عباس الزين – كاتب لبناني
منذ سيطرة تنظيم “داعش”، على أجزاءٍ من الأراضي العراقية والسورية، ضمن خططه التوسعية لإعلان دولته، برز بشكلٍ واضح الدورالإعلامي السلبي لبعض القنوات العربية والأجنبية، التي واكبت ذلك التوسع الميداني للتنظيم، بشكلٍ يوحي على انه في إطار “الثورات العربية” التي تحصل.
لم تعطِ تلك القنوات للمشاهد، الحقيقة المطلوبة منها والتي يتوّجب عليها إيصالها، وتوثيقها بعيدًا عن اهداف خاصة بها، بل على العكس تمامًا، كانت السلاح الأبرز بيد المجموعات المسلحة لا سيما “داعش”، فأظهرت الحرب الدائرة في سوريا والعراق على وجه الخصوص، بأنها معارك طائفية، وهو ما يسعى التنظيم الإرهابي الى ايجاده، بعيدًا عن الواقع الذي يثبت انها معارك تحررية من التنظيمات المسلحة ومشغليهم، يتقدمها الجيشين العراقي والسوري، بالتعاون مع لجان شعبية تأسست لهذا الغرض، بالإضافة الى حلفاء تجمعهم الأهداف ذاتها.
تأخذ معركة الفلوجة، البُعدَ الحقيقي لوجه الصراع القائم في المنطقة، بمختلف ادواته العسكرية والإعلامية، فالمدينة الواقعة ضمن محافظة الأنبار والتي يسيطر عليها تنظيم “داعش”، حشد لها الجيش العراقي بالتعاون مع “الحشد الشعبي” و”العشائر”، كل المستلزمات العسكرية واللوجستية، لتطهيرها من مسلحي التنظيم، في غضون مواكبةٍ إعلامية، تمنع العبث بالإجماع الوطني العراقي بمختلف توجهاته الدينية والسياسية، على ضرورة تحرير المدينة من إرهاب مسلحي تنظيم “داعش”، الذين عاثوا فسادًا وإرهابًا فيها، وجعلوها مركزًا لانطلاق عملياتهم العسكرية والإنتحارية، باتجاه المناطق العراقية الأخرى، لا سيما العاصمة بغداد، مما جعلها أولوية قصوى لدى القيادات العسكرية للجيش العراقي و”الحشد”.
بدأت معركة الفلوجة بشكلٍ رسمي يوم الاثنين الماضي، ويُذكر انها اول مدينة عراقية سقطت بيد تنظيم “داعش” بشكلٍ كامل، في كانون الثاني من العام 2014. ومع بدء دخول طلائع الجيش العراقي وقوات من “الحشد الشعبي” الى أطراف المدينة، بدأت بعض القنوات الإعلامية، بتجريمٍ ممنهج لما يقوم به الجيش العراقي و”الحشد”، عبر وصف المعركة بأنها ضد المدنيين في الفلوجة، وكأنه لا وجود لتنظيمٍ متطرف إرهابي جعل من المدينة مركزًا لتحركاته. والمُستغرَب، انه على مدى سنتين، لم تأخذ تلك القنوات على عاتقها وصف ما يقوم به التنظيم الإرهابي داخل المدينة، والإرهاب الذي يمارسه بحق المدنيين فيها، وانطلاقه منها للقيام بعمليات ارهابية في مختلف الاراضي العراقية، لكن بمجرد بدء معركة الجيش العراقي لتحرير المدينة من التنظيم الإرهابي، تعالت الأصوات على أكثر من وسيلة إعلامية معروف توجهها، ضد ما يقوم به الجيش العراقي و”الحشد”، في محاولةٍ دنيئة مقصودة او غير مقصودة، هدفها ايقاف العمليات تحت الضغط الإعلامي المعارض، ووضع الجيش و”الحشد” في مواجهة مع المدنيين، على عكس واقع الميدان الذي أظهر حرصاً غير مسبوق من قبل الجيش العراقي و”الحشد” في حماية سكان الفلوجة، وإبعاد الخطر عنهم، المتمثل بتنظيم “داعش”، والطلب المتكرر منهم قبل بدء العمليات إخلاء المدينة، والوقوف الى جانب الجيش.
وقد ظهر في الأشهر التي سبقت بدء العمليات، تريّث في الإعلان عنها، بسبب الحساسية الطائفية للمدينة، التي من الممكن ان يستغلها الإعلام المعادي لصالحه، إلا ان الضرورة التي فرضها الواقع الميداني، دفع بالجيش العراقي وقوات “الحشد الشعبي” الى وضع كل تلك الضغوطات جانبًا والعمل بشكلٍ مكثف على تحرير المدينة، لأن بقاء تنظيم “داعش” فيها، يشكّل خطرًا جسيمًا على المدن العراقية الأخرى، الأمر الذي لا يستدعي أي تأجيل، بالرغم من الحرب الإعلامية الشعواء على الجيش و”الحشد”.
إلى جانب ذلك، أيقنت المرجعيات الدينية السُّنية منها والشيعية، حجم المخاطر التي تواكب عملية تحرير الفلوجة، فدعت وبكل صراحة الى حماية المدنيين كأولوية لأي تقدّم يحرزه الجيش العراقي بالتعاون مع الحشد الشعبي، فقد وجّه المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني رسالة الى المقاتلين من جيش وحشد شعبي في الفلوجة، دعاهم فيها الى ضرورة الالتزام بالتعليمات والتوجيهات خلال عمليات تحرير المدينة، وقال ممثل المرجعية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي في تصريح “إننا نكرر على مسامع المقاتلين ضرورة الالتزام بتوجيهات المرجعية الدينية العليا خلال عمليات التحرير”، داعيًا اياهم الى “حماية المدنيين المحاصرين في مدينة الفلوجة”، وأضاف الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل السيد السيستاني في بيان، مستشهدا بحديث نبوي، ان “لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها”، وهو ما يعكس الرؤية الواضحة والعامة، للمرجعية الدينية التي أطلقت فتوى تأسيس “الحشد الشعبي”، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن كيفية ادارة مقاتلي الحشد الشعبي للمعركة، ويؤكد على ان أي فعل بعيد عن تمنيات المرجعية لن يمثل تصرفات الحشد، بل سيكون دخيلاً عليه، وله مآرب أخرى.
من جانبه، وفي موقفٍ يؤكد حجم التضامن الوطني العراقي الى جانب الجيش و”الحشد” في معركتهم ضد تنظيم “داعش” في الفلوجة، دعا رئيس الوقف السني في العراق عبد اللطيف الهميم أهالي الفلوجة الى مساندة القوات الامنية، مشيدا بجهودها في معركتها ضد الإرهاب وداعميه. وحذر الهميم من مغبة الالتفات الى الأصوات الداعية للطائفية، معربا عن دعمه لمساعي تحرير الفلوجة وجميع المدن العراقية من عصابات “داعش”، وقال إن “هناك جبهتين، هما جبهة الحق التي تمثلُها القوات الأمنية وجبهة الباطل المتمثلة بالارهاب”.
ستستمر الضغوطات الإعلامية والسياسية على الجيش العراقي و”الحشد الشعبي”، كلما اقتربا من تحرير الاراضي العراقية بشكلٍ كامل، فالأمر مرتبط بتوجهات دولية تفرض على الإعلام المتواطئ معها التعامل بهذا الاتجاه مع كل تقدم يحرزه الجيش العراقي ضد تنظيم “داعش” في العراق، فإبقاء العراق رهينة للمؤامرات الدولية، يفرض عدم تحرر هذا البلد من المجموعات المسلحة. وفي مقاربةٍ لكيفية تعامل هذا النوع من الإعلام مع الميدان العراقي، لا نجد تقارير حالية تعرضها تلك المؤسسات الإعلامية، توصف بشكلٍ دقيق تعامل تنظيم “داعش” مع المدنيين في الموصل، وما الذي جرى لتلك المدينة بعد دخول “داعش” اليها، لكن في حال اعلان الجيش العراقي عن بدء عملياته في “الموصل” سنجد اهتمام اعلامي من قبلها لم يسبق له مثيل، في تصوير المعركة على انها طائفية وضد مدنيي الموصل، كما حصل سابقًا في الفلوجة، لكن بعيدَا عن التعامل السلبي للإعلام المتواطئ بكامل تشعباته، لا اهمية للجيش العراقي و”الحشد الشعبي” تعلو فوق تحرير كامل الأراضي العراقية من الإرهاب وداعميه، مهما كثٌرت الإتهامات، وتعالت الأصوات المخالفة والطائفية.