كـ”قصة إبريق الزيت” ما تزال “أزمة” قانون الانتخاب في لبنان تراوح مكانها، فلا بوادر فعلية للتقدم على خط التفاهم حول القانون العتيد ولا مؤشرات توحي بأن اقراره بات مهمة مستحيلة، وككل شيء في لبنان فإن الحلول البسيطة في اي بلد تمسي مهمات في غاية التعقيد وتحتاج الى جولات وجولات من النقاش والحوار والاخذ والرد بما يوصل الناس الى حافة اليأس حتى يرضخوا للقبول بأي حل دون نقاش او جدال في نوعيته وصلاحيته للوطن والمواطن.
ولكن الاكيد ان المهل الدستورية لا تنتظر أحدا، وقد تجاوزت الخطوط الحمر مع دخول الربيع وقرب موعد الانتخابات، مواعيد ومهل يراهن عليها البعض لتطيير القانون الجديد او ربما الانتخابات كلها والسير باتجاه التمديد او الدخول في الفراغ الذي تحذر منه قيادات لبنانية وازنة وتدعو للتحرك بكل جدية وسرعة للخروج من دوامة المراوحة والبحث عن قانون جديد للانتخاب.
لا للتمديد لا للفراغ.. النسبية هل الحل
ففي المواقف السياسية لمختلف الاطراف، يؤكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفضه التمديد لمجلس النواب كما يرفض العودة الى القانون النافذ، ويؤكد فريق سياسي وازن قرب التوصل الى قانون جديد يعتمد النسبية مع قبول فئة لبنانية كانت حتى الأمس القريب تضع “الفيتو” المطلق على اي قانون يعتمد النسبية، في حين هناك من يراهن على اقرار القانون المختلط بينما يراهن كُثر على العودة الى “قانون الستين”، وهذا الرهان يعتمد بشكل كبير على اضاعة الوقت ودخول موعد الانتخابات بدون حصول توافق على قانون جديد.
وأمام كل هذه الاحتمالات التي ما تزال مفتوحة على كل شيء من دون الحسم باتجاه اي خيار، ألا يجب على اي من المؤسسات الدستورية التحرك بعيدا عن التجاذبات السياسية؟ خاصة انه يجب الاستفادة اليوم من وجود رئاسات ثلاث تعمل وفق الدستور وبدون عوائق سياسية تذكر، أليس الاجدر على الرئاسة الاولى التدخل ومراسلة مجلس النواب بخصوص قانون الانتخاب او طرح الموضوع بصورة عاجلة في مجلس الوزراء؟ أليس الجدير بمجلس النواب البحث بأي مشروع لقانون انتخاب جديد؟ أليس من واجب الحكومة الخوض والبحث في اقتراحات قوانين جديدة قد تقدم لمجلس النواب؟ ولماذا “تتلهى” الحكومة بملفات اخرى(على أهميتها) غير قانون الانتخاب؟
وهل هناك اولوية اليوم تتقدم على مسألة قانون جديد للانتخاب؟ وهل المسائل الخدماتية والضريبية وغيرها من الملفات لها الافضلية على قانون الانتخاب؟ وأيهما ينفع الشعب اللبناني اكثر: اقرار قانون انتخاب عادل يصحح التمثيل ويفعّل صوت المواطن في صندوقة الانتخاب ام فرض ضرائب جديدة والغوص في قطاعات “تالفة” بسبب افعال وممارسات الطبقة السياسية الحاكمة؟ وهل فعلا في لبنان سيتم اقرار قانون جديد؟ وهل سيكون هذا القانون الجديد على قدر التطلعات ام انه سيكون قانونا يقر بشكل “عاجل ومتسرع” يفصل على قياس بعض الاطراف وبالتالي تضيع الفائدة منه؟
وبالتزامن عقد مجلس النواب اللبناني جلسة مساءلة للحكومة عن عملها وما انجزته خلال الفترة الماضية منذ نيلها ثقة المجلس وحتى تاريخ الجلسة، وقانون الانتخاب كان من أبرز الحاضرين خاصة ان الحكومة الحالية التي يترأسها سعد الدين الحريري وتجمع مختلف الكتل السياسية والنيابية الكبرى في البلد(ورغم ما اشيع انها حكومة انتخابات بالدرجة الاولى)، لم تبادر حتى الساعة لفعل شيء على صعيد قانون الانتخاب، باستثناء بعض المبادرات بـ”المفرق” التي قدمت طروحات لم تصل حتى اللحظة الى الجواب النهائي للتوافق على اي منها.
النسبية باتت كالامر الواقع..
وحول ذلك أشارت مصادر مطلعة الى ان “مجمل الاطراف السياسية الاساسية وافقت على اقتراح الوزير جبران باسيل بشكله العام إلا انها قدمت بعض الملاحظات عليه وتنتظر إتمام التعديلات المنتظرة كي تسير به”، ولفتت الى ان “النسبية باتت كالامر الواقع بعد موافقة تيار المستقبل عليها ويبقى العمل للاتفاق على عدد وحجم الدوائر”، مرجحة ان “العمل يتجه نحو السير بالدوائر الكبرى فيما لو تعذر امكانية السير بلبنان كله دائرة انتخابية واحدة”.
وبخصوص الجلسة التشريعية لمساءلة الحكومة، ذكرت المصادر ان “الهدف الاساس من وراء هذه الجلسة هو محاولة اعادة البحث في قانون الانتخاب إلى السكة السليمة بعيدا عن متاهة المشاريع اللامتناهية التي تطرح على مدار الساعة وتكاد تدخل البلد في فراغ تشريعي لا تحمد عقباه”.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد أطلق حذر من ان “الذهاب الى الفراغ هو تطيير للبلد وأي تفكير لدى البعض أو استسهال لهذا الأمر يعني المزيد من السقوط والانهيار للمؤسسات”، وشدد على “ضرورة الإسراع في التوافق على قانون جديد للانتخاب اليوم قبل الغد”، منبها من “مغبة الاستمرار في حالة التخبط والمراوحة السائدة”.
ويبدو ان الرئيس بري يحاول الايحاء ان هناك في لبنان من الافرقاء من يراهن على عامل الوقت للاطاحة بالانتخابات او بأي فرصىة لاقرار قانون جديد للانتخاب، ما يعني ان هذا الفريق: إما انه يريد البحث عن تمديد جديد للمجلس النيابي وهو ما يرفضه غالبية اللبنانيين، وإما انه يريد العودة الى “قانون الستين” المعمول به حاليا باعتباره القانون النافذ الوحيد والصالح لاجراء الانتخابات على اساسه.
وكان اللافت الموقف الذي أطلقه مؤخرا رئيس الحكومة سعد الدين الحريري(رئيس تيار المستقبل) حيث قال “لا مشكلة لدينا بالنسبية الكاملة وحريصون على أن لا يحصل الفراغ وهذا الموضوع غير قابل للنقاش..”، علما ان على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الاثنين بند وحيد هو قانون الانتخاب، ما يبشر ان الملف وضع على السكة الصحيحة للحل، وهذا ما ستؤكده او تنفيه الايام القليلة المقبلة.
المصدر: موقع المنار