حقق المرشح المستقل للرئاسة الفرنسية “إيمانويل ماكرون” زعيم حركة “الى الأمام” ما عجز عنه كثيرون على مدى 60 عاماً، فهو الوحيد الذي تمكن من قلب الطاولة على الأحزاب التقليدية في فرنسا “اليمين واليسار” ليحقق خرقاً كبيراً من شأنه تبديل الصورة المعروفة عن السياسية في فرنسا منذ سنوات.
احتل ماكرون المركز الأول في الدورة الأولى من الإنتخابات حاصدا 23.9% من أصوات الناخبين الفرنسيين، فيما حلّت زعيمة “الجبهة الوطنية” اليمينية المتطرفة مارين لوبان ثانية وبفارق بسيط عن ماكرون بـ21.4% من اجمالي أصوات الناخبين، لينتقلا معا الى جولة ثانية حاسمة تقام في السابع من ايار/مايو المقبل، ويصبح الفائز فيها رئيسا لفرنسا. ويبدو أنّ الفضائح المالية التي طالت مرشح اليمين فرانسوا فيون أثّرت عليه بشكل كبير فلم يحصل على اكثر من 19.9% من الأصوات ليحلّ ثالثاً، ليكون المركز الرابع من نصيب المرشح الاشتراكي الراديكالي جان لوك ميلانشون بـ19.6%، ومرشح اليسار التقليدي بنوا هاموند اكتفى بـ6.3% في مؤشر خطير جداً على الحالة الصعبة التي يعيشها الحزب الاشتراكي في هذه المرحلة بعد الاخفاقات الكبيرة التي شهدها عهد الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، وحالة التشرذم في صفوف الحزب.
رجل المسار السياسي والاقتصادي
وصول ماكرون الى الدورة الثانيّة لاقى ردود فعل إيجابية وداعمة من مختلف الأطراف في الداخل الفرنسي كما في الخارج، فهنأ الاتحاد الأوروبي وألمانيا على لسان وزير خارجيتها والمتحدث باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ماكرون بإنجازه، متمنيا له التوفيق في الجولة الثانية. كما أعلن وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال أنه “واثق” من فوز المرشح المستقل إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا، وقال بأنه سيكتسح في الدورة الثانية اليمين المتطرف والشعبوية اليمينية والمناهضين لأوروبا”.
ومن جهته حث المرشح المحافظ فرانسوا فيون الناخبين على تأييد إيمانويل ماكرون قائلا إن مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف ستجعل فرنسا تفلس إذا فازت في الانتخابات، كما طالب مرشح اليسار بونوا هاموند أنصاره بالاقتراع لصالح ماكرون في الجولة الثانية من الإنتخابات.
ومن خلال كل هذا الدعم للمرشح المستقل، يبدو ان الجميع يرى في ماكرون ويريده ان يكون رجل المسار السياسي والاقتصادي لفرنسا في المرحلة المقبلة، على اعتبار انه لم يطالب في اي يوم بخروج فرنسا من الاتحاد الاوروبي، كما انه لم يتبنى أي افكار تدعو الى “الإنعزال” عن الاوروبيين، بعكس ما تنادي به مرشحة اليمين المتطرف “مارين لوبان”، والتي تضع على رأس اولوياتها الخروج من الاتحاد الاوروبي ووضع قواعد جديدة وصارمة للهجرة. فالظاهر من كل هذه التطورات الدراماتيكية ان ماكرون هو الرجل المطلوب لدور فرنسا الجديد، ففي الداخل الجميع يريد رؤية جديدة واشخاص جدد بعد أن أصيبت الاحزاب التقليدية بالعقم السياسي بدرجة معيّنة، فيما لا يحتمل اي أحد من الاوروبيين أن يأتي رئيس في فرنسا ينادي بالخروج من الاتحاد الاوروبي، والتخلي عن العملة الموحدة داخل الاتحاد، لأن ما حصل في بريطانيا اذا ما تكرر في فرنسا فإن الاتحاد لن يكون بعدها قادرا على الصمود.
الناخب الفرنسي يريد التغيير
لا يختلف اثنان على الدعم الكبير الذي يحظى به ماكرون على حساب لوبان، ولكن اللافت أن الناخب الفرنسي اعطى المرشح الوسطي الفرصة للوصول الى الرئاسة، رغم ان ماكرون نفسه هو عراب الخطة الاقتصادية التي طرحها الرئيس فرانسوا هولاند، والتي اعطت تحفيزات كبيرة للمؤسسات الاستثمارية الكبيرة على حساب العاملين. فحظيت بموجب هذه الخطة المؤسسات الكبيرة بتخفيضات وتحفيزات على حساب العاملين. فماكرون عندما كان مساعدا للرئيس وبعدها وزيرا للاقتصاد في فرنسا كانت كل خططه والمشاريع التي طرحها تدعم المؤسسات الكبيرة وليس العمال، ويرى البعض في هذا الأمر مفارقة كبيرة، كما عزا البعض هذا الامر الى ان الناخب الفرنسي يشعر بحالة احباط كبيرة جدا من اليمين واليسار على السواء لذا اختار التغيير رغم كل التحديّات التي يمكن أن تواجهه.
المصدر: موقع المنار