تناولت الصحف الصادرة في بيروت يوم الخميس في 7-12-2017 العديد من الملفات المحلية والإقليمية، وجاءت افتتاحياتها على الشكل التالي.
الاخبار
إما أميركا… وإما القدس!
ابراهيم الأمين
ما فعله دونالد ترامب، أمس، قد يكون الفرصة الأنسب لتثبيت الموقف من أصل المشروع الاستعماري الاستيطاني الذي يحمل اسم «إسرائيل». أميركا التي عادت فقالت لنا أمس، بفجور وفجاجة، وضد إرادة جزء من حلفائها وشركائها في المشروع الاستعماري، ما تقوله لنا على امتداد الحقبات والعهود، بأنّها مصدر قهرنا وبؤسنا وظلمنا.
أي أننا لن نسترجع شبراً من فلسطين إلا إذا أعلنّا حرباً شاملة عليها، وإذا عملنا على تحويل حياتها إلى جحيم، ورايتها إلى شعار العار، وجيشها إلى وحش متنقل في العالم. أما آنَ أن يعي العرب أن أميركا، باختصار، هي أصل البلاء وأصل الشر؟ أما إسرائيل، فلنتركها جانباً، إذ مهما قيل عن «قوّتها وتفوقها وتحضّرها»، فليست سوى مستعمرة أميركية – بريطانية، لا يمكن أن تعيش يوماً واحداً بلا حماية الغرب، ورعايته، ودعمه الأعمى.
هذا الغرب الاستعماري، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركيّة، هو علّة وجود الكيان الغاصب، وكل ما يبذله من جهود، يمدّد قسراً وجود إسرائيل الاصطناعي، المخالف للحق وللمنطق، ولحركة التاريخ، في انتظار أن تنتهي إلى حتفها الأكيد.
هذا هو الدرس الذي يلقنه اليوم للشعوب العربيّة، مشعل الحرائق المعتوه في البيت الأبيض. بعض الحكام العرب الذين لم يفهموا منذ سبعين عاماً، أن «إسرائيل» هذه، ليست شيئاً من دون حماية الغرب… ولن يكون لها وجود من دون غطاء أميركا ودعمها. «إسرائيل» هذه، لم تعد مصدر الخوف والقلق، بعد تحطّم أسطورتها العسكريّة على صخرة المقاومة الشعبيّة في لبنان وفلسطين… وكل ما يمكن أن تقوم به، وحدها، لا يستطيع أن يبقيها، ولو لساعة واحدة، على قيد الحياة.
اليوم، في اللحظة التي يطلع بيننا، نحن العرب، من يعلن الخضوع الكامل لأميركا، تحت راية «سلام» ليس إلا تبعيّة واستسلاماً… وفي اللحظة التي يقف فيها «العالم الحرّ»، عاجزاً ومكتوف اليدين، أمام جنون الكاوبوي، لم يعد أمامنا سوى أن ننتفض لكرامتنا، أن نذهب إلى معالجة جذر المشكلة لا عوارضها. لم يعد أمامنا من خيار، سوى أن نرفع الشعار والصوت والقبضات والهتاف الواحد: «الموت لأمريكا»! أن نعلن الحرب الشاملة على أميركا ومصالحها في كل مكان.
كان لا بد من هذه الخطوة، وإن كانت متوقّعة من زمن غير قصير، هذه الخطوة العالية الرمزيّة بالنسبة إلى العرب والمسلمين، البالغة الخطورة والفظاعة، التي نعتها الرئيس نبيه برّي بـ «وعد بلفور جديد»… كان لا بدّ منها لنتأكد من أن معركتنا الحقيقية هي مع أميركا قبل إسرائيل. أميركا التي تأسست مثل إسرائيل على المجزرة، وعلى إبادة حضارة كاملة لتبني على أنقاضها «جنّة الحريّة». أميركا التي لم تزدهر يوماً إلا عبر استغلال العالم، والشعوب المستضعفة، وعبر الحروب الاستعماريّة. أميركا التي غطّت وتغطّي على كل جرائم إسرائيل، ومجازرها، وسياساتها العنصريّة والاستيطانيّة… لا يجدي أن نحارب إسرائيل ونتركها. وربما كان بعض العرب يحتاج إلى هذا الدرس الإضافي، بل قل هذه الصدمة، هذا الزلزال، إهداء القدس إلى الغزاة، حتى يعرف أن الرهان على أميركا ضرب من ضروب العبث أو الانتحار أو الخيانة الواعية. اليوم تحديداً، بات على كل العرب أن يختاروا: فإما أميركا وإما القدس!
إنّ من يختار القدس، عليه أن يعلم أن المعركة تتطلب التحالف مع كل من يقف في مواجهة أميركا. وعليه أن يعي، أن تحريض الناس على أميركا، يعني دعوته إلى معارضتها ومقاتلتها والانتفاض عليها بكل الوسائل. ورفض كل ما يأتي منها، حتى ولو كان مغلفاً بأوهام الحل، أو الترياق المنشود.
إنّ من يختار الانتماء إلى القدس والدفاع عنها، عليه العمل من دون توقف، وبكل ما أوتي من قوة، لقتل كل جندي اميركي خارج حدود بلاده، ولاحتلال سفارات أميركا في كل العالم أو إحراقها وتدميرها. لنطرد من بلادنا كل موظف أميركي، دبلوماسي أو سياسي أو خلافه. وكل من يتقاضى راتباً من الحكومة الأميركية. لنواجه ديموقراطيتهم الزائفة، نقطع السبل أمام كل مشاريع مرتزقتهم المنتشرين في بلادنا والعالم، في خدمة أجندات مشبوهة لا تخدم إلا إسرائيل، خلف شعارات مزيّفة عن «حقوق الإنسان والتنمية والتقدم».
إنّ من يختار القدس، عليه أن يختار زمن المقاومة الشاملة، التي تلزمنا بعملية ليست بسيطة، لكنها ممكنة، من أجل التخلي عن كل ما له صلة بهم. ومن يختار القدس، عليه العمل على إشعار الشعب الأميركي بأن مسؤوليته باتت عظيمة، وأنه سيكون من يدفع ثمن سياسات من يختارهم لحكم بلاده.
صحيح أنها عملية شاقة وطويلة، لكنها مسار إلزامي لكل من يريد التخلص من كابوس إسرائيل، ومن خدمها الأذلاء المتربّعين على عروش السلطة في بلادنا، مغتصبي الشرعية والعدالة والحريّة. وما فعله حكام ممالك القهر في الخليج العربي، وقبلهم حكومات في المشرق وشمالي إفريقيا، لم يكن ممكناً لولا صمتنا عن تآمرهم، ولولا خنوع بعضنا، وقبول هذا البعض، بل الترويج، لثقافة الاستسلام.
