بعد سماعهم الانباء حول قرب تسلم ميشال تامر رئاسة البرازيل، بدأ اللبنانيون يتندرون بوصول ابن قرية بتعبورة الصغيرة في شمال لبنان الى سدة الرئاسة في البلد العملاق. فيما يعجز البرلمان اللبناني منذ عامين عن انتخاب رئيس للبلد الصغير الممزق بالصراعات السياسية.
لدى الوصول الى بتعبورة التي يتحدر منها الرئيس البرازيلي الجديد، اول ما يصادف الوافدين لافتة عليها اسم الشارع الرئيسي “شارع ميشال تامر نائب رئيس البرازيل”، والى جانبها في الجهة الثانية من الطريق حديقة عامة رفع على مدخلها علم لبنان وقربه علم البرازيل. وحفر على لوحة صخرية داخل الحديقة في البلدة الواقعة في قضاء الكورة “هنا ولد نخول تامر والد نائب رئيس البرازيل ميشال تامر”.
لكن تغييرا سيطرأ على اسم هذا الشارع غدا خلال احتفال تنظمه بلدية القرية احتفاء بوصول تامر الى رئاسة البرازيل، اثر التصويت التاريخي في مجلس الشيوخ الذي انهى مهام الرئيسة ديلما روسيف، ممهدا الطريق امام رئاسة تامر.
ويقول رئيس البلدية بسام بربر لوكالة فرانس برس وهو منهمك باجراء اتصالات لترتيب الاحتفال “غدا صباحا سنتوجه الى حيث مكتوب شارع ميشال تامر، نائب رئيس البرازيل لنحذف كلمة نائب ونكتب فخامة رئيس البرازيل”.
ويضيف بكثير من الحماسة “سيكون احتفالا من القلب، كما كان والده يحتفل بالمناسبات في بتعبورة. برقص الدبكة والزفة. لان هذا فرحنا جميعا، ورسالتي له اننا فخورون به وهذه قريته. يجب الا ينساها”.
في شوارع القرية التي تحيط بها اشجار الزيتون من الجهات كافة، يحضر اسم تامر على كل لسان الصغار منهم قبل الكبار.
“ركع وقبل الحجر”
وبكثير من الاعتزاز والفخر، يسرد نزار تامر ابن عم الرئيس الجديد تفاصيل الزيارتين اللتين قام بهما تامر الى لبنان، الاولى في العام 1997 حين كان رئيسا للبرلمان البرازيلي وكانت تلبية لدعوة من رئيس البرلمان نبيه بري، والثانية في العام 2011 بدعوة من الرئيس السابق ميشال سليمان الذي سلمه الجنسية اللبنانية بعد مشاركته في احتفال بمناسبة عيد الاستقلال.
ويحق للمتحدرين من اصل لبناني الحصول على الجنسية اللبنانية، لكن ذلك يتطلب القيام باجراءات معقدة وطويلة، وغالبا ما تنام الطلبات في ادراج البيروقراطية. ويقول نزار (65 عاما) وهو مهندس مدني لوكالة فرانس برس “تعرفت عليه العام 1997 ولم نكن نعرفه قبل ذلك كونه ولد في البرازيل، لدى وصوله الى القرية سالنا اين بيت عائلتي وعندما راى البيت، ركع على الارض وقبل حجر البيت ووضع حفنة من التراب على راسه، دمعت عيناه حينها وتأثر كثيرا”.
على بعد امتار من منزل نزار الذي تضيق باحته الخارجية بالمهنئين الذين سارعوا الى زيارته بعد ورود الخبر السعيد من بلاد السامبا، توجد بقايا منزل جده حيث ولد نخول تامر وانجب اثنين من اولاده قبل ان يتوجه الى البرازيل لينجب ثلاثة ابناء اخرين اصغرهم ميشال. ولم يبق من البيت المهجور الا بضعة جدران وغرفة مبنية من الحجر.
وتعد البرازيل من اكثر الوجهات التي قصدها اللبنانيون تحديدا منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وصولا الى سنوات الحرب الاهلية. وتتراوح اعداد اللبنانيين والمتحدرين من اصل لبناني في البرازيل بين ستة وسبعة ملايين وفق مصدر في وزارة الخارجية اللبنانية، بينما عدد المقيمين في بلد الارز بالكاد يتجاوز الاربعة ملايين. وبرزت اسماء العديد من لبنانيي المهجر في الطب والسياسة والاقتصاد.
ويتذكر نزار الوعد الذي قطعه ابن عمه لدى زيارته الرسمية الاخيرة الى لبنان، موضحا “قال لنا عندما ساصبح رئيسا ساعود مجددا الى لبنان”. لكن المشكلة التي ستواجه تامر ان زار لبنان هذه المرة وفق نزار. هي “عدم وجود رئيس جمهورية ويجب وفق البروتوكول ان يدعوه رئيس جمهوريتنا” للزيارة.
ويضيف مبتسما “اصبح لدى لبنان رئيس جمهورية في البرازيل ولا رئيس لدينا في لبنان”، مضيفا “من المؤسف ان اللبناني في الخارج ناجح ويصل الى اعلى المراكز لكن هنا ليس بامكانهم الاجتماع لانتخاب رئيس”.
ودعي مجلس النواب اللبناني الى الاجتماع 39 مرة على مدى سنتين، الا ان النصاب لم يكتمل بسبب الانقسامات السياسية الحادة.
رقص الدبكة
ويطالب رئيس البلدية بانتخاب رئيس للبنان من ابناء القرية، ويقول “طالما ان ابن بتعبورة اصبح رئيسا في البرازيل نتمنى ان يصبح ابن بتعبورة رئيسا لبنان، بما انهم انهم جربوا كثيرا مع آخرين ولم ينجحوا”. ويروي احد المهنئين في منزل نزار الذي وضعت على احد جدرانه صورة نخول، والد الرئيس البرازيلي، كيف ان الاخير لدى زيارته البلدة العام 2011 كان سعيدا بالاحتفال الذي اقيم له وتبرع بمبلغ من المال لبناء كنيسة جديدة.
ويروي جورج وهو شاب في نهاية الثلاثينات “نحن في القرية ذائعو الصيت بأدائنا الدبكة، ومع ان ميشال ولد في البرازيل لكنه ما ان شاهدنا نرقص احتفاء به حتى شاركنا الدبكة التي يبدو انها في جينات كل من يتحدر من قريتنا”، قبل ان يقهقه الحاضرون مؤيدين كلامه.
ويقول سكان بتعبورة ان ميشال تامر، بحسب ما عرفوه. لائق وذو وجه بشوش “ولم يرض الا ان يصافح الجميع” عندما زارهم. ويذكر رئيس البلدية ان تامر استهل الكلام خلال الاحتفال الذي اقيم له في الشارع الذي يحمل اسمه بالقول “لو اتيح لي البقاء في قريتي لكان حلمي الوحيد ان اصبح رئيس بلديتها”. فقاطعه بربر قائلا “الحمدلله انك ولدت هناك لكي لا تحرمني ذلك”.
ويتابع “لقد اصبح الان رئيس دولة كبيرة، وهذا ليس بالامر اليسير”.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية