في تقرير سابق بعنوان “على وقع الجغرافيا والتاريخ: اليمن وذعر المملكة الشقيقة”.. أجبنا عن سؤال: أي وقع لثوابت الجغرافيا والتاريخ على اليمن؟… نحاول في هذا التقرير الإطلالة على الخارطة السياسية لليمن من خلال الإضاءة على العمل الحزبي الذي يمثل جغرافية اليمن المتحركة، لنخصص تقريراً لاحقاً يجيب عن “أنصار الله”، الحركة التي تحولت إلى رقم صعب في جغرافيا مليئة بالتعقيدات، ومنطقة تعج بالأحداث؟
رغم قوننة العمل الحزبي في اليمن عام 1991، إلا أن نشأة بعض الأحزاب في اليمن استبقت ذلك، ومنها ما يمتد إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي… قبل انتقاله للعمل السري، في فترة ما قبل التسعينات.
الأحزاب السياسية في اليمن، التي يتخطى تعدادها عشرين حزباً وبحسب بعض التقديرات تصل إلى خمسين حزباً، تختلف في عقيدتها الحزبية فمنها ما تشكل على أساس إسلامي أو قومي أو يساري، لكن يبقى العامل القبلي المؤثر الابرز في تاييد الاحزاب والانخراط فيها.
أهم الاحزاب التي ساهمت في تشكيل المشهد السياسي بما يحفل به من تطورات كانت أربعة… وكان بعضها جزءاً من تشكيل مكونات سياسية كان لها تأثير في المشهد اليمني.
فما هي هذه الأحزاب؟ كيف تحالفت؟ وكيف وظفت تحالفاتها لضرب خصومها في الداخل؟
حزب المؤتمر الشعبي العام
تأسس عام 1982 برئاسة علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية السابق، الذي كان حاكماً لليمن الشمالي قبل تحقيق الوحدة في العام 1990 ، وظل يُطلق عليه اسم “الحزب الحاكم” حتى العام 2011. ويُصنف حزب المؤتمر الشعبي العام بأن ليس له أيديولوجية واضحة، وليس له برنامج سياسي محدد. وقد جمع تحت أجنحته فئات وقوى مختلفة من المجتمع اليمني وعلى رأسها القبائل، واعتُبر وجهة مفضلة للراغبين في النفوذ.
وبموجب اتفاقية بين حزب المؤتمر بشخص علي عبدالله صالح ، والحزب الاشتراكي ممثلاً بعلي سالم البيض الذي كان حاكماً لجنوب اليمن، تمت الوحدة اليمنية على أساس تقاسم السلطة.
وخاض حزب المؤتمر ست حروب في محافظة صعدة الشمالية ضد حركة أنصار الله أو ما كان يُعرف بالحوثيين… لم يحقق في أي منها أي نصر عسكري.
هيمن حزب المؤتمر الشعبي العام على مجريات الحياة السياسية في اليمن، فقد سيطر الحزب منذ تأسيسه على المشهد السياسي اليمني، كان يفوز بأغلبية المقاعد في جل الانتخابات التشريعية، ويشكل الحكومة مستندا على دعم قبلي. وقد اتهم بالسيطرة على اللجنة العليا للانتخابات والعمل على أن تكون نتائج أي انتخابات لصالح المؤتمر الشعبي العام، وتعديل قانون بشكل يلغي التمثيل المتوازن للقوى والتيارات السياسية المختلفة وبطريقة تتضمن مزيدا من الهيمنة للحزب.
ليس له أيديولوجية واضحة أو برنامج سياسي محدد. جمع تحت أجنحته فئات وقوى مختلفة من المجتمع اليمني وعلى رأسها القبائل، واعتُبر وجهة مفضلة للراغبين في النفوذ. |
وعمل حزب المؤتمر على تفريخ أحزاب تدين له بالولاء والطاعة، وقد ارتبطت هذه بحزب المؤتمر من حيث التمويل ومن حيث النشأة، ودرج على تسميتها بـ”الأحزاب المفرخة”، وفق ما يقول الإعلامي اليمني حميد رزق في حديث مع موقع المنار.
اضطر زعيم الحزب علي عبد الله صالح للتنحي عام 2011 تحت ضغط المظاهرات الشعبية ، منهياً بذلك سنوات حكمه التي تجاوزت الثلاثين عاماً. إلا أن السلطة بقيت بيد الحزب بعد انتقال الحكم للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، الذي كان المرشح الوحيد لمنصب الرئاسة مدعوماً من السعودية.
