في يومه الأول في الرياض، وعقب توقيعه على اتفاقيات أغدقت على الخزينة الأميركية نحو نصف ترليون دولار، لم يكن بوسع ترامب التعبير عن سعادته إلا بالكلمات التالية: “كان يوماً هائلاً مئات مليارات الدولارات من الاستثمارات في الولايات المتحدة ووظائف، وظائف، وظائف”!
اليوم الهائل لترامب، دفع كلفة احتفالياته السعوديون بمختلف طبقاتهم، عدا فئة واحدة لا يُسمح المساس بمخصصاتها، هي أمراء عائلة ابن سعود. فقراء المملكة ازدادوا فقراً، والطبقة الوسطى وحتى الميسورة باتت مطالبة بتغطية ما خسرته الخزينة السعودية التي تعاني أساساً من عجز! لم يكسب السعوديون وظائف ولا وعدوا باستثمارات مقابلة.
منذ الإعلان عن أول عجز قياسي في الموازنة السعودية لعام 2016، كان التركيز الرسمي على سياسات تنفيض الجيوب السعودية، تارة تحت عنوان التقشف، وتارة تحت عنوان رؤية 2030 التي طبّل لها الإعلام السعودي واعداً بمستقبل زاهر إن دفع السعوديون ما في جيوبهم.
وفي الوقت الذي كان فيه ولي ولي عهد السعودية محمد بن سلمان يصرف نصف مليار دولار لشراء يخت، كلن الإعلام الداخلي يروّج لرؤية جبي الضرائب والخصخصة وإلا فمصير المملكة “إفلاس” حتمي خلال سنوات. لم يقدم أيّ من أبناء العائلة الأكثر استحواذاً وبلا منازع على الثروة السعودية أياً من مخصصاتهم في سبيل تحسين الظروف الاقتصادية لبلادهم. لم يتم التعرض لمخصصات الأمراء، ولا حتى مطالبتهم بدفع ضريبة ما، بل كان الانفاق على عادته، بالمقابل كان يخرج أمراء العائلة لمطالبة أبناء الشعب لتغطية عجز فرضته سياسات إغداق العائلة على الخارج، في حروب الأمراء المتنقلة على النفوذ وعلى العرش.
يقول أمير منطقة حائل عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز في تصريحات أخيرة له: “اعتمدت على نفسي من عمر 13 عاماً… واحتفظ بأول ريال كسبته”. لا يُعلم ما اذا كان ابن سلالة عبدالعزيز آل سعود يروّج لنفسه كأمير كادح مقابل صور البذخ التي تحيط بالعائلة، ولا يعلم إذا ما كان يمني الفقراء بأن يحلموا بأن الريال من شأنه أن يتحول إلى امبراطوريات مالية يوماً ما. وبغض النظر عن مقصد الأمير، فقد شكلت تصريحاته استفزازاً للشارع السعودي المختنق من تداعيات الأزمة المالية.
على “تويتر” علّق حساب “نحو الحرية” على كلام الأمير السعودي بالقول: “الأمراء قاموا ببناء إمبراطورياتهم المالية عن طريق إختلاس إيرادات النفط وإحتكار التجارة، ومن ثم يتبجحون بأنهم ناجحين وصنعوا أنفسهم من الصفر!”
اختلاس ايرادات النفط واحتكار التجارة صنع بالفعل امبراطوريات مالية تقتصر على العائلة الحاكمة في السعودية، وساهم على خط مواز بترسيخ الفقر والحرمان في مملكة تعود على النفط. صور الفقر والحرمان في السعودية، تنتشر يومياً على حسابات سعودية وحتى في الصحف التابعة للمملكة.
صحيفة “الحياة” السعودية تحدثت اليوم عن حالة “أم محمد” السعودية، المحاصرة بالديون والفقر والمرض والإيجار. المرأة المقيمة في إحدى القرى الشرقية في محافظة الأحساء قررت أن تكتفي بتناول الماء والخبز مع أبنائها، وفق ما نقلت “الحياة”. تكتب الجرائد عن حالات الفقر، دون أن تسائل. تطالب ميسوري الحال بتقديم عون لأم محمد ولا تشير إلى أمير أو عائلة كان غناهم الفاحش يقتطع من درب أبناء البلد. في أحد التعليقات على الخبر سأل مواطن سعودي مستنكراً: “هل يعقل أن يجري هذا في بلد الخير؟”… دون أن يوضح أي خير يقصد؟ هل هو الخير الذي أغرق جيوب ترامب؟ أم ذلك الذي تحرم منه جيوب وبطون السعوديين؟
وفيما كان الملك السعودي يرقص “العرضة النجدية” إلى جانب أكثر رئيس أهان السعوديين، كان ينتشر فيديو التقط سابقاً في حي العليا بالرياض يظهر إمراة سعودية برفقة طفلها تنبش صندوق نفايات، كان الهدف التذكير بجوع السعوديين، بعد ان استفزه خبر عقد اتفاقيات بنصف ترليون دولار ذهبت لجيوب الأميركيين، نشر الفيديو وعلق: “إمراة سعودية برفقة طفلها تنبش صندوق نفايات بحثاً عن 460 مليار دولار”.
سعودي آخر، قرر في أجواء الاحتفاء بترامب أن يلتقط صورة لرجل سعودي مسن في بيشه التابعة لمنطقة عسير في المملكة السعودية، يقيم في سيارته القديمة على أحد الشوارع العامة في المنطقة. طارقاً أبواب السعوديين وغيرهم لرؤية حقيقة الداخل السعودي الذي لا يعيره الاعلام اهتماماً.
ينقل حساب “نحو الحرية” صور تعكس الفقر المستفحل في المملكة، وينشر معلومات عن أسماء المعتقلين في سجون المملكة بسبب آرائهم، وينتقد بشدة التطبيل لزيارة ترامب والمطلوب منها، ثم يفشر المشهد بإيجاز: “آل سعود، يحلون جميع مشاكل العالم بالمـال، ما عدا مشاكل شعبهم يحلونها بالفتاوى”!
المصدر: موقع المنار