إذا كان إقرار الموازنة في أي دولة يعتبر من البديهيات الأساسية في الاقتصاد والمالية العامة لتحديد النفقات وتوقع الواردات وتسهيل وضع سياسات اقتصادية على اساسها ، فإن البديهي في لبنان تحول الى امر نادر والاستثناء يقفز الى درجة القاعدة ، وهو حال الموازنة التي لم تقر منذ 12 عاما، ولكن هذا العام لم يكن كغيره إذ يتم بحث الموازنة وهي اقترب اقرارها ، لكن اية موازنة واية ضرائب؟
فإقرار الموازنة في بلد كلبنان له أهمية مضاعفة نظرا الى التحديات التي تبدأ عند العجز المالي ولا تنتهي عند الدين العام الضخم اضافة الى تراجع الاقتصادات المنتجة فيشكل اقرارها او يفترض ان يشكل ضابطا اوضح للنفقات والواردات، ولكن بفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة يدخل لبنان في نتائج سلبية متعددة منها الدخول في اتون ضرائب جديدة لتامين الواردات وهو نتاج الهدر وسياسات غير تحفيزية للنمو الاقتصادي وللقطاعات الانتاجية وتراجع الاستثمارات في القطاع الخاص وقطاع الخدمات.
وتنادي القطاعات العامة بموازاة ذلك بحقها منذ سنوات في سلسلة الرتب والرواتب والتي ايضا يتذرع المستوى السياسي بالحالة الاقتصادية والمالية في عدم اعطائها كاملة او كما يطالب اهلها بحيث ستكون ضمن الحد الاقصى الممكن بحسب ما يعتبرون بل يجري الحديث عن احتمال تقسيطها على سنتين بحجة تفادي تشكيلها ضغطا على الخزينة رغم ان ارقامها تم تخفيضها.
يقترب انتهاء درس الموازنة في مجلس الوزراء بعد ان بحثتها عدة جلسات ماراتونية، قبل احالتها للمجلس النيابي ، فما اهمية اقرار الموازنة في هذه الظروف وماذا عن تضمنيها ضرائب ورسوم تطال الطبقات ذات الدخل المحدود فيما المفترض ان تطال اصحاب المداخيل الخيالية من اشخاص ومؤسسات وشركات ومصارف ومستثمري الاملاك العامة ؟
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور حسن مقلد لموقع المنار ان “اقرار الموازنة هو بمثابة حصر جدي للنفقات والواردات في الدولة وان عودة الموازنة تؤشر الى انتظام عودة الدولة للعمل وهذا ما يشكل بديلا عن ما كان معتمدا على مدى 12 سنة أي القاعدة الاثني عشرية التي لا يكون فيها واضحا ماهية الانفاق وسلفات الخزينة ، والدليل رقم ال 11 مليار دولار الذي لا يوجد بشانه اي وثائق”.
لكنّ مقلد يعتبر ان “هناك اخضاعا لكل الشعب اللبناني لابتزاز بحيث انه مع غياب تسوية او محاسبة هناك فئة تشترط مبدأ “عفى الله عما مضى” لكي توافق على قَطع حساب وموازنة، وهذا ابتزاز حقيقي”. ويضيف ان “هناك ما يمكن اعتباره “ربط نزاع” حاليا لا يقول “عفى الله عما مضى” ويبقي الملف موجودا الى حين توفر ظروف سياسية لاعادة الاموال لان اكبر جريمة ان نتعاطى مع هكذا امور دون اي محاسبة ونتجاوزها بشكل متكرر”.
واذ يلفت ان “هناك عجزا ضخما ومتصاعدا في الموازنة يمثل حوالي 7800 مليار ليرة اي ما يقارب 30 بالمئة منها، وهذا مع سلسلة رتب وبدونها”، يشير ان ” المقترح المتفق عليه بخصوص الضرائب في الموازنة هو غير مريح لشرائح واسعة ما عدا ضريبتان فقط هما الضريبة على المصارف وعلى ارباح العقارات ولكن هناك قوى سياسية لا تزال غير قابلة بهما”.
ويشير مقلد الى ان “الضرائب على المصارف هي بالحقيقة تطبيق للقانون لان المصارف لم تكن تدفع الضرائب المطلوبة بالكامل وهذه الضرائب تبلغ لوحدها 760 مليار ليرة ولكنهم مصرون على ان يلغوا من ضريبتهم مساهمات المودعين، وكذلك فإن الضريبة على تحسين العقار بنسبة 15 % هي ضريبة عادلة . اما باقي الضرائب المقترحة مثل رفع رسوم السير والضريبة على القيمة المضافة ورسوم الطوابع وغيرها فهي تطال الغني والفقير على السواء وهو غير مقبول”.
ويلفت مقلد الى ان “هناك امكانات جدية في الدولة لتامين تمويل للموازنة دون فرض ضرائب على المواطن ، لكن هذا لا يتم تطبيقه وهو بحاجة “لارادة وادارة”.
اذاً بالمبدأ فإن فرض الضرائب على قطاعات تحظى بارباح طائلة او على فئات غنية هو امر حميد وطبيعي، اما ما يتم الحديث عنه من فرض ضرائب جديدة تطال فئات شعبية متوسطة وفقيرة لم تعد تحتمل اي ضريبة جديدة فهو سيكون اذا طُبق بمثابة كارثة جديدة على الشعب في وقت تطالب قطاعات واسعة بحقوقها وترهقها ضرائب سابقة وغلاء معيشة وتدن في القدرة الشرائية.
وسوء الانفاق وتكرر الهدر رافقه دوما فرض ضرائب تطال شرائح واسعة فهل هذا هو ما سيتم اعتماده مجددا وتحكم لعبة المصالح ام يتم الركون الى قاعدة الضرائب العادلة كمثل تلك التي ذكرها الخبير مقلد، بموازاة تخطيط اقتصادي سليم ووقف الهدر وتفلّت الانفاق بحيث لا يكون هناك حجج لضرب الحقوق وتحميل كاهل المواطن وجيوب الفقراء “الصغيرة” اعباء اضافية ونسيان تلك “الكبيرة” تحت عنوان تغطية النفقات والعجز و”السلسلة” وغيرها.
المصدر: موقع المنار