مؤخراً انقسم حزب المؤتمر إلى جناحين:
1- الجناح “الوطني” المعروف بجناح صالح، يتكون من الموالين لعلي عبد الله صالح.
2- جناح “عفاش” الذي يتشكل من مجموعة الرئيس المستقيل هادي.
و بعد قرار مجلس الأمن الدولي بتجميد أصول علي عبد الله صالح وفرض حظر دولي على سفره، أعلن الجناح الموالي لصالح في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، عزل الرئيس هادي من منصبه كنائب أول لرئيس الحزب، وعبدالكريم الإرياني النائب الثاني لرئيس الحزب.
حزب التجمع اليمني للإصلاح
“علي عبدالله صالح أسند الدور لحلفائه الإخوان المسلمين لمواجهة خصومه، بعد الوحدة، فاعتبروا المعركة السياسية من واجبهم وحدهم”… هذا ما ذكره كتاب”الإسلامية اليمنية” الصادر عام 2008 عن مركز المسبار للدراسات والبحوث.
ويُعرف حزب التجمع اليمني للإصلاح بأنه “حزب الإخوان المسلمين” في اليمن، إلا أنه في الحقيقة مكون من قيادات من التيار المتشدد التابع لجماعة الاخوان المسلمين، إضافة إلى تجمع قبلي وقيادات وهابية. ومن بين القيادات الداعية عبدالمجيد الزنداني، مؤسس الاخوان المسلمين في اليمن، والذي تصفه الولايات المتحدة الأميركية بأنه “الأب الروحي لزعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن”.
تأسس حزب التجمع اليمني للإصلاح في 13 أيلول/ سبتمبر 1990، على يد عبد الله بن حسين الأحمر وعلي محسن الأحمر وعبد المجيد الزنداني ومحمد بن عبد الله اليدومي. وتعود لما عُرف بالـ”جبهة الإسلامية” عام 1979، التي ظهرت بدعم سعودي.
في مذكراته، ذكر عبدالله بن حسين الأحمر أن تأسيس الحزب كان بطلب من الرئيس علي عبدالله صالح، بعد الوحدة، وذلك ليكون رديفاً لحزب المؤتمر، كحزب إسلامي مواجه للحزب الاشتراكي. وكتب الأحمر: “طلب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الإسلامي وأنا معهم، أن نكون حزباً في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر… قال لنا: كونوا حزبًا يكون رديفاً للمؤتمر، ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة، ولن نختلف عليكم وسندعمكم مثلما المؤتمر، إضافة إلى أنه قال: إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي، وهم يمثلون الحزب الاشتراكي والدولة التي كانت في الجنوب، وأنا أمثل المؤتمر الشعبي والدولة التي في الشمال، وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتململ منها، وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم، بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط أو الأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي، وهي غير صائبة ونعرقل تنفيذها، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح”.
وهكذا اصبح حزب التجمع حليفاً قوياً لصالح بوجه الحزب الاشتراكي بعد الوحدة اليمنية، “أُحيل للأحمر والزنداني مسؤولية ضرب الحزب الاشتراكي معنوياً، ونجح هؤلاء من خلال التحريض على الاشتراكي وتكفيره بدعوة أنه حزب ماركسي ملحد، فأنضجوا مرحلة الحرب. وقد نفذ عناصر من الإصلاح عمليات اغتيالات طالت حوالي 160 قيادياً في الاشتراكي”، وفق ما يذكر حميد رزق.
الجنرال علي محسن الأحمر، المقرب من السعودية والوهابية، قام بتجنيد آلاف المقاتلين ضد “الحوثيين، من: مسلحي حزب الإصلاح ومتعاطفين مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وعدد ممن كانوا قد شاركوا في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. |
بعد حرب عام 1994 دخل حزب الإصلاح وحزب المؤتمر في حكومة ائتلافية استمرت حتى العام 1997. ولطالما احتل المركز الثاني بعد حزب المؤتمر في الانتخابات اليمنية، فكان الزعيم الأسبق للتجمع عبد الله الأحمر يُنتخب في كل دورة رئيسا للبرلمان بأصوات حزبه والحزب الحاكم.
