هاني قاسم – صحيفة “الثبات”
لعبت الفتنة المذهبية دوراً بارزاً في الأزمات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط واستطاعت أن تصرف الصراع عن وجهته الأساس فلسطين، التي احتلها اليهود على مراحل، ثم أعلنوا “دولتهم” في أراضي العام الـ48 بموجب “وعد بلفور” المشؤوم، الذي استند إلى “وثيقة كامبل”.
اعتمدت أميركا ومعها “إسرائيل” أسلوب الفتنة المذهبية من أجل مواجهة إيران التي حملت راية تحرير فلسطين وإزالة “إسرائيل” من الوجود، ودعم المقاومة الإسلامية في لبنان، التي هزمت “إسرائيل” بانسحابها من لبنان عام 2000م، وبعدوان تموز 2006، ودعم فصائل المقاومة الفلسطينية.
كانت الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الأداة الرئيسة في مشروع الفتنة، وكانت تروّج في حربها ضد إيران بأنها لـ”الدفاع عن السُّنة في مواجهة الاعتداء الشيعي”، وأن حربها في سورية واليمن ولبنان تأتي في هذا السياق، فعملت على تضليل الراي العام الإسلامي لكي يلتفّ حولها، وللتعمية على طبيعة هذا الصراع.
وهنا نسأل: لماذا تحارب السعودية إيران وسورية وحزب الله؟ هل هم من قام بارتكاب المجازر ضد السُّنة والشيعة وهدموا دور العبادة، أم “داعش” و”القاعدة” اللتان تنتميان إلى الفكر الوهابي التكفيري، الذي نشأ وترعرع في السعودية ودول الخليج، وتم دعمهما في الحرب ضد إيران ومحور الممانعة؟
لماذا طلبت السعودية من “إسرائيل” في العام 2008 إعلان الحرب على حزب الله في لبنان، واستعدادها لتغطية تكاليف هذه الحرب؟ هل هذا الأمر كان جراء دفاعه عن فلسطين ذات الأغلبية السُّنية؟ وما الذي فعلته إيران للسعودية كي تعلن الحرب عليها؟ هل لأنها حملت مشروع تحرير فلسطين وتوحيد الأمة، أم أن السبب الحقيقي كان خوف زعماء هذه الدول من افتضاح أمرهم، لأنه مشروع تحرير فلسطين لم يكن همهم؟
حماس هذه الدول اقتصرعلى المؤتمرات وإدانة الاعتداءات “الإسرائيلية”، ولم يكن يعنيهم قتال “إسرائيل” كما يعنيهم اليوم القتال ضد سورية وإيران واليمن، وهي جزء من الأمة الإسلامية، لأن حقيقة الأمر والوقائع يؤكدون أن السعودية وحلفاءها من العرب لم يكونوا أعداء لـ”إسرائيل”، وهو ما تلمّسناه من خلال ما نُشر في وسائل الإعلام والوثائق السرية التي أعلنتها “وكيليكس” والتقارير السرية التي أفرجت عنها أميركا و”إسرائيل”، ومنها:
1- الزيارة السرية للأمير بندر بن سلطان إلى فلسطين المحتلة بتاريخ 12 أيار/مايو 2008 (موقع فيلكا “الإسرائيلي”).
2- قرار مجلس الوزراء السعودي رقم (5) المؤرَّخ بـ13 يونيو 1995، والمتعلّق بإيقاف مقاطعة “إسرائيل” من الدرجة الثانية والثالثة، والاكتفاء فقط بالدرجة الأولى.
3- لقاء وزير الخارجية السعودي مع داني إيالون على هامش مؤتمر للأمن في مدينة ميونخ الألمانية عام 2010.
4- المناظرة بين عاموس يادلين وتركي الفيصل حول ما تمثّله إيران من خطورة للدولتين.
5- لقاءات سعودية – “إسرائيلية” سريّة بين أنور ماجد عشقي والمدير العام لوزارة الخارجية “الإسرائيلية” دوري غولد.
6- أول لقاء قطري – “إسرائيلي” علني تم مع شمعون بيريز، الذي افتتح المكتب التجاري “الإسرائيلي” في الدوحة عام 1996.
هذه اللقاءت وغيرها مما ورد أو لم يرد في وسائل الإعلام، والتي كان تركيزها على الخطر الإيراني وكيفية مواجهته، تدل على أن الصراع لم يكن مذهبياً وحول “اعتداء الشيعة على السُّنة” كما خططت له أميركا و”إسرائيل” وروّجت له السعودية، بل بسبب تبنّي إيران لمشروع توحيد الأمة وتحرير فلسطين، والذي أصبح يشكّل خطراً كبيراً على المشروع الأميركي في المنطقة، وعلى “دولة إسرائيل”، التي أصبحت تخاف من تعاظم قوة حزب الله، وعلى الزعماء العرب بعد افتضاح أمرهم أمام شعوبهم، لأنهم لم يكن لديهم مشروع لقتال “إسرائيل” وتحرير فلسطين، بل كان همهم الوحيد الحفاظ على مصالحهم الذاتية، ولو أدى ذلك إلى تفتيت المنطقة والاستيلاء على ثرواتها.