اليوم، يفتح دونالد ترامب الباب أمام فرصة جديدة لتيار المقاومة في فلسطين والعالم العربي. «يساعدنا» مشكوراً على إعادة توجيه الأنظار صوب الحقيقة القاسية، وهي أن نفوذ أميركا المباشر أو من خلال إسرائيل، هو الهدف الوحيد المفترضة مواجهته، وقلب الطاولة على رؤوس المتعاونين معه.
البناء
عرب أميركا ينتظرون زيارة بنس «كأنّ شيئاً لم يكن»… وفلسطين لجمعة الغضب
ترامب ينفذ قانون الكونغرس: «القدس مدينة موحّدة غير قابلة للتقسيم عاصمة لإسرائيل»
عون وبرّي والحريري وباسيل يحذّرون من الأخطار… والناشف للمقاومة وإسقاط التفاوض
كتب المحرّر السياسي
فَعَلَها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصرف رصيد انضمام أغلب النظام العربي الرسمي لحلف التطبيع مع «إسرائيل» وإسقاط العداوة والقطيعة معها، وإعلان العداء لإيران وقوى المقاومة بديلاً عنها ومدخلاً للحلف معها، وقدّم لبنيامين نتنياهو بديلاً عن نصر عسكري وسياسي انتظراه معاً طويلاً وكانت الخيبة حصادهما، فأعلن التوقيع على القرار التنفيذي للقانون الصادر عن الكونغرس عام 1995 القاضي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، محاولاً ذرّ الرماد في العيون بالقول إنّ قراره لا يُلغي الالتزام بالمسعى التفاوضي نحو عملية السلام، ولا يضمّ صوت واشنطن لأيّ فريق في النزاع الفلسطيني «الإسرائيلي» حول القضايا المسماة بقضايا الحلّ النهائي ومنها القدس والحدود، بينما هو ينفذ قانوناً لا يخوّله إلا أحد خيارين، توقيع التنفيذ أو التأجيل، أما المضمون فقد حسمه نص القانون بلا لبس ولا اشتباه، ويقول النص:
– «إنّ القانون الدولي يكفل لكلّ دولة تحديد عاصمتها، وفي هذا السياق أعلنت «دولة إسرائيل» منذ 1950 القدس عاصمة أبدية لها، وجعلتها مقرّاً لكلّ مؤسّساتها الوزارية والإدارية، وبينها مقرّ الرئيس والبرلمان والمحكمة العليا، كما أنها «مركز الديانة اليهودية»، وتعتبر مدينة مقدّسة بالنسبة إلى «أعضاء ديانات أخرى».
– «إنّ القدس كانت مدينة مقسّمة، وإنّ المواطنين الإسرائيليين ومعتقدي الديانة اليهودية ظلوا ممنوعين من دخولها منذ 1948 وحتى 1967، حيث تمّ توحيدها مرة أخرى بعد حرب الأيام الستة». وقد «عملت إسرائيل على توحيد القدس، وفسح المجال أمام معتقدي جميع الديانات، للوصول إلى كلّ الأماكن المقدسة في المدينة من دون تضييقات».
– «التأكيد على أنّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية تنبني على الاعتراف بالقدس مدينة موحّدة غير قابلة للتقسيم، وأنه يجب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وبناء على ذلك يجب أن تكون سفارة الولايات المتحدة في عاصمة إسرائيل».
الوضوح القاطع لنصّ التشريع حول أنّ القرار الرئاسي التنفيذي يُنهي الجدل حول إمكان خوض عملية تفاوضية حول مستقبل القدس الشرقية التي احتلتها «إسرائيل» عام 1967، فيعتبر احتلالها إعلاناً لتوحيد القدس التي يجب أن تبقى موحدة كعاصمة لـ«إسرائيل» موحّدة غير قابلة للتقسيم، يضع كلّ تعامل مع القرار الأميركي في دائرة أحد خيارين إما التعايش مع واقع نسيان أيّ بحث بمستقبل القدس والتسليم بضمّها موحّدة لـ«إسرائيل»، وفي قلبها المسجد الأقصى والكنائس المسيحية، وجعل سقف المطالبة بسماح «إسرائيل» لمعتنقي الديانات الإسلامية والمسيحية بممارسة شعائرهم تحت سلطة «إسرائيلية» وبإذن منها ووفقاً لأنظمتها، كعاصمة لها، أو إعلان سقوط خيار التفاوض الذي ينتهي عندما يضع القدس خارج التفاوض، وينتهي عندما تكون أميركا القوة التي باع كثير من العرب سيادتهم لها وتنازلوا عن أموالهم لها، وقالوا إنها ستضغط على «إسرائيل» بسبب ذلك لتعيد بعض الحقوق العربية والمسيحية والإسلامية، وفي طليعتها القدس، تنهي العملية التفاوضية، ولا فرصة لتفاوض بدونها، ولا أمل بتفاوض مع «إسرائيل» له قيمة بعد الانحياز الأميركي في شأن القدس للسياسة «الإسرائيلية».
عرب أميركا وفي طليعتهم دول الخليج، الذين وجدوا أنفسهم مضطّرين لاستنكار القرار الأميركي بدأوا الاستعداد لاستقبال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي سيقوم بجولة في المنطقة لامتصاص ردود الأفعال الناجمة عن القرار، وبدأوا يروّجون لأكاذيب ترامب عن عدم تأثير القرار على إمكانية البحث في مستقبل القدس في عملية التفاوض التي لا زالت خيارهم وعنوانها صفقة القرن.
ردود الفعل الدولية كانت أكبر من حجم المواقف العربية التي كان سقفها يحاكي ما صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بالتحذير من أخطار القرار على الاستقرار والعملية التفاوضية، بينما كانت مواقف الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية والرئيس الروسي ووزارات خارجية دول عدة في العالم، تذهب لوصف قرار ترامب بالطائش وغير المدروس والمتهوّر.
فلسطينياً لم يصل موقف السلطة الفلسطينية إلى إعلان أيّ مواقف نوعية بمستوى قطع العلاقة بالإدارة الأميركية وكيان الاحتلال، أو إعلان نسف الخيار التفاوضي وإلغاء مفاعيل اتفاق أوسلو، فيما بدأت علامات الانتفاضة الفلسطينية تتجمّع بانتظار يوم الغضب الذي تستعدّ له فلسطين وعواصم عربية وعالمية يوم الجمعة المقبل، تحت شعارات المطالبة بإغلاق السفارات الأميركية، وقطع العلاقات بـ»إسرائيل»، والتمسك بخيار المقاومة.
