ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة في بيروت اليوم السبت 15 تموز 2017 على مواضيع عديدة كان ابرزها التنسيق بين عين التينة وبيت الوسط قبيل الجلسة النيابية والملفات المدرجة على جدول أعمالها لاسيما مشروع السلسلة، بالاضافة الى قضية النازحين السوريين في مخيمات عرسال ومصير المسلحين في جرودها.
* الاخبار
انتفاضة القدس مستمرة: «الجبّارين» في الأقصى
في كل مرحلة من مراحل انتفاضة القدس، تُفاجأ المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية بنوعية العمليات الفلسطينية، حتى الفردية منها. أمس، نفذ ثلاثة شبان من الداخل المحتل عملية في باحات المسجد الأقصى أسفرت عن مقتل شرطيين إسرائيلييين، فأغلقت إسرائيل المسجد للمرة الأولى منذ ٥٠ عاماً ومنعت الأذان والصلاة فيه.
استيقظت مدينة القدس المحتلة، أمس، على تنفيذ ثلاثة شبان، من أم الفحم في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، عملية فدائية ضد شرطة العدو داخل حرم المسجد الأقصى. أسفرت العملية عن مقتل شرطيين إسرائيليين، واستشهاد الشبان الثلاثة، وهم: محمد حامد جبارين (19 عاماً)، محمد أحمد جبارين (29 عاماً) ومحمد مفضل جبارين (19 عاماً).
جاءت العملية لتكسر حالة الهدوء التي عاشتها مدينة القدس بعد انخفاض وتيرة العمليات الفدائية فيها، ووسط حالة قدّرت فيها قيادات العدو الأمنية أن «انتفاضة القدس» قد انتهت. كما أكدت «عملية الأقصى»، أمس، أنه برغم انخفاض وتيرة العمل الفدائي في القدس والضفة المحتلة، فإن الانتفاضة لا تزال مستمرة ولن تتوقف في القريب العاجل.
على الصعيد نفسه، وجهت العملية ضربة جديدة لأجهزة العدو الأمنية والاستخبارية، إذ قالت شرطة العدو في بيان، إن «الشبان الثلاثة لا يوجد عنهم أي ملف أمني لدى الشاباك»، ما يعني أنهم كانوا خارج دائرة الرصد. ووفق المتحدث باسم الشرطة، ميكي روزنفيلد، فإن «الشرطيين القتيلين هما هايل ستاوي (30 عاماً) من سكان بلدة المغار، وكميل شنان (22 عاماً) من بلدة حرفيش». كما قالت إن الشهداء الثلاثة «أطلقوا النار على أفراد الشرطة عند إحدى بوابات المسجد… وهربوا إلى داخله بعدما طاردتهم الشرطة وأطلقت عليهم النار، ما أدى إلى مقتلهم».
اتصل محمود عباس
ببنيامين نتنياهو
لإدانة العملية
وفي أعقاب العملية، اتخذت حكومة العدو سلسلة إجراءات جديدة رداً على إطلاق النار؛ منها منع الصلاة في الأقصى، وإغلاق أبواب المسجد حتى إشعار آخر، وهو إجراء لم تتخذه سلطات العدو منذ احتلال القدس عام ١٩٦٧. وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، أوفير جندلمان، إن «رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقد جلسة مشاورات أمنية مع عدد من الوزراء ومسؤولي الأجهزة الأمنية، لتقييم الموقف بعد عملية القدس».
وأشار إلى أن نتنياهو «أوعز لقوات الأمن بتفكيك بيوت العزاء لمنفذي عملية إطلاق النار»، مضيفاً أنه «وفقاً لجلسة تقييم موقف، ستعقد الأحد المقبل، بين نتنياهو ووزراء ومسؤولي الأجهزة الأمنية، سيتقرر متى ستفتح أبواب المسجد الأقصى أمام المصلين».
في المقابل، قال وزير شؤون القدس ومحافظ المدينة، عدنان الحسيني، إن «اتصالات تجرى من أجل الضغط على إسرائيل للتراجع عن قرار إغلاق المسجد الأقصى»، محذراً من أننا «نسمع تصريحات من مسؤولين إسرائيليين عن نية فرض إجراءات جديدة، وهذا أمر مستهجن ومرفوض». كذلك طالب الأردن، إسرائيل، بفتح الأقصى أمام المصلين وتجنب أي إجراءات من شأنها تغيير الوضع التاريخي القائم. ولفت المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، في بيان إلى أن «الحكومة أجرت اتصالات مكثفة للضغط من أجل إعادة فتح الأقصى فوراً».
أيضاً، أعربت الخارجية المصرية عن «قلق مصر البالغ تجاه أحداث العنف التي شهدتها ساحة المسجد الأقصى صباح يوم الجمعة»، محذرة في بيان أمس، من «خطورة تداعيات مثل تلك الأحداث والإجراءات على تقويض الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لتشجيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على استئناف المفاوضات وإحياء عملية السلام». وأضاف البيان أن على جميع الأطراف «ضبط النفس وعدم الانزلاق إلى حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد، أو اتخاذ إجراءات تؤثر في حرية ممارسة الشعائر الدينية في المسجد الأقصى بما يؤدى إلى تأجيج مشاعر الاحتقان».
وفي تداعيات العملية، جاء إعلان جيش العدو الإسرائيلي أن قائد الجبهة الوسطى في الجيش، روني نوما، أوعز إلى قوات الاحتلال في الضفة برفع مستوى جاهزيتها واحتمال اندلاع مواجهات في أعقاب العملية. كما وصف قائد الشرطة الإسرائيلية، روني الشيخ، العملية، بأنها «حدث حساس ينطوي على أهمية على المستوى السياسي والدولي»، فيما قال وزير الأمن الداخلي جلعاد إردان، إن «منفذي العملية تجاوزوا خطوطاً حمراً».
وللمرة الأولى، ونزولاً عند رغبة الأميركيين في إدانة العمليات الفدائية، اتصل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وعبّر في اتصاله عن رفضه وإدانته عملية إطلاق النار في الأقصى. ووفق وكالة «وفا» الرسمية، «عبّر الرئيس، عن رفضه الشديد، وإدانته للحادث الذي جرى في المسجد الأقصى المبارك، كما أكد رفضه لأي أحداث عنف من أي جهة كانت، وخاصة في دور العبادة». كما طالب عباس بإلغاء إجراءات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق الأقصى أمام المصلين، محذراً من «تداعيات هذه الإجراءات أو استغلالها من أي جهة كانت لتغيير الوضع الديني والتاريخي للأماكن المقدسة».
لكن إردان اتهم عباس بأنه يحرض الفلسطينيين، وأن العملية اليوم هي نتيجة لتحريضه. وقال: «ينبغي أن نتذكر أننا نقول على مدار أشهر طويلة إنه يوجد تحريض، وليس في شبكات التواصل الاجتماعي فقط وإنما بصورة رسمية… وفيما أبو مازن يدعو الجمهور إلى الدفاع عن جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، ويقول إن أرجل اليهود تدنس جبل الهيكل، وتوجد لذلك تبعات ومن الجائز جداً أننا شاهدنا نتائجها صباح اليوم (أمس)، وندعو الجميع إلى التصرف باعتدال».
وفي وقت لاحق مساء، اقتحمت شرطة العدو خيم العزاء في حيّ الجبّارين في أم الفحم، جنوب فلسطين المحتلة، فيما شهدت القرية منذ الساعات الأولى للعملية، أجواء مشحونة، كما دعت بلدية أم الفحم إلى ضبط النفس والتحلي بالصبر. في غضون ذلك، قال المتحدث باسم «كتائب الشهيد عز الدين القسام» (الذراع العسكرية لـ«حماس»)، أبو عبيدة، إن «عملية القدس تأكيد على أن خيار شعبنا هو المقاومة، رغم كل محاولات التركيع… والمسجد الأقصى هو الأيقونة والعنوان».
إلى ذلك، أعلن متحدث رسمي باسم «حركة الجهاد الإسلامي»، أن وفداً رفيعاً من «الجهاد» برئاسة الأمين العام للحركة، رمضان شلح، وبمشاركة نائبه زياد النخالة، وصل إلى القاهرة بدعوة مصرية. وأوضح المتحدث أن «الوفد سيبحث الوضع الإنساني في غزة، وآخر المستجدات في الساحة الفلسطينية، والعلاقة مع الشقيقة مصر».
بين حزب الله 2017… وحزب الله 2006
الفارق كبير جداً بين مواجهة التهديدات من موقع الضعف، ومواجهتها من موقع القدرة على الردع
علي حيدر
منذ سنوات، يتعمد بعض المسؤولين والخبراء الإسرائيليين الإكثار من ترداد مفهوم أن الحكم على نتائج أي حرب كبرى، لا يتم بشكل فوري، بل بعد أن تتبلور وتتضح تداعياتها السياسية والاستراتيجية التي تحتاج الى مضي بعض الوقت. ويستعرضون في هذا السياق العديد من الأمثلة.
هدفَ الترويج لهذا المفهوم الى محاولة إحداث تعديل جزئي في صورة نتائج حرب عام 2006، في وعي الرأي العام الإسرائيلي، والقول إن نتائجها لم تقتصر على الفشل. وبالنتيجة، خلصت هذه الفذلكة الى اكتشاف إنجاز متأخر لتلك الحرب، تمثل بتعزيز قدرة الردع الإسرائيلية في مواجهة حزب الله!
بداية، ينبغي تسجيل حقيقة أن لكل حرب نوعين من النتائج. منها الفورية والمباشرة، ومنها ما يتوالى بالظهور مع مضي الوقت. لكن بالإجمال، من الصعب الفصل بين التداعيات التي تتوالى بالظهور وبين النتائج العسكرية لهذه الحرب. بمعنى أن النتائج الفورية والمباشرة تتحول الى نقطة انطلاق وتأسيس (من ضمن عوامل أخرى) للمسار الذي يلي.
حزب الله أكثر عدداً
وتسليحاً وتطوراً وخبرةً
وكفاءةً وتأثيراً
في لبنان والإقليم
مع ذلك، ينبغي التذكير بأن أهداف الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله كانت أبعد مدى بكثير من تعزيز قوة الردع الإسرائيلية. ولو كان الأمر كذلك، لاقتصر العدوان على عدة أيام تم خلالها الاكتفاء باستهدافات محدَّدة من دون أن تورط إسرائيل نفسها بحرب استمرت 33 يوماً، تم خلالها دك جبهتها الداخلية بالصواريخ بما لم تشهده ربما منذ ما بعد حرب عام 1948.
