أمين أبوراشد
وجَّه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، دعواتٍ إلى عقد القمّة الدوريّة لمجلس التعاون لدول الخليج، يومي الخامس والسادس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وسط ترقُّبٍ لمدى تجاوب الدول المقاطعة لقطر بعد إصرار الكويت على دعوتها للمشاركة، علماً بأنّ أمير الكويت يشدّد على انعقاد القمة في بلده بحضور الدول الست الأعضاء في المجلس دون أية مقاطعة من أحد، وذلك من زاوية حرصه على استمرار المجلس.
تأسس هذا المجلس عام 1981 خلال قِمَّة خليجية عُقدت في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمَّت قادة الإمارات، والبحرين، والسعودية، وعُمان، وقطر، والكويت، وتوصَّلت تلك القِمَّة الى إتفاقٍ يتضمَّن تأسيس مجلسٍ موحّد يضمّ هذه الدول، لتحقيق وحدتها وتنسيق الترابط والتكامل بينها في مختلف المجالات الإقتصادية، والمالية ،والجمركية، والثقافية، والصحية، والسياسية.
عَقِب انتهاء تلك القِمَّة، سُئل الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بصفته رئيس الدولة المُضيفة، عن رأيه في طلب اليمن وجيبوتي الإنضمام الى هذا المجلس فأجاب حرفياً: “ينتظرون علينا أخواننا في اليمن وجيبوتي، وطوبة فوق طوبة يعمر البنيان”.
وبالفعل، استمر رفض ضمّ هاتين الدولتين لعدة أسباب، منها إقتصادي بسبب عدم قدرتهما على مجاراة إقتصادات دول نفطية غنية، ومنها سياسي صادم، أنهما دولتان جمهوريتان ديموقراطيتان، مما يؤشر على الهدف الإستراتيجي الحقيقي لهذا المجلس، بدليل استمراره منذ تأسيسه برفض طلبيّ اليمن وجيبوتي، مقابل المحاولات المُتكررة لضمّ الأردن والمغرب إليه منذ العام 2011 لأنهما دولتان مَلَكيتان، مما يعني أن تحالف العائلات الملكية والأميرية الحاكمة في الخليج، يحرص على الأنظمة ذات التِّيجان لحماية بعضها، لأن سقوط تاجٍ واحد ولو كان بعيداً عن محيط الخليج، قد يهدِّد بانفراط سُبحتها، وكل التحليلات السياسية والإعلامية على مدى الست سنوات الماضية، وإن تضاربت حول سبب رفض اليمن، الجارة الجنوبية للسعودية، وجيبوتي المجاورة لها على ضفَّة البحر الأحمر، ومحاولة ضمّ الأردن التي ليست في محيط الخليج وإن تجاورت مع السعودية من الشمال، وضمّ المغرب في أقصى شمال غرب إفريقيا، فقد تقاطعت الكثير من هذه التحليلات أن هدف ضمّ الأردن والمغرب هو فقط لحماية التِّيجان من السقوط! رُعبٌ حقيقي تعيشه الممالك والإمارات الخليجية من خطر “الغير”، خاصة بعد قيام النظام الجمهوري الديموقراطي في إيران في محيطٍ من الديكتاتوريات، ثم بعد إشتعال ما يُسمَّى الربيع العربي بتمويلٍ خليجي، والرُعب من بعضها أيضاً، وإذا كانت إيران “قميص عثمانهم”، وهي “شبح رعبهم” نتيجة القدرات الذاتية الهائلة التي تحدَّت كل حصارٍ وكل عقوبات، فإن الداخل الخليجي يعيش القلق الذاتي، والوحدة السياسية بين دول مجلس التعاون التي كانت تطمح إليها السعودية، سبق أن رفضتها سلطنة عُمان عام 2013 خلال جلسات “حوار المنامة” في البحرين، حين فاجأ الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي المشاركين في ذاك الحوار بإعلان معارضة بلاده للإتحاد الخليجي وتهديده بالانسحاب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية إن تم إقراره، فضلاً عن تجديد رفضه الإنضمام إلى العملة الخليجية الموحدة أو توسعة ما سُمِّيت يومذاك “قوات درع الجزيرة”، وجميعها طروحات سعودية، لأن السلطان قابوس استشعر مُبكراً نُزوع السعودية الى الهيمنة السياسية على المجلس، وعدم ثقة بآل سعود، الذين وصل منهم اليوم محمد بن سلمان الى حدود اعتلاء العرش، والذي يُقال أن أمير الكويت وَصَفه في بعض مجالسه، بالوحش الكاسر. وبصرف النظر عن انعقاد هذه القِمَّة من عدمها، وبصرف النظر أيضاً عن تنازلات متبادلة من جانب قطر، تُقابلها ليونة جزئية من السعودية والإمارات والبحرين، فإن “بيضة القبان” في هذا المجلس هي لسلطنة عُمان، نتيجة تصدِّيها الدائم للجنوح السعودي نحو الهيمنة، واعتدالها الموزون في نسج العلاقات الإقليمية خاصة مع إيران، وقد جاءت مشاركة عُمان في الاجتماع الخماسي حول اليمن، الذي استضافته الخارجية البريطانية منذ أيام الى جانب ممثِّلين عن السعودية والإمارات والأمم المتحدة إضافة الى وكيل وزارة الخارجية الأميركية، تأكيد الثقل الوازن لسلطنة عُمان ضمن مجلس التعاون، ودورها الفاعل في حلحلة المسألة اليمنية، خاصة أن هذا الإجتماع تلته زيارة مفاجئة لرئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي الى السعودية، وهي الثانية خلال ستة أشهرٍ، أوصلت خلالها رسالة شديدة اللهجة للسعودية لفرملة عدوانها على اليمن، وفتح المرافىء البحرية لإيصال المساعدات، وقد واكب زيارتها تصريح لزعيم حزب العمال البريطاني”جيريمي كوربين” الذي قال: “إن الحديث عن التطرف الإسلامي يجب أن يبدأ بـالسعودية ودول الخليج الأخرى التي موَّلت وأيَّدت الأيديولوجية المتطرفة”.
وأمام نظامٍ سعودي يتصدَّر الدول الخليجية الراعية للإرهاب، واستحقاق انعقاد قِمَّة مجلس تعاون هذه الدول، فإن الجزئية الأهم، أن اليمن قد دمَّرتها السعودية بدل أن يحتضنها هذا المجلس، وجيبوتي الفقيرة هي نموذج لدولٍ مغلوبٍ على أمرها، يستدعيها السعوديون “تكملة عدد” الى مؤتمر تحالف الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب، ويلفظونها من مجلسهم، وهذا التحالف العقيم الذي مضى على تأسيسه سنتان لم يُطلق رصاصة على إرهابي، فإن السعودية التي يتحكَّم بسياساتها الداخلية والخارجية حالياً ولي عهدٍ متهوِّر، لن تكون بعد اليوم “الطوبة” التي يؤتمن لها أن تكون ضمن هيكل دول مجلس التعاون الذي يهرول نحو التفكُّك والإنهيار، لإنعدام الثقة بنظام “مات الملك، عاش الملك”، خاصة عند وصول من يعتبره أمير الكويت “وحشاً كاسراً” الى العرش السعودي، وكل محاولات الترميم الكويتية ما هي سوى تجارب يائسة لوقف تهاوي “هيكل التيجان”…
المصدر: موقع المنار