لبنانياً، تلاقت المواقف المندّدة لأغلب القيادات اللبنانية بالقرار الأميركي، مع ما صدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فيما وصف رئيس المجلس النيابي القرار بوعد بلفور جديد وعطاء مَن لا يملك لمَن لا يستحقّ، وحذّر رئيس الحكومة سعد الحريري من تداعيات القرار، وقال وزير الخارجية جبران باسيل إنّ القرار تصعيد خطير، بينما دعا رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف إلى اعتبار القرار إعلاناً بسقوط الخيار التفاوضي ودعوة لإعلاء شأن خيار المقاومة.
ترامب: القدس عاصمة «إسرائيل»
في وقتٍ نجح لبنان في لملمة وضعه الداخلي بأقل الأثمان وتجاوز أزمة إقالة رئيس الحكومة سعد الحريري التي تحوّلت قضية عربية ودولية، خطف قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» وقرار نقل سفارة بلاده الى القدس الأضواء وأشعل الأراضي المحتلة وشغل العالمين العربي والإسلامي وبلغ صداه العالم برمّته.
خطوة ترامب التصعيدية الممزوجة بالتحدّي للشعوب العربية ولحركات المقاومة جاءت في زمن الوهن العربي والأزمات والحروب والمشاريع التقسيمية والإرهابية التي أنهكت الساحات العربية، وفي زمن تبدّل أولويات معظم الأنظمة الخليجية والعربية من العداء لـ «إسرائيل» الى إعلان العداء والقطيعة مع ايران والتطبيع مع «إسرائيل». وما تخفيه تلك الأنظمة كشفه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين ننتياهو بقوله أمس، إن «معظم الدول العربية لديها علاقات مع «إسرائيل».
فكيف سيواجه ملوك وحكام وولاة العهد العرب والخليجيون، وهل ستدعو السعودية مجلس وزراء الخارجية العرب وجامعة الدول العربية والمنظمات الدولية للانعقاد لإدانة «إسرائيل» ووصفها بالإرهاب وقطع العلاقات معها على غرار ما فعلت ضد إيران وحزب الله عقب سقوط الصاروخ الباليستي على الرياض؟
الناشف: مخطّط لتصفية المسألة الفلسطينية
خطوة ترامب أثارت ردود فعل محلية شاجبة ومستنكرة، محذّرة من التداعيات السلبية على المنطقة وعلى لبنان كبلدٍ معني بالصراع العربي «الإسرائيلي»، ولا سيما أنه لا يزال على خط المقاومة للعدوان والمشاريع «الإسرائيلية» ويحتضن مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين. وقد أشار رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف إلى أن القرار الأميركي «يُملي على القوى الحيّة والرافضة في أمتنا، أن تستجمع قواها وتتحمّل مسؤولياتها في مواجهة هذا القرار المشبوه، والذي يشكّل حدثاً عدوانياً بالغ الخطورة في مسار مخطط تصفية المسألة الفلسطينية».
وأشار في بيان إلى أن إقدام الولايات المتحدة على اتخاذ قرار بهذا المستوى، يضع أكبر قوة في العالم، في موقع الدولة المعتدية والمنتهكة الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، والمشجّعة على استباحة الحقوق المشروعة للشعوب المحتلّة أراضيها، وهذا يشكّل أيضاً تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
ونبّه من خطورة وتداعيات القرار الأميركي في حال اتخاذه، إذ إنه سيؤجّج الصراع، وفي هذا الصراع لن تقف قوى شعبنا مكتوفة الأيدي، بل سيكون الردّ غضباً عارماً في الساحة القومية والساحات العربية، وانتفاضة فلسطينية شاملة متجدّدة، تُعيد المسألة الفلسطينية إلى صدارة القضايا العادلة، وتُعيد الاعتبار لخيار المقاومة.
ودعا الفلسطينيين بكل قواهم، إلى «تعزيز وحدتهم الوطنية ونبذ الخلافات، والتمسّك بخيار المقاومة، وشدّد على أن حق العودة والتمسّك بالقدس عاصمة لفلسطين شرطان غير قابلين للتفاوض أو المساومة من قبل أي جهة مهما علا شأنها». واستقبل الناشف أمس، الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان نعمان شلق، على رأس وفد ضمّ عضوَيْ القيادة القطرية أحمد عاصي وفريد الطويل.
عون: يهدّد استقرار المنطقة
وأكّد رئيس الجمهورية ميشال عون ، في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي ، أنّ القرار «يهدّد عملية السلام واستقرار المنطقة»، مشدّداً على أنّ «المطلوب وقفة واحدة من الدول العربية تُعتبر مبادرة السلام، السبيل الوحيد لإعادة الحقوق إلى أصحابها».
برّي: وعد بلفور جديد
وقد حضرت التطوّرات في فلسطين المحتلة في عين التينة ونقل النواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري في لقاء الاربعاء، أمس: «إننا أمام وعد بلفور جديد يمهد لصفقة العصر على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني». ونقل زوار بري عنه لـ «البناء» إشارته الى تصريح الرئيس التركي وبعض رؤساء الدول العربية والإسلامية المعبّرة عن رفضهم خطوات ترامب غير كافٍ، بل يجب ترجمتها بقطع العلاقات مع إسرائيل»، مشيراً الى أن ذلك «يفترض تضامناً عربياً وإسلامياً لمواجهة المخطط «الإسرائيلي» الاميركي الجديد وإثارة القضية في المنظمات الدولية والرأي العام العالمي».
الحريري: خطوة تُنذر بأخطار
بدوره، شدّد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ، في تصريح على أن «الخطوة يرفضها العالم العربي وتنذر بأخطار تهبّ على المنطقة»، مؤكداً أن «لبنان يندّد ويرفض هذا القرار ويعلن في هذا اليوم أعلى درجات التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقّه في قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس».