في ضوء عدم الحاجة إلى الكثير من الشروحات التي تُفصل هذه الأهداف، تكفي العودة إلى قائمة الأهداف التي صادق عليها المجلس الوزاري المصغر خلال الحرب، ونشرها معهد أبحاث الأمن القومي (عام 2016) بقلم العميد أودي ديكل الذي كان يتولى خلال الحرب منصب رئاسة القسم الاستراتيجي في شعبة التخطيط في هيئة أركان الجيش. وكان من ضمن هذه الأهداف، تنفيذ القرار 1559، والبدء بمسار تفكيك أسلحة حزب الله، إضافة الى الموقف الشهير لوزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين كوندوليزا رايس، والتي كشفت عن أن الهدف الحقيقي للحرب هو ولادة شرق أوسط جديد. كل هذه الأهداف وغيرها ما كانت لتتحقق من دون سحق حزب الله.
مع ذلك، حتى لو اقتصر معيار تقويم الحرب على تحديد منسوب الردع، يلاحظ على مستوى النتائج أن ما تحقق لم يكن تعزيزاً أحادياً للردع الإسرائيلي، وإنما تبلورت حالة من الردع المتبادل ظهرت مفاعيلها طوال السنوات التي تلت. بمعنى أن مَن تعززت قدرة ردعه بمستويات هائلة عما كانت عليه قبل الحرب، هو حزب الله. وقدرته تجاوزت مفاعيلها الساحة اللبنانية، وامتدت الى الساحة الإقليمية.
لكن على قاعدة ألزِموهم بما ألزموا به أنفسهم، «يسرنا» أن نحتكم الى تقويم نتائج الحرب بالقياس الى تداعياتها البعيدة المدى.
المدخل الى التقويم الدقيق، يكمن في إجراء مقارنة (تكفي المقارنة العامة) بين حزب الله 2017، وحزب الله 2006. ولا يخفى أن مساحات هذه المقارنة واسعة ومتعددة. ولكن يمكن إجمالها، (ولو بشكل غير شامل)، وفق العناوين السريعة الآتية:
1 ـ أكثر عدداً. في ضوء أن حزب الله لم يسبق له أن أعلن ونشر عن أعداد مقاتليه والمنتسبين إليه، لكن بالاستناد الى التقارير الإسرائيلية نفسها، التي تحاول أحياناً المقارنة بين مرحلتين، وتحديداً من قبل كبار الخبراء في إسرائيل، بات حزب الله يملك عشرات آلاف المقاتلين، ومن دون الحاجة إلى الاطلاع على الأرقام المعلنة وغير المعلنة، يمكن للبنانيين أنفسهم، سواء كانوا حلفاء أو أصدقاء لحزب الله، أن يلحظوا بأنه بات أكثر انتشاراً وتجذراً في الواقع اللبناني، وبأضعاف ما كان عليه سابقاً.
2 ـ أكثر تسليحاً (سنقتصر على الصواريخ). أيضاً، بالإجمال ليس من عادة حزب الله الإعلان الرسمي عما يمتلكه من قدرات صاروخية… سوى في محطات محدودة سابقة، والتي أتت في سياق مدروس وهادف. لكن الإسرائيليين أنفسهم يتحدثون عن أن حزب الله كان يملك عام 2006، نحو 12 ألف صاروخ. في المقابل، فرضية العمل التي يتبناها الجيش الإسرائيلي، ويبني على أساسها خطط بناء قدراته القتالية، أن حزب الله يملك من الصواريخ ما لا تملكه أكثر دول العالم. ويتحدثون في هذا المجال عن نحو 150 ألف صاروخ. وليس من المستبعد أيضاً، أن يكون هذا الرقم أقل مما لدى حزب الله، وخاصة أنه سبق لإسرائيل أن أخطأت كثيراً في تقديراتها بما يتعلق بصواريخ حزب الله (قبل حرب 2006 وخلالها).
3 ــ أكثر تطوراً. بحسب التقارير الرسمية والإعلامية في تل أبيب، أكثر ما يبث الرعب في صفوف الإسرائيليين، الى جانب الأعداد الفلكية لصواريخ حزب الله، دقة إصابتها ومداها وقدراتها التدميرية. بل إن حزب الله نفسه وجّه أكثر من رسالة ردع الى المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل، استندت فعاليتها، بشكل مُحدَّد، الى دقة إصابة هذه الصواريخ، وتحديداً عندما تحدث عن إصابة منشآت بعينها في العمق الإسرائيلي (مطار بن غوريون، منشآت نووية…).
ويندرج في السياق نفسه، تطور صواريخ حزب الله على مستوى المدى وقوة التدمير بعدما باتت تطال كل نقطة في إسرائيل، ولم تعد تلحق أضراراً جزئية بالمنشآت في المستوطنات، بل تدمّر مباني في تل أبيب.
4 ــ أكثر خبرة وكفاءة. كثيراً ما تحدث الإسرائيليون عن حجم التضحيات التي قدمها ويقدمها حزب الله في سوريا. لكن على خط مواز، يقر كبار القادة الإسرائيليين، ومن ضمنهم رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت، الذي أكّد قبل أيام أمام مؤتمر هرتسيليا، أن مقاتلي حزب الله باتوا أكثر خبرة ويتطورون. وبحسب تعبير مستشار الأمن القومي الأسبق لنتنياهو، اللواء يعقوب عميدرور، بات حزب الله بعد مشاركته في القتال في سوريا «جوزة (إيغوز) لا تنكسر»، فيما وصفه آخرون بأنه بات جيشاً محترفاً… وهكذا.
5 ــ أكثر حضوراً وتأثيراً في الساحة اللبنانية. نصّت قائمة الأهداف التي صادق عليها المجلس الوزاري المصغر قبل حرب عام 2006، بحسب معهد أبحاث الأمن القومي (قيود على الفكر الاستراتيجي/ أودي ديكل/ 2016)، على إضعاف مكانة حزب الله في لبنان. في المقابل، يمكن الاكتفاء بالإعراض عن التعليق على هذا البند بالذات… وترك الإجابة عنه للقارئ.
6 ــ أكثر حضوراً وتأثيراً في الإقليم. في عام 2006، كانت صورة حزب الله كقوة ردع ودفاع عن لبنان موضع شكوك الكثيرين في لبنان. لكن في المرحلة التي تلت تلك الحرب، تبلور حزب الله كقوة ردع إقليمية، وهو ما حضر بقوة في مقاربة القيادات العسكرية والاستخبارية في تل أبيب، الذين عارضوا تفرد إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية في إيران، على خلفية تقديرهم بأن صواريخ حزب الله ستتساقط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. أما الآن، فقد تجاوز حزب الله هذا الموقع والدور، الى ما هو أكبر وأشد تأثيراً بعدما تحول الى قوة إقليمية، بإقرار أعدائه وأصدقائه. ومن أبرز تجليات هذا التطور في الموقع والدور، أنه بات له موقفه ودوره المؤثر جداً في بلورة المعادلات والسياقات الإقليمية.
ولا بد من الإشارة الى أن هناك العديد من المجالات الإضافية الأخرى التي يمكن أن تشكل ساحة بحث لاكتشاف المزيد من تجليات التطور الذي شهده حزب الله وحققه، في آن.
في مقابل كل ما تقدم، يبقى أن نشير الى أن تطور مكانة وموقع ودور حزب الله في الساحتين اللبنانية والإقليمية، لا يعني تجاهلاً لحجم التهديدات المحدقة بلبنان والمنطقة. لكن في المقابل، ما ينبغي التأكيد عليه، وعدم إغفاله، أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين مواجهة هذه التهديدات من موقع الضعف، الذي يبقي حاضر وطنك وشعبك ومستقبلهما رهينة المتغيرات السياسية والأمنية، التي شاهدنا مفاعيلها في دول هي أكبر وأقوى من لبنان بأضعاف، وبين مواجهتها من موقع القدرة على الردع والرد والدفاع.
المستقبل والقوات ضدّ السلسلة … بذريعة المتقاعدين
من اعتصام أمام قصر الصنوبر، أمس، تزامناً مع الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي. وطالب المعتصمون بالإفراج عن المعتقل اللبناني في السجون الفرنسية جورج ابراهيم عبدالله المسجون منذ 34 عاماً (مروان بوحيدر)
سلسلة الرتب والرواتب على نار حامية. وكما في السنوات الماضية، يجد معارِضو إقرارها ألف سبب وسبب لرفضها. هذه المرة، ذريعة تيار المستقبل والقوات اللبنانية هي تضخّم أرقام السلسلة بحقوق المتقاعدين
على وقع التحضيرات للعملية العسكرية التي قررت المقاومة القيام بها لتحرير الجرود المحتلة شرقي عرسال، تفتتِح القوى السياسية الأسبوع المقبل على أجندة أساسية هي سلسلة الرتب والرواتب. وتتجّه الأنظار الى الجلسة التشريعية العامة التي دعا إليها الرئيس نبيه برّي في 18 و19 الجاري، حيث ستكون السلسلة بنداً أول على جدول أعمالها.
وفي سبيل تعبيد طريقها إلى البرلمان، حضرت السلسلة إلى جانب الموازنة أمس في اجتماع عقد في وزارة المالية، ضمّ إلى جانب الوزير علي حسن خليل، كلاً من النواب: إبراهيم كنعان، جورج عدوان، جمال الجراح، أكرم شهيب وعلي فياض. ويبدو واضحاً حتى الساعة، استناداً الى المواقف المُعلنة أن السلسلة لا تزال محطّ انقسام سياسي، رغم إعلان الوزير خليل بعد اللقاء أنه «متفائل»، معتبراً «أننا أمام إقرار السلسلة في الجلسة التشريعية المقبلة».
شدّ الحبال بين الأطراف المعارِضة للسلسلة والمؤيدة لها لم ينتهِ بعد. لكن الاجتماع الذي عُقد في «المالية» ثبّت أقله الجلسة ونيات القوى السياسية حيالها. وفيما تؤكد وزارة المالية أن «لا ضرائب ستفرض على الناس»، تستمر الهيئات الاقتصادية والمصارف، مدعومة بتيار المستقبل والقوات اللبنانية، بممارسة الضغوط لتلافي أي ضرائب تطال أرباحها. وسيُعقد يوم الاثنين المقبل اجتماع ثانٍ، بعدما اتفق على منح معارضي إقرار السلسلة مهلة إضافية لإعادة دراسة بعض التفاصيل.
