منذ أن دخلت الولايات المتحدة الامريكية بثقلها العسكري في الميدان السوري قبل أيام، تبدل المشهد بصورة كبيرة، وارتفعت حدّة الكباش السياسي وسط تلويح بضربات عسكرية جديدة من هنا وهناك. هذه التطورات الحاصلة في سوريا ومن ورائها في الدوائر الدولية والاقليميّة المتعلقة بالأزمة تبشر بمزيد من التوتر والتصعيد المتبادل.
حتى هذه اللحظة لم تنجح الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بشكل حقيقي وفعال في فرض اجندتها بعد العدوان الامريكي على سوريا، وبعد هذه الضربة أيضا تحاول واشنطن جاهدة العمل على ايجاد شرخ بين روسيا وحلفائها في المنطقة وعلى وجه التحديد “إيران”، بغية فرض نفوذها بشكل أكبر على الساحة السورية ووضع ضغوط أكبر على موسكو. فواشنطن تعلم تمام المعرفة أن اي محاولات ضغط على ايران للابتعاد عن الرئيس السوري بشار الاسد كمن يحاول البحث عن ماء في سراب، لذلك تلجا اليوم للضغط على روسيا والتي لن تكون بوارد خسارة كل ما عملت عليه خلال سنوات في سوريا وتقديم كل شيء على طبق من ذهب لواشنطن، – ولكن لا باس من محاولة يقول الامريكي – . فاللهجة الامريكية تبدوا واضحة وصريحة كما الأداء المتبع منذ أيام، وهو ما ظهر في كلام رئيس الدبلوماسية الامريكية ركس تيلرسون الذي خيّر موسكو على هامش قمّة الدول السبع في ايطاليا بين واشنطن من جهة أو الرئيس السوري بشار الاسد وايران وحزب الله من جهة أخرى، معتبرا ان موسكو ربطت نفسها بتحالف مع الاسد غير جدير بالثقة على حد تعبيره. كما أن زيارة تيلرسون الى موسكو لن تكون في مضمونها ورسائلها بعيدة عن مطالبات واشنطن لموسكو بالابتعاد عن الرئيس السوري وايران.
ولا تبدو واشنطن وحيدة في محاولات حشرها لموسكو بهدف اخراجها، فالمواقف الاوروبية وعلى راسها الفرنسية والالمانية تأتي متطابقة مع واشنطن من حيث دعوة موسكو لدعم العملية السياسية من أجل تسوية سلمية في سوريا والتعاون مع المجتمع الدولي. ولكن كل محاولات الحشر والتضييق والضغط التي تمارس على موسكو، ازاء خيارات واشنطن وتوجهاتها بعد العدوان على سوريا تبدو في العين الروسية ضمن مخطط تحاول الولايات المتحدة الامريكية من خلاله تحقيق مكاسب أكبر في سوريا، فيلوح البيت الابيض بالقيام بضربات عسكرية جديدة، في وقت يعود الكلام في السر والعلن عن رغبة أمريكية بالسيطرة على مناطق على الحدود الاردنية تمتد لتصل الى وسط سوريا، وهي تعمل على هذا الامر وبدأت باستقدام تعزيزات عسكرية كبيرة على مناطق قريبة من المتوسط، والى الاردن ايضا. وظهرت اليقظة الروسية بشكل حاسم في كلام الرئيس فلاديمير بوتين الذي اعتبر ان ما تحاول امريكا القيام به اليوم شبيه بما حصل في العراق عام 2003 عندما بدأت القوات الامريكية حملتها على بغداد، وكشف بوتين عن مخططات يحضر لها ستستخدم خلالها الاسلحة الكيميائية في منطقة دمشق ليتهم النظام بها، وتؤخذ كمبرر لهجمات جديدة على سوريا.
واشنطن ترفع السقف مستخدمة لغة التهديد والوعيد، وموسكو تبدو يقظة من الهجمة الامريكية على سوريا بعد أن تنحى التركي جانبا، وبالتالي فإن الكباش الحاد سيستمر وربما يصل الى مكان تكون فيه القطيعة الدبلوماسية بين الامريكي والروسي إذا ما واصلت واشنطن هجومها وفشلت زيارة تيلرسون الى موسكو وسقطت اوراقه “المسمومة” التي يحاول توزيعها لتحصيل مكاسب كبيرة على الساحة السورية.
الوضع حاد وحرج للغاية، واللقاءات مستمرة الى حين وربما الى ما هو ابعد، كما أن وزراء خارجية كل من سوريا وايران سيصلون بعد ايام الى الساحة الحمراء في روسيا للبحث في آخر التطورات، والوقوف على ما يريده الامريكي في هذه المرحلة، لتبقى الامور مفتوحة على كل الاحتمالات…
المصدر: موقع المنار