أمين أبوراشد
يتساءل المحلل السياسي الكردي المُقيم في السويد، “دانا جلال”، عن جدوى الإستفتاء الذي ينوي مسعود البرزاني إجراءه في 25 سبتمبر/ أيلول الحالي، لإعلان إقليم كردستان العراق دولة مستقلة، ويقول جلال: “إن الاستفتاء في ظل توفر الإرادة الشعبية والسياسية، وفي ظل شروط قانونية، يمكن إجراؤه في أي وقت، وقد سبق للكُرد أن قاموا به في يناير/ كانون الثاني 2005 وكانت النتيجة “نعم” وبنسبة 98%، لكن، في ظل برلمان مُعطَّل، ورئيس انتهت صلاحيته الدستورية منذ سنتين، ورفض المعارضة الكردية تثبيت سلطة الحزب الواحد وترحيل مشكلة الرئاسة الى موعدٍ غير محدَّد، والأزمات المالية والفساد في الإدارة، وفقدان الغالبية المطلقة من الجماهير الثقة بالأحزاب بما فيها المعارضة، فإن توقيت هذا الاستفتاء ليس بالمثالي، وسيجعل من رسالة الكرد للعالم ضعيفة ولن تتكرر نسبة إستفتاء العام 2005″.
بعض الأحزاب السياسية المُعَارِضة تعتبر أنه في حال حصول الإستفتاء خلال الشهر الجاري، وجاءت النتيجة بـ “نعم”، فإن الخطوة التالية هي الجلوس الى طاولة حوار لبحث ظروف إعلان الدولة ومقوِّمات قيامها واستمراريتها، ولن تسمح هذه الأحزاب بقيام دويلة في الإقليم لمسعود البرزاني وعائلته يُديرها نجله وصهره، والإقليم يُعاني من الفقر، رغم أن 17% من الموازنة الإتحادية العراقية تذهب الى البرزاني، ويبيع نفط الإقليم الذي يُشكِّل 23% من مبيعات العراق بمُعزلٍ عن حكومة بغداد، ولا أحد يدري الى أين تذهب كل هذه الأموال!
وذكَّر أحد المُعارضين الأكراد، بمحاولة إقامة دولة كردية في إيران وسط فوضى الحرب العالمية الثانية تحت مُسمَّى “جمهورية مهاباد”، ولم تُعمِّر هذه الدولة التي أعلنتها مجموعة من الأكراد عام 1946 أكثر من 11 شهراً، لأنها نشأت نتيجة استغلال هؤلاء الأكراد الإجتياح السوفياتي للشمال الإيراني، في سباقٍ مع الولايات المتحدة الأميركية لبسط السلطة واحتلال أراضٍ حتى ولو كانت أراضي بلدان لا علاقة لها بتلك الحرب، ويُقال أيضاً أن هذه “الجمهورية” عاشت عشرين يوماً فقط، واستغرق أمر تسوية الخلافات عدة أشهر، بين العشائر الكردية الطامحة لقيام دولة للأكراد، وبين الرافضين تغليب العرق الكردي على القومية الإيرانية.
.
وإذا كانت شكوى الأكراد عمرها قرن وعام واحد، منذ إتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 التي رسَّمت حود الكيانات السياسية الحالية، ولم تُخصِّص الأكراد بدولةٍ مستقلة، فإن أميركا التي لم تكن طرفاً في هذه الإتفاقية البريطانية – الفرنسية، ترفض نتيجة هذه الإتفاقية منذ 90 عاماً كما اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، وخارطة كردستان الصغرى (كردستان العراق) وضعتها أجهزة المخابرات الأميركية منذ نصف قرن، وحاولت الإدارات الأميركية العمل على تطبيقها وفشِلت، لأنها ستكون “الدويلة” الأولى التي أرادت أميركا لها أن ترى الحياة ضمن مسلسل خلق “الإسرائيليات” العرقية أو المذهبية في الشرق، بدليل أن إسرائيل هي الكيان الوحيد في المنطقة المؤيِّد للإستفتاء وحق البرزاني في إعلان دولة مستقلة، واللوبي الصهيوني في أميركا يستطيع دعم البرزاني لإنجاح الإستفتاء- لو حصل- لكنه أعجز من فرض قيام دولة مُعادية لكل محيطها وعاجزة عن تصدير قطرة بترول واحدة، والبرزاني الذي استخدمه أردوغان لضرب حزب العمال الكردستاني، واستفاد منه في تجارة نفط “عائلية”، تماماً كما استفاد من أكراد سوريا في شراء معدات مصانع حلب المنهوبة، أردوغان البراغماتي هذا، لن يسمح بقيام دولة كردية على حدوده تدغدغ عواطف 20 مليون كردي يعيشون في تركيا.
ورغم اعتبار أميركا اليوم، أن توقيت الإستفتاء خاطىء، ليس تعفٌّفاً منها، بل لأن كيان مسعود البرزاني لن يقَدِّم أو يؤخِّر في حماية إسرائيل بعد تحقيق محور المقاومة الإنتصارات المتلاحقة، ورغم رفض العراق بإجماع أعضاء البرلمان تقسيم البلاد، والرفض الإيراني لمبدأ تمزيق الأوطان، والخوف التركي من قيام كيان كردي على الحدود يكون ترياق تحرُّكٍ معادٍ لتركيا من المواطنين الأكراد في الداخل التركي، يستمر البرزاني في مغامرات استعراض القوة سواء في كركوك المُتنازع عليها عبر حشد قوات البيشمركة، أو عبر قوات سوريا الديمقراطية على الأراضي السورية، مع الإشارة الى أن الأكراد لم يشاركوا في معركة واحدة ضدّ داعش سوى في المناطق التي يعتبرونها خطوط تماسٍ مع الإقليم!
ونختم مع رأي عادل مراد – العضو المؤسس لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني – وواقعيته في مقاربة الأمور حيث قال: “المسألة ليست في إعلان الدولة الكردية، بل في قدرتها على الاستمرار والتطور، إذ يشهد الإقليم حالة انهيار سياسي واقتصادي لدرجة عدم توفُّر أبسط الخدمات للمواطن كالكهرباء والماء ورواتب العاملين في الدوائر الحكومية، ويحدث هذا بالرغم من تصدير 580 ألف برميل نفط يومياً، وتُعَدُّ تجربة جنوب السودان نموذجاً قريباً لحالة الإختلاف بين الرغبة الذاتية والظروف المحيطة بتلك الرغبات…”.
ونُضِيف: أمام البرزاني رحلة طويلة مع الخيبات في بناء دولة مُعادية لكل الجوار ولا تمتلك مقومات دولة، بل سوف تستجلب العداء لأكراد الشتات من أخوانهم في المواطنة بالدول الأخرى، و مواطنو تلك الدول من الأكراد غير معنيين بدويلته العائلية، وإذا كانت “جمهورية مهاباد” قد عمَّرت أحد عشر شهراً، فإن “جمهورية كردستان البرزاني” لن ترى النور سوى على الخريطة…
المصدر: موقع المنار