التشكيلات الدبلوماسية
الأسبوع المقبل، والانتخابات الفرعية
الأحد الأخير من أيلول
مصادر عين التينة أكدت أنه «حتى في حال فكّرت الحكومة باسترداد السلسلة، فلن يمنع ذلك بعض النواب من تقديمها كاقتراح قانون في المجلس». وعن اجتماع المالية، قالت «رغم الجوّ الإيجابي، يظهر كثيرون كأنهم لا يريدون السلسلة، لكن أحداً لا يستطيع أن يجاهر بهذا الموقف علناً». وأضافت أن «تيار المستقبل والقوات اللبنانية لم يرفضاها بشكل قاطع، لكنهما لا يزالان يبديان تخوفهما من الكلفة العالية»! وأن «العقدة الأساسية عندهما تتمثل في منح المتقاعدين حقوقهم». ويطلق المستقبل والقوات النار على السلسلة من زاوية أن إنصاف المتقاعدين «سيُضخم الرقم المطلوب لتمويل السلسلة». وقد طلب ممثلو التيار الأزرق والقوات في اجتماع أمس وقتاً حتى نهار الاثنين لدراسة الأمر. وفيما يعمل برّي على فصل السلسلة عن الموازنة، مقابل اعتبار القوات والمستقبل والتيار الوطني الحر أن السلسلة جزء لا يتجزأ من الموازنة، أكد رئيس المجلس لـ«الأخبار» أنه «فور انتهاء لجنة المال من الموازنة، فإنه سيدعو إلى جلسة لإقرارها بعد 48 ساعة».
وفيما اعتبرت مصادر عين التينة أن «عدم إقرار الموازنة هو خرق للدستور»، حضر في اجتماع المالية أمس اقتراح التيار الوطني الحرّ تعليق المادة 87 من الدستور لإمرار موازنة عام 2017 التي أعدّتها وزارة المالية من دون التدقيق في الحسابات المالية السابقة المطلوبة دستورياً لقطع الحساب، مع إعطاء مهلة تحددها وزارة المالية لإنجاز هذه الحسابات. وعلمت «الأخبار» أن «الوزير خليل اقترح على النائب كنعان مخرجاً يُمكن أن يكون حلاً، ويتمثّل في أن يلحق وزير المالية بالموازنة تقريراً مفصلاً عن المرحلة التي وصلت إليها دراسة الحسابات، مقابل تحديد فترة زمنية لتنظيم قطع الحساب وإرساله الى ديوان المحاسبة للموافقة عليه». في المقابل، لم تعطِ مصادر التيار الوطني الحر جواباً بشأن هذا المخرج، مؤكدة «احترام الدستور في مسألة قطع الحساب ورفض الموافقة عليه مع التحفظ، كما كان يحصل قبل عام 2005». وأشارت إلى «أهمية الموازنة نظراً إلى المشهد المالي العام الذي تعكسه على مختلف الأصعدة المالية والاقتصادية، وضرورة توازن الحقوق والواردات وتزامنها مع الإصلاحات للسلسلة من دون إغفال حقوق المتقاعدين ودرجات المعلمين، مع رفض الضرائب التي تطال الجميع والذهاب إلى تثبيت الوفر الذي أنتجته لجنة المال النيابية واعتماد الإيرادات النوعية». وفي هذا الإطار، زار رئيس الحكومة سعد الحريري أمس عين التينة للقاء الرئيس بري. وقالت مصادر الحريري إنه «طلب الموعد فور دعوة بري الى الجلسة التشريعية»، مشيرة إلى أنه «استاء من الدعوة فجأة لأن الأمور لا تزال تحتاج الى تنسيق وتشاور بين المجلس والحكومة».
على صعيد آخر، أكدت مصادر وزارة الداخلية لـ«الأخبار» أن الانتخابات الفرعية في كسروان (مقعد الرئيس ميشال عون) وطرابلس (مقعدَي النائب الراحل بدر ونوس والنائب المستقيل روبير فاضل) ستُجرى يوم الأحد الأخير من أيلول المقبل. وقالت المصادر إن الوزير نهاد المشنوق بعث إلى الهيئات التي ستتمثّل في هيئة الإشراف على الانتخابات، طالباً منها ترشيح ممثلين عنها ليختار مجلس الوزراء منهم أعضاء في الهيئة.
من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن بحث التشكيلات الدبلوماسية دخل مرحلته الأخيرة، وأنه سينجز في غضون اليومين المقبلين، مع احتمال أن تصدر التشكيلات قبل نهاية الأسبوع المقبل. وقد سلّمت وزارة الخارجية القوى السياسية نسخاً عن اقتراحها للتشكيلات والترقيات الخاصة بالدبلوماسيين، لكن وفق التقسيم المذهبي والطائفي. وتولى التيار الوطني الحر تشكيلات الدبلوماسيين المسيحيين، وتيار المستقبل الدبلوماسيين السنة، وحركة أمل الشيعة، والحزب التقدمي الاشتراكي الدروز. ويبدو أن رأي الرئيس سعد الحريري ومدير مكتبه نادر الحريري استقر على تعيين سفير لبنان لدى السعودية، عبد الستار عيسى، أميناً عاماً لوزارة الخارجية، بعدما نجح دبلوماسيون حاليون وسابقون في فرملة السعي إلى تعيين قنصل لبنان في إسطنبول هاني شميطلّي أميناً عاماً.
العماد عون: لا خطوط حمراء في وجه الجيش
يغادر قائد الجيش العماد جوزف عون الى الولايات المتحدة الاميركية في 12 آب، بناء على دعوة رسمية تستمر اسبوعاً، في ثانية زيارة لها منذ تسلمه منصبه في آذار. بيد انها تكتسب بعداً اضافياً في ضوء المواجهات الاخيرة للجيش مع الارهاب
نقولا ناصيف
في جدول اعمال الزيارة العسكرية المحض، اجتماع قائد الجيش العماد جوزف عون في واشنطن بقيادة المنطقة الوسطى المعنية بشؤون الشرق الاوسط، كما مع قادة اسلحتها، الى تفقده عدداً من القواعد العسكرية ومشاغل طائرات سوبر توكانو، ناهيك بموعد محتمل مع وزير الدفاع الاميركي. وخلافاً لزيارة 29 نيسان المنصرم، تخلو الزيارة الثانية من لقاءات سياسية، الا انها تمثل، بعد اقل من ثلاثة اشهر على سابقتها، دفعاً اميركياً اضافياً للبنان بغية مساعدته ومدّه بالسلاح والعتاد في مواجهته الارهاب، في ضوء ما نُسب الى قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال جوزف فوتيل انه لم يعد يرى بلداً في الشرق الاوسط يسعه الذهاب اليه سوى لبنان.
تبعاً للمطلعين على موقف قائد الجيش، فإن المعطيات الميدانية عن احتمال عمل عسكري كبير في الجرود الشرقية ضد مسلحي «داعش» و«النصرة» في الجانب السوري منها، وكثافة قصف الطيران السوري على نحو غير مألوف، تشي بقرب حصولها. المعلومات المتوافرة لدى الجيش ان ثمة حشوداً من شأنها التمهيد للعمل العسكري، ناهيك بالموقف الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وكلامه عن انذار اخير ما لم تُجر تسويات سريعة، يعزز فكرة تعاون ما بين الجيش السوري وحزب الله. ما يحول دون العمل العسكري هو موافقة المسلحين المتمركزين في الجرود على تسوية بالانسحاب، وخصوصاً موقف ابومالك التلي بالرضوخ لهذا الحل او تصفيته. ما خلا ذلك الآمال قليلة بمخرج آخر.
اي موقف للجيش من هذا التطور؟
بحسب المطلعين على موقف عون، «لا ينتظر الجيش القرار السياسي من السلطات الرسمية، وفي معظم اعمال الدهم ومواجهة التنظيمات الارهابية في جرود عرسال لم ينتظر مرة القرار السياسي، متى كان عليه مواجهة الارهاب من اي جهة اتى.
قائد الجيش: مهماتنا
لا تنتظر القرار السياسي
من السلطات الرسمية
توقيت هجمات الجيش لا يخضع للتعليمات والقرار السياسي، بل لمسرح الاحداث والظروف، وهو بنى كل تحركاته الاخيرة طبقاً لهذه القاعدة. في احسن الاحوال يكون رئيس الجمهورية، في الغالب، على علم مسبق بعملية يتأهب الجيش لتنفيذها، ثم يحاط لاحقاً علماً بنتائجها».
ما يُفصح عنه عون ان الجيش يتفادى مواجهة الارهابيين المتمركزين في الجرود المقابلة لعرسال بسبب اتخاذهم من مخيمات يقيم فيها 11 الف نازح سوري دروعاً بشرية. هذا الموقف حمله الى رئيسي الجمهورية والحكومة، واخطرهما ان اي هجوم للجيش على المسلحين الارهابيين سيعرّض هؤلاء النازحين ــ وجلّهم مدنيون الا ان بينهم عائلات المسلحين ــ لخطر استهدافهم المباشر، وهو ما يتوخى تجنبه. من دون قرار سياسي تتحمّله السلطات السياسية على هذا المستوى، «لن يجازف الجيش بالتعرّض للمخيمات. وهي نقطة الضعف الوحيدة التي يجبهها. لا خطوط حمراء في وجهه من اي اتجاه اتى».
في اجتماعه به الاثنين الفائت، بعد الالتباس الذي احاط بموقفه من المؤسسة العسكرية بعد الاعلان عن وفاة اربعة موقوفين سوريين ورفضه التفاوض مع الحكومة السورية، ابلغ الرئيس سعد الحريري الى قائد الجيش دعمه الكامل لكل ما يقرره في الدفاع عن مراكزه ومواجهة الارهاب. بدوره رئيس مجلس النواب نبيه بري ردد في الساعات القليلة المنصرمة امام زواره، وهو يؤكد توقعه عملاً عسكرياً في الجرود، ان الجيش «لا يستأذن» احداً لاتخاذ قراره في المواجهة.