التحالف بين الطرفين عززه مشاركة حزب التجمع اليمني للاصلاح بالحروب الست التي خاضها علي عبد الله صالح في صعده. وقد لعب الجنرال علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية آنذاك والرجل الثاني في الحكم آنذاك وأحد مؤسسي حزب التجمع، الدور الأهم في ذلك.
قام الجنرال، المقرب من السعودية والوهابية بتجنيد آلاف من المقاتلين لقتال “الحوثيين”… وهم مقاتلين جمعهم من مسلحي حزب الإصلاح ومتعاطفين مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وعدد ممن كانوا قد شاركوا في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان, وهكذا وصلت القاعدة الى اليمن من بوابة النظام آنذاك لضرب خصومهم.
وفي بحثه حول التجمع اليمني للاصلاح، يذكر كتاب”الإسلامية اليمنية” عن حرب باردة بدأت بين حزب المؤتمر وبين حزب الاصلاح في بداية القرن الجديد، ومرده إلى خوف علي عبدالله صالح من تمدد نفوذ “الاسلاميين”.
تمظهرت هذه الحرب بإعلان الحكومة اليمنية في أيار/مايو 2002، وضع المعاهد العلمية، مالياً وإدارياً تحت إشرافها، وإدماج ميزانياتها في ميزانية وزارة التعليم. وكان بمثابة رصاصة الرحمة بين جماعة الإخوان والرئيس صالح، خصوصاً ان هذه المعاهد هي مدارس دينية تخضع لسلطة الاصلاح بشكل كامل، ويمارس نفوذه من خلالها، سواء في حشد المؤيدين له فكرياً أو تجنيدهم لاحقاً.
هذه الخطوة دفعت بحزب الإصلاح عام 2003 إلى الانضمام إلى المعارضة التي كان يمثلها اللقاء المشترك، إلا ان الانضمام ظل شكلياً ففي الانتخابات البرلمانية من العام نفسه أتى عبدالله الأحمر كرئيس للبرلمان بتوافق بين الاصلاح والحزب الحاكم، وهو توافق تكرر عام 2006 عندما أيّد الاصلاح ترشح علي عبدالله صالح للرئاسة.
عام 2011، انضم حزب الاصلاح للاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل علي عبدالله صالح. وشارك في جلسات الحوار التي عقدت بدعم سعودي وأميركي، وفي اول حكومة انتقالية منح الحزب وزارات مهمة: الداخلية ، التعليم، الاعلام ، التخطيط، العدل ، الكهرباء، وزارة حقوق الانسان.
الحزب الاشتراكي اليمني
وهو من أهم الأحزاب اليمنية، التي لها ثقل شعبي في الجنوب، بعد ان كان مهيمناً على المشهد السياسي في اليمن الجنوبي سابقاً او ما كان يُعرف بـ”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”…. تعود نشأة الحزب إلى أواخر السبعينيات.
كانت مرجعية الحزب ماركسية-لينينية في الأصل، غير أنه راجع بعض أفكاره -خاصة ما يتعلق بالدين وحقوق القوميات- بعد حرب عام 1994. كان علي سالم البيض أمينه العام في الفترة 1986-1994، الذي أعلن انفصاله عن الحزب عام 2009، وتأييده لمطالب انفصال جنوب اليمن عن شماله، وهو مطلب لا يؤيده الحزب الاشتراكي.
وبعد مقاطعة الانتخابات البرلمانية والرئاسية عامي 1997 و 1999، شارك الحزب الاشتراكي في الانتخابات النيابية الثالثة 27 أبريل/نيسان 2003.
أعلن احترامه لحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره السياسي، واعتبر أن حل القضية الجنوبية يكمن في دولة اتحادية تتكون من إقليمين. |
أصيب في ديسمبر/كانون الثاني 2002 بضربة موجعة باغتيال أحد قيادييه البارزين، الأمين العام المساعد عمر جار الله بالرصاص في العاصمة صنعاء. على اثر ذلك، انضم إلى تشكيل اللقاء المشترك المعارض عام 2003 الذي تزعمه إلى جانب حزب الإصلاح.
انضم للاحتجاجات التي انطلقت عام 2011، التي أسقطت الرئيس علي عبد الله صالح.
