أمين أبوراشد
لم تصدُر “النسخة الجديدة” لهذه المعزوفة عن منظمة دولية أو جمعية إنسانية، بل هي صادرة عن دولة راعية للإرهاب، كانت السبَّاقة تحت عنوان “الربيع العربي” الى حشر نفسها مع أدواتها في أكثر من دولة إقليمية، تزرع الموت والدمار وتتلقى الصفعات والهزائم أينما نزلت بسيفها التكفيري، الى ميادين مبارزة كل من هو آخر من منطوق مذهبها التكفيري.
وإننا إذ نجد من الأفضل لنا نحن اللبنانيين النأي بالنفس عن المزيد من مناقشة هذه المسألة إعلامياً، فلأن الشقّ الللبناني يتضمَّن جزئيتين:
الأولى، ترتبط بظروف إستقالة الرئيس الحريري من الرياض، طالما أن الرجل بات على الأراضي اللبنانية، وهو حرٌّ في خياراته – ضمن ظروفه – لأن الشعب اللبناني، بفضل حكمة القيادات الكبيرة، قام بواجبه من منطلق وطني في التضامن مع موقع رئاسة الحكومة.
والثانية، هي أن العدو الإسرائيلي أبدى وعياً وحرصاً على حفظ كيانه، أكثر من المملكة السعودية – التي أرعبها صاروخ واحد إنطلق من اليمن الى محيط مطار الرياض – وحاولت شنّ حربٍ على لبنان عبر عدو لبنان والعرب ومُنتهِك المقدسات وكل القِيَم الإنسانية، دون أن ترى قيادة هذه المملكة أبعد من أنفها، عن ساحة المواجهة المتوقَّعة لهذه الحرب ومدى إتساعها، وإمكانية شعبها المشهود له بالهرولة على مواجهة الصواريخ التي قد تنهمر عليه عند أول حماقة يرتكبها نظامه.
وبالإنتقال الى الإقليم، وبانتظار إعلان الحكومة العراقية نهاية داعش على أراضيها بعد تطهير بعض الجيوب الصغيرة في البادية، نَقِف على معبر “البوكمال” السوري المُحرَّر ونقول، آن للملكة السعودية أن تنأى بنفسها عن الحماقات، لأنها إذا كانت تحتفظ بالبحرين كمملكة رهينة يتلاعب بها أي ملك سعودي، وإذا كانت غارقة في رمال اليمن، ولا تجِد سيناريو حلّ للإنسحاب مع حفظ ماء وجه ما بقي من وجهها بمواجهة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، على جرائم الإبادة التي ترتكبها بحق الشعب اليمني منذ أكثر من سنتين ونصف، عبر إعادة فتح مرفأ الحُديدة أو مطار صنعاء للسماح بتمرير مواد إغاثة، فإنها سوف تبدأ بدفع الأثمان الباهظة من الشعب اليمني الذي لم يعُد لديه ما يخسره، وسط صراخ ملايين الجياع ومئات آلاف المهجَّرين وعشرات الآلاف من مرضى الكوليرا والسرطان والفشل الكليوي وانتفاء وجود أدوية وأدوات ومعدات علاجية لأكبر كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر.
والنأي بالنفس للسعودية عن ارتكاب الحماقات، بات طلباً سعودياً داخلياً، وبانتظار جلاء وضع الأمراء المُعتقلين سواء كانوا في “الفندق/ السجن” أو في المستشفيات نتيجة الضرب والتعذيب لعدم تجاوبهم في اقتسام ثرواتهم مع محمد بن سلمان ورفضهم الإتهامات المنسوبة إليهم، برزت يوم الأربعاء حماقة سعودية جديدة لمملكة النأي بالنفس، التي صدر من عاصمتها الرياض، البيان الختامي لإجتماع ممثلين عن بعض “المُعارضات السورية”.
مائة وأربعون شخصاً يمثلون بعض فرقاء “المعارضات السورية” الذين تُطلق عليهم تسمية “منصَّة الرياض” كانوا مدعوِّين من الخارجية السعودية للتوافق على تشكيل موحَّد للمفاوضات!
مائة وأربعون شخصاً يمثلون جزءاً، فكم هو عدد الشخصيات المطلوبة من كل المُعارضَات للتوافق على وفد نهائي؟ في الوقت الذي كانت فيه مدينة “سوشي” تجمع ثلاثة أشخاص/ قادة دول، روسيا وإيران وتركيا، ورابعهم طيف الرئيس السوري بشار الأسد الذي حضر قبل يوم من قِمَّة سوشي، وتم التوافق بينه وبين الرئيس بوتين على العناوين الرئيسية للحلّ السياسي الذي سوف يبدأ من مؤتمر يجمع السوريين في المدينة الروسية نفسها قريباً.
نصل الى بيت القصيد، وندعو عادل الجبير ونظامه، الى الإطلاع على رودد الفعل الإسرائيلية التي بلغت حدود الصدمة، أن المسؤولين الصهاينة فوجئوا بالرئيس الأسد في سوشي، ولقائه بكبار القادة العسكريين في خطوة أرادها الرئيس بوتين بمثابة لقاء إعلان النصر في سوريا على الإرهابيين، وأن 98% من الأرض السورية باتت تحت سيطرة الجيش السوري والحلفاء.
هذه المشهدية للرئيسين الأسد وبوتين بين كبار ضباط الجيش الروسي، دفعت برئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهودا باراك الى المطالبة بإستقالة بنيامين نتانياهو، ليس فقط يصفته رئيس حكومة، بل بالصفة الثانية التي يحملها كوزيرٍ للخارجية، لأن السياسة الخارجية الإسرائيلية قد مُنيت بفشلِ ذريع طالما الأسد باقٍ، ولأن تقسيم سوريا ليس وارداً عبر استيعاب الأكراد في الشمال وإدخالهم ضمن المفاوضات بموافقة تركية، لسحب ذريعة إستخدامهم خنجراً أميركياً في أعلى الظهر للحفاظ على وحدة الأرض السورية.
ما قاله الرئيس بوتين في ختام قِمَّة سوشي، أن الرئيس الأسد موافق على تعديل الدستور وإجراء إنتخابات يحدِّد فيها الشعب السوري قيادته ورئيسه، هو طرح قديم/ جديد للرئيس الأسد، كانت ترفضه شراذم المُعارضات سابقاَ، واستحقَّته الآن بعد التطورات الميدانية الأخيرة التي أنتجت توالي الإستقالات في صفوفها وكانت آخرها إستقالة حجاب والأتاسي ونعسان، ولذلك، آن الأوان للمملكة الإستفاقة من نُعاسها، والنأي بالنفس عن حماقات الهلوسة ولتقرأ نتائج رهاناتها على معبر “البوكمال” …
المصدر: خاص