المواعيد المؤجلة لإعتلاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العرش، لا تعكِس فقط إنقسام هيئة البيعة حول شخصه المُثير للجدل، بل إن هذه الهيئة التي اعتادت اختيار الملك من بين أبناء عبد العزيز، الذين يُعتبر الملك الحالي سلمان الرقم 25 بينهم، لا تواجه فقط آلاف الأمراء من الأحفاد وأبناء الأحفاد الطامحين، بقدر ما أنها ما زالت على رفضها تسليم العرش لوليّ عهد متهوِّر وشرِس، لم يتوانَ عن البطش بأعمامه للوصول الى ولاية العهد، واستكمل طريقه التي لا تبدو معبَّدة من هيئة البيعة للوصول الى مرامه، عبر اعتماد “الريتز” مقراً لتدجين من يجرؤ من الأمراء الإعتراض عليه ملكاً، ولو أن ذريعة القبض عليهم جاءت تحت عنوان مكافحة الفساد، هو الذي بالتكافل والتضامن مع والده، مَنَح الرئيس الأميركي فرصة قنص 600 مليار دولار لأخذ رضاه في تدعيم العرش المُخلَّع، وما زال ترامب يُهدِّد هذا العرش البائد أصلاً، بهدف حلب البقرة حتى آخرة قطرة.
وإذا كان بن سلمان قد نَزَف كل أحقاده في العدوان على اليمن دون طائل، ويتلقى الضربات القاسية في جنوب مملكته من الجيش واللجان الشعبية، بعد أن أرتدّت الحرب الى عقر داره وباتت الصواريخ اليمنية تستهدف مواقع استراتيجية داخل المملكة، وإذا كان الجنوب اليمني قد ثار مؤخراً بشكلٍ غير مسبوق على احتلال السعودية والإمارات للجنوب وحربهما المتوقَّعة فيه لتقاسُم مغانم المرافق الحيوية اليمنية، فإن مشكلة بن سلمان الآن أنه بات أسير مثلَّثٍ خانق لعرشه، من واشنطن التي تُهدِّد بزوال العرش إذا لم يُدفع لها بدل حماية، الى أنقرة التي جعلت من قضية اختفاء جمال الخاشقجي سيفاً مُرتداً الى النحرالسعودي، ووصولاً الى إدلب السورية التي تشهد اليوم آخر رهانات المملكة على شراذم إرهاببين، بدأوا بسحب أسلحتهم الثقيلة والإنسحاب من الميدان الذي جاءت الهزيمة فيه ثقيلة على صدر مملكة موَّلت ودعمت شياطين التكفير في أفظع مشهدية سوداء من التدمير والقتل يشهدها التاريخ المعاصر.
وإذا كانت المملكة السعودية قد تلقَّت ضربة الإنذار الأولى لدورها في زعامة الدول الخليجية، عنما رفضت دول مجلس التعاون الوحدة السياسية بقيادة المملكة، وإذا كانت الأزمة السعودية / القطرية قد قضت على ما يُسمَّى مجلس التعاون الخليجي، فإن الصفعة الجديدة التي تلقاها بن سلمان جاءت من الأردن، حين رفض ملكها عبدالله الثاني نقل الوصاية على القدس من الأردن الى المملكة التي يدَّعي بن سلمان الحق بها كون مملكته “أمينة” على مقدسات المُسلمين، فإن الضربة الدولية العربية المشتركة القادمة على المملكة هي من سوريا، التي يتوافد اليها الأوروبيون وبعض العرب بهدف إعادة تطبيع العلاقات وفتح السفارات، بحيث أن أميركا التي ربما تستطيع أن تحمي العرش العائلي السعودي لفترة مُقابل الدولارات الني تبتزُّها، أميركا هذه، لن تستطيع بعد اليوم تلميع صورة عرش سعودي وإعادته الى ساحة القرار السياسي في الشرق الأوسط، وهو بالكاد يستطيع الصمود بمواجهة الضغوط المتتالية لزعزعته، خاصة في حال ثبُتت احتمالات قتل جمال الخاشقجي وتقطيعه وإخراج أشلاء جثته في محافظ سوداء شبيهة بوجه مملكة الدمّ أمام العالم كله، هذه المملكة التي اشترت عضوية لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة منذ سنوات.
ليس التعويل على أميركا في وضع حدٍّ لإجرام النظام السعودي وهي حامية حماه، بل على الدول الأوروبية التي تُنادي بحقوق الإنسان، خاصة أنها دفعت وستدفع من أمنها نتيجة دخول الإرهاب إليها، والتعويل أيضاً على دول عربية لم تتلوَّث أياديها بدماء أبرياء “ربيع العربان” لتفضح فظائع آل السعود، وتتبرأ منهم رغم طغيانهم المالي على الدول الفقيرة، لكن كشف تفاصيل قضية الخاشقجي لو أفضى الى أن فرقة موت سعودية من 15 شخصاً، قتلته داخل القنصلية وأخرجته قطعاً وأشلاء، فالعار كل العار على كل من يؤمن بالله وشرعة حقوق الإنسان أن يرضى بان يرتقي ولي عهد “خليع أخلاقياً” عرش مملكة بات مخلَّعاً وينتظر صدور الحُكم العادل بإسقاطه…
المصدر: موقع المنار