ورشة حكومية مكثّفة مطلع الأسبوع
بالعودة الى المشهد الداخلي، ومع انتهاء مفاعيل وارتدادات زلزال الرابع من تشرين الثاني ووصول أزمة «الإقالة المفتعلة» في الرياض الى خواتيمها السعيدة بتراجع الرئيس سعد الحريري عن استقالته في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في بعبدا على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، سادت حالة من الاسترخاء السياسي المشهد الداخلي، الذي عكّر صفوه إعلان الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لــ «إسرائيل» ونقل سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس. غير أن الإغراق في التفاؤل في مرحلة ما بعد جلسة الحكومة شكّل السمة المشتركة بين المقار الرئاسية مستفيدة من الوفاق السياسي والوحدة الوطنية، ومستندة الى مرتكزات تجديد التسوية على قاعدة النأي بالنفس لإعادة إطلاق عجلة مؤسسات الدولة ووضع الملفات الحيوية المالية والاقتصادية والنفطية والغازية على سكة الحلول الجدّيّة بعد أن غرق بعضها في مستنقع الخلافات السياسية.
وتشير مصادر حكومية لـ «البناء» إلى أن «أزمة الحريري رسمت مرحلة سياسية جديدة في لبنان قائمة على موقف سياسي متين تمثّل في القرار الحكومي الذي صدر بإجماع القوى ما يفترض مقاربة مختلفة للأزمات التي يعاني منها اللبنانيون من النفايات إلى الكهرباء والبطالة والنفط وغيرها. متوقعة أن تبدأ الحكومة ورشة عمل مكثفة مطلع الأسبوع المقبل، لكنّها محكومة بالقوانين المرعية الإجراء وبعيدة عن المحاصصة».
وأكّد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أنّه «عالجنا خلال الشهر المنصرم «الأزمة الحريرية» ونجحنا بالعودة إلى 4 تشرين إلى الوضع الطبيعي، والقضية زادت عليها قوة التلاحم عند اللبنانيين الذي يُعطينا دفعاً للقوة في مواجهة أي فتنة تهدّد لبنان»، متسائلاً: «هل لدى أيّ أحد شكٌّ في أن وضع الرئيس الحريري كان ملتبساً عند تقديمه الاستقالة». تابع باسيل: «نحن كتيار وطني حر بالتأكيد مع بشار الأسد ضد داعش ومع الديمقراطية والإصلاح في سورية، وما حدث هو رفض دول خارجية أن يبقى لبنان في الوسط، بل أرادوه أن يكون في محور ضدّ آخر وهو أمر لا نريده».
وقال باسيل في حديث تلفزيوني: «في المشكلة التي واجهتنا لم يتكلّم أحد عن تدخّل حزب الله في سورية، بل عن تدخّله في الشؤون العربية، وكلّ الأطراف السياسية في لبنان دخلت إلى حكومات مع حزب الله، وهو في سورية، ولا نقبل بأن يكون لسلاح حزب الله دور لا يتفق عليه كل اللبنانيون، ونحن جميعاً متفقون على محاربة إسرائيل والإرهاب».
تحالف خماسي؟
غير أن التفاهم السياسي الذي رافق معركة استعادة رئيس الحكومة من المعتقل السعودي يتخطّى الإدارة المشتركة للأزمة، بحسب ما تقول مصادر نيابية في كتلة سياسية بارزة، وتؤكد لـ «البناء» بأن التكتّل السياسيَّ الذي تمخّض عن الخضة السياسية في البلد يستعيد مشهد التحالف الرباعي عام 2005، لكنّ اليوم يُضاف إليه التيار الوطني الحرّ ورئيس الجمهورية ميشال عون ليصبح خماسياً ليؤلف جبهة سياسية وطنية عارمة ستشكّل شبكة أمان وطنية للبنان ولمواجهة المخططات التي تُعدّ للمنطقة ولبنان.
وعن بيان النأي بالنفس لفتت المصادر الى أن «هناك قضايا يُمكن أن ينأي لبنان بنفسه عنها، لكن هناك قضايا أخرى بحكم وموقعه الجغرافي والسياسي ودوره في المعادلة الإقليمية، خصوصاً مع قرار ترامب لا يمكنه أن يعتمد الحياد والنأي بنفسه عنها، كالصراع مع الكيان الصهيوني والمشاريع المعدّة لفلسطين والقدس والفلسطينيين لا سيما أنّه يستضيف مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين.
وأشارت مصادر نيابية مستقبلية الى أننا في مرحلة من الاستقرار السياسي حتى الانتخابات النيابية المقبلة، وأوضحت لــ «البناء» إلى أن «الحديث عن تغييرات كبيرة في تيار المستقبل يُجريها الرئيس الحريري كلام مضخّم، لكنها أكّدت أن الحريري سيعمل على ضبط المواقف في الكتلة والتيار أكثر من السابق وسيتشدّد أكثر في معالجة الملفات والإشراف الدقيق عليها»، ولفتت الى حلحلة قريبة بين المستقبل والقوات من خلال لقاء يجري التحضير له بين الحريري ورئيس القوات سمير جعجع، لاعتبارها بأن الحريري لا يريد خوض معارك سياسية مع أحد لا سيّما مع الأطراف الممثلة بالحكومة. وقلّلت المصادر من «أهمية الحديث عن تبدّل في التحالفات الانتخابية في ظل قانون الانتخاب الجديد القائم على ركنَيْ النسبية والصوت التفضيلي اللذين يحولان دون عقد تحالفات انتخابية كبيرة وشاملة».
مؤتمر مجموعة الدعم: دعم سياسي لا مالي…
ومن المتوقّع أن يبدأ الحريري أول لقاء دولي رسمي كرئيس للحكومة بعد الأزمة للمشاركة في مؤتمر مجمموعة الدعم الدولي للبنان الذي سيُعقد في باريس غداً، وأشارت مصادر نيابية مطلعة في تيار المستقبل لـ «البناء» إلى أن «المؤتمر سيصدر قرارات سياسية تؤكد دعم لبنان وتعزيز صموده في مواجهة أزمة اللاجئين والأزمة الاقتصادية التي يُعاني منها وقد تلحظ برامج مساعدات اقتصادية، لكن ما يُقال عن دعم مالي كبير مجرد إشاعات وأرقام مضخّمة».
وأوضحت المصادر أن «مجموعة الدعم ستقرّ مشاريع استثمارية تنفذها في إطار دعم لبنان بالمشاركة في تحمل عبء النازحين السوريين، وليس في إطار تقديم مبالغ مادية لدعم الخزينة اللبنانية نظراً للشح المالي الذي تعاني منه الدول الأوروبية تحديداً».
وأعرب الرئيس الحريري عن ارتياحه لما «تم التوصل إليه في مجلس الوزراء في موضوع النأي بالنفس»، معتبراً «أن ما صدر كان قراراً حكومياً، وليس مجرد بيان، بالتزام كل المكوّنات السياسية بالنأي بالنفس عن الصراعات والحروب والتدخلات الإقليمية»، مؤكداً أنه سيتابع شخصياً موضوع تنفيذ مسألة النأي بالنفس على الأرض».
