تصحيح وضعيات النوم والإنحناء، وتفادي بعض العادات السيئة كالبقاء جالسا أو واقفا لمدة طويلة، علاوة على تجنب الضغط والمحافظة على نظام غذائي صحي، تعتبر من الوصفات السحرية والمذهلة لتفادي آلام الظهر، هذه الأعراض التي يمكن أن تتحول – عند الإستهانة بها – إلى أوجاع في العمود الفقري.
آلام الظهر، أو “مرض القرن” كما يحلو للمختصين تسميته، اختبرها الجميع تقريبا بلا استثناء، شبابا كانوا أم مسنّين، وهي خليط من أعراض الإضطرابات العضلية الهيكلية، أو اضطرابات الفقرات القطنية، وغالبا ما تكون حادة ومزمنة، ولهذا، فإن الحدّ منها يتطلّب الكثير من العناية والإهتمام بعادات الأكل وحركة الجسم وبالمزاج أيضا عبر الهروب من كافة أسباب التوتر والضغوط الحياتية.
دراسة فرنسية أجرتها شركة “فكسيم” شملت عيّنة تضم 1009 فرنسي ممثّلين لسكان البلاد فوق الـ18 عاما، ونشرت نتائجها صحيفة “20 دقيقة” المحلية أظهرت أن 84% من الشباب ممن تتراوح أعمارهم من 18 إلى 24 عاما، قالوا إنهم عانوا من آلام الظهر.
ورغم أن آلام الظهر تنمّ عن وجود خلل ما قابل للتطوّر السريع، إلا أن الدراسة وجدت أن ثلث هؤلاء الشباب الذين اختبروها إما بشكل شبه دائم (25%)، أو من وقت لآخر (37%) يبدون تجاهلا غريبا إزاءها، وهو ما يعتبر تقريبا ردّ فعل معظم الناس في مختلف أرجاء العالم.
فالكثير من الناس لا يهتمون كثيرا بهذه الآلام ويعتبرونها عرضية وناجمة عن الإرهاق أو التعب أو عن حركة خاطئة، ولا يدركون أنها قادرة على تعطيل حياتهم بأكملها.
الدراسة نفسها خلصت إلى أنّ 30% من آلام الظهر الحادّة تصبح مزمنة بمرور الوقت؛ ولذلك فإن الإهتمام بتلك الأوجاع – التي تبدأ خفيفة – له أهمية قصوى في منع تطورها.
تيفان كيناك، الطبيب الجرّاح بـ”المعهد الباريسي لعلاج آلام الظهر”، يقول معقبا عن الموضوع، إن “الجميع يشعرون بآلام الظهر، ولهذا قد يبدو الأمر عاديا للكثيرين ولا يخصصون وقتا للعلاج”، خصوصا حين لا يكونون على دراية بوجود العلاج الطبيعي.
أما أخصائية العلاج الطبيعي لآلام الظهر، صوفي جاكو، فأوصت بـ”ضرورة أن يتحرّك الناس لمواجهة هذه الآلام كمسؤولين وليسوا كضحايا، والشباب يقضون ساعات طوال متسمّرين أمام حواسيبهم، وهذا الانحناء يتسبب في آلام غالبا ما تسوء بشكل سريع، قبل أن تنتشر في مختلف أنحاء الجسم”؛ لذلك فإن تعلم الطريقة الصحيحة للجلوس يساعد في الوقاية من آلام الظهر خاصة إذا كانت المواجهة مبكرة بين سن 20 إلى 40 عاما.
الجراح كيناك عاد، من جهته، ليحذّر من أنه “كلما كانت العناية بتلك الآلام مبكّرة كلما ارتفعت نسبة النجاح في السيطرة عليها، عادة ما نستقبل إما أشخاصا بلغوا مرحلة متقدّمة جدا من المرض، أو بعد 3 أو 4 سنوات من الأوجاع”.
وتابع كيناك: “حين تشعرون بألم أسفل الظهر يتواصل ويتكرر لأكثر من 10 أيام، عندها ينبغي بالضرورة استشارة الطبيب”، وليس ذلك فقط، وإنما هناك مؤشر آخر، وهو حين تعجزون عن الجلوس لأكثر من ربع ساعة.
الدراسة أشارت إلى أن هذه الآلام ناجمة في معظم الأحيان عن وضعيات الجلوس والإنحناء غير الملائمة (46%)، والتوتر والضغوط الحياتية (13%)، ونوعية الطعام (7%).
وحسب كيناك، فإن “البقاء في وضعية الجلوس لمدة 8 ساعات في اليوم، سواء للدراسة أو العمل، يعتبر أمرا كارثيا بالنسبة لظهر الإنسان؛ لأن ذلك يطرح خطر فقدان جزء من الكتلة العضلية للجسم، إذ يكفي تصور أن عضلات الظهر والبطن تعد بمثابة الدعامة الداخلية التي تحافظ على استقامة الظهر.
الجراح استعرض التدابير التي أقرتها البلدان الاسكندنافية، والتي تقترح على عمالها وموظفيها اعتماد وضعيات الجلوس والوقوف، من ذلك عقد الاجتماعات وقوفا، علاوة على القيام بتمارين “بيلاتيس” للياقة البدنية والنصائح وغيره، تفاديا لـ”تصلب الشرايين الناجم عن الانحناء لمدة طويلة”.
ولأن الانحناء يعتبر “مهد الألم”، دعت أخصائية العلاج الطبيعي صوفي جاكو إلى الحرص على تطبيق وضعيات الوقوف والجلوس والانحناء الصحيحة؛ أي الحفاظ على الظهر مستقيما.
وبالنسبة للأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة في العمل أو الدراسة، فإن ممارسة الرياضة يعتبر آفضل علاج وقائي من آلام الظهر، وإن كنتم تعانون في الأصل من آلام الظهر، يفضل البدء برياضة السباحة أو المشي، بدل التنس أوالغولف.
جاكو أوصت أيضا بأن يحرص الناس الذين يرتادون قاعات الجيم بعدم استخدام آلات اللياقة البدنية لوحدهم؛ لأن ذلك قد يعطيهم نتائج عكسية، ويفاقم من آلامهم، وأن يستنجدوا بمساعدة مدرب.
كيناك من جهته لفت إلى أمر آخر بغاية الأهمية وهو أن زيادة الوزن يجعل آلام الظهر آكثر حدة؛ لأن دهون البطن تثقل الظهر، وتزيد من خطورة آلام الظهر، لكنه حذر، أيضا، من اتباع حمية غذائية صارمة لإنقاص الوزن بشكل سريع، والتي عادة ما تترافق بخسارة العضلات، كما حذر من التدخين.
وحسب الخبراء، فإن المدخنين معرضون أكثر من غيرهم لآلام الظهر المزمنة؛ لأن الألم الذي يستمر لأكثر من 12 أسبوعا مرتبط بنشاط زائد بالمنطقتين في الدماغ المسؤلتين عن الآلام، وهذا ما ثبت ارتباطه بالتدخين.
وأخيرا، ينصح المختصون بفراش ووسائد مريحة لتجنب تصلب عضلات الظهر، وضمان الحصول على وضعيات نوم ملائمة.
المصدر: وكالة الاناضول