السلفية والسلفيون الهوية والمغايرة: قراءة في التجربة اللبنانية – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

السلفية والسلفيون الهوية والمغايرة: قراءة في التجربة اللبنانية

السلفية والسلفيون الهوية والمغايرة: قراءة في التجربة اللبنانية
جانب من الندوة

بدعوة من المركز الثقافي للحوار والدراسات ومركز العزم الثقافي اقيم في بيت الفن في ميناء طرابلس ندوة حوارية حول كتاب الدكتور عبد الغني عماد: السلفية والسلفيون الهوية والمغايرة: قراءة في التجربة اللبنانية، وقد حضر الندوة حشد من المثقفين والمفعاليات والجامعيين. وقد حضر الاحتفال ممثلين عن الرئيس نجيب ميقاتي والوزير سمير الجسر والوزير محمد الصفدي، ورئيس دائرة الاوقاف الاسلامية في طرابلس الشيخ عبد الرزاق الاسلامبولي والامينة العامة للجنة الوطنية لليونيسكو الدكتورة زهيدة درويش ونائب رئيس المجلس الدستوري القاضي طارق زيادة ومدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور غسان خالد وحشد غفير من الحضور غصت بهم القاعة .

افتتح الندوة الدكتور غسان وهبة الذي رأى أن اجتماع هذا العدد اللافت للمشاركة في ندوة حول كتاب إنما يدل على أهمية الموضوع بقدر ما يدل على أهمية ما يكتبه العميد الدكتور عبد الغني والذي يقدم جديده في كل مرة بشكل يختلف عما هو شائع ومتداول.

من جهته رأى الدكتور مصطفى الحلوة أن إكباب الباحث عماد على الحركات الإسلامية يعود إلى العام 1997، يوم أطلّ بمؤلَّفه الذائع الصيت “حاكمية الله وسلطان الفقيه/قراءة في الحركات الإسلامية المعاصرة”، والذي أتبعه بمؤلَّف آخر بعنوان: “الحركات الإسلامية في لبنان/إشكالية الدين والسياسة في مجتمع متنوّع”.

وقد أضاف إلى هذين المؤلفين كتاباً في العام 2013، عنوانه “الإسلاميون بين الدعوة والدولة/إشكالية النموذج وبناء الخطاب”، وذلك على وقع ثورات الربيع العربي. وفي العام عينه، كانت “موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي”. وقد قام العميد عماد بالإشراف على هذه الموسوعة وبتنسيق وتحرير موادها.

وقد لفت د. حلوة إلى أن د. عماد قارب كتاب “السلفية والسلفيون/الهوية والمغايرة” من موقعي السوسيولوجيا والإسلامولوجيا، متوسلاً في منهجه البحثي الميكروسوسيولوجيا والماكروسوسيولوجيا، إضافة إلى الدراسة الظاهراتية (الفينومنولوجيا).

وفي تقويمه للكتاب، رأى د. حلوة أن هذا المؤلف يستمد أهميته وصُدقيته من راهنية القضايا التي يتطارح، ومن خلال إجابته عن أسئلة الحاضر، وبما يُشرّع الأبواب على رؤيا مستقبلية. وبهذا يشكل مرجعاً في بابه، لا غنى عنه للمتخصصين في الحركات الإسلامية وللطلبة الجامعيين، وكذلك للقراء العاديين.

وأشار د. حلوة إلى أن الباحث عماد لجأ إلى “ربط نزاع” مع بحث هام، يُزمع إصداره في الآتي من الأيام، حول الهوية المتشظية اليوم في العالم العربي التي اطاحت الهوية الجامعة، وغدت بمنزلة محرك للعقل الجمعي.

وأنهى د. حلوة معتبراً المقاربات السوسيولوجية والمعرفية التي يقدمها الدكتور عبد الغني عماد للحركات الاسلامية تشكل مدخلا لا غنى عنه لفهم موضوعي لا يتخلى مع ذلك عن نقدية تلازمه جعلته رائداً متقدماً بين رواد قلائل، يكبّون على مقاربة هذه الحركات.

تحدث في الندوة أيضاً الباحث الإعلامي الدكتور محمد علوش مفتتحاً مداخلته بالتأكيد على نجاح المؤلف في الفصل بين ذاته والموضوع الذي يكتب حوله، فلم يكن محكوماً باسقاطات أولية أو أحكام معلبة جاهزة. فهو ابن مدينة طرابلس التي تعبتر مهد الظواهر الإسلاموية على اختلاف تياراتها. وعندما يكتب فهو يكتب عن تجربة يعايشها يومياً في الجامعة والجامع والسوق والمنتديات. وقد جاء الكتاب كمرجع لا يستغنى عنه لأي باحث في حقل الدراسات السلفية لا سيما اللبنانية منها.