وردّ الحريري على سؤال حول تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ما يتعلق بالمصارف اللبنانية قائلاً «نحن من بين أفضل الدول التي تطبق القانون الأميركي على المصارف لديها، وخاصة ما يتعلق منه بموضوع الشفافية»، وأكد «هناك تعاون كبير جداً بين وزارة الخزانة الأميركية والبنك المركزي اللبناني وكل القوانين التي فُرضت من الكونغرس نطبقها في لبنان، فلا خوف في هذا الموضوع».
وأكد الرئيس عون أن «البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء لا يشكل ربحاً لفريق أو خسارة لآخر، لان الرابح هو لبنان الذي استطاع بوحدة أبنائه وتضامنهم والتفافهم حول مؤسساتهم الدستورية، المحافظة على استقراره وأمنه وسلامه». وابلغ عون نائب المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني أن «صفحة الازمة الاخيرة التي مرّ بها لبنان طُويت، والعمل الحكومي سينتظم من جديد لاستكمال ما كانت بدأته الحكومة خلال الاشهر الماضية، بما في ذلك إجراء الانتخابات النيابية».
وعبر الرئيس بري عن ارتياحه لما حصل في مجلس الوزراء من إجماع على البيان الذي صدر عنه، معتبراً أنه يشكل خطوة إيجابية لإعادة انتظام وتفعيل عمل الحكومة من أجل استكمال معالجة القضايا والملفات الحيوية في البلاد، وفي مقدمها ملف النفط الذي يجب الإسراع بإنجاز كل ما يتعلق به للانتقال الى مرحلة التلزيمات والاستثمار. وجدّد بري تأكيد أهمية المبادرة في العمل على هذا المسار، منبّهاً الى ما يقوم به العدو «الإسرائيلي» من إنجاز خطّ بحري لنقل الغاز الى العمق الأوروبي. داعياً إلى «وجوب إتمام كل ما يتصل بملف النفط لبنانياً للدخول في مرحلة التلزيمات والاستثمارات». وفي سياق ذلك، دعا الرئيس بري لجان: المال والموازنة، الإدارة والعدل، الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط والبيئة الى جلسة مشتركة تُعقد في تمام الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 12 كانون الاول الجاري 2017، وذلك لدرس اقتراحات القوانين الآتية:
– اقتراح قانون الموارد البترولية في الاراضي اللبنانية.
– اقتراح قانون الصندوق السيادي اللبناني.
– اقتراح قانون شركة البترول الوطنية اللبنانية.
– اقتراح القانون الرامي إلى إنشاء مديرية عامة للأصول البترولية في وزارة المالية.
اللواء
وثبة حكومية بعد مؤتمر باريس.. وغليان في المخيمات
الحريري يردّ على قاسم: ما قاله في طهران غير مقبول وسأعطي فرصة
شغل قرار الرئيس الأميركي المتهور بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، تكريساً لها عاصمة للدولة العبرية، الأوساط اللبنانية الرسمية والسياسية والشعبية، وتحركت المخيمات الفلسطينية احتجاجاً على الخطوة، بين تحذير من الارتدادات السلبية، وتظاهرة حاشدة انطلقت ليلاً من مخيم برج البراجنة واضاءة شموع وإطلاق نار في مخيم الرشيدية. ووسط حالة الترقب والغضب هذه، والاستعداد لمؤتمر مجموعة الدعم الدولية الذي ينعقد غداً في الخارجية الفرنسية، يوجه السيّد حسن نصر الله عند السادسة من مساء اليوم كلمة متلفزة حول قضية القدس، وعلى الرغم من الارتياح في قصر بعبدا وعين التينة وبيت الوسط، من خطوة العودة عن الاستقالة وبيان النأي بالنفس، سجّل أمس الأوّل، ردّ من الرئيس سعد الحريري على موقف لمسؤول في حزب الله.
واعتبر الرئيس الحريري ان ما قاله نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم في طهران ليس مقبولاً لا من قريب ولا من بعيد، قائلاً: «لن استفيض في الرد عليه الآن لانني سأعطي فرصة لتثبيت النأي بالنفس». وتساءل: هل من مصلحة اللبنانيين ان نتدخل بشؤون اشقائنا العرب؟ وهل من مصلحة اللبنانيين ان نؤذي اخواننا العرب؟ أم مصلحتنا ان يكون هناك نأي بالنفس، وخاصة حين تكون هناك خلافات إقليمية كالتي تحصل في اليمن والعراق وسوريا وغيرها؟
تشغيل محركات الحكومة
ومع ان الرئيس الحريري، تريث أمس في النزول إلى السراي الكبير، والبقاء في «بيت الوسط» لاعتبارات معينة، فإن مصادر وزارية التقته بعد الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء، أشارت إلى أن لدى الحكومة عملاً مكثفاً، وان لا شيء يمكن ان يقف امام هذا العمل المرشح لإعادة تشغيل محركاته بأقصى الطاقات الممكنة، خاصة وان مجموعة ملفات أساسية هامة ومفصلية تنتظره. ورغم ان هذه المصادر لفتت النظر إلى انه من المبكر توجيه دعوة جديدة لمجلس الوزراء، فإنها توقعت عقد جلسة الأسبوع المقبل، وان تتكثف الجلسات الحكومية للتعويض عمّا فات الحكومة من دراسة بنود أساسية خلال شهر الاستقالة والعودة عنها.
وكشفت هذه المصادر لـ«اللواء» ان الرئيس الحريري يعتزم الدعوة لجلسات استثنائية متتالية للبت في المواضيع والملفات الضرورية، التي تشكّل أولوية لاجندة الحكومة في المرحلة الراهنة، ومن أبرز هذه الملفات: إقرار موازنة العام 2018، والتي كان من المقرّر ان تقر خلال الشهر الماضي، حسب ما كان يطمح إليه الرئيس الحريري، واحالتها إلى المجلس النيابي ضمن الفترة الدستورية، إلى جانب ملف النفط الذي أصبح ضاغطاً بالنسبة للمهل المحددة، حيث شدّد الرئيس نبيه برّي امام نواب الأربعاء أمس، على ضرورة الإسراع بإنجاز كل ما يتعلق به للانتقال إلى مرحلة التلزيمات والاستثمار، وهو لهذه الناحية كرّر الدعوة إلى عقد جلسة جديدة للجان النيابية المشتركة يوم الثلاثاء المقبل، للانتهاء من بت المقترحات التي تقدمت بها كتلته النيابية، على هذا الصعيد، منبهاً إلى ما يقوم به العدو الإسرائيلي من إنجاز خط بحري لنقل الغاز إلى العمق الاوروبي.
