في مرسمه الخاص في منزله، في مدينة رام الله، في الضفة الغربية، يسابق الخطاط الفلسطيني، ساهر الكعبي، الزمن من أجل الانتهاء، قبل اختتام العام الجاري، من كتابة أول مصحف يحمل اسم «مصحف المسجد الأقصى».
مجهود شاق يبذله الكعبي (40 عاما)، الذي يعمل على خط المصحف الجديد لنحو 15 ساعة يوميا، لكنه لا يساوي حجم السعادة التي يشعر بها، وهو يخط بيده أول نسخة من مصحف يحمل اسم «الأقصى»؛ ليتذكر كل من يحملها واجبه تجاه هذا المسجد، والمدينة المقدسة، اللذين يرزحان تحت الاحتلال الصهيوني.
وحول ذلك يقول: «مصحف الأقصى، هو أول مصحف يحمل اسم المسجد، وأول مصحف يحمل اسم دولة فلسطين رمزياً، وسيكون سفيرا لهما حول العالم». ويضيف الرجل المنحدر من مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين، شمال الضفة الغربية: «أمضي نحو 15 ساعة يوميا في العمل، أكاد لا أخرج من منزلي، هذا العمل لا يحتمل الخطأ، أبذل جهدا كبيرا في ذلك».
لكن التحضيرات لهذا العمل العظيم استغرقت قرابة العام؛ وتضمن ذلك الحصول على الموافقات المطلوبة من الجهات الرسمية، إلى جانب شراء أحبار وأوراق وأقلام خاصة، وضبط أبعاد صفحة المصحف وفقا لحجم القلم.
إذ يستخدم الرجل ورقا خاصا تم استيراده من الخارج، بالتنسيق مع اللجنة الفلسطينية المشرفة على العمل.
ويقول عنه: «الورق المستخدم في النسخة الأصلية من المصحف تم جلبه من مدينة إسطنبول التركية بعد البحث عن مصادر ورق مناسب قادر على البقاء لفترات طويلة دون أن يتعرض للتلف بفعل عوامل الزمن».
أيضا، يستخدم الكعبي حبراً خاصاً تم استيراه من اليابان، وهو مصنوع يدويا من مواد طبيعية، وخال من المواد الكيميائية.
ويشير إلى أن عملية كتابة المصحف معقّدة، وتحتاج إلى مراعاة فنيات، وحسابات دقيقة ومعقدة. ويوضح أن كل صفحة من صفحات المصحف لا بد أن تحتوي على عدد محدد من الآيات حتى لا يزيد عدد صفحات المصحف أو يقل عن الحجم القياسي المعتمد للمصاحف وهو 604 صفحات؛ ما يتطلب من الخطاط الحفاظ على المسافات نفسها بين الكلمات دون ضغط، ومراعاة كثافة النص.
ويلفت إلى أن خط الصفحة الواحدة قد يستغرق أربع عشرة ساعة، وربما يحتاج تشكيل كلمة لخمس دقائق أو أكثر؛ فـ»العمل ليس عاديا، ولا النص كذلك».
ويضيف: «استخدم مسودات، قبل الكتابة على الورق المخطط، أحرص على أن يكون العمل متقناً».
ويكتب «الكعبي» المصحف على صفحات مساحتها إجمالا 70 سم طولاً و50 سم عرضاً، ومتن «الجزء المخصص لكتابة الآيات) مساحته 25 سم طولا، و24 سم عرضا، بينما تحتوي كل صفحة على 15 سطراً.
وحول الخط المستخدم في الكتابة، يقول الكعبي إنه يراعي كتابة المصحف بالرسم التوقيفي(العثماني)، كما كُتب في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان.
ويدرك الخطاط الفلسطيني تماما أهمية هذا العمل العظيم المكلّف به، ليس فقط لأن اسمه سيقترن به، إنما لما يمثله من إنجاز فلسطيني كبير، ورمز سيادي فلسطيني، أسوة بكل الدول العربية والإسلامية التي تنفق ملايين الدولارات لإنجاز مثل هذا العمل.
يقول الكعبي: «كل خطاط ومهني يبحث عن عمل يخلّد فيه اسمه، مصحف المسجد الأقصى سيخلّد اسمي، لكن الأهم أن اسم المسجد الأقصى سيرتبط به، وسيكون مصحفا خاصا لفلسطين يوزّع في العالم».
ويردف: «هذا مشروع وطني لفلسطين التي تحتوي على واحدة من أقدس المواقع الإسلامية في العالم». وشارف الكعبي على إنهاء ثمانية أجزاء من المصحف.
وبعد الانتهاء من مرحلة الكتابة، سيصار إلى عملية تدقيقه بشكل نهائي، قبل الانتقال إلى زخرفة المصحف وتذهيبه، ثم طباعته بأحجام مختلفة وتوزيعه. ومن المفترض، حسب الخطاط «مراجعة المصحف من خلال لجنة مراجعة المصحف في الأزهر في العاصمة المصرية القاهرة، وبتوجيهات مباشرة من شيخ الأزهر أحمد الطيب».
أيضا، من المفترض، حسب ما أعلن في حفل الانتهاء من المرحلة الأولى من المصحف في 2 مارس/ آذار الماضي، طباعة عشرات آلاف النسخ لتوزع في كل أنحاء العالم.
وشملت المرحلة الأولى الانتهاء من كتابة مقدمة المصحف، وتوقيع الرئيس الفلسطيني على الغلاف، والإعلان رسميا عن المشروع.
والكعبي درس الاقتصاد في جامعة القدس ببلدة أبو ديس، شرقي القدس، وحاصل على إجازة في فن الخط العربي على يد الخطاط العراقي الشهير، عباس البغدادي، في العام 2003.
المصدر: جريدة القدس العربي