تناولت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الجمعة 24-11-2017 في بيروت مواضيع عدة كان أبرزها التطورات السياسية في لبنان في اليومين الاخيرين خاصة لجهة مواقف رئيس الحكومة سعد الحريري وعودته عن الاستقالة..
الأخبار
لا مؤتمر حوار ولا بحث في السلاح ومجلس الوزراء الى الانعقاد قريباً
تناولت الأخبار الشأن المحلي وكتبت تقول “«تريث» الرئيس سعد الحريري في تقديم استقالته له معنى واحد: العودة عنها. وكل ما يشاع عن مؤتمرات حوار وبحث في سلاح المقاومة لا يعدو كونه شكليات لـ«هضم» هذه العودة، وإعادة الانتظام الى العمل الحكومي.
أما وقد «تريّث» الرئيس سعد الحريري في تقديم استقالته، فإن الخطوة التالية المتوقعة هي عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد، في وقت ليس ببعيد. وهو ما بدأه «رئيس الحكومة» فعلياً، أمس، بافتتاحه المؤتمر المصرفي العربي، وباعلانه انه سينصرف الى توقيع بريده المتراكم منذ ثلاثة أسابيع. وعليه، فإن «التريث» يعني عودة عن الاستقالة، وبذلك تكون مفاعيل أزمة إقالة الحريري واحتجازه في السعودية قد انتهت… وكأنها لم تكن.
وليس تفصيلاً، في هذا السياق، إعلان النائب وليد جنبلاط، بعد لقائه الحريري أمس، أن «الغيمة مرت»، وتأكيده «التمسك بمضامين التسوية»، وحديثه عن «انطلاقة جديدة».
أما كل ما يشيعه السعوديون وأتباعهم في لبنان عن دعوات الى مؤتمر حوار أو طاولة حوار للبحث في سلاح المقاومة فلن يعدو كونه مجرد مشاورات يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا مع قيادات سياسية، لحفظ بعض ماء الوجه السعودي، ولـ«تبليع» جمهور تيار المستقبل الضربة التي وُجهت الى زعيمه «من بيت أبيه»، وتمهيداً لعودة انتظام العمل الحكومي. فلا رئيس الجمهورية الذي أشار في خطاب الاستقلال الى «تحرير لبنان من العدو الاسرائيلي والتكفيري» في هذا الوارد، ولا حزب الله سيسلّم تحت ضغط استقالة ما لم يسلّمه تحت ضغط عدوان 2006. فيما يدرك الجميع أن قتال الحزب في سوريا بات جزءاً من صراع دولي ـــ اقليمي، وأكبر من اقالة الحريري نفسه. باختصار، بحسب مصادر مطلعة على موقف حزب الله، «هذه طروحات غير واقعية وليست مطروحة للبحث. ونقطة على أول السطر».
المصادر نفسها تؤكد أن السعودية (وأتباعها في لبنان) خرجت من أزمة إقالة الحريري واحتجازه «خاسراً أول وأوحد». وقد تحتاج الى بعض الوقت لتقييم سوء التقدير الذي وقعت فيه بناء على نصائح أطراف لبنانية بأن الضغط على حزب الله يتطلب الخروج من الحكومة وتفجير التسوية السياسية. ناهيك عن سوء إخراج الاستقالة وتوقيتها. ففي المعلومات أن السعوديين طلبوا من دار الفتوى الايعاز الى خطباء المساجد بمهاجمة حزب الله والدعوة الى التظاهر في خطب الجمعة التي تلي الاستقالة. لكن مرور أسبوع في ظل الالتباس الذي ساد وضع الحريري في الرياض، معطوفاً على تحركات الدائرة اللصيقة به، أدى الى امتناع الدار عن تلبية الطلب. كما طلب السعوديون من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، أكثر المتحمسين للاستقالة، القيام بخطوات «ما فوق سياسية»، كقطع طرقات وغير ذلك، ما وضعه في إحراج بين رفض الضغط السعودي وبين غياب الغطاء السني لخطوات كهذه، وبين الوقائع على الأرض في ظل وجود جيش ملتفّ حول رئيس الجمهورية.
في المقابل، كانت المكاسب اللبنانية بالجملة:
أولاً، انتزع لبنان تجديد الاعتراف الدولي بأهمية الحفاظ على استقراره. فالتحرك الفرنسي ـــ المصري للوصول الى مخرج من الأزمة التي افتعلتها الرياض كان واجهة لإجماع دولي على رفض هذه السابقة في العلاقات بين الدول.
وإذا كان الفرنسيون قد تصدّروا هذا التحرك لاعتبارات تاريخية وأخرى ذات صلة بعلاقتهم بآل الحريري، إلا أن ذلك لم يكن ليتم من دون ضوء أخضر أميركي. إذ إن واشنطن تعتبر الاستقرار في لبنان مكسباً مهماً لها في ظل انعدام التوازن لمصلحة حلفائها في البلد. هذا الضغط أدى الى إجبار السعودية على إطلاق الحريري وترك الأمر للفرنسيين لتدبّر المخرج «اللائق». وبالتزامن مع وصول الحريري الى باريس السبت الماضي، كانت مروحة الاتصالات الفرنسية تشمل القاهرة وطهران والرئيس عون وحزب الله وبقية الأطراف السياسية، وتم التوصل بنتيجتها الى «التريث في تقديم الاستقالة». ومع نزول رئيس الحكومة في مطار بيروت ليل الثلثاء كانت كل الأطراف السياسية الرئيسية في جو بيانه الذي سيعلنه من قصر بعبدا في اليوم التالي.
ثانياً، انتزع رئيس الجمهورية اعترافاً محلياً ودولياً ببراعته في إدارة الأزمة وبأهمية «الرئيس القوي» في قصر بعبدا.
ثالثاً، رغم الاهانة التي وجّهت اليه، تمكّن الحريري من إنعاش شعبيته على أبواب الانتخابات المقبلة، بعدما كانت المعطيات الانتخابية تشير الى أن خصومه المنشقين عن تياره، كأشرف ريفي، يقضمون من شعبيته، إلى حد أنه كان يدرس طرحاً بالاستقالة في آذار المقبل لتعويم وضعه انتخابياً، وهو ما لم يعد في حاجة اليه اليوم.
رابعاً، انتزع حزب الله، المستهدف الأول من كل «الخربطة» السعودية، اعترافاً دولياً ومحلياً بدوره العاقل في مقاربة الأزمة.
فمنذ اليوم الأول لبيان الاقالة، تعامل الحزب مع الأمر، كما الرئيسان عون ونبيه بري، على أساس أن الحريري محتجز ومكره على تقديم الاستقالة لأن مصلحته السياسية والمالية والانتخابية ان يكون في السرايا. لذلك قرّ الرأي على عدم قبول الاستقالة وكل ما يصدر عن رئيس الحكومة أثناء وجوده في السعودية.