ورأت المصادر الوزارية، أن من المواضيع التي تشكّل أولوية أيضاً لدى الحكومة، موضوع تطبيق قانون الانتخابات، والذي كان الحريري يأمل الانتهاء من دراسته في اللجنة الوزارية قبل منتصف تشرين الثاني الماضي، لجهة حسم موضوع البطاقة البيومترية والتسجيل المسبق للناخبين (اوميغا سنتر)، لا سيما وان هناك اصراراً من قبل الرؤساء الثلاثة، كما من قبل الاطراف السياسية على ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها المقرّر في الربيع المقبل، من دون تبكير أو تأخير. ولفتت المصادر إلى ان المهل الدستورية في هذا الملف أصبحت ضيقة، وانه من المتوقع ان تبدأ التحضيرات لهذه الانتخابات بشكل جدي وملموس مع بداية العام الحالي.
وكان الرئيس الحريري عبر عن ارتياحه لما تمّ التوصّل إليه في مجلس الوزراء امس الأوّل بالنسبة لموضوع النأي بالنفس، معتبراً ان ما صدر كان قراراً حكومياً وليس مجرّد بيان، بالتزام كل المكونات السياسية بالنأي بالنفس عن الصراعات والحروب والتدخلات الإقليمية، مؤكداً انه سيتابع شخصياً موضوع التنفيذ على الأرض، وانه إذا لم يحصل نأي فعلي بالنفس فإننا نضع لبنان في دائرة الخطر، لافتاً نظر وفد من الهيئات الاقتصادية في الشمال زاره امس الاول إلى ان علاقتنا مع السعودية ودول الخليج جيدة جداً وسترونها في تحسن مستمر.
ورداً على سؤال حول تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حول موضوع المصارف اللبنانية، أكّد الحريري ان لا خوف في موضوع القطاع المصرفي اللبناني، لأن لبنان من الدول القليلة التي تطبق القانون الأميركي على مصارفه، مشيرا إلى تعاون كبير جدا بين وزارة الخزانة الأميركية والمصرف المركزي اللبناني، وأن كل القوانين التي فرضت من قبل الكونغرس نطبقها في لبنان».
ترحيب ماكرون
وفيما يرتقب ان يتوجه الرئيس الحريري إلى باريس مساء اليوم لحضور اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان غداً، أعلنت الرئاسة الفرنسية (الاليزيه) في بيان، ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون احيط علما بالاعلان السياسي الصادر من مجلس الوزراء اللبناني الذي ترأسه بشكل استثنائي الرئيس ميشال عون والذي أتاح للرئيس الحريري الرجوع عن استقالته وتحمل مهامه مجدداً بشكل كامل، فرحب الرئيس ماكرون بهذا القرار، موضحاً ان فرنسا «ستتابع باهتمام احترام الأطراف اللبنانية كافة لتعهداتها»، وانه احيط علما ايضا بتأكيد مجلس الوزراء اللبناني تبني سياسة النأي بالنفس عن النزاعات في المنطقة».
وشدّد البيان على «التزام فرنسا بالوقوف بجانب اللبنانيين وبمواصلة العمل لتعزيز استقرار وأمن وسيادة لبنان بالتنسيق مع السلطات المحلية وكل المجتمع الدولي» مؤكدا انه «تحقيقا لهذا الهدف سيفتتح الرئيس ماكرون الجمعة المقبل في باريس اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان في حضور الرئيس الحريري». تجدر الإشارة إلى ان اجتماع باريس غداً، حضر خلال لقاء الرئيس عون بنائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني الذي زار قصر بعبدا، أمس، لابلاغه بأن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غرتيريس عين السيدة يرنيل داهلر كاردل منسقة خلفا للسيدة سيغريد كاغ، وهي ستصل إلى بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة، وأكّد الرئيس عون، خلال اللقاء ان «البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء لا يُشكّل ربحاً لفريق أو خسارة لآخر، لأن الرابح هو لبنان الذي استطاع بوحدة أبنائه وتضامنهم والتفافهم حول مؤسساتهم الدستورية المحافظة على استقراره وامنه وسلامته. وأبلغ لازاريني ان «صفحة الأزمة الأخيرة التي مر بها لبنان طويت، وأن العمل الحكومي سوف ينتظم من جديد لاستكمال ما كانت بدأته الحكومة خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك اجراء الانتخابات النيابية».
تنديد لبناني جامع
وسط هذه الأجواء، كان لافتاً للانتباه التنديد اللبناني الجامع الرسمي والسياسي والحزبي، بالقرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، والبدء بتحضيرات نقل السفارة الأميركية إلى هذه المدينة العربية التاريخية المقدسة، على إيقاع موجة غضب عربية عارمة محذرة من نسف عملية السلام وعودة الفوضى والمواجهات العسكرية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا السياق، وصف الرئيس عون موقف الرئيس الأميركي بأنه «خطير ويهدد صدقية الولايات المتحدة كراعية لعملية السلام في المنطقة، وينسف الوضع الخاص الذي اكتسبته القدس على مدى التاريخ».
ولفت الرئيس عون الى ان هذا القرار، أعاد عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الوراء عشرات السنين وقضى على كل محاولة لتقرب وجهات النظر بينهم، محذراً مما يُمكن أن يحدثه القرار الأميركي من ردود فعل تُهدّد استقرار المنطقة وربما العالم اجمع». ودعا الدول العربية الى وقفة واحدة لإعادة الهوية العربية إلى القدس ومنع تغييرها، والضغط لإعادة الاعتبار إلى القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية كسبيل وحيد لإحلال السلام العادل والشامل الذي يُعيد الحقوق إلى أصحابها».
وفيما رأى الرئيس برّي «اننا أمام وعد بلفور جديد يمهد لصفقة العصر على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني»، اعتبر الرئيس الحريري، ان القرار الأميركي «خطوة يرفضها العالم العربي وتنذر بمخاطر تهب على المنطقة. وقال في تغريدة له عبر «تويتر»: لبنان يندد ويرفض هذا القرار ويعلن في هذا اليوم أعلى درجات التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس».