ذلك ما يحمل الجيش على الطلب من المسؤولين العمل على تسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم، كي يتسنى شق طريقه الى ضرب المسلحين الارهابيين تبعاً للقرار الذي تتخذه السلطات الرسمية. يتصرّف الجيش على انه غير معني بكل الجدل الدائر من حول التفاوض مع الحكومة السورية او عدمه، ولا يتعدى تواصله مع الجيش السوري التنسيق الذي يجنب المراكز اللبنانية التصويب الخاطىء، ويرى ان افضل السبل الى انهاء سيطرة مئتي مسلح ارهابي في الجانب اللبناني من الحدود الشرقية هو سحب المخيمات من ملعب الاشتباك. الاربعاء الفائت امكن الجيش مساعدة 200 نازح سوري على العودة الى بلادهم بعد تجربة رجوع اكثر من فوج قبلهم بغية ازالة ذريعة أمن المخيمات وسلامتها.
ووفق المطلعين على موقفه، لا يستبعد قائد الجيش محاولة المسلحين الارهابيين الاندفاع في اتجاه عرسال «الا انهم يصبحون عندئذ في مرمى الجيش». في المقابل فإن المكان الذي قد يطلق منه حزب الله حملته العسكرية بعيد من اي اتصال قريب مع الجيش، وهو بطبيعة الحال ينطلق من داخل الاراضي السورية بالتعاون مع الجيش السوري. لا تنسيق بين الجيش والحزب. لا يقرأآن معاً الخرائط العسكرية، ولا يضعانها ولا ينسقان، رغم التواصل المفتوح للجيش مع الافرقاء جميعاً بلا استثناء.
لكل من الجيش وحزب الله اهداف مختلفة من المواجهة مع التنظيمات الارهابية والمعركة العسكرية الوشيكة. يدافع الجيش عن مراكزه ويمنع الارهابيين من الاقتراب من عرسال، في حين يرمي حزب الله الى ما ابعد من ذلك بكثير بانخراطه مع الجيش السوري في معركة استعادة النظام سيطرته على تلك البلاد. ومقدار ما تبدو مهمة حزب الله اقليمية، يقارب الجيش مهمته على انها لبنانية الهدف والاستثمار والنتيجة، بيد انها «ليست في معزل عن التفاهم الاميركي ــ الروسي على تصفية تنظيم داعش الى الابد وتنظيف المنطقة منه، بدءاً بإنهاء وجوده في العراق وآخر المعارك الموصل مروراً بسوريا بعد حلب والرقة وعلى ابواب دير الزور، اذذاك لا يبقى لهذا الارهاب مركز تجمّع سوى في الجرود الشرقية السورية واللبنانية».
قائد في المقاومة: الشرق الأوسط الجديد دُفن في الموصل
وضع تحرير الموصل القوات الأميركية وحلفاءها أمام واقع مختلف، يرى مسؤول كبير في المقاومة الإسلامية أنه يتمثّل في دفن مجدّد للشرق الأوسط الجديد بنسخته المعدّلة، بعدما دُفن سابقاً في حرب تموز 2006
نايف كريم
بعد ما خبرته جبهات العراق مراراً وتكراراً من محيط بغداد إلى محيط الموصل، جلس المسؤول العسكري الكبير في المقاومة الإسلامية يتحدث بارتياح عن تداعيات الانتصار على «داعش» وتحرير مدينة الموصل، مشيراً إلى أن ما حدث بمثابة دفن مجدّد للشرق الأوسط الجديد في نسخته الأميركية المعدّلة، بعدما تمكنت المقاومة الإسلامية من دفن النسخة الأولى في حرب عام 2006، التي كان فيها للمسؤول المذكور دور ميداني قيادي على أرض الجنوب.
ورأى هذا المسؤول أن كل ما أعدّه الأميركيون للمنطقة، على مدى أحد عشر عاماً، من عام 2006 إلى اليوم، من محاولات ضرب قوى المقاومة أو من مخططات تفتيت مذهبي وعرقي، وتقسيم لدول مثل العراق وسوريا وغيرها، قد دفن اليوم في الموصل، مشيراً إلى أنّ الأميركيين لم يكونوا صادقين في معركة إنهاء «داعش» هناك، وأنهم حاولوا الاستثمار في دفن التنظيم بعدما استثمروا طويلاً في قيامه، بدليل أن كل ما ألقاه الأميركيون من صواريخ على ما قيل إنها مواقع لـ«داعش» في العراق لا تعادل ما أطلقته إسرائيل، في يوم واحد على المقاومة في لبنان، خلال حرب عام 2006.
وتحدّث عن تخبّط أميركا في إدارة مشاريعها في المنطقة، فبعدما حاولت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما استغلال «الربيع العربي» وإدارة قسم من المنطقة من خلال بناء علاقة مركزية مع «الإخوان المسلمين»، بدءاً من مصر في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، قامت السعودية بدعم جهود إطاحته وحكم «الإخوان» بسبب التنافس التاريخي القائم بين الوهابية في السعودية، و«الإخوان المسلمين» في مصر.
وعندما أراد الرئيس الحالي دونالد ترامب إدارة قسم من المنطقة عبر بناء علاقة مركزية مع السعودية (الوهابية)، قام «الإخوان المسلمون» بتخريب التحالف عبر قطر مدعومة من تركيا وتيار «الإخوان» في مصر.
يترافق هذا التخبط السياسي الأميركي مع تخبط عسكري لم يسبقه له مثيل. فإسرائيل التي تلقّت ضربة موجعة في حرب عام 2006 بحسب تقارير إسرائيلية مختلفة، وواجهت فشلاً ذريعاً في مواجهة المقاومة، لم تنجح على مدى أحد عشر عاماً في فعل أي شيء يساعدها على استعادة هيبتها أو يجعلها أقل قلقاً من تعاظم قوى المقاومة في المنطقة، وباتت تستنجد بأميركا وروسيا لتقيم في الجولان شريطاً حدودياً شبيهاً بالشريط الحدودي اللبناني السابق ليبعد عنها خطر المقاومة.
المسؤول العسكري الكبير يرى أن إسرائيل لن تكون قادرة على حماية 90 كلم من الحدود مع لبنان، فكيف إذا تضاعفت هذه الحدود عبر إضافة حدود الجولان؟ بل كيف سيكون وضع إسرائيل لو أدت التطورات في المنطقة إلى تغييرات داخلية في الأردن، دفعت إلى انهيار الحدود الأردنية الإسرائيلية على امتداد مئات الكيلومترات؟
من هذا المنطلق، يوضح هذا المسؤول أن القواعد العسكرية الأميركية المستحدثة في سوريا، وعلى الحدود السورية ــ الأردنية، والسورية ــ العراقية، والتي تجاوزت العشر قواعد، إنما الهدف الأول منها حماية إسرائيل من الامتداد المتشكل من إيران إلى العراق إلى سوريا ولبنان.
لقد نزلت أميركا في المنطقة مباشرة لحماية الولاية الأميركية الثالثة والخمسين. وأولى خطوات الحماية محاولة منع التواصل أو الاتصال الحدودي السوري العراقي أمام قوى المقاومة من دون نجاح يذكر في هذا المجال. ويستغرب المسؤول نفسه كيف أن القوة العظمى الأميركية، عندما فشلت في إيجاد مناطق نفوذ تعزل سوريا عن العراق كلياً، انحدرت للاكتفاء بعمل دائرة حمراء حول قواتها بمحيط 50 كلم، لتعبّر بذلك عن فشلها في منع الاتصال البري العراقي السوري، وبالتالي الإيراني العراقي السوري اللبناني.
وعند سؤاله عمّا بدا كأنه ارتياح إسرائيلي في السنوات الأخيرة تمثل في توجيهها ضربات انتقائية إلى أهداف محدّدة في سوريا، لم ينكر المسؤول العسكري أن إسرائيل عاشت حالة سرور عندما وجدت من يشغل خصمها القوي الذي كانت تعمل على حصاره وإنهائه ليل نهار. ويشير إلى أنها دعمت بعض الخصوم، وقامت بضربات جوية لتُسهم بحسب تصورها في تهشيم المقاومة وتشتيت قواها، بل حتى أنها تطاولت بضرب بعض ما تعتبره سلاحاً استراتيجياً كاسراً للتوازن. لكن المقاومة قامت ببعض الردود التي لا تؤدي إلى حرب شاملة من ناحية، وتُفهم الإسرائيلي أنه من غير المسموح له كسر قواعد اللعبة بالكامل من ناحية ثانية، والسكوت لبعض الوقت لا يعني التسليم بالواقع.
لقد انقلب السرور الإسرائيلي إلى قلق يوم تحرير مدينة حلب، وازداد هذا القلق بعد تحرير مدينة الموصل، وطلب إسرائيل اليوم إنشاء حزام أمني في الجولان، أي في الجبهة التي كانت تعدّها الأكثر استقراراً منذ عام 1973، يشير إلى مدى القلق الذي تشعر به وإلى عمق المأزق الذي باتت تواجهه.
أما الحديث عن قوى المقاومة «المتعددة الجنسيات» التي ستقوم مجتمعة بالتصدي لأي عدوان إسرائيلي مستقبلاً، وما يتطلبه ذلك من زيارات وتنسيق ميداني مسبق، فقد رفض المسؤول العسكري الخوض في هذا الموضوع بأكثر ممّا ذكر سابقاً في الإعلام، مكتفياً بالتأكيد أن هذا أمر طبيعي وهو أحد الانتصارات الأخيرة. ويختم المسؤول بالقول إن إسرائيل كانت تظن نفسها أنها أمام مشروع ينهي حالة المقاومة ويستنزفها، فإذا بها أمام واقع ازدياد المقاومة قوة وعمقاً وامتداداً. وقال إذا كان هناك اليوم قائد إسرائيلي لديه جرأة شن حرب على المقاومة، فهدفه الأساس لن يكون أن يربح الحرب، وإنما فقط محاولة وقف نمو قوة المقاومة.
* الجمهورية
«السلسلة» مجدداً: إنفراج أم انفجار… والجيش متأهّب
إنتهى الأسبوع الحالي مثلما بدأ، وبقيت السلطة الحاكمة بريئة من تهمة الانتاجية والفعالية والمقاربة الجدية للملفات المصنّفة حيوية، ولم تقدّم حتى الآن ولو دليلاً لإدانتها بهذه التهمة. واللافت في سياق آخر، انّ حرارة الصيف الحارقة للأجواء اللبنانية، قد لا تقاس مع الحرقة التي تجتاح ذوي العسكريين المخطوفين منذ قرابة الثلاث سنوات لدى «داعش»، من دون ان يتلمّسوا ولَو خبراً يبرّد قلوبهم، أو يميط اللثام عن خفايا هذه القضية، وعن سر جمود المواكبة والمتابعة المطلوبة لقضية وطنية إنسانية بهذا الحجم، ما دفعهم الى رفع الصوت مجدداً أمس، والتلويح بتصعيد في الأيام المقبلة.