في غضون ذلك، لم تنقطع الاتصالات بين عائلة الحريري وحزب الله، مداورة ومباشرة، وعلى خطين: خط بهية الحريري مع مراجع عليا في الحزب، وخط نادر الحريري ــ حسين الخليل. وسمع مسؤولو حزب الله تقديراً كبيراً من العائلة «لتصرفه بنبل، وعدم استغلاله لحظة الضعف الحريري، وحفاظه على كرامة رئيس الحكومة ووحدة البلد». كما استقبل الحزب، عشية عودة الحريري ليل الثلاثاء، موفداً فرنسياً تمنى إبقاء الخطاب هادئاً والتجاوب مع المبادرات المطروحة لتمرير فكرة التريث. علماً ان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كان قد استبق هذه التمنيات في كلمته الأخيرة، ليل الاثنين، بتسليف الحريري موقفاً في ما خص «النأي بالنفس» عندما أعلن أن المهمة «أنجزت في العراق» وأن الحزب «لم يرسل أسلحة إلى اليمن أو البحرين أو الكويت»… إعلان أتى، هو الآخر، في سياق فقء «الدمّلة السعودية». إذ تدرك الرياض أن الحزب ما كان ليفكر بالانسحاب من العراق لولا أن «المهمة أُنجزت»، ولا هو في وارد السكوت عن مجازرها في اليمن.
الجمهورية
مشاورات لـ«الطائف» والنأي بالنفس والعلاقات مع العرب
وتناولت الجمهورية الشأن الداخلي وكتبت تقول “عاد الوضع في لبنان إلى ما كان عليه قبل الرابع من تشرين الثاني مع بعض التصدّعات غير العصيّة عن الرأب في قابل الأيام. الأميركيون أوحوا، والفرنسيون والمصريون تحرّكوا باتّصالات حثيثة مع بيروت والرياض وفي اتّجاهات أخرى، فوُلدت التسوية لأزمة الاستقالة، وأولى خطواتها كانت تمنّي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الرئيس سعد الحريري التريّث في هذه الاستقالة، فاستجابَ ليبدأ البحث عن مخرج تحدّثَ عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري متوقّعاً تبَلورَه خلال «أيام قليلة». وكان لافتاً في هذا الصَدد زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي إليزابيت ريتشارد وبرنار فوشيه للحريري على وقعِ برقيتَي تهنئة ودعم تلقّاهما كلّ مِن عون والحريري من الرئيسين الأميركي دونالد ترامب الذي أكّد وقوفَ الولايات المتحدة «بثبات مع لبنان»، وأنّها «ستواصل دعمَ جهود لبنان لحماية استقراره واستقلاله وسيادته». والفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكّد تمسّكَ المجموعة الدولية بوحدة لبنان وسيادته واستقراره إضافةً إلى أهمّية استمرار حسنِ سير المؤسسات فيه، مشدّداً على «أن استقرار لبنان يشكّل أولوية فرنسية. في المقابل، برز موقف إيراني متشدّد أكّد أن لا تفاوض على سلاح «حزب الله». ما فُسّر على أنه تشدُّد إيراني في وجه الهجمة العربية والأميركية، أو ربّما لرفع سقفِ المطالب قبل التفاوض على أزمات المنطقة.
كشفَت مصادر بعبدا لـ«الجمهورية» أنّ عون ليس بصَدد تنظيم طاولة حوار إنّما سيُجري بعيداً مِن الأضواء مروحة اتّصالات ولقاءات تشاورية، وستكون ثنائية في المرحلة الأولى حول ثلاثة عناوين أساسية هي «اتّفاق الطائف» و«النأي بالنفس»(تعريفه وحدوده وإمكاناته) والعلاقات مع الدول العربية. وعوّلت هذه المصادر على التطوّرات الإقليمية والدولية ولا سيّما منها التقدّم في العملية السياسية وتخفيض محاور القتال والحراك الدولي المتعدّد الوجوه المُرافق لها لمواكبة الحوار اللبناني.
وغابت أمس اللقاءات الرسمية عن قصر بعبدا، وتحدثت دوائره لـ«الجمهورية» عن أنّ رئيس الجمهورية عكفَ على تقويم التطورات التي اعقبَت عودة الحريري وموقفه المتجاوب مع رغبته بالتريّث في تقديم استقالة حكومته. وقد عَقد لهذه الغاية اجتماعات مع فريق عمله تمهيداً لِما يجب اتخاذه من قرارات في المراحل القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى.
ولفَتت هذه الدوائر الى «أنّ ما شهده القصر الجمهوري في عيد الاستقلال عزّز الاستقرار على كلّ المستويات، ولا بدّ من اتّخاذ التدابير المتأنّية لعبور المرحلة المقبلة بالطريقة التي تضمن هذا الاستقرار الذي تُرجِم أمس انفراجات واسعة على كلّ الصُعد الوطنية والسياسية والمالية والاقتصادية، وهي أمور تزيد من اقتناع رئيس الجمهورية بضرورة التأنّي في اتخاذ الإجراءات التي تحمي كلّ هذه الإنجازات ولا سيّما منها تلك التي اعقبَت تجاوبَ رئيس الحكومة مع رغبته بالتريّث في الاستقالة لإفساح المجال امام عددٍ من الإجراءات التي تنتفي معها الظروف التي دعَته الى الاستقالة».
وقالت «إنّ البلاد انتقلت اوّل مِن امس من مرحلة الى أخرى وإنّ رئيس الجمهورية يسعى الى تحصينها بالقرارات المناسبة وإنّ اتصالاته الداخلية والخارجية في هذه المرحلة ستبقى سرّية الى ابعدِ الحدود على قاعدة: «إستعينوا على قضاء حاجاتكم بالكتمان».
برّي يتحدّث عن مخرج
وأبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس ارتياحه إلى المناخ السياسي السائد في ضوء تريّثِ رئيس الحكومة سعد الحريري في الاستقالة، منوّهاً في هذا السياق بالبيانين الصادرين عن تيار «المستقبل» وكتلة «الوفاء للمقاومة» لتضمّنِهما «إيجابيات ملحوظة».
وكشَف بري عن «جهود تُبذل في سبيل بلوغ مخرج للأزمة السياسية السائدة»، ولم يدخل في تفاصيل حولَ هذا المخرج، وقال: «الشغل ماشي والجميع يعمل، المهم أن نأكل العنب في النهاية، الجميع يَعملون والحلّ ستجدونه أمامكم، وأعتقد انّه لا يجب ان تطولَ محاولة الوصول اليه، إذ لا يجوز ان يبقى الوضع لشهرٍ أو شهرين، او حتى لأسابيع، بل المطلوب ايام قليلة».