وأدانت وزارة الخارجية، في بيان، الإعلان الأميركي، ووصفته بأنه «خطوة مدانة ومرفوضة تتنافى ومبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي اعتبرت القدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وأعلن البيان رفض الخارجية بشدة كل السياسات والإجراءات التي تؤدي إلى إجهاض حل الدولتين وإلى تشويه هوية مدينة القدس العربية وكل محاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني للأراضي المقدسة، محذرا من مخاطر ضرب قيم المحبة والتسامح بين اتباع الديانات السماوية.
اما الرئيس تمام سلام فرأى ان الإعلان الأميركي سيؤدي إلى «مخاطر كبيرة، وإلى فتح منطقة الشرق الأوسط على احتمالات تصعيد واسع وخيارات متعددة لإسقاط هذا الموقف الأميركي المتهور»، ودعا مجلس الأمن والأمم المتحدة لمواجهة هذا التطور، والدول العربية والإسلامية إلى عقد قمّة طارئة للضغط على واشنطن للتراجع عن قرارها قبل استفحال ردود الفعل، واستباقاً لما يمكن ان يحدثه القرار من انفجار الوضع مجددا في الشرق الأوسط.
الجمهورية
القدس: قلق دولي ورفض عربي… وتقييم داخلي لمدى الإلتزام بـ«النأي بالنفس»
الأربعاء 6 كانون الأوّل 2017، تاريخٌ أرّخ لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وإيعازه بالاستعداد لنقلِ سفارة الولايات المتّحدة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. هذا القرار الأميركي الذي يثبتُ الهوية الإسرائيلية للقدس، يُعَدّ الأخطرَ في التاريخ الفلسطيني، ويُرخي ظلالاً قاتمةً على مستقبل المنطقة ويُشعل الفتيلَ على امتداد كلّ الخريطة التي تقع على تماسٍ مباشر مع القضية الفلسطينية، ويُلقي بمصيرها في مهبّ احتمالاتٍ شتّى.وحدَها إسرائيل رحّبت بالقرار الأميركي، في وقتٍ كان العالم كله تقريباً يَشهد عاصفةً من ردّات الفعل التي وصَفت القرار الاميركي بالمرفوض والمؤسف والمتسرّع، وبالعامل المفجّر لعملية السلام في الشرق الاوسط، فيما الموقف الفلسطيني وصَف القرار بإعلان حرب، وأعلنَ الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنّ قرار ترامب لا يغيّر من واقعِ أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.
أمّا لبنان فأدان القرار الاميركي، واعتبره رئيسُ الجمهورية العماد ميشال عون خطيراً ودعا الى وقفةٍ عربية لإعادة الهوية العربية الى القدس، فيما حذّر رئيس مجلس النواب نبيه بري من «وعد بلفور جديد». أمّا رئيس الحكومة سعد الحريري فرفضَ القرار وأعلنَ تضامن لبنان مع الشعب الفلسطيني وحقّه في قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس. فيما اعتبَرت وزارة الخارجية «أنّ الخطوة الاميركية مدانة ومرفوضة، تتنافى ومبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي اعتبَرت القدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧». أمّا الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله فسيتناول قضية القدس والتطوّرات الاخيرة في كلمة متلفزة يلقيها عند الساعة السادسة من مساء اليوم.
ترقّب ترجمة التسوية
داخلياً، يتأثّر لبنان بطقسٍ عاصف مناخياً مصحوبٍ بأمطار وثلوج، وبمناخ مستقر سياسياً مصحوب بترقّب لترجمة التسوية التي أعادت إحياء الحكومة استناداً إلى تعابير إنشائية تجميلية لعنوان «النأي بالنفس». والعين على الأداء الحكومي وكيفية مقاربة ما هو ضروريّ وضاغط من أولويات وملفات حيوية، خصوصاً تلك المرتبطة مباشرةً بمصالح الناس والخزينة العامة.
وإذا كانت التجربة مع الأداء الحكومي ما قبل استقالة رئيس الحكومة في الرابع من تشرين الثاني الماضي غير ناجحة أو مشجّعة، فإنّها في ظلّ الذهنيّة التي أدارتها، والمزاجيّات المتصادمة التي حَكمتها، لا تصلح لأن تكون أساساً صالحاً لمقاربات جدّية ومعالجات شافية للكمِّ الهائلِ مِن تلك الملفات المتراكمة. كذلك لا تصلح لأن تكون حصاناً رابحاً يمكن الرهان عليه في الانطلاقة الثانية للحكومة للفوز في امتحان التفعيل والإنتاجية وإحداث نقلات نوعية تَطوي كلّ ما اعترى الأداءَ السابق من سقطات وشوائب، خصوصاً مع بدء الحديث في أوساطٍ مختلفة عن توجّهٍ لاستئناف ما بوشِر به من صفقات جرى النصّ عليها في التفاهمات السرّية المعقودة بين بعض القوى النافذة في الحكومة.
من هنا العينُ مجدداً على القطاعات المنتجة مِثل الكهرباء وصفقة البواخر التي لم تمت، وكذلك الأمر بالنسبة الى قطاع الاتصالات الذي تدور حوله الكثير من الشبهات والالتباسات، وصولاً الى قطاع النفط الذي يبدو أنه سيوضَع على نارٍ حامية في الايام المقبلة، وسط حديثٍ قوي عن بتِّ موضوع التراخيص لشركات التنقيب في مجلس الوزراء قبل الأعياد. ولعلّ هذه العناوين الكهربائية والهاتفية (الخلوية) والنفطية، هي التي ستحظى بالاهتمام الحكومي في مرحلة ما بعد التسوية الحكومية، يضاف اليها استئناف «تجهيز» الموازنة العامة للعام المقبل وإقرارها في مجلس الوزراء وإحالتها الى مجلس النواب لدرسِها وإقرارها خلال ما تبقّى من ولاية المجلس التي تنتهي في أيار من العام المقبل، أي بعد نحو خمسة أشهر.
ولم تستبعِد مصادر في وزارة المالية إمكانية طرحِ مشروع قانون موازنة العام المقبل على مجلس الوزراء في وقتٍ قريب. وأبلغت «الجمهورية» قولها: «إنّ المشروع شِبه منجَز، وينتظر ان تُعقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء لإقراره وإحالته الى المجلس، وهو امرٌ ينبغي ان يتمّ سريعاً، إذ إنّ هذا المشروع تأخّر لأكثر من شهر جرّاء أزمة الاستقالة، حيث كان على وشك ان يُطرح على مجلس الوزراء قبل نهاية تشرين الاوّل الماضي، وجاءَت الأزمة وأوقفَت كلَّ شيء».