يفتح الاسبوع المقبل على استحقاقات حساسة تحمل في طيّاتها ارتدادات محتملة على الداخل، ولا سيما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والامني، والتي كانت مساء أمس محلّ بحث في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري في حضور وزير المال علي حسن خليل، إضافة الى ملف النازحين والملفات الاخرى المرتبطة بالعمل الحكومي.
ويأتي في مقدمة أجندة الاسبوع المقبل استحقاق سلسلة الرتب والرواتب المطروح كبند أول في الجلسة التشريعية الثلثاء المقبل. فحتى الآن توحي المجريات المتصلة بالسلسلة والسابقة للجلسة أنها بند ثابت قابل للإقرار، خلافاً لِما أشيع أخيراً عن نية حكومية بسحبها من الجلسة.
وهذا الأمر دفع ببرّي، الذي بَدا أنه أكثر المتحمّسين لإقرارها بوصفها حقاً لمستحقّيها الى التلويح، في حال طلبت الحكومة سحبها، بإمكان تبنّيها من قبل بعض النواب او بعض الكتل باقتراح قانون معجل مكرر، وبالتالي إقرارها.
هذا التثبيت أكدت عليه القوى الاساسية من حركة «أمل» و«حزب الله» وتيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» خلال اجتماعها أمس في وزارة المالية، وتستعدّ لاجتماع ثان ومماثِل الاثنين المقبل، لتعبيد الطريق أمام السلسلة.
ومن الطروحات التي تدرس بتعمّق وَضع المتقاعدين العسكريين عبر لَحظهم بزيادات تلبّي حقوقهم على أن تقَسّط، في حال تمّ التوافق عليها، على 3 سنوات. فيما أكدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ هذا الامر من الطبيعي أن يسري ايضاً على المتقاعدين المدنيين، الذين بَدوا مَغبونين في صيغة السلسلة كما هي واردة في المشروع.
في سياق آخر، علمت «الجمهورية» انّ اللجنة المكلّفة من وزارة المال التدقيق بقطع الحساب أنجزت تقريراً مفصّلاً حول حسابات المالية العامة من العام 1991 حتى العام 2010، وهو يقع في مجلد مؤلف من 36 ألف صفحة فولسكاب مدمجة على قرص، سيرفعه قريباً وزير المال الى الحكومة.
لعنة أو نعمة؟!
إلّا انّ التنظير الكلامي في ما خَصّ السلسلة شيء، والنتيجة والتداعيات شيء آخر. من هنا يبرز السؤال كيف ستخرج هذه السلسلة؟ وكيف ستُغطّى وكيف ستُحتوى ارتداداتها بما لا يجعلها عبئاً على الخزينة، وعصا غليظة تطيح آمال المستفيدين منها؟
بحيث ان جاءت غير مدروسة بدقة يمكن أن تصبح نقمة ولعنة بدل أن تكون نعمة. وبَدل أن تفتح باب الانفراج تفتح باب الانفجار الاجتماعي والتضخّم الذي يطيح كل شيء حتى رواتب الموظفين الحالية.
وتبقى صرخات الهيئات الاقتصادية تحذيراً من إقرار السلسلة كونها سَترتّب أزمة كبرى على الاقتصاد، وتلتقي مع تحذيرات خبراء اقتصاديين يُشكّكون بالتوجّه نحو إقرارها.
وبحسب هؤلاء إنّ «مَكيجتها» تبقى فاشلة اذا كانت غير مبنية على دراسة موضوعية للجدوى منها والأكلاف والأعباء. وإن لم تتوفّر لها التغطية المطلوبة التي لا ترتد بآثارها سلباً على مالية الدولة، مع الإشارة الى انّ كل كلام عن تغطية للسلسلة بلا آثار هو كلام خاطىء، ذلك ان لا مجال لتغطية السلسلة الّا عبر الضرائب التي حتماً ستصيب الفئات البسيطة والمتوسطة.
معركة الجرود
في الجانب الأمني، يتزايد الحديث في الاوساط السياسية عن انّ الاسبوع المقبل قد يكون حاسماً على صعيد ما يُحكى عن عملية عسكرية ضد المجموعات الارهابية في جرود عرسال، ولـ«حزب الله» دور أساس في هذه المعركة من الجانب اللبناني.
وقالت مصادر أمنية رفيعة لـ«الجمهورية» انّ «حزب الله» دفع بعناصره في اتجاه تلك المنطقة، وأكمل استعداداته لخوض هذه المعركة التي أكّد الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله أنها المعركة الفاصلة، ولن يبقى إرهابيون في الجرود.
وأشارت المصادر المواكبة للتحضيرات الجارية الى «انّ منطقة الحدود باتت أمام ايام حاسمة، والجهوزية باتت مكتملة للشروع في هذه المهمة». لافتة الى «تحضيرات واستعدادات شديدة الاهمية تجري من الجانب السوري إستعداداً للمعركة، والساعة الصفر تحدّدت وإطلاق العمليات ينتظر الاشارة».
وقالت المصادر: «انّ كل تلك التحضيرات والاجراءات على الحدود تقترن بترقّب داخلي شديد يتواكب مع تدابير أمنية في الداخل كما على الحدود، لمَنع الإرهابيين من التَسلّل الى الداخل اللبناني خلال المعركة، وللجيش اللبناني الدور الأساس في منع تسلل الإرهابيين وتَغلغلهم الى الداخل، اي انّ الجيش سيكون بالمرصاد للإرهابيين المتسللين».
وشددت المصادر على «انّ الوضع الأمني أكثر من مَمسوك، ونلاحظ جليّاً انّ هناك انهيارات في صفوف المجموعات الارهابية والاجراءات والضغوط التي تطبّقها المؤسسة العسكرية مع سائر الاجهزة ساهمت في تضييق الخناق على تلك المجموعات واستطاعت الحد من فعاليتها، وزرع الإرباك فيها». وقالت: «الجيش والأجهزة الامنية متحسّبة أكثر من اي وقت، وتضع أمامها كل الاحتمالات».
وأضافت المصادر: «خلافاً للأصوات التي تبكي على المدنيّين، فالمعركة ليست ضدهم، ولن تكون كذلك. وبالتالي، الارهابيون يضعون الناس أكياس رمل لهم، والاساس في الموضوع هو إخراج البلدات اللبنانية من تحت رحمة الارهابيين، علماً انّ عرسال من أكثر القرى التي باتت تنادي بمَدّ سلطة الدولة اليها وإراحتها من الثقل الذي يشكّله الارهابيون عليها وعلى المنافسة الحقيقية بعدما أصبح عدد النازحين أكثر من ضعفَي عدد سكانها وأكثر. فضلاً عن انّ البلدة شبه منهارة اجتماعياً بعد الشلل الذي أصابها في حركتها التجارية ومورد رزقها وعلاقتها بالجوار كما بالداخل اللبناني».
ولفتت المصادر الانتباه الى «انّ هناك مفاوضات تجري لترحيل المسلحين عن تلك المنطقة او تسليم أنفسهم، والّا فإنّ المعركة الحاسمة ستكون العلاج الشافي من هذا الورم الإرهابي».
بري
وفي هذا السياق لفتَ موقف بري الذي قال أمام زوّاره: «هناك جو جدّي بأنّ عملية ما ستحصل قريباً في الجرود، ومن جهتي لست قلقاً، المقاومة تقوم بواجباتها والجيش اللبناني يقوم بواجباته على أكمل وجه».
وأكد بري «انّ العملية واجبة، خصوصاً انّ البلد مُحتلّ والحرامي في قلب البيت. لذلك يجب أن يتمّ إبعاد هذا الحرامي، وطالما انّ البلد مُحتل، والحرامي على الباب والإرهاب يهدده، فمن الطبيعي أن تقوم المقاومة بالتحرير، ومن الطبيعي أكثر ان يقوم الجيش بهذه المهمة ولا يجوز ان يُمنع عليه ذلك. هذا واجب الجيش وهذا من صلب مهمته والجميع معه ومُلتفّ حوله في هذه المسألة.
الجيش هو صاحب الامر ولا يجوز ان يكون مقيّداً بأيّ إجراء ولا يحتاج في ما يقوم به في الحرب على الارهاب إذناً من أحد، ولا يحتاج الى إذن الّا من الله، ولا يوقفه عن تنفيذ مهمته الّا الله».
ورفض بري الحملة على الجيش ملاحِظاً انّ كل الذين تهجّموا في الآونة الاخيرة عليه تراجعوا عن ذلك، لافتاً الى انّ لبنان سيتأثر إيجاباً من نتائج العملية العسكرية ضد الارهابيين في الجرود. وقال: «سيكون لِفَقء هذه الدملة مردود ايجابي جداً، ومن شأن الانتهاء من هذا الفصل ان يدخل لبنان في مرحلة جديدة يرتاح فيها من هذا العبء وهذا التهديد، وننتقل من حال الى حال. طبعاً في المسارين الايجابي والأمني».
النازحون
في هذا الجو، بقي ملف النازحين عنواناً خلافياً داخلياً، والجديد فيه اشتعال اشتباك لبناني ـ سوري حيال هذا الملف، عَبّر عنه الموقف الرسمي اللبناني الداعي الى معالجة هذا الملف بما يَتطلّبه في اتجاه إعادة النازحين الى بلادهم، وإنما بالتنسيق مع الأمم المتحدة وليس مع النظام السوري، فيما برزت في الآونة الأخيرة حركة ملحوظة للسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، الذي استنكر التنسيق مع الأمم المتحدة في هذا العنوان، طارحاً مجدداً الشروع بتنسيق لبناني مع النظام السوري، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة برئاسة الحريري الذي أوضح خلال اجتماع اللجنة التوجيهية العليا للنازحين في السراي الحكومي أنه يدعم العودة السريعة والآمنة للنازحين.
وقال: «مع ذلك، فإننا لن نُجبر، تحت أيّ ظرف، النازحين السوريين على العودة إلى سوريا». ولفت الى أنه سيتناول هذه المسألة فقط بالتنسيق الوثيق والتخطيط المشترك مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وقال: «سنتأكد من أنّ شروط عودتهم تَمّت تلبيتها بشكل صحيح ووفقاً للقانون الدولي».
