جاءت القمة العربية في الاردن بخطاباتها ومعظم بيانها الختامي بمثابة تكرار تقليدي، وتناقض بين الخطاب والافعال. كانت كلمة الرئيس اللبناني ميشال عون في القمة علامة مضيئة جذبت انظار المتابعين وعبرت عن ضمير الشعوب العربية في الحوار ونبذ الخلافات ووقف نزيف الدم الذي لا يخدم القضايا المركزية وعلى رأسها فلسطين، وجاء سؤال الرئيس عون اللافت حول جدوى اشعال النيران في اكثر من دولة عندما سأل هل نحن نتقاتل من اجل تحرير فلسطين، وفي ذلك تعبير كبير عن حال الامة العربية التي تتعمد عدة دول فيها تاجيج النيران والحروب ومحاولات تغيير انظمة حكم.
بل ذكر الرئيس عون بان مواثيق الجامعة تحرم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة عربية او العمل على تغيير انظمتها وهو مايحدث للاسف في اكثر من منطقة عربية، بل تعدى عون ذلك الى طرح مساهمة لبنان في تقريب وجهات النظر بين المختلفين من العرب.
صحيفة الاخبار ذكرت انه في ما خص المقررات التي صدرت عن القمة حول “التضامن مع لبنان ودعمه”، وفي خمس أوراق تضم تسع نقاط، وافقت الدول العربية على رؤية لبنان السياسية والاقتصادية. من أهم ما جاء فيها “التأكيد وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي، وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً”.
في ما عدا حضور الرئيس عون وكلمته المتقدمة وما حصل في موضوع بند التضامن مع لبنان، فإن القمة بمعظم خطاباتها ومعظم بيانها الختامي تراوحت ما بين المواقف العربية التي تكرر نفسها وما بين انفصال الخطابات عن الواقع والممارسة وهو ما يمكن تسجيل بعض الملاحظات ازاءه:
– يبدو ان العرب مصرون على الاختلاف حول قضايا تخدمهم وتخدم تطلعات شعوبهم ، بمقابل اتفاقهم ضمن تحالفات ومسميات عدة اذا كان الامر لا يخدمهم بل يخدم الانقسامات والتفتيت واستجلاب المزيد من التدخلات الغربية وهو ما يتناقض مع ما جاء في البيان الختامي للقمة لناحية القول ” اننا نرفض كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية وندين المحاولات الرامية إلى زعزعة الأمن وبث النعرات الطائفية والمذهبية أو تأجيج الصراعات “.
– ابدى البيان الختامي تاييده حل الدولتين في فلسطين المحتلة ضمن الخطاب المعروف المتعلق بما يسمى المبادرة العربية ولكن السؤال منذ عشرات السنين هل يريد الاحتلال الصهيوني السلام للفلسطينين وهو مستمر بالتنكيل والاستيطان بل هل يدعم العرب انفسهم الشعب الفلسطيني بوجه الاحتلال والانتهاكات في القدس والضفة بل الحصار في غزة الذي يستمر لسنوات دون ان يهتز شعور هؤلاء القادة، بل يسارع كثيرون منهم الى التطبيع والتعاون السري والعلني؟
– فيما يدعم البيان الختامي الجهود في العراق وسوريا ضد الارهاب فإن المطلوب من بعض الدول التي حضرت القمة وقف دعم الجماعات المتطرفة والدعم الفعلي لجهود السلام في سوريا والحل السياسي وعدم عرقلته او رفع السقوف في المفاوضات بما يطيل امد الازمة.
– فيما ساند البيان الختامي ما سماه “جهود التحالف العربي دعم الشرعية في اليمن” ، فالمفارقة انه تحدث عن الحرص على استقلال اليمن ووحدته ومنع التدخل في شؤونه الداخلية، في وقت يستمر التدخل الخليجي في الشؤون اليمنية ضد ارادة الشعب بل تقصفه الطائرات ويستمر حصار وتجويع شعبه لعامين.
– يتقاعس العرب بل يتآمر بعضهم في ما خص فلسطين وسوريا واليمن وغيرها، وفي اي موضوع يتقاعسون فيه او يعجزون عن فرض ارادة بوجه ارادة شعبية يوجهون الاتهامات لايران بالتدخل في الشؤون العربية، بحيث اصبح الموضوع الايراني شماعة يعلقون عليها عجزهم او عملهم لصالح اجندات مرسومة خارجيا بينما المطلوب الحوار فيما بينهم والحوار مع ايران ايضا.
– في الموضوع السوري وبينما عجزت تدخلات بعض الدول في فرض ارادة غربية واقليمية ضد الشعب السوري فإن البيان لم يهاجم القيادة السورية الحالية في ما يشبه رضوخا لأمر واقع، وابدى دعم مفاوضات جنيف واستانا وقال ان “لا حل عسكريا للأزمة، ولا سبيل لوقف نزيف الدم إلا عبر التوصل إلى تسوية سلمية”، لكن تبقى العبرة في جدية الافعال.
المصدر: موقع المنار