وقال برّي: «لا خيار سوى أن نمشي في محاولة البحث عن حلّ، وإن شاءَ الله الامور ماشية والمطلوب من كلّ طرَف ان يتقدّم خطوة الى الامام حتى نلتقي في منتصف الطريق وهناك استعداد لدى الجميع».
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان لبنان قد تجاوَز القطوع، أجاب برّي: «لقد تجاوَزناه بنسبة 90 في المئة، وأثبتَ اللبنانيون انّهم تجاوزوا أزمة كبيرة». مذكّراً بتشديدِه على «الوحدة الداخلية التي تجعلنا أقوياء فبوحدتنا نكون أقوياء وبتفرُّقِنا نكون أوهن وأضعفَ مِن بيت العنكبوت».
وردّاً على سؤال حول الوضع الحكومي، قال بري: «وضعُ الحكومة طبيعي وهي كاملة المواصفات وتستطيع ان تجتمع وتقرّر». وسُئل بري أيضاً: هناك أمرٌ يتعلق بتراخيص التنقيب عن النفط التي تحتاج الى قرار حكومي، فأجاب: «تستطيع الحكومة ان تجتمع وتقرّر ذلك».
الحريري
على أنّ قريبين من الحريري أبدوا ارتياحَهم التام إلى الخطوة الاستيعابية التي خطاها فريق 8 آذار والتسوية التي حِيكت في ساعات الفجر قبل إعلان الحريري التريّثَ في الاستقالة والتي على اساسِها أُبلِغَ الحريري انّ القوى السياسية ستتعاون معه في التزام سياسة «النأي بالنفس».
وعليه أكّد مصدر وزاري بارز في فريق 8 آذار «انّ الأمور عادت الى ما كانت عليه قبل سفرِ الحريري الى السعودية، وتباعاً ستستعيد الحكومة عافيتَها ومعها البلد»، كاشفاً «أنّ معظم ما تمَّ الاتفاق عليه داخل دائرة ضيّقة جداً منذ خروج الحريري الى منزله الباريسي قد تحقّقَ ضِمن خريطة طريق من نقاط عدة يقدر الجميع عليها من دون تحميلِ أيّ فريق ما لا يقوى على فِعله، فتنازُلات محدودة ومعقولة كانت وافيةً للغرض وجَعلت الفريقَين يلتقيان في منتصف الطريق».
وعلمت «الجمهورية» انّ اتصالات مكثّفة جرت ليل الثلثاء ـ الأربعاء بين أطراف لم يتجاوز عددهم أصابعَ يدٍ واحدة وكان محورها عون – بري – الحريري عبر معاونيهم، ترافقَت مع اجتماعات بين الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل ومعاون الأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل، وتخَلّلها تنسيق مع مستشار رئيس الحكومة نادر الحريري فأفضت الى التسوية ـ البيان الذي أجرى بري والحريري مراجعةً أخيرة له وهما في طريقِهما من مكان الاحتفال بعِيد الاستقلال الى بعبدا قبل ظهرِ الاربعاء.
«بيت الوسط»
وإلى ذلك، لاحَظ المراقبون التطابقَ في قراءة المرحلة ما بين قصر بعبدا و«بيت الوسط» الذي أشارت مصادرُه لـ«الجمهورية» أنّه وإلى جانب اللقاءات التي عَقدها رئيس الحكومة امس هناك جانبٌ آخر مِن نشاطه لم ولن يعلنَ عنه.
فهو، الى ورشة الإتصالات التي تعهّد بها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، عليه ان يُجريَ اتصالاته الخاصة لملاقاتها في ظروف أوحَت بتوزيع أدوار متقَن تمّ التفاهم عليه في اللقاء الرئاسي الثلاثي في قصر بعبدا الذي انتهى الى تجاوبِ رئيس الحكومة مع رغبة رئيس الجمهورية بالتريّث في الاستقالة بعدما لاحَظ الجميع أنّ البيان الذي تلاه الحريري بعد لقائه وعون يعني انّه كان ثمرةَ تفاهمٍ سبق اللقاءَ، ما جعله يعدّ بيانه سلفاً، في خطوةٍ لم تكن منتظرة لدى كثير من المحافل السياسية والحزبية وشكّلت في رأي أوساط «بيت الوسط» صدمةً إيجابية ثانية بعد الصدمة التي أرادها من إعلان الاستقالة في الرياض.
جنبلاط
وإلى ذلك، التقى الحريري مساء رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط يرافقه النائب وائل ابو فاعور، في حضور وزير الثقافة غطاس الخوري. وقال النائب جنبلاط بعد اللقاء: «مرَّ علينا وعلى البلاد وعلى الشيخ سعد ظرفٌ استثنائي، إذا صحَّ التعبير، لكنّه طبعاًعولجَ بالحكمة وبالسياسة، بحكمةِ الشيخ سعد وجميع الفرقاء في لبنان، وإن لم نقل جميعهم فغالبيتهم. وهنا ننطلق انطلاقة جديدة».
وأضاف: «إنّ ما طرَحه الشيخ سعد في ما يتعلق بالتشديد على الاستقرار هو شيء مهم جداً، وعلينا أن نتمسّك بهذا الاستقرار وبمضامين التسوية التي أقرّها الشيخ سعد منذ أكثر من عام، ونتمنّى عليه أن تطول لحظة التريّث هذه وأن تعود المياه إلى مجاريها. هذا الأمر يقرّره الشيخ سعد بالطريقة المناسبة.
البلاد في حاجة إلى تثبيتِ التسوية والانطلاق السياسي والإنمائي، وأعتقد أنّ الغيمة مرّت وأنّ هناك أصدقاء كثُراً للبنان، وقد تبيّن كالعادة أنّ أصدقاء لبنان وأصدقاء الشيخ سعد وأصدقاء الاستقرار كثُر جداً في هذا العالم».
مواقف
مِن جهته، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ «قرار الحريري بالتريّث يَدعمه عون وبري»، لافتاً الى أنّ «عون أقرب بالشراكة مع الحريري في موضوع النأي بالنفس لأنّ همّه الحفاظ على أمن واستقرار البلد». وأكد أنّ «التريث لا يعني إلغاءَ مضمون الاستقالة، فلبنان غير قادر على تحمّلِ تمدّد حزب الله». ورأى أنّ «هناك بوادر حصار أمني وسياسي على لبنان، والجميع يتصرف على قاعدة احتواء هذه الأزمة»، معتبراً أنّ «هناك فصلاً بين البند المتعلق بسلاح «حزب الله» وبند الاستراتيجية الدفاعية الوطنية».
