الحكومة ومحاربة الفساد في هذا الاقليم الذي يعاني من تداعيات الاستفتاء حول الاستقلال الذي نظم في ايلول/سبتمبر الماضي.
وفي مدينة السليمانية، قامت قوات الامن التي فرضت اجراءات امنية مشددة الثلاثاء باطلاق النار في الهواء لدى تجمع المتظاهرين في ساحة السراي وسط المدينة. وقال نزار محمد احد منظمي التظاهرات في السليمانية لفرانس برس “صباح اليوم تجمع متظاهرون وسط السليمانية. لكن قوات الامن وصلت وقامت بمحاصرتهم وفرقتهم”، مشيرا الى ان قوات الامن فرضت اجراءات امنية مشددة في موقع التظاهرة والشوارع الرئيسية وقرب مقار الاحزاب الرئيسية.
في غضون ذلك. خرجت تظاهرات مماثلة في بلدات رانيا وكفري وحلبجة، جميعها تقع في محافظة السليمانية واخرى في كويسنجق حيث قام متظاهرون باضرام النار في مقر قائممقامية ومقرات الاحزاب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني (الذي اسسه جلال طالباني) والاتحاد الاسلامي.
كما خرج مئات المتظاهرين في بلدة كفري الواقعة في محافظة السليمانية، وسيطروا على مقر الحزب الديموقراطي الكردستاني بعد مهاجمته بالحجارة فيما اكتفت قوات الامن باطلاق عيارات نارية في الهواء وفقا لشهود عيان.
لا تستيطعون
قال احد المتظاهرين وهو شاب جامعي في كفري مخاطبا حكومة الاقليم “لم تستطيعوا الدفاع عن المناطق المتنازع عليها (واليوم) لا تستطيعون ادارة النصف الباقي” في اشارة الى مدينة كركوك الغنية بالنفط التي استعادت الحكومة الاتحادية السيطرة عليها مع مناطق اخرى. وفي حلبجة، توجه مئات المتظاهرين الى مقر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني واشتبكوا بالايدي مع قوات الامن.
وتاتي هذه التظاهرات غداة اضرام متظاهرين النار في مقار احزاب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الاسلامي و الجماعة الاسلامية في بلدة بيرة مكرون الواقعة على بعد 30 كيلومترا شمال غرب مدينة السليمانية.
وقال المحلل السياسي عصام الفيلي ان “هذه التظاهرات تستهدف جميع السياسيين لان الناس يشعرون انهم يعيشون تحت ظلم السياسيين”. وأضاف الفيلي وهو استاذ علوم سياسية في الجامعة المستنصرية، ان “هذه المرة الاولى لخروج تظاهرات ضد شخصيات ورموز كردية واعتقد ان كردستان مقبلة على تغيير جذري” وذلك “لعدم وجود طبقة سياسية قادرة على ادارة الملف السياسي ولا معالجة مشاكل الموطن”. وتصاعدت حدة التظاهرات المعارضة في الاقليم على وقع الازمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها سكانه جراء تمسك رئيس الاقليم مسعود بارزاني باجراء استفتاء في 25 ايلول/سبتمبر بهدف الاستقلال عن باقي العراق.
ودفع ذلك الحكومة المركزية الى معاقبة الاقليم في خطوات بينها تحريك قواتها واستعادة السيطرة على اغلب المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل، بما في ذلك محافظة كركوك الغنية بالنفط الامر الذي ادى الى انخفاض عادات نفط اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي. كما اغلقت الحكومة المركزية المجال الجوي الخارجي للاقليم واغلقت مطاراته امام الرحلات الخارجية، ودفعت هذه الاجراءات بعدد كبير من الشركات المحلية والاجنبية الى غلق ابوابها.
رواتب مستقطعة
وأكد عدد كبير من سكان مدينة اربيل عاصمة الاقليم لفرانس برس ان حكومة الاقليم تستقطع الرواتب، وحتى اسعار نفط التدفئة مع قدوم فصل الشتاء ارتفعت الى 150 دولار للبرميل (200 لتر) وهو ما يعادل ضعف ما كان عليه قبل عامين. ولا تصل الكهرباء الا بمعدل أربع ساعات في اليوم و الناس لا تتمكن دفع تكاليف الحصول عليها من المولدات الاهلية. ويرى الفيلي ان “من واجب الحكومة (المركزية) انهاء الازمة لان اي انهيار سيؤثر على استقرار البلاد”. وقال عصام الفيلي “من واجب حكومة بغداد وضع حد للازمة لان انهيار الحكم الذاتي سيؤدي الى فراغ سياسي سيؤثر على استقرار البلاد”.
لكن يبدو ان ذلك لا يتماشى مع توجهات الحكومة الاتحادية التي تسعى لخفض ميزانية اقليم كردستان من 17 الى 12.6 بالمئة من ميزانية البلاد الكلية. وقال سعد الحديثي المتحدث باسم الحكومة العراقية لفرانس برس ان “هذه هي نتيجة السياسيات الخاطئة لحكومة الاقليم والكتل السياسية الحاكمة في الاقليم”، وأضاف ان “الرغبة في اتخاذ قرار منفرد بعيدا عن بغداد وتصدير النفط بشكل منفرد بدون الاتفاق معنا، والعمل بدون شفافية وعدم السيطرة على النفقات والايرادات هي السبب في عدم قدرة الاقليم على تلبية حاجات المواطنين”، وتابع “ننصح حكومة الاقليم (…) بمعالجة الازمة الاقتصادية بالتعاون مع الحكومة الاتحادية”.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية