أمين أبوراشد
في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2012، تم افتتاح “مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” في العاصمة النمساوية “فيينا”، وبمناسبة مرور 5 سنوات على هذا الحدث، قد نكون نحن اللبنانيين أَولى بمشاركة “فيينا” خيبتها، لأنها تحتضن بناءً حجرياً لمملكة متحجِّرة، صفعت العالم بانتهاك “إتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية” التي تمّ إبرامها عام 1961 ، وهي اتفاقية دولية تحدد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الديبلوماسي بين الدول، وتُبيِّن الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية والحصانة التي يتمتع بها ممثِّلو الدول، ولبنان الذي وقَّع هذه الإتفاقية عام 1971، يخوض معركة مع المملكة السعودية التي وقَّعتها عام 1981، بسبب الإنتهاك السافر من هذه المملكة لتلك الإتفاقية عبر احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري، في سابقة لم يعرفها التاريخ المعاصر قبل إتفاقية فيينا وبعدها.
وإذا كان لبنان قادراً على كسب معركة استرداد رئيس حكومته من الأسر، لمعرفة ظروف استقالته التي وقّعها تحت الضغط والقهر، فمن حق اللبنانيين التساؤل، أية مملكة كرتونية هذه، تمتلك العالم بأموالها ويتعايش مع أكاذيبها، من مركز الملك عبدالله للحوار في فيينا الى عضوية لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حيث يتظهَّر عار مملكة تحمل شعار الحوار وحقوق الإنسان بيد، وتحمل سيف القمع والإرهاب والإجرام باليد الأخرى.
وإذا كانت مملكة آل سعود، قادرة بأموالها على بناء الصروح الحجرية للحوار، وشراء المناصب الإنسانية التي لا تستحقها، وإذا كانت قادرة على إبرام الصفقات لإرضاء الأنظمة الراعية للإرهاب وفي طليعتها أميركا، فهي تفتح علانية حواراً لصناعة الموت مع إسرائيل، وترتكب من اليمن الى العراق وصولاً الى سوريا أقذر إنتهاكات حقوق الإنسان وتقف عاجزة عند الحدود اللبنانية، لأن في لبنان، هناك مَن يبتُر الأيادي المجرمة، ولو أنها عبر بعض الأدوات الرخيصة قادرة على العرقلة الجزئية لمسيرة بناء الدولة اللبنانية.
وإذا كانت هذه المملكة، تحاول التعويض عن خيباتها الإقليمية باستهداف قلب محور المقاومة الذي هو لبنان، فهي لا تستهدف فريقاً من اللبنانيين، بل هي تحاول مواجهة ثلاثة أرباع الشعب اللبناني، من الشرفاء الذين يقفون خلف فخامة رئيس الجمهورية في خوضه بحكمة أشرس معركة ديبلوماسية مع من لا يفقهون الأصول الديبلوماسية ولا يحترمون الأعراف، والقضية ليست حصراً في تحرير شخص، بل في تحرير رئيس حكومة بصرف النظر عن التمايز السياسي لأن المسألة هي معركة كرامة وطنية بامتياز.
وإذا كانت بعض الأدوات السعودية في لبنان، ما زالت مُصرَّة على المكابرة، والدفاع عن “مملكة المكرمات” حفاظاً على لقمة العيش الرخيص والمصالح الشخصية الأرخص ولو على حساب الكرامة اللبنانية، فليس لدى هذه المملكة كيس طحين لدى الشعب اللبناني الذي لا ينتظر مكرمة من أحد، ولهذا، سوف يكسب المعركة دون أن يسمح لمن صادروا حرية رئيس الحكومة وأملوا عليه كتاب استقالته أن يتمادوا أكثر في تدخُّلهم الوقِح بالشأن اللبناني، وإملاء مهزلة إسمها “النأي بالنفس” على وطنٍ حرٍّ كريم، لا تُصرف بأي منطق سيادي سياسي، ما دام لبنان يواجه احتمالات عدوانٍ من جنوبه، وإرهابٍ تكفيري من شرقه بدعمٍ علني من “مملكة الحوار وحقوق الإنسان”.
وخمس سنواتٍ على أكذوبة “مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات”، تضع العالم أمام مسؤولية تقييم جدوى هذا المركز، واستضافته في “فيينا”، لمملكة لا تعترف بالأخر وتُكَفِّر أي آخر خارج مذهبها الوهابي، وتحرِّض عدواً عنصرياً على ضرب لبنان البلد العربي الذي لولاه لما بقي أثر للكرامة العربية والشرف العربي.
أي مملكةٍ هذه، تحاور بالإرهاب والعدوان، وأي عالمٍ مؤمنٍ بحقوق الإنسان، يتفرَّج على ذبح أطفال على يدها، وتجويع الملايين، وحصار مئات آلاف المُصابين بالكوليرا في بلدٍ كاليمن، ولا إجراءات لمواجهتها سوى ببيانات ورقية خجولة من منظماتٍ إنسانية، ومواقف جبانة من الأنظمة السياسية العالمية، ويستمر دفق الأسلحة إليها عبر صفقات مدفوع ثمنها من مال النفط الحرام ومن دماء البشر لمملكة تعيش على الحرام؟!
وقفة تقييم لما يحصل في الداخل السعودي من توقيفات واعتقالات ووضع اليد على حسابات مصرفية، للحكم على أهلية مملكة عائلية قائمة على مبدأ “مات الملك عاش الملك”، كل الحرام فيها مُحلَّلٌ للملك والحاشية، ووقفة تقييم أخرى لما ترتكبه هذه المملكة في الخارج من انتهاكات لكل الشرائع الإنسانية، كافيتان لكشف أوراق هكذا نظام إستبدادي، ويا خيبة “فيينا” بصرحٍ من حجر ولِد ميتاً، إسمه “مركز الملك عبدالله للحوار”…
المصدر: خاص