وعن العلاقة مع «القوات اللبنانية» قال المشنوق: «أعتقد أنّ الطرفين حريصان على الحوار حول هذه العلاقة، المرحلة الماضية تركت ندوباً في هذه العلاقة، وكلّ من يقول غير ذلك يكون غيرَ موضوعي، هذه الندوب ممكن معالجتُها بالحوار والمناقشة ووضع الأمور في نصابها الحقيقي، امّا ان نقولَ إنّ العلاقة ممتازة وجبّارة وعظيمة وفظيعة ولم يَحدث شيء، فغير صحيح».
و«القوات» تردّ
مِن جهتها، ردَّت مصادر القوات» على المشنوق، وقالت لـ«الجمهورية»: صحيح انّ هناك ندوباً في العلاقة بين «القوات» و«المستقبل»، وهذه الندوب هي نتيجة تعاملِ بعض قيادات «المستقبل» التي استغلّت غيابَ الحريري لاستهداف «القوات» لحسابات معروفة، فيما القوات آثرَت الصمتَ بانتظار عودة الحريري لمفاتحتِه بتصرّف هؤلاء الأشخاص الذين يسيؤون الى علاقة استراتيجية من طبيعة سيادية تؤمّن التوازن الوطني، واستهدافُها الذي يُراد منه فرطُها، لا يَخدم إلّا مشروع «حزب الله».
الحرس الثوري
من جهةٍ ثانية، نقل التلفزيون الرسمي الايراني عن قائد الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) محمد علي جعفري أنّ «الحرس الثوري سيلعب دوراً نشِطاً في تحقيق وقفِ إطلاق نار دائم في سوريا»، مضيفاً: «أنّ نزع سلاح جماعة «حزب الله» اللبنانية غير قابل للتفاوض».
ورفضَ أيّ «محادثات بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية كما تطالب فرنسا وقوى غربية أخرى». وقال: «إنّ مطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البحثَ في النشاط الصاروخي الدفاعي للبلاد يرجع إلى أنه شابّ يَفتقر للخبرة».
قمّة سوتشي
دولياً، اتّفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إثر قمّة عَقدها الاربعاء في سوتشي، مع نظيريه الايراني حسن روحاني والتركي رجب طيب اردوغان، على عقدِ مؤتمر للحكومة والمعارضة السوريتين في روسيا، معتبراً انّه توجد «فرصة حقيقية» لإنهاء النزاع في سوريا.
غير انّ المعارضة السورية التي اجتمعت في الرياض تمسّكت بموقفها الرافض أن يكون للرئيس السوري بشّار الأسد أيّ دور في الفترة الانتقالية بموجب أيّ اتفاق سلام ترعاه الأمم المتحدة.
اللواء
تريث الحريري يُطلِق مشاورات «تصويب التسوية»
إلتفاف رسمي وروحي وشعبي حول رئيس الحكومة.. وعون يدرس خيارات الحوار
بدورها تناولت اللواء الشأن الداخلي وكتبت تقول “شيء واحد كشفته عودة الرئيس سعد الحريري، وحركة الاتصالات والاجتماعات والزيارات والاستقبالات التي كان هو محورها، ان الاستقرار مطلب لدى اللبنانيين، على كافة انتماءاتهم واتجاهاتهم، وأن «تجاوب الرئيس الحريري مع تمني رئيس الجمهورية التريّث في تقديم الاستقالة، هو «خطوة حكيم لأجل المزيد من التشاور»، على حد تعبير البيان الصادر عن الاجتماع المشترك لكتلة المستقبل والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي لتيار المستقبل برئاسة الرئيس الحريري.
ومحور المشاورات، الذي اطلقته عودة الحريري، وقراره بالتريث بتقديم استقالته رسمياً يدور حول نقاط ثلاث، وفقاً لما ردّده رئيس الحكومة امام زواره، وعكس بيان الاجتماع المشترك للمستقبل:
1- إعادة الاعتبار للنأي بالنفس عن الحروب والصراعات المحيطة.. بشكل فعلي وعملي، ضمن تفاهم يوضع وضع التنفيذ.
2- الامتناع عن كل ما يُسيء إلى علاقات لبنان بأشقائه العرب.
3- رفض تدخل أي جهة لبنانية أو إقليمية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية..
وقالت مصادر مطلعة ان هذه النقاط محور المشاورات الثنائية أو الموسعة التي سيطلقها الرئيس عون بالتفاهم مع الرئيسين نبيه برّي والحريري. وكشفت المصادر ان الأزمة التي يُعمل علىاحتوائها الآن ما تزال قائمة، وأن الرئيس الحريري يحرص على وضع فحوى استقالته قيد البحث الجدي.
وقال مصدر وزاري لـ«اللواء» ان لا جلسات لمجلس الوزراء في هذه المرحلة، مشيراً إلى ان فترة التريث قد تطول، وهي بالتأكيد ليست خلال أسبوعين كما تردّد سابقاً. وأكّد المصدر ان جميع الأطراف معنية بالتوصل إلى «تفاهم ما لمواجهة محاولات حصار لبنان سياسياً واقتصادياً، عبر الابتعاد عن سياسة المحاور».
وتوقف المصدر عند ما نقله التلفزيون الإيراني عن قائد الحرس الثوري الإيراني محمّد علي جعفري، من انه «نزع سلاح حزب الله غير قابل للتفاوض»، معلناً رفضه لهذا الموقف، من زاوية ان هذا النوع من التصريحات يعقد الأمور، ولا يقدم أو يؤخر في مقاربة صحيحة لأوضاع لبنان، مع العلم ان لا أحد في لبنان يطرح هذا الموضوع الآن، والموضوع المطروح يتعلق بابتعاد حزب الله عن الصراعات الإقليمية والانخراط بحوار حول الاستراتيجية الدفاعية.
التريث
ابدت مصادر رسمية متابعة للاتصالات واللقاءات التي تلت إعلان الرئيس سعد الحريري التريث بتقديم استقالته رسميا، عن ارتياحها للاجواء السياسية والشعبية التي اعقبت بيان الحريري من القصر الجمهوري، وبيان اجتماع «تيار المستقبل» بكتلته النيابية ومكتبه السياسي، وكذلك بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» امس، واعتبرت انها كلها مؤشرات جيدة تبشّر بالسعي الجدي لإيجاد حل للأزمة السياسية – الحكومية.
واوضحت المصادر ان الرئيس عون اجرى امس في اتصالاته ولقاءاته تقييماً للموقف وللمناخات السياسية، لكنه سيأخذ وقته الكافي لتقرير المسار الذي سيسلكه في مشاوراته مع القوى السياسية، مستبعدة احتمال عقد طاولة مستديرة تجمع كل الاطراف لأن التجربة السابقة بالطاولات المستديرة لم تكن مشجعة. لكن قدتكون اللقاءات مصغرة ثنائية او ثلاثية ولا سقف زمنياً لها.
