لسنا نميِّز لبنان حضارياً أو ثقافياً عن محيطه على أنه الوطن المُختلِف، لكن التنوّع الطائفي المُتناغم بين أطياف شعبه، جعل اللبناني “آخر مُختلِف” بنظر شياطين التكفير الفالتة في محيطه الإقليمي، حيث يُعتبر كل من ليس تكفيرياً هو “آخر” في هذا الشرق، بصرف النظر عن حجم تكفيره وفق دستور “دولة الخلافة”.
ووسط آتون النار التي لا حدود لها، ونجاح جيشنا ومقاومتنا وشعبنا في لبنان بضبط حدودنا، نبدو ونحن على بُعد أسابيع قليلة من عيد المقاومة والتحرير، وكأننا لا نرغب في استثمار النصر العظيم والإنتصارات التي توالت، سواء كانت جنوباً أم شرقاً، بل نحن من الهزالة في بناء الدولة الديمقراطية، وكأننا نقف على خشبة مسرح هزليّ نعلِك ونَلُوك وندور في حلقة مفرغة عبر ابتداع كل قوانين الإنتخابات الإلتفافية والحلّ واحدٌ أحد، نسبية بحجم وطن، متى بلغنا مرتبة حجم المُواطنة الكاملة.

نحن كلبنانيين جميعاً، “آخر مختلف” في عيون الجوار الإقليمي المحموم بالحقد، لأننا ما سمحنا بفضل جيشنا ومقاومتنا ووعي شعبنا لخلايا السرطان التكفيري أن تتمدد وتلتهم جسم الوطن، وعندما ندعو الى الوحدة الوطنية الفعلية بعيداً عن تبويس اللحى، فلأن السجالات الدائرة حالياً حول القوانين تجعل كل فريقٍ منا وكأنه “آخر مختلف” بنظر الآخر في الداخل اللبناني، والإختلاف يهوي بنا، بل يكاد يُهرول نحو الخلاف لولا كوابح من نعتبرهم القادة السياديين، وهنا يتبادر لنا أن نطرح أسئلتنا المشروعة على كل من يُفصِّلون قوانين على مقاساتهم الشخصية: إذا كان الإستفتاء الشعبي غير وارد في الدستور اللبناني، من أعطى البعض من المُجتهدين في قوانين الإنتخاب وكالة عن الشعب في تفصيل مصيره؟ ومن منهم عاد الى مجموعة رمزية من قاعدته الشعبية لينطُق بإسمها؟ وإذا كانوا قد رفضوا النسبية الكاملة ضمن لبنان دائرة إنتخابية واحدة أو دوائر كبرى أو متوسطة، فعلى ماذا استندوا في التشريح والتجريح، ولماذا ليس من حق أبناء كسروان أو البقاع المشاركة في اختيار نائب عن الجنوب، وأن يختار أبناء الشمال والجنوب نائباً عن المتن؟.

نحن نعيش ترفاً سياسياً الى حدود الدلع، تماماً كما حياتنا اليومية الطبيعية، بفضل نعمةٍ أمنية ما كانت موجودة في أية بقعة من لبنان، لولا بطولات الجيش والمقاومة ودماء الشهادة، وإذا كان سلاح حزب الله ذريعة من يرفضون النسبية الكاملة فلماذا لم يتفقوا حتى الآن على سبعة عشر قانوناً؟ والجواب واضح: تفصيل القياس لا يُناسب كل المقاسات.

في آخر إطلالة لسماحة السيد حسن نصرالله، طمأن الجميع وبخاصة المسيحيين والدروز، والكُل يُجمِع من حلفاء وخصوم، أن السيد عندما يضع عناوين فهو يرسم خارطة طريق يصل فيها الجميع آمنين، وسماحته يحاول في فكره الوطني الجامع المساعدة في رفع الغُبن، وهنا نَصِل الى بيت القصيد ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر، التمثيل المسيحي:

غالبية القواعد الشعبية المسيحية هي مع النسبية وفق كل استطلاعات الرأي، وخلال انتخابات العام 2009، اكتسح فخامة الرئيس عون كسروان تحت شعار “التمسُّك بورقة التفاهم مع حزب الله”، وكل يوم يمرّ منذ إنطلاق ربيع الإنتحار العربي عام 2011 نستذكر الرؤية الإستراتيجية في ورقة التفاهم، وإذا كانت كسروان هي عاصمة القرار المسيحي، فمن غير المسموح أن تتلوَّث بأشنع جريمة وتتورَّط معها كلٌّ من جبيل وجزين، عبر بدعة نقل مقاعد نيابية مسيحية  من الأطراف الى كسروان وجبيل وجزين بهدف أن يُنتخَب النواب المسيحيون بأصوات مسيحية، وهنا، من حقنا أن نسأل كمسيحيين، ما هو عدد نوابنا “الحريصين على حقوق المسيحيين” الذين صوَّتوا ضد وصول أقوى شخصية مسيحية في الشرق الى بعبدا؟ ولا موجِب للإستفاضة، طالما وصل فخامة ميشال عون بأصوات لبنانية!

بدعة نقل المقاعد هذه، أدخلت اليأس الى قلوب مسيحيي الأطراف من هذا الإقتراح العجيب: المقعد الماروني من البقاع الغربي الى كسروان أو جبيل، والمقعد الماروني الثاني من طرابلس الى جبيل، والمقعد الكاثوليكي من الزهراني الى جزين، وحتى ولو كان النائب المسيحي يفوز بأصوات مذاهب أخرى في هذه المناطق، لكنه على الأقل يُمثِّل رمزية لوجود المسيحيين فيها طالما نحن في نظام طائفي توافقي، وكفى نحراً لحقوق أقليات الأطراف، لأن هذه الأقليات كائناً ما كان مذهبها من رأس بعلبك الى البقاع الغربي الى مناطق أخرى، تُدرك مَن يحمي الوطن ومَن يحتضنها بمواجهة تهديدات شياطين الإرهاب، وليكُن “قانون المقاسات” مادة خلافية لمُريديه في محاولاتهم العقيمة، ولن يكون هناك قانون سوى على مقاس الوطن…

المصدر: موقع المنار