* اللواء
الحريري يتمسّك برفض التفاوض والعودة الطوعية.. وإجتماع في عرسال لضبط المخيمات
قرار سياسي بإقرار السلسلة.. وإرباك نيابي بتمويل بلا إهتزازات
بلغت التحضيرات لجلسة إقرار سلسلة الرتب والرواتب في المجلس النيابي الثلاثاء أو الأربعاء أوجها، بزيارة الرئيس سعد الحريري إلى عين التينة، واجتماعه عند التاسعة ليلاً مع الرئيس نبيه برّي بحضور وزير المال علي حسن خليل، الذي كان استضاف اجتماعاً لممثلي الكتل النيابية في مكتبه في وزارة المال.
وخارج التفاؤل الذي أبداه وزير المال من ان السلسلة ستقر في اليوم الأول للجلسة التشريعية، فإن لجنة التنسيق النقابية دعيت لاجتماع الاثنين لبحث ما وصفه نقيب المعلمين الجديد رودولف عبود، بالخطوات التصعيدية إذا لم يُقرّ المجلس السلسلة، على ان تكون النقابة في الشارع الثلاثاء، لمتابعة وقائع المناقشات، في وقت كشفت فيه رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني عن اجتماع الأربعاء الماضي في مقر الاتحاد العمالي العام، وبحضور رئيسه وممثلين عن روابط هيئة التنسيق وروابط المتقاعدين المدنيين والعسكريين مع رئيس لجنة المال والموازنة لمناقشة نسبة الزيادة على رواتب المتقاعدين.
وذكر مصدر مطلع على التفاوض النيابي – النقابي – النقدي ان القرار السياسي اتخذ بإعطاء السلسلة لموظفي القطاع العام، بعد طول انتظار وأن المفاوضات قطعت شوطاً بين 60 و75٪ إيجاباً، لكن المخاوف ما تزال ماثلة من اهتزازات مالية، في حال لم تكن المصادر قوية وواقعية وممكن التحصيل فعلياً لا نظرياً.
وبالتزامن تجري اتصالات لتأمين اصدار تشكيلات في الوظائف التي يُتفق حولها، وتوقعت مصادر وزارية أن يكون اللقاء المرتقب بين الرئيسين ميشال عون والحريري مؤشرا لذلك كما للاتفاق على الموعد المتعلق بإجراء الانتخابات النيابية الفرعية . وأكدت المصادر أن التنسيق بين الرئيسين متواصل حول عدد من المواضيع. إلى ذلك قالت ان الشكوك بدأت تصدر بشأن إمكانية تطبيق وثيقة بعبدا 2017 ، لكن في الواقع فإن القرار بتفعيل العمل الحكومي متخذ وستبدأ النتائج بالظهور تباعا.
وكان البارز على هذا الصعيد اللقاء الذي عقد عند التاسعة من مساء أمس في عين التينة، وجمع الرئيسين برّي والحريري في حضور الوزير خليل، حيث تركز الحديث حول الجلسة التشريعية والاقتراحات المدرجة على جدول أعمالها، ولا سيما سلسلة الرتب والرواتب، بالإضافة إلى قضايا وملفات عديدة مطروحة، لم تشأ أوساط عين التينة الكشف عنها.
اما اجتماع ممثّلي الكتل النيابية المشاركة في الحكومة، والذي عقد في مكتب الوزير خليل في المالية، وشارك فيه رئيس لجنة المال إبراهيم كنعان عن «التيار الوطني الحر» والنائب جورج عدوان من «القوات اللبنانية» ووزير الاتصالات جمال الجراح عن تيّار «المستقبل» والنائب علي فياض عن «حزب الله» والنائب اكرم شهيب عن الحزب التقدمي الاشتراكي، فلم يحسم أياً من النقاط المطروحة للبحث بالنسبة للسلسلة، باستثناء ما أبلغه النائب شهيب لـ«اللواء»، بأن «جميع الأطراف أكدوا التزامهم بإقرار السلسلة في الجلسة النيابية الثلاثاء، نافياً بشكل غير مباشر ما تردد عن رغبة تيار «المستقبل» والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بتأجيل اقرارها في الوقت الحاضر، قبل ان يجري تأمين واردات لا تنعكس سلباً على الوضعين الاقتصادي والمالي.
وقال شهيب لـ «اللواء»: «لم اسمع من جميع الحاضرين، لا سيما من الوزير الجراح، ما يشير الى هذا الامر».
ومن جهته، قال النائب فياض لـ «اللواء» ان جو الاجتماع كان جدياً جداً وايجابياً جداً، ولكن لا نستطيع الحديث عن اتفاق، ما لم تجر معالجة كل النقاط التي ما زالت عالقة.
وفي تقدير مصادر المشاركين في الاجتماع، ان ثلاث نقاط ما تزال عالقة، وتحتاج الى اجابات من المرجعيات السياسية، ولهذا تقرر العودة الى الاجتماع مرة ثانية الاثنين المقبل وعشية الجلسة، للاتيان بهذه الاجوبة:
النقطة الاولى هي المتعلقة بانصاف المتقاعدين وزيادة التعويضات لهم، بكلفة تقدر بـ770 مليار ليرة اذا ما عولجت وفق معايير الحقوق الكاملة، حسب تعبير فياض، بالاضافة إلى درجات اساتذة التعليم الثانوي الذين وعدوا برفعها الى ست درجات بدلاً من ثلاث.
وقال شهيب ان الموضوع هنا هو كيف تؤمن الواردات لهاتين الفئتين، علماً انه اذا تقررت الزيادة لهم فإن كلفة السلسلة ستقفز الى رقم عالي لم يحدده، لكنه سيكون خارج السقف الذي حددته الموازنة.
ورداً على سؤال حول امكانية تقسيط الزيادات للمتقاعدين؟ اجاب: «هذا الامر لم يطرح بانظار الاتيان بالاجوبة يوم الاثنين حول تأمين الزيادات للسلسلة، بما فيها الزيادات المرتقبة للمعلمين والمتقاعدين، والبت بعدد الدرجات التي ستعطى للمعلمين.
النقطة الثانية فهي تتعلق بالدرجات الاستثنائية للاداريين من كل الفئات في الملاك، علماً ان للمتقاعدين والاجراء آلية احتساب خاصة بهم حسب زيادة الملاك الاداري.
اما النقطة الثالثة والتي دار نقاش حولها ولم يتم التوصل الى اتفاق بشأنها، فهي التي تتعلق بقطع حساب الموازنات السابقة، وهنا توزع النقاش بين رأيين، حيث طالب النائب كنعان بتعليق المادة 87 من الدستور مؤقتاً لحين انجاز الموازنة، فيما طالب الوزير خليل بتعليق المادة 195 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على آلية اقرار قطع الحساب.
يشار الى ان النائب كنعان طالب بخفض الانفاق العام لتأمين النفقات الاضافية للسلسلة، مقترحا في هذا الصدد تخفيض سقف الموازنة من 24 ألف مليار الى 23 ألفاً، من خلال خفض كلفة المفروشات التي تقدر بحوالى 300 مليار، والمبالغ التي تدفع للجمعيات ذات المنفعة العامة، بالاضافة الى خفض الانفاق على المباني الحكومية المستأجرة.
ومهما كان من امر، فإن مصادر نيابية، شاركت في الاجتماع ابلغت «اللواء» انه لو لم يكن الرئيس بري متأكداً من ان السلسلة ستقر في الجلسة النيابية لما كان أقدم على تحديد موعد الجلسة الثلاثاء والاربعاء المقبلين.
عودة النازحين
في هذا الوقت، شكل اجتماع اللجنة التوجيهية العليا للنازحين، والذي عقد امس في السراي برئاسة الرئيس الحريري، ومشاركة الوزراء المعنيين وسفراء الدول المانحة وممثلي منظمات الامم المتحدة، مناسبة امام رئيس مجلس الوزراء لتحديد موقف لبنان من موضوع عودة النازحين، اذ اعلن وبشكل واضح اننا «ندعم العودة السريعة والآمنة للنازحين السوريين، ومع ذلك فإننا لن نجبر تحت اي ظرف، النازحين على العودة الى سوريا، غامزاً من قناة من يدعون الى التنسيق مع النظام السوري بتأكيده «اننا سنتناول هذه المسألة فقط بالتنسيق الوثيق والتخطيط المشترك مع الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وسنتأكد من ان شروط عودتهم تمت تلبيتها بشكل صحيح ووفقاً للقانون الدولي».
وقال ان لبنان يقدر تقديراً كبيرا التزام المجتمع الدولي وتعاونه للتخفيف من ضغوط ازمة النزوح عليه، وضمان حصول النازحين السوريين على خدمات الرعاية الصحية والتعليم الاولية وتطوير مهاراتهم وتزويدهم بفرص عمل، الى حين ضمان عودتهم الآمنة الى سوريا.
وحدد الحريري اربع ركائز لسياسته الاقتصادية تعزز بعضها بعضاً، وهي: دفع عجلة النمو الاقتصادي، والحفاظ على الاستقرار المالي، والتخفيف من اثر النزوح السوري، والشروع في برنامج استثمار رأسمالي طويل الاجل لاعادة تأهيل البنى التحتية، داعيا الى استمرار المساعدات الانسانية الكبيرة للتخفيف من اثر النزوح السوري، وتخصيص تمويل اضافي لمشاريع كسب العيش، بالاضافة الى المنح والتمويل بشروط ميسرة متاحة للمشاريع الاستثمارية.
في الموازاة، دعا السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل في قصر بسترس، السوريين الى العودة الى بلادهم لا سيما وان سوريا تستعيد أمنها والمصالحة تكبر في كل المناطق، لكنه اعتبر ان العودة تستوجب تنسيقاً بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وان الحديث عن وساطة الامم المتحدة في هذه المسألة كلام خارج المنطق، مشددا على ان سوريا اكثر امانا اليوم من دول تدعي الامان».