واشارت المصادر الى ان لا خلاف على مبدأ «النأي بالنفس» لكن هناك اختلافاً في تفسيره، فالبعض يريد النأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية-العربية، والبعض الاخر يرى النأي بالنفس عن الصراعات العربية – العربية.والمهم في البحث كيف تتم ترجمة النأي بالنفس. لذلك سيأخذ الرئيس عون وقته لأن الامور غير واضحة بعد.
وتحدثت بعض المعلومات ان الرئيس نبيه بري سيشارك في الاتصالات والمشاورات وقد يكون لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دوراً ما أيضا. خاصة انه بدأ تحركه مساء امس بلقاء مع الرئيس الحريري في بيت الوسط، رأى بعده ان «الغيمة مرّت وهناك أصدقاء كثر جداً للبنان وللشيخ عد، في إشارة إلى الرؤساء الفرنسي والمصري والقبرصي»، متمنياً ان «لا تطول لحظة التريث وأن تعود المياه الى مجاريها».
تفاؤل برّي
ومن جهته أبدى الرئيس برّي امام زواره ارتياحه لمضمون بياني كتلة «المستقبل» وكتلة «الوفاء للمقاومة»، مؤكداً اننا «تجاوزنا 90 في المائة من القطوع الحكومي»، مشيراً إلى ان «الكل يعمل وسترون الحل امامكم».
واعتبر برّي الذي تلقى رسالة من جنبلاط حملها إليه النائب غازي العريضي، ان الحكومة الآن طبيعية، متوقعاً ان لا يكون الحل بعيداً «لا شهرين ولا ثلاثة ولا حتى أسابيع، لكنه آثر عدم كشف النقاب عن ماهية هذا الحل، الا انه شدّد على انه مرتاح جداً للأجواء السائدة».
وإذا كان الرئيس برّي شاء بوصف وضع الحكومة حالياً «بالطبيعي» من دون ان يُؤكّد انها «قائمة» بالمعنى الدستوري لها على اعتبار ان الرئيس الحريري تريث بتقديم الاستقالة، بناءً على تمني الرئيس عون، فإن وزير الداخلية نهاد المشنوق وصف الحكومة بأنها «عادية لكنها لا تجتمع»، مشيراً إلى ان الأزمة مفتوحة، لكن الرئيسين عون وبري يتصرفان على قاعدة احتواء هذه الأزمة التي هي خارجية بالدرجة الأولى، موضحاً بأن الرئيس عون أقرب إلى الشراكة مع الرئيس الحريري في كيفية تناول موضوع النأي بالنفس في المرحلة المقبلة، وانه يهمه الحفاظ على الأمن والاستقرار بالشراكة مع الحريري.
وشدّد المشنوق في حديث إلى تلفزيون المؤسسة اللبنانية للارسال على ان التريث لا يعني إلغاء مضمون الاستقالة، لأن لبنان لا يستطيع ان يتحمل مسألة تمدد «حزب الله» خارج لبنان، مضيفاً بأننا «نعوّل على استراتيجية دفاعية يكون فيها سلاح حزب الله موجهاً ضد اسرائيل فقط، وليس أي دولة عربية، موضحاً بأن كل الكلام عن «لائحة ضحايا» في ما يتعلق بما قيل عن انقلاب ما في تيّار «المستقبل» لا حقيقة له، لكنه لفت إلى اننا «مررنا بأزمة كبيرة كان فيها تعدد أراء، لكنها، عبرت، والرئيس الحريري موجود وبابه مفتوح يناقشنا في أي موضوع استراتيجي، تاركا النقاش حول العلاقة مع «القوات اللبنانية» للرئيس الحريري والدكتور سمير جعجع.
«المستقبل»
وفي المعلومات، ان الرئيس الحريري شدّد خلال الاجتماع المشترك الذي رأسه ظهر أمس، لكتلة وتيار «المستقبل» على التفاهم إلى حل بينه وبين الرئيس عون، لافتا إلى ان موضوع الاستقالة بات في عهدته، وهو قيد التشاور لديه، بالتعاون مع الرئيس برّي، طالبا من نواب الكتلة التوقف عن انتقاد التيار الوطني الحر، خاصة وأن التفاهم معه سيكون حاسما للاستقرار اللبناني، مشيرا إلى انه سيكون هناك حوار مع «القوات» في الأيام المقبلة، وانه سيعالج بنفسه مسألة الحوار داخل «المستقبل».
وكان الإجتماع عبر عن ارتياحه لعودة الرئيس الحريري إلى موقعه الطبيعي في قيادة المسيرة السياسية والوطنية، ورأى في التحرّك الذي سعى ويسعى إليه التزاما مسؤولا بالخيارات التي تحمي استقرار البلاد وتجنبه مخاطر الانزلاق في الحرائق المشتعلة من حوله، معتبرا تجاوب الحريري مع تمني رئيس الجمهورية التريث في تقديم الاستقالة خطوة حكيمة لأجل المزيد من التشاور حول الأسباب والخلفيات وإعادة الاعتبار لمفهوم المادة النأي بالنفس عن الحروب والصراعات المحيطة والامتناع عن كل ما يُسيء إلى علاقات لبنان باشقائه العرب ورفض تدخل أي جهة لبنانية أو إقليمية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وهي النقاط الثلاث التي شدّد عليها الرئيس الحريري في بيان التريث عن تقديم الاستقالة الذي اذاعه في بعبدا، على هامش حفل الاستقبال بعيد الاستقلال، وتم الاتفاق عليه بين الرؤساء الثلاثة على أنت تكون محور البحث والتشاور بشأنها في المستقبل.
وجزمت مصادر المعلومات لـ «اللواء» ان تعتمد بعبدا دبلوماسية محترفة بالنسبة للاتصالات التي ستتم حول العناوين الثلاثة التي حددها الرئيس الحريري، وأن الحوار في شأنها لن يكون على شكل طاولة حوار، مرجحة ان تتخذ الطابع الثنائي في المرحلة الأولى، متوقعة ان تساعد التطورات الحاصلة في المنطقة، لا سيما ما يتعلق بترجيح كفة الحل السياسي في سوريا بعد انتهاء وجود تنظيم «داعش» هناك وفي العراق، في مواكبة الحراك الداخلي بهدف الوصول إلى مناخ إيجابي يمهد للخروج بنتيجته، مشيرة الىان هناك اطرافا داخلية لها دورها في المساعدة برزت مؤشرات هذا الدور سواء في الإيجابية التي تجلّت في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، أو في بيان كتلة الوفاء للمقاومة الذي تجنّب الإشارة للمرة الأولى بالاسم الى السعودية، مستخدما عبارة «بعض الدول الخليجية»، منوهاً بعودة رئيس الحكومة إلى البلاد والتصريحات الإيجابية التي صدرت عنه، وكذلك المسار الإيجابي الذي تسلكه المساعي، معتبرا انها تبشر بإمكانية عودة الأمور إلى طبيعتها».
وإلى جانب تطورات المنطقة، ثم مسعى آخر عربي، رفض الكشف عن تفاصيله الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، بعد زيارته أمس للرئيس الحريري في «بيت الوسط»، لكنه تحدث عن «مستقبل يبشر بالخير بالنسبة إلى لبنان».
وعلمت «اللواء» ان أبو الغيط الموجود حاليا في بيروت، زار الأردن خلال اليومين الماضيين في سياق الجهد الذي يقوم به على صعيد مساعدة لبنان لتخطي ازمته الحالية.
لحظات الوفاء والصدق
كل هذه التطورات جاءت عقب عودة الحريري إلى لبنان، حيث كان «نجم» العرض العسكري الذي اقامته قيادة الجيش في ذكرى الاستقلال في جادة شفيق الوزان، وحيث لقي ترحيباً حاراً من الرئيسين عون وبري، ثم انتقل بسيارة واحدة مع رئيس المجلس التي قادها بنفسه إلى بعبدا، وهناك عقد الرؤساء الثلاثة اجتماعاً طويلاً، قبل أن يتحوّل إلى خلوة ثنائية، أذاع بعدها الحريري بيان التريث عن تقديم الاستقالة.
ومن بعبدا، انتقل الحريري إلى «بيت الوسط» الذي شهد تجمعاً شعبياً قدر بعشرات الألوف من المواطنين جاؤوا من مختلف المناطق اللبنانية للترحيب به والإعراب عن مبايعة رئيس التيار الأزرق، والتشديد على زعامته الوطنية، وأعلنت هذه الحشود عن دعمها وتأييدها لنهج الحريري ووقوفها إلى جانبه في كل الظروف والمواقف التي يتخذها، ما دفع اجتماع كتلة وتيار «المستقبل» إلى وصف ما جرى بأنه «زمن التيار الأزرق» الذي ينتفض مجدداً دفاعاً عن استقرار لبنان وسلامة العيش المشترك بين أبنائه، وتحصيناً لعروبته في وجه المتطاولين عليه».
البناء
ربط نزاع أميركي مع الحلّ في سورية… وتوظيف تفاوضي للمعارضة في الرياض
الصيغة الفرنسية التي أعادت الحريري تضمّنت تجميد الاستقالة وبحث المخارج
توازن وتوازي مواقف الحكومة ومكوّناتها من السعودية وإيران إطار التفاوض
صحيفة البناء كتبت تقول “وضعت مصادر دبلوماسية متابعة لمسار التفاهمات الروسية الأميركية حول سورية، التي بدأت ببيان فييتنام وتعزّزت بالاتصال الهاتفي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، الحديث عن بقاء القوات الأميركية في سورية بربط نزاع تريده واشنطن، بانتظار رؤية مدى قدرة موسكو على إنهاء الوجود العسكري التركي، وتنظيم العلاقة العسكرية السورية الإيرانية ومداها، ما بعد الحرب في سورية، من جهة، ومن جهة مقابلة مدى جدية الأتراك في إنهاء جبهة النصرة، وقدرة سورية وحلفائها على إنجاز ذلك إذا تلكّأت تركيا. وعندما يتضح كلّ ذلك تقرّر واشنطن سقفاً لمصير قواتها في سورية، وهي مضطرة لتغطية هذا الوجود ما بعد داعش بعنوان قابل للتبرير، وأشارت المصادر إلى أنّ الحديث عن الاطمئنان لمسار التسويات، واستبعاد العنوان الكردي مؤشر له معنى، رغم تعامل موسكو ودمشق وطهران مع البيان الأميركي باعتباره تصعيداً تمّت ملاقاته بالتصعيد.
بالتوازي مع الموقف الأميركي بدت حال التموضع الأعرج لمعارضة الرياض على خط التسويات، بخطوة إلى الأمام عنوانها تفاوض بلا شروط مسبقة، وخطوتان إلى الوراء بعنوان التمسك برحيل الرئيس السوري، والإشارة لجنيف واحد، نوعاً من التحسّب التفاوضي سعودياً بالحسابات ذاتها الصادرة عن واشنطن، انتظار كيف سيتمّ حسم ملفي النصرة والأكراد، ومدى التعقيد الذي سيحمله كلّ من الملفين.
الإقرار بأنّ زمن الحروب الكبيرة قد انتهى، وأنّ زمن التسويات قد بدأ، لكن التحسّب والحذر لعدم التفريط بأوراق التفاوض سمة المرحلة، أبعد من سورية، ففي لبنان، جاءت عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت، وسرعة تراجعه عن الاستقالة إلى خطوة في منتصف الطريق اسمها التريّث، وفقاً للمصادر الدبلوماسية ذاتها، ترجمة للصيغة الفرنسية التي أنيط بها بتوافق دولي إقليمي إنهاء خطة التفجير السعودية لاستقرار لبنان، من بوابة احتجاز الحريري، ومضمون بيان الاستقالة الذي أُملي عليه، وتضمّنت الصيغة الفرنسية وفقاً للمصادر، إطار التريّث الذي أعلنه الحريري، بعدما كان الرئيس الفرنسي قد تبلغ من الرئيس اللبناني العماد ميشال عون هذا التمنّي كمدخل لبحث سياسي هادئ لمعالجة ظروف التصعيد السعودي الذي يشكل بيئة الاستقالة والأزمة التي رافقتها، منعاً للوقوع في فخّ تطيير الحكومة وتشكيل غيرها، وما سيثيره ذلك من إشكالات التأليف وتمثيل الأطراف والقوى، والبيان الوزاري الجديد، والبلاد على أبواب انتخابات خلال شهور.
التريّث ليس عودة لاجتماعات الحكومة إلا في حال الضرورة القصوى، ولا دخولاً في تصريف أعمال، بل وقفة في منتصف الطريق، تفسح المجال لحوار وتفاوض على ترجمة لمضمون عدم التورّط في النزاعات الإقليمية. وهو الأمر الذي قالت مصادر سياسية في قوى الثامن من آذار لـ «البناء» إنه مرتبط بإقامة توازن وتوازٍ لمواقف كلّ من الحكومة مجتمعة ومكوّناتها منفردة، في درجة الاقتراب والتصادم مع كلّ من السعودية وإيران، محور الصراع الإقليمي.
