نص الخطبة
نتقدم من جميع المسلمين بالعزاء بمناسبة ارتحال رسول الله محمد بن عبدالله (ص) في الثامن والعشرين من شهر صفر هذا النبي العظيم الذي كان عنوانا للصدق وأسوة وقدوة للصادقين.
هو عنوان للصدق لأنه عرف منذ بدايات حياته وقبل البعثة بهذه الصفة فكان عندما يراه أحد أو يدخل الى أي مجلس يقولون جاء الصادق الأمين.
والصدق هو ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية، والمجتمع بأمس الحاجة إلى هذا الخلق ليكون هو السمة العامة لأفراده, ولعل أهم معيار لرقي أمة من الأمم هو صدق أفرادها , الصدق في النيات والصدق في الأقوال والأحاديث والصدق في المعاملات والصدق في الوعود والعهود والإلتزامات التي يقدمها الإنسان للآخرين وفي المقابل أكبر أزمة يمكن أن يعاني منها الناس في تعاملهم هي انتشار الكذب بينهم:الكذب في الأحاسيس والمشاعر والنيات والأقوال والكذب في الأعمال والمعاملات وغيرها، لان المجتمع الذي ينعدم فيه الصدق وينتشر فيه الكذب يفقد الثقة بين أبنائه واذا فقد المجتمع الثقة تفكك وتشتت.
كيف يكون لمجتمع ما كيان متماسك وأفراده لا يتعاملون فيما بينهم بالصدق؟ وكيف يكون لمثل هذا المجتمع رصيد من ثقافة أو تاريخ أو حضارة في غياب الصدق بين أفراده؟
كيف يتم الوثوق بنقل الأخبار والأحداث والوقائع وكتابة التاريخ إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع؟
كيف يتو الوثوق بالوعود والعهود اذا لم يكن الصدق أساس التعامل بين الناس؟
كيف يتم الوثوق بالدعاوى والشهادات ودلائل الإثبات في المقاضاة، إذا غاب الصدق وحل محله الكذب والافتراء والإدعاءات المزورة ؟…
تصوروا كيف سيكون حال المجتمع لو انتشر فيه المكر والخديعة، والكذب والإحتيال, وحل الكذب محل الصدق والخيانة محل الامانة؟ وقد حذر النبي (ص) من وصول المجتمع الى مثل هذه الحالة حيث روي عنه(ص) أنه قال:
« سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ؛ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ، يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
لو ساد الصدق في العالم لانسدت أبواب الفساد والمنكرات فلا غش ولا احتيال ولا سرقة ولا عدوان ولا خيانة ولا بغي ولا نميمة ولا قطيعة ولا انتقام,ولا منكرات ولا فساد, فلو كان الصدق سجية وطبعاً وملكة في الانسان بحيث يمتنع منه صدور الكذب, كان من المستحيل صدور الأعمال السيئة منه.
جاء رجل الى النبي (ص) فأسلم على يديه وقال له: أنا ارتكب ثلاثة أمور : السرقة ، وشرب الخمر ، والكذب ،وأنا لا أقدر على ترك الثلاثة دفعة واحدة فأيتهن شئت تركت لك يا رسول الله ؟
فقال له النبي : اترك الكذب ففيه كفاية.
فخرج مسرورا بذلك ولما توجه على عادته الى سرقة أموال الناس فكّر في أنه لو سئل عن ذلك بماذا يجيب؟ فان صدق في قوله قطعت يده, لأن حد السرقة قطع الأصابع, وإن كذب فقد خالف عهده مع النبي(ص), فرجع من حيث جاء ولم يسرق, في اليوم التالي أراد أن يشرب الخمر فلما وضع الكأس أمامه وهمَّ بشرب الخمر فكر في أنه لو سئل عن ذلك ماذا سيقول؟ فإن صدق جلد وإن كذب وقال لم أشرب فقد خالف عهده مع النبي(ص) فامتنع عن شرب الخمر.
ولما اصبح رجع الى النبي(ص) فقال: يا رسول الله, لقد منعتني من الثلاثة حيث منعتني من الكذب. وقص عليه ما كان من أمره. فوعظه النبي(ص) حتى ثبت الايمان في قلبه وأصبح من خيار الصحابة.
اذن الصدق يمنع من ارتكاب سائر المنكرات والموبقات والمحرمات عندما يلتزمه الإنسان به بشكل أمين.
ولذلك لأهمية الصدق في حياة الإنسان نرى كل هذا التشديد والتركيز في القرآن الكريم وفي الروايات ولدى الأنبياء والرسل والأئمة (ع) على ضرورة التحلي بالصدق، والإبتعاد عن الكذب.
وقد أمرنا الله تعالى بالصدق وأراد للمؤمنين جميعاً أن يكونوا صادقين فقال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ التوبة: 119.
واعتبر الصدق من صفاته سبحانه وتعالى, حيث قال: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾.
وهو من صفات الأنبياء والرسل جميعاً وصولاً الى نبينا محمد الذي كان معروفاً ومشهوراً بالصدق والأمانة .
وقد قال الله- عزّ وجلّ-: ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ النجم: 2 – 4.
ويقول تعالى: ﴿ وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ الزمر: 33.
وفي حديث بالغ الأهمّيّة عن الإمام الصادق (عليه السلام) يُستفاد منه بشكل واضح أنّ الوصول إلى المقامات السامية حتّى للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) إنما يكون بصدق الحديث وأداء الأمانة، حيث يقول (عليه السلام) لأحد أصحابه: “اُنظُر مـا بَلَغَ بِهِ علي(ع) عِندَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَالزَمهُ, فَإنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) إِنّما بَلَغَ مـا بَلَغَ عِندَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بِصدقِ الحَدِيثِ وَأداءِ الأمـانَةِ
ليس هناك أسمى وارفع وأجمل من أن يكون الصدق هو الصفة السائدة والمشاعة بين الناس، في داخل الأسرة، بين الجيران، بين الطلاب في المدارس والجامعات بين الموظفين والعاملين في القطاعات المختلفة والمؤسسات والشركات ، في الشوارع والمتاجر والأسواق. في كل مكان، ومع كل إنسان.
كثير من الناس ينبهرون بالغرب لأن الغربيين بزعمهم صادقون فيما بينهم..ويتعاملون بالصدق مع الآخرين!!نحن يجب أن نكون أكثر صدقاً بل عنوانا ونموذجاً للصادقين لأنه لا يوجد دين ولا تراث إنساني دعى الى الصدق وأكد عليه بالحجم الذي أكد عليه الإسلام والقرآن.
يجب على الآباء والأمهات وكافة المربين أن يغرسوا فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبوا عليها ويعتادوا عليها، حتى تصبح جزءاً من شخصيتهم وسلوكهم في أقوالهم وأحوالهم كلها.
ويجب على الزعماء ومن هم في مواقع السلطة ان يصدقوا مع شعوبهم ويفوا بالتزاماتهم ومسؤولياتهم تجاه أوطانهم وان لا يكذبوا على شعوبهم .
اليوم الكذب وعدم الوفاء بالوعود التي يطلقها الرؤساء والوزراء والنواب هي السمة العامة للسياسيين في لبنان وفي العالم العربي.
الكذب والخداع هو الذي يضلل الشعوب الكذب في السياسة والكذب الذي تعتمده بعض وسائل الإعلام العربية لتضليل الرأي العام وقلب الحقائق وتزوير الأحداث والوقائع فتعمل العدو صديقاً والصديق عدوا ، أليس هذا ما تفعله السعودية وإعلامها تجاه سوريا وايران واليمن ولبنان وحركات المقاومة ؟.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع المنار