ميدانياً، وفي وقت تتحدث فيه وسائل اعلام معروفة عن التحضيرات الجارية في السلسلة الشرقية لمواجهة المجموعات المسلحة والارهابية في جرود عرسال، في ضوء معلومات عن تحديد ساعة الصفر، كشف النقاب عن اجتماع نظمه تيار المستقبل امس لوجهاء بلدة عرسال مع ممثلين لمخيمات النازحين، جرى خلاله التداول في الاوضاع المستجدة عن التطورات الميدانية الأخيرة، ضمن توجه ادى الى اتفاق على ضرورة «إجهاض مخطط استغلال التطورات في الجرود للعبث بأمن البلدة»
* البناء
تحرّك روسي أميركي فرنسي لمجموعة اتصال دولية تضم الفاعلين في سورية
فلسطين تدقّ باب العرب في غرف نومهم: من القدس أنا على قيد الحياة لا تموتوا
برّي والحريري يمهّدان لـ«التشريعية»… والسفير السوري من الخارجية لتنسيق الحكومتين
كتب المحرّر السياسي
دقت فلسطين أبواب غرف النوم العربية الحاكمة والمنشغلة بإرضاء الرئيس الأميركي بالمزيد من المال، وشراء المزيد من السلاح الذي لن يصوّب نحو مَن يغتصب فلسطين منذ عقود، ويوسّع استيطانه كل يوم وينتهك مقدسات يقول الملوك إنهم يحلمون بالصلاة فيها ذات يوم، ويكرّسون إعلامهم لتمجيد علاقاتهم بالغرب وشتيمة بعضهم بعضاً، ولا مكان وسط هذا الزحام لفلسطين. غضبت فلسطين وقالت الكلمة الفصل علّهم يستفيقون من موتهم السريري، منادية بأعلى الصوت «أنا على قيد الحياة فلا تموتوا!».
صفعت فلسطين مشاريع من نوع تسليم غزة لمحمد دحلان برعاية مصرية إماراتية تلبية لطلب «إسرائيلي»، ومن نوع تمرير قناة بين البحرين الأحمر والمتوسط بتعاون مع السعودية بعد استيلائها على جزيرتَيْ صنافير وتيران المصريتين، وتنتظر البدء بها لنقل النفط الخليجي إلى المتوسط وتجارة الترانزيت الأوروبية إلى الخليج، وتوجيه ضربة لقناة السويس، بمثل ما تنتظر قناة تربط قناتها الجديدة بالبحر الميت، وقد وقّع عليها رئيس السلطة الفلسطينية لتكون حزاماً أمنياً يحمي الاستيطان ويقسم الضفة الغربية إلى قسمين يسوّرهما المحتل.
كان الجواب فلسطينياً وتحديداً من القدس. والأهم أنه كان من مسجدها الأقصى، حيث أطلق ثلاثة شبان فلسطينيين من بلدة أم الفحم النار على عناصر الشرطة الصهيونية فأردوا إثنين وأصيب ثالث إصابة خطيرة قبل أن يُستشهدوا برصاص جنود الاحتلال، وتعلن حكومة الاحتلال الاستنفار وإغلاق القدس القديمة وإلغاء صلاة الجمعة وتعتقل مفتي القدس، وتعتبر أن الفلسطينيين قد تخطّوا الخطوط الحمراء كلها.
تعلم فلسطين أن ليس معها إلا المقاومة ومحورها، وليس يعنيها من حروب العرب إلا حرب سورية التي صدق وعدُها دوماً. وإحدى علامات نهوض المقاومة في فلسطين استشعارها قرب تعافي سورية واستعادة موقعها على خط الصراع من أجل فلسطين ومعها المقاومون كافة، وكما تتابع فلسطين يتابع العالم كله مسار التطورات في سورية ومستقبل الحرب والتسويات.
كل شيء يقول إنه لم يعد للغموض مكان في استقراء مسار الحرب والأزمة في سورية. فالميدان العسكري يرتسم بقوة لصالح مزيد من الانهيارات في وضع داعش، ومزيد من التسويات التي توسّع دائرة التهدئة، وفي كليهما توسّع انتشار الجيش السوري. وفي السياسة سحب نهائي لملف الرئاسة السورية من بنود التفاوض حول مساعي الحل السياسي، وإعادة ترتيب أوراق جنيف والمعارضة على هذا الأساس، من توحيد المنصّات ودمج المشاركة الكردية فيها، وخروج من لا يرغبون بصيغة الحلّ السياسي الجديدة، التي ستكون تحت مظلة الدستور السوري ومن قلب مؤسساته وعلى رأسها مقام الرئاسة والرئيس، لدخول تفاوض مباشر من الراغبين بالمشاركة بحكومة موحّدة تُسهم في تسريع الحرب على الإرهاب وفتح علاقات سورية بالغرب، ومعه التعاون الأمني وبرمجة عودة النازحين وإطلاق ملفات إعادة الإعمار. وكلها اهتمامات غربية من المقام الأول. وهذا التزاوج بين المسارين السياسي والميداني، فتحا الباب للتحضير لإعادة تركيب المرجعية الدولية الإقليمية التي ستتولى متابعة الملف السوري دولياً بعدما استنفد لقاء فيينا وظيفته، ولا يتسع مسار أستانة لجميع المطلوب شراكتهم. فبدأ الرؤساء الروسي والأميركي والفرنسي ووزراء خارجياتهم المباحثات لتشكيل مجموعة اتصال دولية إقليمية للفاعلين في سورية، ومعهم الخمسة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، يظللهم قرار جديد من مجلس الأمن يرسم بوضوح مسار الوضعين العسكري والسياسي، كما صاغته الاتفاقات الروسية الأميركية الفرنسية.
المرشحون الإقليميون هم تركيا وإيران ومصر والسعودية، والعراق والأردن، حيث تبدو المعضلة عند السعودية وحدها مع المعادلة الجديدة. كما عبرت هيئة التفاوض التي تموّلها الرياض بعد نهاية الجولة السابعة من محادثات جنيف عن امتعاضها من سير الأمور وما يرتّب في الكواليس ملوّحة بمقاطعة الجولة المقبلة.
لقاء بري الحريري للتنسيق قبل التشريعية
أقفل الأسبوع الحالي على سخونة عددٍ من الملفات الملحّة وأبرزها سلسلة الرتب والرواتب التي تكثفت الاتصالات واللقاءات بشأنها عشية الجلسة التشريعية المقرّرة يومي الثلاثاء والاربعاء المقبلين، وملف النازحين السوريين الذي كان محور بحث معمّق في وزارة الخارجية والمغتربين وموضوع العسكريين المخطوفين وسط ترقبٍ لمعركة عرسال الحاسمة.
وفي إطار التنسيق بين عين التينة وبيت الوسط قبيل الجلسة النيابية والملفات المدرجة على جدول أعمالها وفي ظل الخلاف بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري حول مقاربة مسألة السلسلة، استقبل رئيس المجلس النيابي مساء أمس في مقر الرئاسة الثانية، رئيس الحكومة بحضور وزير المال علي حسن خليل، ودار الحديث حول الجلسة التشريعية والاقتراحات المدرجة على الجدول لاسيما مشروع السلسلة، بالإضافة إلى قضايا وملفات عديدة مطروحة.
ومواكبة لاجتماعات لجنة المال والموازنة النيابية التي تستكمل بحث ودراسة بنود الموازنة والسلسلة، عقد اجتماع أمس، في وزارة المال برئاسة الوزير حسن خليل، ومشاركة رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان عن «التيار الوطني الحرّ»، النائب جورج عدوان عن «القوات اللبنانية»، وزير الاتصالات جمال الجرّاح عن «تيار المستقبل»، النائب أكرم شهيّب عن «الحزب التقدّمي الاشتراكي»، والنائب علي فيّاض عن «حزب الله»، خُصّص للبحث في موضوع الموازنة العامة ومشروع سلسلة الرتب والرواتب.
وشهد الاجتماع، بحسب ما علمت «البناء»، وجهات نظر مختلفة بين مَن يؤيد إعادة النظر في آليات إقرار السلسلة لجهة كلفتها ومواردها والجهات التي تشملها وفصلها عن الموازنة، وبين متابعة البحث من حيث أنجزت اللجنة في جلساتها السابقة، ففي حين يرفض تيار المستقبل والقوات اللبنانية فصلها عن الموازنة وشمولها المتقاعدين العسكريين وأن لا تتجاوز كلفتها الـ800 مليار ليرة، يعمل الرئيس بري على فصل مشروع السلسلة عن مشروع الموازنة ويؤيّده حزب الله و8 آذار والحزب الاشتراكي. وقال وزير المال بعد الجلسة «إنني متفائل وأعتقد أننا امام إقرار السلسلة في الجلسة التشريعية المقبلة وسنعقد اجتماعاً ثانياً الاثنين ظهراً لاستكمال النقاش. وكان حسن خليل قال رداً على سؤال عن إمكان استرداد الرئيس سعد الحريري السلسلة من مجلس النواب إلى الحكومة، «الموضوع ليس مطروحاً، بل على العكس السلسلة ستُقرّ».
وأوضحت أوساط التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن «التيار لا يعارض فصل السلسلة عن الموازنة لتسهيل إقرارها في المجلس النيابي، لكنه يريد التأكد من الموارد التي تغطي تكاليفها التي سترتفع إذ ما ضمّت المتقاعدين وذلك كي لا تضرّ بالوضع الاقتصادي وتحمّل الخزينة أعباءً إضافية»، كما لفتت إلى أن «التيار ضد فرض ضرائب جديدة تطال الشرائح الشعبية ويدعو إلى تعديل السياسات الضريبية».
دنوّ الحسم في عرسال
ولم تحجب الاهتمامات بالملفات المحلية، الأنظار عن الحدود اللبنانية السورية مع دنوّ اندلاع المعركة الفاصلة في جرود عرسال لتنظيفها من المسلحين، وسط ترقب وانتظار ما ستؤول إليه الأيام القليلة المقبلة.
وتوقفت مصادر أمنية عند مضمون كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير، وجزمه عن أنه «يتحدث للمرة الأخيرة عما يحصل في منطقة جرود عرسال».
ورأت المصادر نفسها أنها «رسالة واضحة الأهداف برسم الحكومة اللبنانية المترددة والمتراخية في حسم الأمور المضطربة في تلك البقعة الجغرافية من الحدود اللبنانية السورية الشرقية ـ الشمالية من لبنان».
وعكفت المصادر مضمون الرسالة رسالة الحسم وما تحمله من تأكيد معطوف على «الحسم العسكري القريب جداً». وعليه «يستعجل حزب الله حسم الأمور عسكرياً قبل تفاقمها مع ما تبقى من داعش والنصرة وسراي الشام الرافضين للحلول الوسطية، وفق ما جرى ويجري من مصالحات في سورية».