قالت المصادر في الثامن من آذار، إنه من غير المقبول أن تتمّ ترجمة أحادية للابتعاد عن الصراعات الإقليمية فتصير ابتعاداً عن إيران والتحاقاً بالسعودية، فيطلب من الحكومة تأييد مواقف السعودية مما تسمّيه تدخلات إيرانية، ولا يحتسب الثناء على السعودية من بعض مكوّنات الحكومة انتهاكاً لهذا الابتعاد المطلوب، بينما يُحسب تقدير دعم إيران لقوى المقاومة من مكونات أخرى في الحكومة انتهاكاً، ولا يصنّف انتقاد إيران وأحياناً التجريح بها انتهاكاً بينما انتقاد السعودية من المحرّمات.
تساءلت المصادر عما إذا كان الرئيس الحريري قادراً على إقناع السعوديين بمعونة فرنسية مصرية بأنّ سقف أيّ تجديد وتحديد للتسوية، يرتبط بهذا التوازن والتوازي، سواء في مواقف الحكومة مجتمعة أو في تقييم مواقف مكوّناتها، وقالت إنّ الحديث عن إيجابية موقف حزب الله والتمهيد لإعلان نهاية المهمة في العراق ونفي الوجود في اليمن ودول الخليج، يجب أن يقترن برفض علني للحكومة مجتمعة ولمكوّناتها منفردة لكلّ محاولة لوصف حزب الله بالإرهاب، وترجمة مضمون الوفاق الوطني والتضامن الحكومي بهذا الحدّ الأدنى من الموقف.
تريُّث الحريري يفتح باب الحوار
فتحت خطوة الرئيس سعد الحريري تريثه في تقديم استقالته من رئاسة الحكومة الباب أمام الحوار بين القوى السياسية حول أسباب الاستقالة وكيفية الخروج من الأزمة السياسية القائمة وإعادة إحياء التسوية الرئاسية وتثبيت الحريري في موقعه.
وقد أعادت المواقف السياسية خلال اليومين الماضيين المناخ الإيجابي إلى الساحة الداخلية، بعدما خيّمت المناخات السلبية خلال وجود الحريري في الرياض. ففي حين أعلن تيار المستقبل أن «خطوة الحريري تشكّل مدخلا جدّياً لحوار مسؤول يجدّد التمسّك باتفاق «الطائف» ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب»، لاقى حزب الله بيت الوسط في منتصف الطريق من خلال تأكيد كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها أمس، بأن «عودة الحريري وتصريحاته الإيجابية تبشر بعودة الأمور الى طبيعتها».
ووفق معلومات «البناء» فإنه وفور إعلان الحريري تريثه بعد لقائه رئيسَيْ الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري في عيد الاستقلال، بدأ الرئيس عون مساعيه وأجرى مروحة واسعة من الاتصالات والمشاورات مع القوى السياسية كافة في محاولة لتأمين التوافق حول النقاط الخلافية. وقالت أوساط وزارية مقربة من بعبدا لـ «البناء» إن «المشاورات التي بدأها الرئيس عون منذ يوم الأربعاء الماضي قطعت شوطاً هاماً من خلال الاتصالات التي أجراها مع مختلف القوى السياسية المعنية بالأزمة». وتحدثت الأوساط عن أن «اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير قرب عودته من العراق ونفيه أي وجود عسكري للحزب في اليمن، هو مقدمة للصيغة التي يتم البحث عنها لإعادة الأمور الى نصابها، وبالتالي يتركز الحوار على تحديد مفهوم جديد للنأي بالنفس بشكلٍ أدق وأشمل من الذي ذكر في البيان الوزاري للحكومة الحالية». ورجحت الأوساط أن تصل المساعي الى نتيجة إيجابية خلال الأسبوعين المقبلين كحدٍ أقصى، واستبعدت أن يعود الحريري ويعرض استقالته على الرئيس عون»، واصفة اجتماعات بعبدا في عيد الاستقلال بين الرؤساء الثلاثة بـ «الجيدة، وأنها تبشر بالخير في المقبل من الأيام».
ونفت الأوساط أي نية لدى رئيس الجمهورية بالدعوة الى طاولة حوار على مسألة سلاح حزب الله، مؤكدة أن «الحوارات التي يُجريها مع الأطراف كافية للوصول الى الحل»، ونقلت الأوساط عن عون ارتياحه لـ «خطوة الحريري الايجابية والتي أفسحت في المجال أمام ترميم الخلل الذي أصاب التسوية والى مواقفه الوطنية والتهدوية والى مشهد الوحدة الوطنية الجامع، وطمأنت الى الوضعين المالي والاقتصادي».
الحريري إلى السعودية؟
وفي حين علمت «البناء» أن «الحريري سيزور السعودية خلال الأيام القليلة المقبلة للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كجزءٍ من التسوية الفرنسية – المصرية لإطلاق سراحه من جهة، ومن جهة ثانية للتأكيد أمام الرأي العام أنه لم يكن محتجزاً في الرياض، لكن مشهدية العناق الحميم بين الرئيسين عون وبري والحريري وحملة التعاطف الشعبي معه بعد عودته الى بيروت وكلمات «الحمدلله عالسلامة»، أكدت المؤكد بأن الحريري كان محتجزاً ولم تكن زيارته الأخيرة الى الرياض عادية وطبيعية.
وبعد استقباله جموعاً حاشدة من تيار المستقبل في بيت الوسط مرحّبة بعودته، ترأس الحريري أمس، الاجتماع المشترك الذي جمع كتلة «المستقبل» والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي لـ «تيار المستقبل»، حيث عبّر المجتمعون «عن ارتياحهم التام لعودته الى موقعه الطبيعي في قيادة المسيرة السياسية والوطنية»، معتبرين أن «تجاوب الرئيس الحريري مع تمني رئيس الجمهورية التريث في تقديم الاستقالة، خطوة حكيمة لأجل المزيد من التشاور، حول الأسباب والخلفيات، وإعادة الاعتبار لمفهوم اعادة النأي بالنفس»، ومؤكدين «انه زمن التيار الأزرق الذي ينتفض مجدداً دفاعاً عن استقرار لبنان وسلامة العيش المشترك بين أبنائه، وتحصيناً لعروبته في وجه المتطاولين عليها».
وقالت مصادر نيابية مشاركة في اللقاء لـ «البناء» إن «ما قام به الحريري مبادرة وطنية بانتظار مساعي الرئيس عون مع مختلف القوى حول العناوين الخلافية لا سيما النأي بالنفس وكيفية وضع آليات لتطبيقه عملياً وليس أقوالاً»، ولفتت الى «أننا لدينا الثقة التامة بالرئيس عون الذي أخذ على عاتقه التواصل مع حزب الله والقوى السياسية كافة لتحديد الآلية والصيغة لتأكيد النأي بالنفس الذي لم يُحترم في التسوية الأولى، وذلك لحماية لبنان ومصالح اللبنانيين في الخارج لا سيما الدول العربية».