وفي السياق ذاته، قالت مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»: «إنّ أيَّ تأخير إضافي يمكن ان يعطّل إمكانية إقرار مشروع موازنة العام المقبل خلال ولاية المجلس النيابي الحالي، ذلك انّه لو سارت الامور بشكل طبيعي ومن دون ايّ تعقيدات وتمّت إحالته قبل نهاية الشهر الجاري الى مجلس النواب، فإنّ ممرّاً إجبارياً ينبغي سلوكه عبر اللجنة النيابية للمال والموازنة التي تتطلّب دراستُها المشروع المذكور من شهرين الى شهرين ونصف على أقلّ تقدير، وهذا معناه انّ المشروع ذهبَ الى شهر آذار المقبل، أي في عزّ الاستحقاق الانتخابي والانهماك السياسي والنيابي بالحملات الانتخابية، ففي ايّ أجواء ستقَرّ الموازنة»؟
وفي وقتٍ يستعدّ مجلس الوزراء للانعقاد في جلسة قريبة رجّحت مصادر وزارية عقدَها خلال الاسبوع المقبل، تؤشّر الأجواء السياسية القائمة إلى أنّ الفترة المتبقية من الشهر الجاري هي فترة ميتة من حيث الإنتاجية الحكومية، وكذلك الإنتاجية المجلسية، بالنظر الى عطلة عيدَي الميلاد ورأس السنة، والتي تبدأ عملياً اعتباراً من بداية النصف الثاني من هذا الشهر، ما يعني انّ كلّ الامور والملفات المرشّحة للوضع على طاولة البحث والمتابعة، مؤجّلة الى الشهر الاوّل من السنة المقبلة، إلّا انّها ستصطدم بدخول لبنان عملياً في زمنِ الاستحقاق الانتخابي الذي ينطلق فعلياً اعتباراً من اوّلِ كانون الثاني المقبل على حدّ تعبير مرجَع سياسي، ما يَجعل من الإنتاجية الموعودة متواضعةً وخجولة في أحسن حالاتها.
تقييم التسوية
أمّا في السياسة، فقد شهدَ اليوم الأوّل لسرَيان التسوية الحكومية الجديدة، محاولاتٍ من أهلها لتقييمها وقياسِ مدى صلابتها وحجمِ القدرة على ترجمتها لناحية الالتزام بعنوان «النأي بالنفس»، والانتقال به من عنوان مكتوب على الورق، الى عنوان ملزِم للجميع من دون استثناء، وكلّ الأطراف السياسية الشريكة بالتسوية. وكان لافتاً إعلان رئيس الحكومة عزمَه على أنّه سيتابع شخصياً «تنفيذ النأي بالنفس على الأرض»، فيما عكسَت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية» التزامَه بالتسوية التي تمّ التوصّل اليها، مع التأكيد على تقديم كلّ التسهيلات التي تؤدي الى انطلاق عجَلةِ الحكومة بالشكل الطبيعي، وتُرسّخ الاستقرار الداخلي وأجواء التضامن التي تجلّت في الآونة الاخيرة.
وبحسبِ هذه المصادر فإنّ عنوان النأي بالنفس بالصورة التي تمّ التفاهم عليها، ونحن وافَقنا عليها، لا يعني أنه من طرفٍ واحد، إذ إنّ الأهمّ هو أن ينأى الخارج بنفسه عن لبنان ولا يتدخّل في شؤونه الداخلية ويحاول ان يمليَ رغباته ويفرضها عليه، وكنّا واضحين من البداية أنه لا يمكن ان يكون لبنان بمنأى عن النفس في ما خصَّ العدوّين الاسرائيلي والتكفيري، وكنّا واضحين أيضاً بأنّ الحزب لم يكن البادئ في تناولِ أيّ طرف عربي، بل كان دائماً في موقع المستهدَف وفي موقع ردّ الفعل. ومن الطبيعي في هذه الحالة ألّا يسكتَ على أيّ تعرّضٍ له إذا ما تكرّر هذا الأمر».
وعمّا إذا كان عنوان «النأي بالنفس» يشمل سوريا، قالت المصادر: «هناك تفاهم حيال هذه النقطة، ولا نعتقد انّ هناك مشكلة، وفي الخلاصة نعتقد انّ الجميع متفقون على انّ الخطر الارهابي ما زال قائما». يأتي ذلك في وقتٍ تولَّدَ عن هذه التسوية التي عاد بموجبها الحريري عن استقالته، ارتياحٌ رئاسي عبّر عنه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، ولقيَ ثناءً من مجلس المطارنة الموارنة على قرار التزام الحكومة في كلّ مكوّناتها بسياسة النأي بالنفس.
ودولياً، رحّبت باريس بعودة الحريري عن استقالته وأعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون «أنّ فرنسا ستتابع باهتمام احترامَ الأطراف اللبنانية كافةً لتعهّداتها». وأعلنَت وزارة الخارجية التركية «أنّنا سعداء بانتهاء حال عدم اليقين السياسي في لبنان ونريد استقلالَ البلاد وسيادتها».
الطاشناق عند الحريري
وفي الحراك الداخلي، التقى الحريري أمس وفداً من حزب «الطاشناق» برئاسة أمينه العام النائب أغوب بقرادونيان الذي أكّد دعم «الطاشناق» لموقف الحريري «في تجاوبه لاستيعاب الوضع والنزول عند رغبة جميع اللبنانيين، بدءاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وكلّ الأطراف اللبنانية، للعودةِ عن الاستقالة. وبالتأكيد قطَعنا مرحلةً متشنّجة، ونستطيع القول إنّ ملفّ الاستقالة قد أُغلِق وهناك انطلاقة جديدة ونتمنّى أن تعرفَ كلّ الأطياف اللبنانية دِقّة الوضع، ونحن من طرفنا إيجابيّون في هذا الموضوع».
الحريري يردّ
الى ذلك، إعتبر الحريري أن ما قاله نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم في طهران أخيراً ليس مقبولاً لا من قريب ولا من بعيد، وقال: «لن أستفيض في الرد عليه الآن لأنني سأعطي فرصة لتثبيت النأي بالنفس».
وسأل: «هل من مصلحة اللبنانيين أن نختلف مع أشقائنا العرب؟ وهل من مصلحة اللبنانيين أن نتدخل بشؤون أشقائنا العرب؟ وهل من مصلحة اللبنانيين أن نؤذي أخواننا العرب؟ أم مصلحتنا أن يكون هناك نأي بالنفس، وخصوصاً حين تكون هناك خلافات إقليمية كالتي تحصل في اليمن والعراق وسوريا وغيرها؟».
المصدر: صحف