وبالتالي، فإن عودة بعض العائلات النازحة في مخيمات عرسال إلى قراهم السورية «تجربة نجح فيها حزب الله وهي تؤسّس لعودة غالبية النازحين بالتعاون مع الوسيط الرسمي اللبناني الذي تشهد أروقة مكاتبه بين بيروت ودمشق حركة متسارعة مع ما كلّف به أحد مشايخ العشائر العربية كموفدٍ لإجراء ما يلزم بهذا الخصوص».
وتلفت مصادر سياسية متابعة إلى «أن تحرّكات السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي تنصبّ في استعجال الحسم وتجنيب المدنيين دفع ثمن الإرهاب الضاغط عليهم».
علي عبد الكريم: الحلّ بالتنسيق مع سورية
وفي موازاة ذلك، دعا السفير السوري السوريين «الى العودة إلى بلادهم لا سيما أن سورية تستعيد أمنها والمصالحة تكبر في كل المناطق»، معتبراً بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل في وزارة الخارجية «أن العودة تستوجب تنسيقاً بين الحكومتين اللبنانية والسورية، والحديث عن وساطة الأمم المتحدة في هذه المسألة كلام خارج المنطق»، ومشدداً على «أن سورية أكثر أماناً اليوم من دول تدّعي الأمان».
إبراهيم موفد رئاسي إلى دمشق قريباً؟
وأشارت مصادر وزارة الخارجية لـ«البناء» إلى أن «اللقاء كان إيجابياً، وقد أبلغ السفير السوري باسيل استعداد الحكومة السورية بكل أجهزتها للتعاون مع أي جهة لبنانية رسمية لوضع خطة مشتركة لإعادة النازحين على دفعات إلى سورية، كما ناقش الطرفان تصوّر وزارة الخارجية لمعالجة الملف».
ولفتت المصادر إلى أن «رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مصرّ على إنهاء الملف الذي يتهدد مصلحة الدولة وكيانها ويمسّ بالهوية اللبنانية، خصوصاً مع ولادة ونشوء أجيال سورية جديدة في مناطق لبنانية مختلفة منذ سنوات عدة ما يصعّب إعادتهم إلى بلدهم إذا ما طال أمد الأزمة السورية. وهنا تبرز المخاوف الجدّية من تحوّل مسألة النزوح السوري إلى أزمة لاجئين فلسطينيين جديدة».
وأوضحت المصادر أن وزارة الخارجية ستوجّه رسالة إلى الأمم المتحدة «تطالب فيها تقديم المساعدات المالية واللوجستية للبنان ضمن الإمكانات المتوافرة لتأمين عودة النازحين، لكنها قللت من تحقيق النتيجة المرجوّة من دون التواصل مع الحكومة السورية».
وأبدت مصادر مطلعة لـ«البناء» استغرابها الشديد «إزاء مواقف رئيس الحكومة ووزراء المستقبل الرافض للتواصل مع سورية، مشيرة إلى أن هذا التواصل لن يقدم أو يؤخر للنظام في سورية في ظل اعتراف القوى الكبرى التي اتخذت موقف العداء له منذ بداية الأزمة ونراها اليوم تبدّل مواقفها وتسارع إلى دمشق لفتح قنوات تواصل رسمية وغير رسمية معه، فكيف بلبنان الجار لسورية والذي تربطه مصالح وأزمات مشتركة؟».
وإذ لفتت إلى الهامش الضيق للحريري في التعامل مع الملف في ظل التزاماته الإقليمية والدولية الضاغطة عليه للحؤول دون تواصل لبنان مع الحكومة السورية، كشفت المصادر بأن «رئيس الجمهورية غير مقيّد بأي التزامات سوى مصلحة الدولة إذ لا يمكن القبول بهذا الواقع إلى وقت طويل». وتحدّثت المصادر عن حل في عهدة الرئيس عون يقضي بتجنيب التأزم داخل الحكومة ومبادرته إلى تكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كموفد رئاسي للتنسيق مع السلطات السورية لحل الملف، لكنها أوضحت أن «ملف النازحين مرتبط بالتطورات الأمنية والعسكرية في عرسال وانتظار مآل الوضع فيها، لكنها جزمت بأن إنهاء الملف الأمني في عرسال سلماً او حرباً سيفتح الباب أمام حل لأزمة النزوح».
..والحريري: لن نُجبر النازحين على العودة
وفي سياق ذلك، لا يزال ملف النازحين محط انقسام وتجاذب سياسي بين القوى والمكوّنات الوزارية، في ظل الصمت الحكومي لجهة معالجة أزمة النزوح وعودة النازحين السوريين الذي يتطلّب التنسيق مع الحكومة السورية، كما عبر السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم، الأمر الذي يرفضه رئيس الحكومة سعد الحريري وتياره السياسي.
وجدّد الحريري موقف الحكومة من الأزمة خلال اجتماع اللجنة التوجيهية العليا للنازحين الذي عُقد في السراي ومشاركة الوزراء المعنيين وسفراء الدول الأجنبية، وأوضح الحريري «أننا ندعم العودة السريعة والآمنة للنازحين السوريين، ومع ذلك، فإننا لن نُجبر، تحت أي ظرف، النازحين السوريين على العودة إلى سورية». وأكد «اننا سنتناول هذه المسألة فقط بالتنسيق الوثيق والتخطيط المشترك مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وسنتأكد من أن شروط عودتهم تمّت تلبيتها بشكل صحيح ووفقاً للقانون الدولي».
أهالي العسكريين إلى الشارع
في غضون ذلك، عاد أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» إلى الشارع بعد مرور حوالي 3 سنوات على اختطاف أبنائهم من دون تحديد مصيرهم. ونفّذ الأهالي أمس، اعتصاماً في ساحة رياض الصلح قطعوا قبله شارع المصارف لمدة عشر دقائق وسط إجراءات أمنية مشددة، تحدث خلاله حسين يوسف باسم الأهالي مطالباً المسؤولين بـ«العمل الجدّي لإعادة العسكريين إلى اهلهم»، وقال: «اذا استمر الوضع على هذه الحال فسنقطع كل طرقات لبنان»، مضيفاً «تم التلميح من بعض القيادات أنهم انشقوا، لكننا نعرف أولادنا ابناء هذا الوطن الحبيب، وطالما يتم التعاطي مع هذه القضية بقلة اهتمام وعرقلة. فهذا عار على الدولة».
وقالت مصادر الأهالي لـ«البناء» إن «محاولات المسؤولين اللبنانيين لفتح ثغرة في الملف لا سيما من قبل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لم تتوقف، لكن لم يتم التوصل إلى نتيجة». وكشفت المصادر عن «تواصل الأهالي في الاسبوع الأخير من شهر رضمان مع وسيط لم تكشف هويته وجرى التداول لفتح باب للتفاوض مع التنظيم وعرض الوسيط على الأهالي لقاء مع أحد الاشخاص ويتم خلاله تأمين التواصل بين الاهالي والعسكريين عبر سكايب للتأكيد بأن العسكريين لا يزالون على قيد الحياة».
وربطت مصادر متابعة للملف بين ظهور هذا الوسيط الذي أكد الأهالي الذين التقوه بأنه على علاقة وثيقة بداعش وبين التطورات العسكرية والأمنية في عرسال، مرجّحين أن يكون التنظيم قد بدأ بالتفكير في التفاوض لإنهاء الملف بسبب الحصار المفروض عليه في الجرود، وذلك بهدف الوصول إلى تسوية تقضي بإطلاق سراح العسكريين التسعة لديه مقابل تأمين خط انسحاب وممر آمن لعناصر داعش إلى سورية قبل العملية العسكرية المرتقبة للجيش السوري وحزب الله».
ولم تؤكد المصادر ولم تنف صحة وجدية الوسيط، لكنها لفتت إلى أن الدولة اللبنانية لم تتلقف هذه الإشارات الجديدة ولم تولِ الملف الأهمية اللازمة. ولفتت المصادر إلى أن أهالي العسكريين لم يتلقوا حتى الآن أي رد على الرسالة التي وجّهوها اليه للقاء به، علماً بأن الأهالي زاروا الحريري الأسبوع الماضي، وكان متجاوباً لكن لم نلمس النتائج الإيجابية والجدية بالتعاطي مع القضية. وحذرت المصادر من المماطلة التي قد تدفعنا إلى تنفيذ تحركات تصعيدية في أكثر من منطقة لبنانية وبأشكال عدة، منها قطع طرقات البقاع والجبل وبيروت الرئيسية ومظاهرات شعبية للمطالبة بتحرّك حكومي عاجل لاستعادة العسكريين.
الحوّاط في مواجهة «التيار» في كسروان – جبيل
على صعيد آخر، بدأت طلائع المعركة الانتخابية في جبيل تطلّ برأسها، مع تقديم رئيس بلدية جبيل زياد حواط استقالته من رئاسة المجلس البلدي، في كتاب أرسله إلى قائمقام جبيل، وذلك من أجل الترشح للانتخابات النيابية عن دائرة كسروان جبيل، وذلك في مواجهة مرشح التيار الوطني الحر الذي لم يحدّد بعد بانتظار التصفيات النهائية للمرشحين داخل التيار، والمرجّح أن يكون القيادي في التيار الدكتور بسام الهاشم.
وأشار مصدر في التيار الحر لـ«البناء» إلى أن «الحواط خصم حقيقي للتيار. وفي حال لم يعالج التيار بعض الثغرات في دائرة كسروان جبيل، فإن خرق الحواط أو غيره من المرشحين فرضية قائمة». وأوضح المصدر أن «التيار لم يحدد تحالفاته الانتخابية بعد، لكن تحالفاته الاستراتجية معروفة ومحسومة مع فريق المقاومة، رغم بعض التحالفات التكتيكية في بعض الدوائر مع القوات اللبنانية وأحزاب أخرى».
وعن الانتخابات الفرعية، لفت المصدر إلى إصرار التيار ورئيس الجمهورية على التقيّد بالقوانين وإجراء الانتخابات الفرعية في موعدها، رغم معارضة أحد الأطراف الرئيسية في الحكومة، مشيراً إلى أنه من «الطبيعي أن تجرى الانتخابات على قانون الستين لعدم استعداد وزارة الداخلية لانتخابات على القانون الجديد خصوصاً مع تغيّر التقسيمات، حيث لا يمكن تطبيق القانون النسبي في بعض الدوائر».
المصدر: صحف