وعما إذا كان كلام السيد نصر الله يلاقي خطوة الحريري في الوسط، فضلت المصادر تقدير الأمر للرئيس عون وليس للمستقبل»، لكنها أوضحت أن «اعلان السيد نصر الله انسحابه من العراق مؤشر ايجابي يبنى عليه، لكننا ننتظر كيفية تصرف الحزب لجهة الحملة الإعلامية التي يشنها على السعودية في موضوع اليمن»، مشيرة الى أن «الحريري يسعى جاهداً لترسيخ الوحدة الوطنية والاستقرار في لبنان»، ونقلت عنه ارتياحه لـ«الأجواء وتفهّم الرئيس عون اسباب استقالته في الرياض».
وأشارت الى أن «الزخم والدعم الدولي الذي لاقاه الحريري خلال الأزمة والحاضنة الرسمية والشعبية في الداخل، سيتم استثماره في الداخل لمزيد من تحصين الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والاستمرار في المسار الذي سلكه بعد التسوية الرئاسية». وأوضحت أن «التسوية الرئاسية قائمة لكن تحتاج إلى إعادة النظر في بعض جوانبها ما يتعلّق بسياسة الدولة الخارجية ودور حزب الله العسكري خارج لبنان وتحديداً في الدول العربية». ولفتت الى «أن المستقبل خرج من الازمة أقوى وهو الآن في طور إجراء إعادة تقييم واسعة لمسار الأيام الأخيرة على المستوى الداخلي ومع القوى كافة».
المشنوق: نزع سلاح حزب الله ليس مطروحاً
وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «رئيس الجمهورية أقرب الى الشراكة مع الرئيس الحريري، في كيفية تداول موضوع النأي بالنفس في المرحلة المقبلة وأنه يتمتّع بالمسؤولية تجاه الاستقرار. وهذا عهده، ولم يمض سنة بعد عليه وهو يهمه الحفاظ على الأمن والاستقرار بالشراكة مع الحريري». لكنه لفت الى أن «الأزمة لم تنته، والكل يتصرّف على قاعدة احتواء مصادرها التي هي خارجية في الدرجة الأولى». وشدّد على أن «التريّث لا يعني إلغاء مضمون الاستقالة ولبنان لا يستطيع أن يتحمّل مسألة تمدّد حزب الله خارج لبنان». وتابع: «المفاوضات الحالية ستكون نتيجتها جدية ولا سقف زمني محدد لتريث الحريري والتريث بحاجة للعقل والمنطق والانتظار».
غير أن المشنوق جدّد القول بأن «ليس مطروحاً نزع سلاح حزب الله، بل الاستراتيجية الدفاعية الوطنية التي يمكن أن يجد سلاح الحزب دوراً فيها ضد العدو الاسرائيلي، وليس دولة أخرى».
من ناحية أخرى، أوضح المشنوق أن «هناك تفاهماً دولياً وعربياً حول مسألة الصواريخ الباليستية وإيران لم تكن جزءاً من الاستقرار في أي دولة تمدّدت فيها».
الوفاء للمقاومة: الدفاع عن النفس حق
ورأت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان بعد اجتماعها أمس، برئاسة النائب محمد رعد أن «عودة دولة رئيس الحكومة إلى البلاد والتصريحات الإيجابية التي صدرت عنه، والمسار الإيجابي الذي تسلكه المساعي والمشاورات تبشر بإمكانية عودة الامور الى طبيعتها».
ولفتت الكتلة الى أن «الدفاع المشروع عن النفس وعن الوطن، لن يستطيع أحد في الدنيا مهما بلغ شأنه أن يطعن فيه أو يسيء إليه.. وهو حق إنساني ودولي لمناهضة الإرهاب الذي يمارسه الصهاينة والتكفيريون ومَن يقف وراءهم ويدعمهم».
وشدّدت الكتلة على «إن إسقاط دولة داعش الإرهابية في العراق وسورية وحماية لبنان من وباء مشروعها هو بحق إنجاز تاريخي كبير للشهداء والمقاومين والجيوش والأنظمة والقوى المنخرطة في محور المقاومة على امتداد الجغرافيا الإقليمية المستهدفة، وأننا ننتظر حصول تحولات استراتيجية كبرى في منطقتنا ومحيطها جراء هذا الإنجاز».
جنبلاط: «مرّت الغيمة»
وأكد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط من بيت الوسط بعد لقاء الرئيس الحريري، على ضرورة «التمسك بالاستقرار وبمضامين التسوية التي أقرها الرئيس الحريري منذ أكثر من عام، فالبلاد بحاجة الى تثبيت التسوية». واعتبر ان «ما طرحه الحريري حول الإستقرار مهم جداً، ونتمنى عليه ان تطول لحظة التريث». ورأى أن «الغيمة مرّت وتبين أن هناك اصدقاء كثراً للبنان، وهم اصدقاء الاستقرار».
أبو الغيظ: « المستقبل» سيحمل الخير للبنان
وفي اطار الجهود المصرية لحل الأزمة في لبنان، وبعد البيان التصعيدي لمجلس الوزراء الخارجية العرب ضد لبنان، حط الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط في بيروت، وقال بعد زيارته رئيس الحكومة في بيت الوسط «اتفقنا والرئيس الحريري على أن نلتقي في مقرّ الجامعة العربية عندما يزور القاهرة، وانا على ثقة بأن المستقبل سيحمل الكثير من الخير للبنان»، مشيراً الى «أفكار وإجراءات ستحصل ستكون لخير لبنان».
رسالة باسيل إلى الجامعة العربية
ووجّه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل رسالة الى أبو الغيط أكد فيها «تمسك لبنان الكامل بروح ونص ميثاق جامعة الدول العربية، خصوصاً مادته الثامنة التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». كما أكد «رفض لبنان تهديد أمن وسيادة الدول العربية الشقيقة كافة واستعداده للتعاون القضائي مع أي تحقيقات تجريها الأجهزة المختصة بشأن التهديدات أو الأعمال الإرهابية التي تطالها من أي جهة أتت».
وحذّر الوزير باسيل من أن «المس بالاستقرار في لبنان سيؤثر على استقرار دول المنطقة وستكون له تداعيات على النازحين السوريين إلى أراضيه، كما سيؤدي الى إضعاف خاصرة الجيش اللبناني الذي ساهم في اجتثاث الجماعات الإرهابية من الأراضي اللبنانية».
زخيا قدّم أوراق اعتماده للأسد
وفي سياق آخر، تسلم الرئيس السوري بشار الأسد أمس، أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق سعد زخيا. واستقبل الأسد السفير زخيا وتبادل معه الحديث وتمنى له النجاح في مهامه، بحسب ما نقلت وكالة «سانا». وحضر مراسم تقديم أوراق الاعتماد وزير الخارجية السوري وليد المعلم ووزير شؤون رئاسة الجمهورية السورية منصور عزام.
المصدر: صحف