قرر البنك المركزي الأوروبي ، كما كان متوقعا، مواصلة سياسته النقدية القائمة على التدخل المكثف في الأسواق، وبات الخبراء يترقبون الآن أدنى ليونة في الخطاب قد تؤشر إلى تغيير في الوجهة.
وأبقى مجلس حكام البنك المركزي الأوروبي أمس الخميس على معدلات الفائدة الرئيسية التي تسجل منذ عام أدنى مستوياتها التاريخية، كما أبقى على برنامجه واسع النطاق لإعادة شراء ديون، الذي باشر تطبيقه في مارس/آذار 2015، حسبما أعلن متحدث باسم المؤسسة المالية الأوروبية.
وأعلن ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، خلال مؤتمر صحافي عقده في فرانكفورت أن الانتعاش الاقتصادي في منطقة اليورو «يزداد متانة»، مشيرا في الوقت نفسه إلى وجوب أن يستمر التضخم بشكل ثابت. وقال «الأرقام المتوافرة منذ مارس تؤكد أن الانتعاش الاقتصادي الدوري في منطقة اليورو يزداد متانة».
وكان دراغي ورئيس قسم الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي بيتر بريت شددا في الأسابيع الماضية على المخاطر التي تحدق باقتصاد منطقة اليورو، على خلفية المخاوف من اعتماد الولايات المتحدة سياسة حمائية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود الحركات الشعبوية في أوروبا.
إلا أن بونوا كوريه، العضو في مجلس إدارة البنك، اعتبر أن ثمة ما «يوازن» المخاطر بشكل وافر، مشيرا إلى إمكانية تطبيع السياسة النقدية للمؤسسة قريبا.ومن غير المتوقع أن يقدم ماريو دراغي تعهدات «للصقور» المؤيدين لسياسة نقدية أكثر صرامة، مذكرا بأن الظروف من أجل عودة التضخم إلى المستوى المطلوب بصورة دائمة لم تتوافر بعد.
وفي إطار برنامج إعادة شراء الديون، يقوم البنك منذ مطلع أبريل/نيسان بشراء ديون، هي بصورة رئيسية ديون عامة، بقيمة 60 مليار يورو شهريا، مقابل 80 مليار يورو سابقا.
واشترى البنك المركزي منذ البدء بهذه الخطة عام 2015 ما يزيد عن 1500 مليار يورو من سندات الدولة، و 80 مليار يورو من سندات القطاع الخاص، على أمل أن تسمح هذه السيولة التي يضخها في السوق بدعم الانتعاش الاقتصادي.
كما وعد البنك المركزي الأوروبي بإبقاء أدواته التقليدية، أي معدلات الفائدة، عند مستوياتها المتدنية جدا لفترة طويلة، وهو لا يعتزم تغييرها قبل انتهاء برنامج إعادة شراء الديون.
إلا أن عددا متزايدا من المراقبين، ولا سيما في ألمانيا، يخشون من مخاطر هذه السياسة على المدى البعيد، ويدعون المؤسسة المالية إلى الحد منها، خصوصا وأن الأسعار عاودت الارتفاع بشكل واضح في الأشهر الأخيرة.
إلا أن التضخم في منطقة اليورو تراجع مجددا في مارس إلى 1.5% بالمقارنة مع نسبة 2% المسجلة في الشهر السابق، والتي كانت مطابقة لهدف البنك المركزي الأوروبي المتوسط الأمد، القاضي بتحقيق ارتفاع في أسعار الاستهلاك أقل بقليل من 2%.
وكانت معاودة الاسعار ارتفاعها حتى فبراير/شباط مرتبطة بشكل أساسي بأسعار الطاقة، التي تراجعت عام 2015 على خلفية انهيار اسعار النفط. إلا أن خبراء الاقتصاد أشاروا إلى أن هذا التأثير تبدد منذ ذلك الحين.
وكان ماريو دراغي أكد مرة جديدة مؤخرا، خلال الاجتماع الربيعي لصندوق النقد الدولي في واشنطن، أن البنك المركزي الأوروبي مستعد لتكثيف سياسة شراء الديون مرة جديدة «في حال تدهور الظروف مستقبلا، أو إذا حالت الأوضاع المالية دون التقدم نحو وتيرة متواصلة للتضخم»، مشددا على أن دعم البنك المركزي الأوروبي «مطلوب على الدوام».
ويدعو بعض أعضاء المجلس ولا سيما رئيس البنك المركزي الألماني ينس فايدمان إلى أن تكيف الهيئة المالية على وجه السرعة خطابها في مواجهة آخر تطورات التضخم والانتعاش الاقتصادي المسجل في منطقة اليورو.
ويترقب الخبراء الكثير من اجتماع يونيو/حزيران، حيث قد يعمد البنك المركزي إلى تخفيض نبرته على أساس توقعات التضخم والنمو الجديدة لمنطقة اليورو.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية