برز في الآونة الاخيرة الحديث عن تحريض سعودي للعدو الاسرائيلي لشن حرب على لبنان بحجة استغلال الازمة التي افتعلتها الرياض بعد استدعاء رئيس الحكومة سعد الحريري ودفعه لتقديم استقالته في تسجيل مصور، والتحريض السعودي ترافق مع تعهدات بتمويل الحرب ضد لبنان بالاضافة الى تقديم مبالغ مالية ضخمة كـ”هدية” للعدو لدفعه الى شن عداونه ضد لبنان والمقاومة عن السعوديين.
وتتالت التحليلات حول امكانية وقوع “اسرائيل” في الفخ السعودي وموافقتها على شن حرب بالنيابة عن السلطة هناك طالما حصلت على موافقة من قبل الادارة الاميركية حيث العلاقة تبدو جيدة بين الرئيس دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وخرجت بعض التسريبات الاعلامية التي تؤكد ان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عمل على تسويق الفكرة لدى الاميركيين بطلب من ولاية العهد السعودية.
وبالموازاة خرجت تصريحات اسرائيلية عديدة نبهت القيادة الصهيونية من المغامرة والقبول بالعرض السعودي لان فيه توريطا واضحا للكيان الغاصب بحرب تكاليفها باهظة جدا عليه بوجه المقاومة المتمثلة بحزب الله الذي راكم اليوم خبرات وقدرات ستجعل “اسرائيل” تحسب الحسابات الدقيقة جدا قبل التفكير في الغوص بأي مغامرة جديدة، وقد أطلق الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بشكل واضح تحذيراته للعدو خلال كلمته في احتفال ذكرى اربعين الامام الحسين ويوم شهيد حزب الله في 10-11-2017 “… كلفة الحرب التي يعرف العدو الإسرائيلي أنها عالية جدا جدا جدا… نحن نراقب الأمور بدقة.. نحن اليوم أشد وأقصى عودا وأقوى وقودا وأحذرهم من أي خطأ في الحسابات، من أي خطأ في التقدير، من أي خطوة ناقصة، من أي محاولة لاستغلال الوضع..”.
معادلات دقيقة.. وأثمان باهظة
فهل الاسرائيلي يقبل ان يقاتل عن غيره طالما ان هذا الغير ليس الولايات المتحدة الاميركية؟ هل يقبل ان يقاتل عن السعودية ولو أنها ستدفع وتمول؟ هل يقبل الاسرائيلي القتال بدون النظر للخسائر والاثمان الباهظة التي سيتكبدها جراء اي مغامرة في لبنان؟
للجواب على هذه التساؤلات يمكن الاطلاع على كلام السيد نصر الله في نفس الخطاب يوم 10-11-2017 حيث قال “إذا هم ينتبهون جيدا أن هذه المعركة لحساب من؟ هم يقاتلون لحسابهم؟ هل حساباتهم الآن تقول لهم إذهبوا إلى الحرب؟ … أعتقد أنهم على ضوء كل التطورات الموجودة في المنطقة، ما جرى في لبنان وما جرى في سورية وما جرى في العراق، التطور الموجود في إيران، في المنطقة، هم يعرفون جيدا أن كل ما قلته في الخطابات السابقة وفي المناسبات السابقة عن الحرب وتقديرات الحرب وميادين الحرب وساحات الحرب هم يعرفون هذه الأمور بدقة ويعرفون أن هذه ليست حرب نفسية وإنما هذه وقائع تصنع ومعادلات صنعت والإسرائيلي يأخذها بعين الاعتبار”.
واليوم مما قد يظهر من معادلات جديدة بين المقاومة والعدو والتي تفرضها وقائع الجغرافيا والقدرات والامكانات ما بدأ ينتشر في الاعلام الاسرائيلي عما يوجد في مدينة حيفا من محطات لتكرير النفط وانها توازي الى حد كبير ما كان يوجد في المدينة من خزانات وحاويات لمادة الامونيا التي نقلت وفككت نتيجة تهديدات المقاومة ومعادلاتها الرادعة التي أطلقها صراحة وضمنا السيد نصر الله، وما يتم تناوله بشان حيفا يشكل وحده دافعا للمحاذير الاسرائيلية امام اي مغامرة في هذه المرحلة، فكيف بالمعادلات الاخرى، وبسياق الحديث عن الحرب الاسرائيلية اليوم لا بد للعدو ان يتنبه الى ان حيفا ومحطات تكرير النفط هذه هي بمرمى صواريخ المقاومة التي سبق للسيد نصر الله التأكيد ان شعاعها يطال كافة الاراضي في فلسطين المحتلة، وهذا الكلام يتضمن رسائل واضحة لمن يعنيهم الامر في كيان العدو من دون الدخول في تسميات او تحديد للاهداف المختلفة التي يمكن للمقاومة استهدافها.
نوايا العدو.. بين الغرور والجهل!!
وبالسياق، تحدث ثلاثة من كبار علماء الصواريخ السابقين في “رافائيل” (هيئة تطوير الوسائل القتالية في اسرائيل) وهم: نفتالي عميت، آفي فينرب وشايكا ستشبيرغر، حيث قالوا “بإمكان حتى صاروخ واحد من تلك الصواريخ الموجودة في مخازن حزب الله أو سوريا في حال إصابته معمل البترو – كيمياويات في حيفا أن يُخرج نصف مليون مواطن من بيوتهم بالإضافة إلى أضرار هائلة”، وأشاروا الى ان “كل طبقات الدفاع لدى الجيش الاسرائيلي المضادة للصواريخ التي تتفاخر بها المنظومات الدفاعية لن تمنع إلحاق أضرار جسيمة جدا على النحو الذي تمت الإشارة إليه”.
كل ذلك يفسر بعضا مما جاء على لسان رئيس الأركان الاسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت حيث نفى في مقابلة مع موقع “إيلاف” السعودي “وجود أي نية لدى الجيش الاسرائيلي لمهاجمة حزب الله في لبنان”، وتابع “لكن اسرائيل لن تقبل بأي تهديد استراتيجي لها”، على حد قوله، والصحيح ان “اسرائيل” لن تقدم بالمنطق والعقل على مغامرة خاسرة ومكلفة (من دون الجزم بشكل قاطع بعدم حصول اي عدوان اسرائيلي على لبنان خاصة اننا امام عدو غدار وأحمق في نفس الوقت) لكن محاولة ايزنكوت لاطلاق التهديدات بمنع وجود تهديد استراتيجي على حدود الكيان الغاصب تفسر انها محاولة لاظهار “العنجهية” الاسرائيلية المفرطة، التي يُرد عليها بما قاله الكاتب الصهيوني ران اديلست في مقالة له نشرت الاسبوع الجاري في صحيفة “معاريف” الاسرائيلية حيث قال “إذا كان الوضع إشكاليا إلى هذه الدرجة، كيف تقوم حكومة إسرائيل باللعب بالنار في الشمال وفي الجنوب والرد على ذلك هو الغرور (هم يستطيعون)، والجهل (هم لا يفهمون تداعيات ذلك) والإحباط (من فشلهم في منع الوجود الإيراني في الشمال ومؤشرات الوحدة بين الضفة والقطاع)”.
وبالتأكيد ان المقاومة القادرة على تحديد مكان وجود محطات التكرير في حيفا واستهدافها واصابتها، قادرة على تحديد مواقع خطرة واستراتيجية وهامة اخرى في الكيان الصهيوني ما يجعل كل امكانات العدو بمختلف المجالات (العسكرية، الامنية، الاقتصادية…) مهددة بالاستهداف اذا ما فكر بالاعتداء على لبنان او المقاومة لاي سبب كان وايا كانت الدوافع والجهات المحرضة، ولا فرق بعد ذلك سواء كانت واشنطن ام الرياض هي من تلعب المحرض لان مصير الكيان الصهيوني كله سيكون على المحك ولن تنفعه كثيرا الوعود الاميركية او السعودية.
المصدر: موقع المنار