شارك في الحوار الوطني اليمني، وكان من الموقعين على اتفاق السلم والشراكة الوطنية باليمن في 21 سبتمبر/أيلول 2014. وأعلن احترامه لحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره السياسي، واعتبر أن حل القضية الجنوبية يكمن في دولة اتحادية تتكون من إقليمين.
ويعتبر الحزب الاشتراكي اليمني من أبرز مكونات اللقاء المشترك -الذي تأسس مطلع عام 2003، ومع ان الحزب لازال فاعلاً في الحياة السياسية اليمنية، إلا أن اسمه قد لا يتردد كثيراً كما من سبق ذكره لكونه “غير مشاغب”، كما تصف مصادر يمنية.
إلى جانب هذه الأحزاب تصنف حركة أنصار الله من بين اللاعبين الكبار في اليمن، كما أن هناك تشكيلان سياسيان احتلا حيزاً مهماً في الساحة السياسية اليمنية: اللقاء المشترك والحراك الجنوبي.
اللقاء المشترك
وهو تكتل لأحزاب المعارضة الرئيسة في اليمن، وقد تم تأسيسه في 6 فبراير/شباط 2003م. ويشكل اللقاء تطويراً لتكتل أحزاب المعارضة اليمنية، فهو ليس سوى انضمام حزبين إلى ما كان يعرف بـ “مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة” المؤسس عام 1999، والذي كان يضم الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي وحزب البعث وحزب الحق واتحاد القوى.
يضم هذا التكتل كلاً من:
1. حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)
2. الحزب الاشتراكي اليمني.
3. حزب الحق.
4. التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري.
5. حزب البعث العربي الاشتراكي القومي.
6. التنظيم السبتمبري الديمقراطي.
7. اتحاد القوي الشعبية اليمنية.
هَدَفَ تكتل اللقاء المشترك إلى التنسيق في ما بين مكوناته في الانتخابات البرلمانية, والعمل المشترك لضمان وصول جميع الأحزاب الستة الموقعة على الاتفاق للمشاركة في المجلس النيابي.
ونظرا للإختلافات الآيدولوجية الكبيرة بين أحزاب اللقاء المشترك، خصوصاً بين الاشتراكي والاصلاح لم يتمكن اللقاء من احداث تغييرات مهمة على صعيد سير الحياة السياسية في اليمن إبان حكم علي عبدالله صالح. إلا أنه لعب دوراً فاعلاً في ثورة عام 2011، وما تلاها من عملية انتقالية.
الحراك الجنوبي
هو حراك شعبي في جنوب اليمن بدأ بكيان جمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين المسرحين من عملهم، ويتكون حالياً من أكثر من 60 شخصية أو كياناً سياسياً.. في بدايات تأسيسه طالب الحراك بالمساوة بين الشمال والجنوب وإعادة المسرحين العكسريين والمدنيين، إلا أن سياسات التهميش والاقصاء دفعته لاحقاً للمناداة بالاستقلال لجنوب اليمن.
في حديثه لموقع المنار، يوضح حميد رزق أن “الحراك الجنوبي مكون من عدة فصائل غير متفقة في المضمون والوسيلة”. فمع اشتداد واتساع دائرة الثورة عام 2011 مطالبة برحيل الرئيس وإسقاط النظام، أعلن الحراك على لسان أمينه العام عبد الله حسن الناخبي وقف مطالب الانفصال بشكل مؤقت، والانضمام إلى المظاهرات والاحتجاجات التي تعم البلاد ، ولم تتبنَ بعض فصائل الحراك هذا البيان ورفضته مؤكدة استمرار مطالبتها بالإنفصال.
ويقول الإعلامي اليمني أن الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي مول بعض فئات من الحراك الجنوبي وقدمهم في الحوار على أنهم ممثلين عن الحراك ، لسحب البساط من الفصائل الاخرى التي رفضت الاعتراف بالحوار، متمسكة بمطالب الانفصال.
اليوم تطالب بعض فصائل الحراك الجنوبي بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، ومنها من لا يعترف أصلا بهوية الجنوب اليمنية، وتعتبر أن جنوب اليمن محتل من قبل الشمال. وآخرون مؤيدون لحل يحافظ على الوحدة في إطار فيدرالية، بشكل يُنصف اليمن الجنوبي.. وهو طرح يتوافق مع رؤية حركة أنصار الله لشكل الدولة في اليمن.
في التقرير التالي:
من هم انصار الله؟