وبحسب علوش فقد أجاد المؤلف في رسم الخطوط الفاصلة بين تيار سلفي وآخر حين تحدث عن “الهوية والمغايرة” بين التيارات السلفية، معتبراً ان السلفية الجهادية متمثلة في تنظيم الدولة (داعش) أضافت حمولات جديدة على النص المؤسس للأطروحة الجهادية، ما جعل النص يئن تحت عبء هذه الحمولات. فتنظيم القاعدة استحال مع المحددات الجديدة “صحوات مرتدين” بل “يهود الجهاد” كما يسميه منظرو تنظيم الدولة في حين كان النقاش سابقاً يدور في اطار التمايز بين مصطلحي “الخوارج” و”المرجئة.

تمكنت السلفية النجدية من هزيمة السلفية الإصلاحية ومصادرة تسميتها بعد وفاة الإمام محمد عبده وبروز السيد محمد رشيد رضا الذي انحاز لأفكار محمد بن عبد الوهاب، وفقاً لما يقول علوش الذي يرجع السبب في هزيمة السلفية الوهابية للسلفية الإصلاحية، الى أن الأولى نجحت في بناء دولة في حين ذابت الأخرى في طروحات التنويريين الذين برزوا فيما بعد وتخلوا رويدا رويدا عن المرجعية الدينية في التأصيل للنهضة.

وقال علوش : “إن السلفية كأيديولوجية فكرية ودينية نشأت قبل مفهوم الدولة الحديثة لذا لم تكن معنيةً بمفاهيمَ مستجدةٍ مثلِ الوطنيةِ، القوميةِ، الدولةِ المستقلة، حقوقِ الانسان، التبادلِ السلميِّ للسلطة، الفصلِ بين السُلطتين التشريعية والتنفيذية. ما زالت هذه المفاهيمُ ملتبسةً عند السلفيين.

تطرق علوش لتساؤل طرحه المؤلف في كتابه حول سبب جاذبية طرابلس للإسلاميين، معتبراً ان من أسباب بروز الوعي الديني عند إسلاميِّ لبنان هو نشوءُ دولةِ لبنانَ الكبيرِ عام 1920 وما تلاها من ظهور للمارونيةِ السياسيةِ التي عمقت غربة أهل السنة في لبنان، يضاف له مظلوميةٌ مقصودة لمدينة طرابلس، ما جعل الهوية قطب الرحى في أي مشروع إسلامي لبناني.

وتعليقاً على ما ذهب اليه الؤلف أن السلفيات في لبنان قادرة على التلبنن مستشهداً بترشح ابرز رجالاتها الى الانتخابات البرلمانية مطلع السعبينيات، رآى علوش ان السلفيات اللبنانية عاجزة عن تأطير نفسها في حزب سياسي. لأن فكرة الاحزاب ارتبطت عادة بصور الميليشيات الخارجة عن سلطة القانون والدولة. كما أن الأحزاب عجزت في عبور الطائفية السياسية والمجتمعية. يضاف لذلك أن السلفيات اللبنانية في أغلبها العام تنحو باتجاه العمل الاجتماعي والاغاثي وبناء المؤسسات الرعائية والعلمية املأ في استدرار الدعم المالي وثبوته وتطويره .

في ختام الندوة رأى الدكتور عبد الغني عماد أنه لم يعد بالامكان الحديث عن سلفية واحدة اليوم، بل عن سلفيات متعددة على مستوى المرجعيات والرموز والاولويات، على الرغم من كونها تقدم جواباً في مجمله يتمثل في الحفاظ على الهوية وتنقيتها من البدع والمحدثات. إلا أنه مع تحدي العولمة والحداثة والتغريب لم يعد بمقدور هذا الجواب الذي إزدادت ضغوطه، وتنوعت الأجوبة في كيفية مواجهة نتائجه، أن يصمد ويوحد أتباعه الذين تفرقوا بين من يعتبرها تحدياً ومن يعتبرها تهديداً. بين من يرى الآخر مجال تهديد دائم، أو دار حرب، ومن يراه حقلا للتفاعل الحضاري ودار عهد وسلام، بين من يرى في الطاعة لولي الامر ومن يرى في الجهاد ضده على معيار الولاء والبراء. وهذا ما جعل الاستجابة تجاه هذه التحديات او التهديدات بمثابة ردة فعل دفاعية تتجه نحو الداخل اكثر من الخارج عموماً.

ختم الدكتور عماد مؤكداً أن النزعة السلفية موجودة في الاديان والايديولوجيات، وهي تتشكل صعوداً أو هبوطاً تبعاً لشروط موضوعية. وإذا اعتبرنا ان صعود الحركات السلفية اليوم نتاج تفاعل مع الظروف والتحديات، فذلك يعود لأننا لا نعتبرها ظاهرة هبطت علينا من كوكب آخر، بقدر ما هي نتاج واقعنا وتاريخنا وبنيتنا السياسية والثقافية وفشل انظمتنا على المستوى التنموي والوطني، فالمنظور السوسيولوجي هو الذي يحكم قراءة أي تجربة مهما كانت حمولتها الفكرية على الواقع الذي تتحرك فيه وهو في حالتنا العربية مناخ متخم بالأزمات والتحديات والفشل والهزيمة ما يجعل أسئلة الهوية وتحدياتها أقوى الاسئلة .

 

المصدر: خاص