نحو 55 دولة عربية وإسلامية تمّ حشدها في الرياض، ضمن قِمَّة ثلاثية الأبعاد، خليجية – أميركية، عربية – أميركية، وإسلامية– أميركية، بلا اجتماعات تمهيدية لوزراء خارجية أو دفاع، وأنتجت بياناً ختامياً غيابياً، سمعت فيه بعض الوفود المُشاركة وهي في الطائرات برحلات العودة الى بلادها، هذه الوفود التي كانت من حيث تدري أو لا تدري، شاهدة زور على مسرحية سعودية – أميركية وليس أكثر، ويبدو أن الإعلام الألماني كان أكثر صحوةً من بعض قيادات الدول المُشاركة في “مهرجان ترامب”، بحيث تناولت الصحف الألمانية قبل يوم واحد من وصوله الى الرياض هذه البهجة السعودية غير المُبررة، وسخِرت هذه الصحف من الآمال التي يُعلِّقها السعوديون على الزيارة، وتلك اللوحات الإلكترونية العملاقة التي تحمل مؤشرات العدّ التنازلي لموعد اللحظة التاريخية لوصوله، وذهبت بعض هذه الصحف الى تأكيد تسريبات، أن ثمن قبول ترامب مبدأ زيارة المملكة بلغ 100 مليار دولار كدفعة أولى سدَّدها ولي ولي العهد محمد بن سلمان خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، واستٌكملت الصفقة على هامش القِمَّة لتبلغ 450 ملياراً، أضيفت إليها “حبَّة مِسك” قيمتها ملياري دولار هدايا شخصية لترامب والعائلة.
ولأن إيران يجب أن تكون الهدف في التكتيك الأميركي لإبتزاز المملكة، التي اعتبرها ترامب بقرة حلوب ويجب أن تدفع ثمن حماية أميركا لها، حقَّق ترامب هدفه، وحلب البقرة حتى جفَّ ضرعها، في زمنٍ شحَّت فيه إيرادات المملكة التي تلجأ الى صناديق الإحتياط لديها، لكن كان عليها أن تدفع هذا الثمن الباهظ، للحفاظ على العرش العائلي أولاً، وثانياً على السمعة الدولية لمملكة راعية للإرهاب وممموِّلة مباشرة له، تشتري “السمعة الطيبة” الُمُزيفة منذ العام 2000، عندما وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها تُمارس أبشع أنواع القمع بحق النساء ولا يُمكن الدفاع عنها بأي مقياس، وفي العام 2001، وبعدما تبيَّن أن خمسة عشر إرهابياً من أصل التسعة عشر الذين ارتكبوا عمليات 11 سبتمبر/أيلول، ثارت أميركا ومعها العالم على الإرهاب السعودي، ودفعت المملكة عشرات ملايين الدولارات لتسويق سُمعة مُغايرة، وما زالت لليوم تدفع، ولعل الأثمان الباهظة التي سوف تدفعها لاحقاً كتعويضات، هي لضحايا 11 سبتمبر الذين تقدموا مؤخراً بدعاوى أمام المحاكم الأميركية ضد المملكة وبعض الأمراء الذين كانوا متورِّطين في هذه القضية.
وبالعودة الى ما سُمِّي قِمَّة الرياض، التي أنتجت صفقات توازي الموازنة السنوية للسعودية، فإن ترامب بإبرامه عقود توريد أسلحة بما يُقارب 120 مليار دولار، قد أرضى ثاني أقوى لوبي بعد اللوبي الصهيوني في أميركا وهو “لوبي صناعة الأسلحة”، وأرضى أكثر من إثنتي عشر شركة أميركية عملاقة من خلال عقود مع شركة أرامكو السعودية، في محاولة منه لإمتصاص نقمة داخلية عليه في قضايا هي الآن أمام القضاء الأميركي أبرزها تعامله مع الروس خلال حملته الإنتخابية، واستكمل ترامب صفقة العصر من بروكسل بعدما أعلن حلف “الناتو” إنضمامه الى التحالف لمكافحة الإرهاب دون مشاركة في القتال بل ربما عبر غارات جوية.
هنا، وبعد الجولة البانورامية التي كانت لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، وتطرَّق فيها الى قِمَم الرياض ونتائجها وتداعياتها، نردِّد عبارة سماحته المُحَبَّبة الى الناس ونقول “خير انشالله”، وماذا يُمكن أن يبيع ترامب ومعه حلف الناتو الغربي وما سُمِّي “الناتو الإسلامي” للسعودية، وندخل في بيت القصيد:
حتى لو غَدَت كل صحراء السعودية مخازن أسلحة أميركية، وعادت أميركا الى المنطقة بعديدها وعتادها، هي التي انسحبت من العراق تحت وقع ضربات الشعب العراقي وبجانبه محور المقاومة، فإن ما لا يستطيع ترامب بيعه للسعودية، هو نفسه الذي لا يستطيع شراءه من إيران وحركات المقاومة في هذا الشرق: “ثقافة النضال والمواجهة لدى الشعوب”!
عندما أعلن صدام حسين الحرب على إيران، هربت العائلات السعودية الميسورة من بلادها الى أوروبا… وعندما اجتاح صدام الكويت هربت هذه العائلات مجدداً الى أوروبا، وعند تحرير الكويت من صدام هربوا الى أوروبا، وعند غزو أميركا للعراق هربوا الى أوروبا!
ثُمَّ أن جيشاً سعودياً غالبية رتبائه وجنوده من المُرتزقة، كما كل الجيوش الخليجية، باستثناء الجيش العُماني، كيف له أن يواجه “إيران الشعب العقائدي” وحلفائها؟، وعند أول حماقة تُرتكب بحق إيران، فإن بضعة رشقات من الصواريخ الإيرانية على المواقع العسكرية أو المصافي النفطية أو البُنى التحتية، تُخلي المملكة من سكانها المُقتدرين الذين اعتادوا الهروب الى أوروبا، ولا يبقى فيها سوى الفقراء وشراذم الجيش، ولذلك، فإن ترامب بإمكانه بيع السعودية كل شيء، ما عدا المعنويات والنخوة والولاء الوطني والتضحية في ميادين القتال، في مواجهة من يحملون أكفانهم من أجل تراب أوطانهم وكرامات شعوبهم!
نعم، هذا ما لا يستطيع ترامب بيعه للسعودية، تماماً كما لا يُمكنه بكل أموال أميركا والخليج، أن يشتري الإنتماء والولاء والشجاعة والتضحية، لشعوبٍ ثقافتها ترفض المهانة و”هيهات منها الذلَّة”، من إيران الى اليمن الى البحرين والعراق وسوريا، ووصولاً الى منبت العنفوان ومقلع الرجال الشرفاء في لبنان، والسعودية لو رَهَنت نفطها وخيراتها وباعت “ما فوقها وتحتها” لا تستطيع أن تشتري للقيِّمين على حُكمها واحدة من هذه الفضائل لتستمر كدولة ولن تستمرّ…
المصدر: موقع المنار